ملخص
قبل أكثر من شهر من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، أظهرت بعض السلوكيات تراجع جو بايدن عن أداء دوره كرئيس للولايات المتحدة، مع غيابه عن أحداث دولية بارزة وزيادة ظهور ترمب في اللقاءات السياسية والإعلانات العامة.
ما زال هناك أكثر من شهر على موعد أداء الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب اليمين الدستورية وتولي مهامه رسمياً، لكن بعض السلوكات تشير إلى أن جو بايدن تراجع منذ الآن عن الاضطلاع بدوره رئيساً للولايات المتحدة.
فعندما التقى زعماء العالم في العاصمة الفرنسية خلال عطلة نهاية الأسبوع، للاحتفال بإعادة افتتاح "كاتدرائية نوتردام" الشهيرة، غاب الرئيس الأميركي الراهن عن الحدث، واقتصر تمثيل حكومة الولايات المتحدة على زوجته السيدة الأولى جيل بايدن. وعلى ما يبدو بقي الرئيس المنتهية ولايته في واشنطن، بسبب تضارب غير محدد في جدول مواعيده.
في غضون ذلك، ظهر دونالد ترمب - الذي لا يزال بموجب القانون مواطناً عادياً من دون أية سلطة رسمية حتى ظهر يوم التنصيب - مبتسماً في صور فوتوغرافية جمعته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقاء نظمه ماكرون.
هذا الحدث الذي أقيم في باريس، سلط الضوء بوضوح على انخفاض المشاركة العامة للرئيس الأميركي الراهن بايدن خلال الأسابيع التي عقبت الانتخابات قبل أكثر من شهر.
وكان بايدن غادر الولايات المتحدة بعد فترة وجيزة من فوز ترمب في الاستحقاق، في رحلة مدتها 10 أيام، قادته إلى دولتي البيرو والبرازيل حيث حضر قمتي "منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ" Asia-Pacific Economic Cooperation (APEC) و"مجموعة الـ20 " G20، وعقد اجتماعات مع مختلف زعماء العالم. ثم بعد عودة قصيرة إلى واشنطن وعطلة "عيد الشكر" في نانتوكيت -حيث أصدر عفواً رئاسياً شاملاً برأ نجله هانتر من عدد من التهم الفيدرالية- شرع بايدن في زيارة كان مخططاً لها منذ فترة طويلة لأنغولا، ليصبح أول رئيس أميركي يسافر إلى تلك القارة بعد باراك أوباما.
يشار إلى أن الرئيس بايدن لم يعقد مؤتمرات صحافية خلال أي من الرحلتين، وهو ما يخالف التقليد الشائع المتمثل في قيام الرؤساء الأميركيين بالرد على أسئلة المراسلين المسافرين أثناء وجوده في الخارج.
أما ترمب فتقدم لملء هذا الفراغ، وتحرك بسرعة لكشف النقاب عن اختياراته الرئيسة للموظفين، وأدلى بتصريحات حازمة حول مستقبل الولايات المتحدة والسياسات التي سيتبعها، من خلال منصته المفضلة "تروث سوشال" Truth Social. وأسفرت هذه التحركات عن بعض النتائج الملحوظة.
فعلى سبيل المثال، أدى تلويحه بفرض رسوم جمركية على الواردات والبضائع المستوردة من كل من كندا والمكسيك، إلى إجراء مناقشات فورية مع قادة البلدين، ليعلن على أثرها أن المحادثات كانت مثمرة. وفي الوقت نفسه، تميزت رحلته إلى باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي ماكرون، بحفل استقبال عادة ما يخصص لرؤساء الدول الذين يكونون رسمياً في المنصب.
خلال الانتفاضة التي قام بها المتمردون في سوريا، والتي استمرت أياماً عدة وانتهت بإطاحة نظام الديكتاتور بشار الأسد، سارع دونالد ترمب إلى الإعلان عن موقفه قبل الرئيس بايدن، عندما نشر عبر حسابه على "تروث سوشال" أن على الولايات المتحدة أن "تنأى بنفسها عن هذا الصراع وألا تتدخل فيه". أما بايدن فظل صامتاً حتى يوم الأحد، عندما بدا أن سقوط الأسد أصبح أمراً شبه مؤكد. وقد ألقى بياناً مقتضباً أمام كاميرات التلفزيون في الجناح الغربي، وطرح سؤالاً يتعلق بالصحافي أوستن تايس الذي يعتقد منذ فترة طويلة أنه محتجز في أحد سجون سوريا.
وامتنع بايدن عن التعليق على التعيينات التي اقترحها دونالد ترمب أو إبداء رأيه فيها، بما في ذلك تعيين كاش باتيل في منصب مدير "مكتب التحقيقات الفيدرالي" FBI، ومضيف قناة "فوكس نيوز" السابق بيت هيغسيث في منصب وزير الدفاع. لكن "ديمقراطيين" آخرين انتقدوا هذين الاختيارين، معتبرين أن الرئيس المنتخب يضع حسابات الثأر الشخصي فوق مصالح الوطن.
تجدر الإشارة إلى أنه خلف الكواليس، يتصدى فريق الرئيس الأميركي للادعاءات القائلة بأن أفعال بايدن -أو ترمب- تختلف عن سلوكات الرؤساء الأميركيين السابقين الذين انتهت ولايتهم أو الرؤساء المنتخبين. ومن الصحيح أنه ليس غريباً أن يلتقي الرؤساء المنتخبون بقادة دول آخرين أو يتواصلوا معهم، كما أنه ليس أمراً غير معتاد أن يصدروا قرارات تتعلق بالتعيينات أو السياسات.
