Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الممر الاقتصادي" طريق جديد للتنمية العالمية

نيودلهي تحتضن انطلاقة وصل الشرق بالغرب عبر الرياض وواشنطن تراها فرصة لمنافسة بكين

ملخص

نيودلهي تحتضن انطلاقة وصل الشرق بالغرب عبر الرياض وواشنطن تراها فرصة لمنافسة بكين

مشهد "قمة الـ20" من نيودلهي جاء مختلفاً هذه المرة، فما خطف الأضواء ليس اجتماع القادة، بل ما سمّي اجتماع "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية"، بحيث أعلنت الهند والسعودية والولايات المتحدة إطلاق مشروع "الممر الاقتصادي" الذي يهدف إلى ربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا من خلال سكك الحديد والممرات البحرية، بما يسهم في زيادة مرور السلع والخدمات وتعزيز التبادل التجاري. 

وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن الإعلان جاء بعد أشهر من العمل لبلورة أسس مذكرة التفاهم في شأن الممر الاقتصادي الذي يشمل الإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، مشدداً على "دعم جهود تطوير الطاقة النظيفة وتوليد فرص عمل جديدة ومكاسب طويلة الأمد للأطراف جميعها".

وأزيح الستار عن المشروع الذي وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه "سيغير قواعد اللعبة" وسط غياب صيني وروسي ملحوظ، وإن كان مبرراً، في ضوء تدهور العلاقات الأميركية مع بكين وموسكو والتوتر بين بكين ونيودلهي، فمن شأن "الممر الاقتصادي الجديد" منافسة مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

بروز القوى المتوسطة

استبق الرئيس بايدن قمة "مجموعة الـ20" بتصريحات قال فيها إنه خائب الأمل إزاء عدم حضور نظيريه الصيني والروسي الاجتماع في الهند، لكن ما وراء خيبة الأمل تجلّت التحضيرات الأميركية الجادة لاستغلال التجمع الضخم لأقوى اقتصادات العالم في مبادرة "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية". 

واتجهت الأنظار في غياب موسكو وبكين إلى القوى المتوسطة التي عززت من نفوذها خلال الأعوام الأخيرة مثل الهند التي تعتبرها واشنطن "أكبر ديمقراطية في العالم"، وتعول عليها لمنافسة الصين، والسعودية التي تنظر إليها على أنها شريك رائد في سوق النفط وقادر على الضغط على روسيا ولديها من النفوذ الاقتصادي ما يحتم كسب صوتها وعدم خسارتها للصين.

وبرزت الرياض كطرف رئيس في مبادرة الممر الاقتصادي التي تتسق مع هدف واشنطن في تسليح الهند بالقدرات التي تمكنها من مقارعة الصين اقتصادياً وتقويض مبادرة "الحزام والطريق"، وختم اجتماع الشراكة الجديدة بمصافحة ثلاثية بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

ويشمل مشروع الممر الاقتصادي "مد خطوط الأنابيب لتصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين بغية تعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي، إضافة إلى كابلات لنقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة وموثوقية عالية"، بما يتوافق مع جهود تطوير الطاقة النظيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول المستشار في شؤون الطاقة والاقتصاد عودة أبوردين إن السعودية "عملاق" أيقظه ولي عهدها، فأصبح الجميع يريد احتضان الرياض، مشيراً إلى أن القلق حيال النفوذ الصيني في الشرق الأوسط دفع واشنطن إلى تغيير نهجها حيال السعودية لنهج "براغماتي واقتصادي"، وأضاف، "لا أحد يشك بأن السعودية اليوم قوة رئيسة في مجال الطاقة ومصدر لرأس المال وأهم قوة إسلامية، ولذلك يبدي الصينيون والأوروبيون اهتماماً خاصاً بها".

وذكر أبوردين في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن واشنطن مهتمة بالسعودية اليوم أكثر من أي وقت مضى... فكان هناك اهتمام بها إبان حظر النفط في السبعينيات، لكن اليوم هناك "منافسة على الفوز بثقة السعودية" مدفوعة بقلق من النفوذ الصيني في المنطقة، فالولايات المتحدة ودول أخرى مثل اليابان تخشى من أن يكون لبكين موطئ قدم أقوى في الشرق الأوسط من خلال شراكتها مع الرياض.

