ملخص
رئيس الوزراء العراقي و"الإطار التنسيقي" نجحا في استغلال غياب المعارضة لحسم ملفات استراتيجية عالقة
تثير التحركات الأخيرة لحكومة الإطار التنسيقي للقوى الشيعية برئاسة محمد شياع السوداني عديداً من المخاوف تتعلق بمحاولتها استغلال غياب فاعلية المعارضة السياسية في العراق لحسم عدة ملفات استراتيجية عالقة منذ أكثر من عقد.
وتتصدر ملفات عدة قائمة القضايا التي تسعى حكومة السوداني إلى اتخاذ قرار فيها، خلال الدورة الحالية، لعل أبرزها ملف الربط السككي (السكك الحديد) مع إيران وترسيم الحدود مع الكويت وقانون النفط والغاز المؤجل منذ عام 2008، فضلاً عن محاولة حسم ملف المعارضة الكردية الإيرانية داخل الأراضي العراقية والمناطق المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كردستان.
وفي مطلع سبتمبر (أيلول) الجاري، أعلنت الحكومة العراقية وضع الحجر الأساس لمشروع الربط السككي مع إيران، والذي يربط إيران بمعبر الشلامجة في محافظة البصرة جنوب العراق.
وكثيراً ما أثارت تلك الملفات جدلاً واسعاً في الداخل العراقي، خصوصاً ما يتعلق بالربط السككي وترسيم الحدود وملف المناطق المتنازع عليها، إذ لم تتمكن كل الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 على حسم أي منها.
ويرى مراقبون أن التيارات الموالية لإيران تحاول استغلال غياب أية معارضة وازنة داخل البرلمان العراقي لإمرار تلك الملفات، إلا أن عديداً من العراقيل ربما تعرقل حسمها.
غايات الربط السككي
يثير تباين التصريحات بين العراق وإيران حول الغاية من وضع حجر الأساس لمشروع الربط السككي، تحفظ عديد من المراقبين الذين يرون أنه في حال خصص المشروع لنقل البضائع، فإنه سيؤثر في جدوى إنجاز ميناء الفاو الكبير وسيحرم بغداد من فوائد اقتصادية كبيرة، فضلاً عن أنه سيؤدي إلى تقويض أهمية منصاته المائية على الخليج العربي.
وفي حين تتمسك الحكومة العراقية بأن المشروع يهدف إلى نقل المسافرين فقط، تقول طهران إنه يمثل منطلقاً لربطها بالبحر الأبيض المتوسط.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي في تغريدة على منصة "إكس"، إن "الربط السككي عبر منفذ الشلامجة هو حلقة من حلقات متعددة لنقل المسافرين وزائري العتبات المقدسة، من المقرر أن تصل إلى محافظتي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة".
في المقابل، تحدث نائب الرئيس الإيراني محمد مخبر عن نية بلاده ربط أراضيها بالبحر الأبيض المتوسط عبر العراق، مشيراً إلى أن المشروع سيحدث قفزة في التبادل التجاري بين البلدين إلى حدود 30 مليار يورو (32.17 مليار دولار).
وأثار هذا التضارب في التصريحات بين الجانبين مخاوف المراقبين في شأن تأثيره في جدوى إنشاء ميناء الفاو، وهو ما دفع المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي إلى القول إن الحكومة أقدمت على المشروع بعد دراسة جدوى لضمان أمن البلاد الاقتصادي والسياسي.
فرصة لن تتكرر
ويعتقد مراقبون أن انسحاب التيار الصدري من المشهد السياسي في أغسطس (آب) 2021، وانحسار موجات التظاهر المناهضة للتيارات الموالية لإيران، وفرت جميعها فرصة مثالية لـ"الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" التكتل البرلماني الأكبر الموالي لإيران، لحسم عديد من الملفات الاستراتيجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد رئيس مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين أن "الإطار التنسيقي" يتعامل مع الحالة العراقية الحالية بمنطق "الفرصة السانحة" التي لن تتكرر، والتي تدفعه إلى محاولة "تمرير متبنياته على القرارات التنفيذية والتشريعية".
ويشير إلى أن تلك القوى نجحت حتى الآن في حسم عديد من القضايا الاستراتيجية لصالحها، لعل أبرزها إقرار الموازنات على مدار ثلاث سنوات والمصادقة على تنفيذ الربط السككي مع إيران، وهي قضايا أثارت جدلاً واسعاً، لافتاً إلى أنها "لن تتوقف عند هذا الحد، وستسعى إلى المضي نحو إنجاز ما يمكن إنجازه في الفترة المقبلة من قرارات تنفيذية أو تشريعية".