وتؤكد مصادر مطلعة على وجهة نظر الرئيس المنتهية ولايته لـ"اندبندنت"، أن الرد المتحفظ بعض الشيء من جانب بايدن ينبع من رغبته العميقة في احترام نتائج الانتخابات التي أجريت الشهر الماضي، وهو الموقف الذي أكده مراراً عندما ضغط عليه الصحافيون.
ومن المفهوم أن بايدن يتصرف انطلاقاً من اقتناعه بأن ضمان انتقال السلطة بسلاسة أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، إلى جانب رغبته في أن يكون قدوة للأمة والعالم في ما يتعلق بطريقة التعامل مع هذا التحول في أعقاب الانتخابات، خصوصاً بعد الإنكار وأجواء العنف والاضطرابات التي أحاطت بمغادرة دونالد ترمب البيت الأبيض قبل أربعة أعوام.
ويشير مقربون من الرئيس الأميركي إلى أنه ينوي اعتماد نبرة أكثر حزماً في تسليط الضوء على إنجازاته وإرثه خلال الأسابيع المقبلة، ومن المقرر أن يلقي خطاباً رئيساً صباح الثلاثاء في "معهد بروكينغز" Brookings Institution (وهو مؤسسة فكرية مقرها في واشنطن العاصمة، تعد أبحاثاً وتقدم تحليلات حول قضايا الاقتصاد والحوكمة والسياسة الخارجية).
أحد المستشارين رأى في ردة الفعل اللاذعة من جانب "اللجنة الوطنية الديمقراطية" Democratic National Committee في ما يتعلق بالمرشحين الذين اقترحهم دونالد ترمب، إشارة إلى أن بايدن لا يزال يولي اهتماماً كبيراً بدوره زعيماً للحزب "الديمقراطي"، حتى خلال الأيام الأخيرة من رئاسته.
ومع ذلك، لا يزال هناك بعض الاستياء داخل الحزب في شأن النبرة التي تبناها خلال الأسابيع الأخيرة من ولايته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليد شهيد وهو استراتيجي تقدمي قال لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن صمت الرئيس بايدن النسبي حال دون تعريف الأميركيين بالخطر الحقيقي الذي تشكله اختيارات ترمب للأفراد الذين سيتولون المناصب العليا. وأوضح أن كثيراً من الأميركيين "لا يعرفون كاش باتيل، أو حتى من هو مات غايتز (المرشح لمنصب المدعي العام) أو تولسي غابارد (المرشحة لمنصب مديرة جهاز الاستخبارات الوطنية)"، مشيراً إلى أن بإمكانهم معرفة مزيد عنهم إذا ما استخدم الرئيس بايدن منبره المؤثر.
وأضاف أن "مفتاح جذب انتباه الرأي العام يكمن في التواصل المباشر مع الناخبين وتقديم تفسيرات واضحة لهم عن مجريات الأمور، مما ابتعد منه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى حد كبير".
ورأى استراتيجي آخر -فضل عدم الكشف عن اسمه نظراً إلى حساسية انتقاد الرئيس الراهن- أن بايدن يظهر الميل نفسه إلى "الامتناع عن الانتقام أو المواجهة" الذي تسبب في تقاعس حملة نائبة الرئيس كامالا هاريس عن الرد بقوة أكبر على إعلانات ترمب الهجومية خلال حملة الانتخابات.
لكن البيت الأبيض يدافع عن أسلوب بايدن ووتيرته، بما يتناسب ومتطلبات المرحلة الراهنة.
وفي هذا الإطار، أوضح النائب الأول للسكرتير الصحافي للبيت الأبيض أندرو بيتس في تصريح لـ"اندبندنت"، أن بايدن يحرص على أن يكون "كل يوم من ولايته ذا أهمية"، من خلال تسريع تنفيذ أجندة غير مسبوقة تهدف إلى استفادة الأميركيين الذين عملوا بجد لأجيال من الآتي: إعادة جلب التصنيع الأميركي إلى الوطن من الخارج، واتخاذ الإجراء الأكثر أهمية في التاريخ لمكافحة تغير المناخ، والتصدي لشركات الأدوية الكبرى لتمكين برنامج "ميديكير" الطبي Medicare (نظام تأمين صحي مصمم للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر، وبعض الأفراد ذوي الإعاقة) من التفاوض على خفض كلف الأدوية، وسن تشريعات مشتركة بين الحزبين لحماية المجتمعات من العنف المسلح، إلى جانب إصلاح البنية التحتية لبلادنا وتحديثها، إضافة إلى مئات التعيينات القضائية البارزة.
وختم بيتس بالقول إن الرئيس بايدن "يقدم مثالاً يحتذى في الحفاظ على الديمقراطية الأميركية، ويلتزم وعد حملته الانتخابية القاضي باحترام إرادة الناخبين وضمان أن يكون هناك انتقال منظم للسلطة". وأضاف أنه "ينخرط بنشاط مع مجموعة واسعة من القادة في مناقشة مستقبل الحزب "الديمقراطي"، وضرورة مواصلة النضال لدعم الطبقة العاملة والدفاع عن حقوقها".
© The Independent