وأشار الباحث في شؤون الطاقة إلى أن الرياض وواشنطن مترابطتين عسكرياً واقتصادياً ومالياً، فعدد كبير من الشركات الأميركية تستثمر في السعودية، والرياض كذلك لديها استثمارات ضخمة في الولايات المتحدة، فلولا استثماراتها في المصافي الأميركية لكانت الولايات المتحدة تعاني نقصاً في البنزين.

وتوقع أبوردين أن تكون الهند قادرة على منافسة الصين إلا أنها تحتاج إلى 15 أو 20 عاماً أخرى لتصبح قوة عالمية مثلها، فناتجها المحلي أصغر من الصين وتحتاج إلى رأس المال الذي لا يستطيع القطاع الخاص الأميركي تقديمه بحكم طبيعته، فالشركات الأميركية ترغب في الاستثمار لكنها لا تريد تقديم المساعدة مثل الشركات الصينية، ولذلك على واشنطن إيجاد طرق أخرى لمنافسة بكين.

واعتبر مشروع "الممر الاقتصادي" خطوة سوف تنظر إليها واشنطن بشكل إيجابي بحكم تقاربها المتزايد مع نيودلهي، ولكن تنفيذ المشروع يتطلب أموالاً كبيرة، لافتاً إلى أن الصينيين ربما بوسعهم بناء سكك الحديد بكلفة أقل مقارنة بالولايات المتحدة والهند، لكن المشروع في النهاية "يغير قواعد اللعبة"، وأضاف أن السعودية لديها الإمكانات لتصبح "المركز اللوجستي للشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا".

من جانبه يرى أستاذ الإعلام السياسي عبدالله العساف أن "بروز قوى اقتصادية صاعدة مثل السعودية والهند أدى إلى محاولات لاستقطابهما لكن الرياض اختارت أن تتبع مصالحها بعيداً من الولاءات والانتماءات"، مشيراً إلى بنائها علاقات مهمة مع روسيا والصين ومحافظتها على صلاتها التاريخية بالولايات المتحدة"، وأضاف، " قد تنظر واشنطن إلى الممر الاقتصادي على أنه فرصة لمنافسة الصين، إلا أنها تتطلع إلى السعودية والهند كطرق للتنمية والازدهار وتوسيع سلاسل الإمداد، فمن المهم أن يكون هناك أكثر من طريق لربط دول العالم منعاً للاحتكار لأن وجود طريق واحد قد يكبل دول الخليج التي تعتمد على الصادرات والواردات". 

الهند كمنافس للصين

تجلى التقارب الأميركي – الهندي في زيارة مودي إلى واشنطن في يونيو (حزيران) الماضي، فخطب أمام الكونغرس وسط احتفاء كبير والتقى بايدن الساعي إلى تعزيز علاقاته مع نيودلهي في إطار المنافسة الاستراتيجية مع الصين. 

ويبرر مراقبون تنامي العلاقات الأميركية – الهندية بإمكانات الهند وقدرتها على تخفيف استناد العالم إلى سلاسل التوريد المعتمدة على الصين، ومع ذلك لم يطلق البلدان العنان الكامل لشراكتهما، فعلى رغم ازدهار العلاقات، إلا أنهما لم يصلا إلى مرحلة "التحالف الرسمي" وهو أمر غير وارد حالياً، بحسب وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، وما زال موقف الهند من الحرب الروسية يشكل صداعاً لواشنطن.

يرجع المساعد السابق لوزير الدفاع الأميركي جوزيف ناي هذا التحفظ إلى تاريخ الهند الطويل من انعدام ثقتها بالتحالفات في مرحلة ما بعد الاستعمار، مشيراً إلى أن الهنود كانوا قلقين في شأن بكين، إلا أنهم أرادوا الحفاظ على مظهر العلاقات الجيدة ووصولهم إلى السوق الصينية.