تعهدات "الإطار التنسيقي"
في مقابل ذلك، يعتقد مراقبون أن عديداً من الملفات التي تحاول حكومة السوداني حسمها ترتبط بالتعهدات التي قطعها "الإطار التنسيقي" للقوى الإقليمية والدولية للقبول بإمرار حكومة السوداني في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
ويقول الباحث في الشأن السياسي مصطفى ناصر، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن على رأس الملفات التي تطالب القوى الدولية بحسمها "ما يتعلق بإقليم كردستان، وملف العفو العام المتعلق بالجبهة السنية التي تشكو الهيمنة الشيعية، والتي يعتبرها بعض أهالي المناطق السنية ظالمة، فضلاً عن ملفات حماية حرية التعبير والصحافة".
وفي مقابل محاولات "الإطار التنسيقي" حسم معظم الملفات الاستراتيجية خلال فترة حكومة السوداني، يبدو الأخير "مكبلاً بتلك الإرادة السياسية"، إذ يشير ناصر إلى أن رئيس الحكومة "يبدو واقعاً تحت ضغط إرادات سياسية في البرلمان و(الإطار التنسيقي) تتحكم في خريطة مشاريع القوانين المدرجة في أجندة البرلمان بفصله التشريعي الجديد".
ويبين أن من أبرز مشاريع القوانين التي يعتزم البرلمان إمرارها خلال الفترة المقبلة ترتبط بـ"حرية التعبير والتظاهر السلمي"، مبيناً أن قوى "الإطار التنسيقي"، "تود إشهارها كسلاح بوجه المجتمع المدني، في حين تعطل تلك القوى مناقشة مسودة قانون حق الحصول على المعلومة الذي أرسلته الحكومة إلى البرلمان".
وتكشف تلك المعطيات، بحسب ناصر، عدم قدرة رئيس الحكومة على "الإيفاء بالتزاماته وتعهداته"، مبيناً أن "الإرادات السياسية لا تزال متحكمة بالمشهد وليس السوداني".
ويختم بأن الفترة الماضية أثبتت عدم قدرة السوداني على "التعارض مع الإرادة السياسية للقوى الموالية لإيران"، وهو ما يجعل من الحكومة الحالية "حبيسة ثلاث إرادات تتمثل بالكتل السياسية والمجتمع الدولي وطهران تدفعها إلى حسم تلك الملفات مبكراً".
تطبيق مواد دستورية
وفيما يسجل عديد من الباحثين مخاوفهم من حسم تلك الملفات، يرى آخرون أن حكومة السوداني في حال حسمها تلك الملفات ستسجل نجاحاً كبيراً لم يتحقق خلال كل الحكومات التي أعقبت الحرب الأميركية على العراق.
ويقول أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي، إن مساعي الحكومة العراقية في تحقيق تقدم غير مسبوق في مساعيها يمثل "إتماماً لرصانة التحالفات التي أدت إلى تشكيلها". ويضيف، "في حال نجحت وزارة السوداني في حسم تلك الملفات ستكون أول حكومة تنجح في تطبيق مواد دستورية أخفقت كل الحكومات المتعاقبة من حسمها".
وعلى رغم ذلك، يعتقد الفيلي أن جملة من الصعوبات ستواجه حسم الملفات الخمسة التي تسعى الحكومة إلى إنهائها، خصوصاً ما يتعلق بقانون النفط والغاز، مبيناً أن بعض القوى السياسية مدعومة من قوى إقليمية تعتقد أن إقرار القانون "ربما يعزز رغبة عديد من المحافظات للاستقلال، بخاصة أن القانون قد يدفع لتعزيز فكرة الفيدرالية في البلاد".
وفي شأن ملف المعارضة الكردية الإيرانية في العراق، يرى أنها تمثل "ورقة ضغط تستغلها إيران ضد إقليم كردستان وحكومة بغداد"، مردفاً أن "العمليات التي تشنها المعارضة الكردية تنطلق من داخل الحدود الإيرانية، لكن طهران تستغلها لتبرير ضرباتها للإقليم العراقي".
وأنهى رؤيته بالإشارة إلى أن ما يتعلق بملف ترسيم الحدود مع الكويت لا تتحمله حكومة السوداني، مشيراً إلى أنه سيخضع للمعالجة القانونية وما إذا كان القانون الدولي سيأخذ بقرار المحكمة الاتحادية.