ويرى ناي أنه وبسبب تفوق الصين الاقتصادي فإن الهنود بدأوا يشعرون بالقلق ليس إزاء دعم الصين لباكستان، بل أيضاً حيال قوتها العالمية المتزايدة على نطاق واسع"، وعبّر عن ذلك أحد الاستراتيجيين الهنود قائلاً "لقد قررنا أن نكرهكم أقل من كرهنا للصين"، وهذا حتى قبل فترة طويلة من مناوشات عام 2020 على حدود هيمالايا المتنازع عليها، حيث قتل 20 جندياً هندياً وأربعة جنود صينيين في الأقل.

ومنذ ذلك الحين، تعززت الشراكة بين الولايات المتحدة والهند، فبعدما كانت اجتماعات الحوار الأمني الرباعي بين واشنطن ونيودلهي وطوكيو وكانبرا تجرى بهدوء ويتم التقليل من أهميتها، أصبحت اجتماعات الرباعية اليوم معلنة على نطاق واسع وتعقد على مستوى رؤساء الحكومة، كما تجري الهند اليوم مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة أكبر من تلك التي تجريها مع أي دولة أخرى.

وجاءت آخر إشارات ازدهار العلاقات الأميركية – الهندية ضمن بيان مشترك للبلدين بعد لقاء بايدن ومودي أمس الجمعة، إذ دعا البيان حكومتي البلدين إلى مواصلة العمل على تحويل العلاقة إلى شراكة استراتيجية، وأكد التزام واشنطن دعم الهند لتكون مركزاً لصيانة وإصلاح أصول البحرية الأميركية من طائرات وسفن منتشرة حول العالم، كما تضمن التزامات أميركية جديدة للاستثمار في مرافق الصيانة والإصلاح والتجديد للطائرات في الهند.

وفي مجال الرقائق حيث تسعى واشنطن إلى تقليل اعتماد العالم على المنتجات الصينية، أكد بايدن ومودي دعمهما لبناء سلاسل توريد عالمية مرنة لأشباه الموصلات، مشيرين في هذا الصدد إلى تعهد شركةMicrochip Technology, Inc.باستثمار ما يقرب من 300 مليون دولار في توسيع وجودها في مجال البحث والتطوير في الهند ومبادرة شركةAdvanced Micro Device. في استثمار 400 مليون دولار على مدى الأعوام الخمسة المقبلة لتوسيع عمليات البحث والتطوير والهندسة في الهند.

حدود الشراكة مع نيودلهي

على رغم النشاط الدبلوماسي بين الهند وأميركا، إلا أن ناي يعتقد بأنهما ما زالتا بعيدتين من تأسيس تحالف، فالهند لا تزال تستورد أكثر من نصف أسلحتها من روسيا، وهي إلى جانب الصين مشترٍ رئيس للنفط الروسي الخاضع للعقوبات، وكثيراً ما تصوت ضد واشنطن في الأمم المتحدة. كما تواصل الهند رفضها إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، تماماً كما فشلت في إدانة الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979، وهي بذلك تؤكد أولوياتها المتمثلة في الحفاظ على قدرتها على الوصول إلى السلاح والنفط، وتجنب دفع روسيا إلى الارتماء أكثر في أحضان الصين.

وعلى رغم دعوة بايدن رئيس الوزراء الهندي إلى حضور قمة الديمقراطية التي نظمتها إدارته، إلا أن هناك محللين غربيين ومن الهند ينتقدون "تحول مودي غير الليبرالي نحو القومية الهندوسية"، ولذلك يرى ناي أن التصريحات الأخيرة حول "القيم المشتركة" بين أكبر ديمقراطيتين لطيفة ولكنها لا تشكل تحالفاً، فأهمية العلاقات الهندية- الأميركية تتلخص في توازن القوى مع الصين ومكانة الهند فيها.

ومع ذلك، هناك اعتراف بأهمية الهند المتزايدة، فقد تجاوزت الصين باعتبارها أكبر دولة من حيث عدد السكان، وفي حين ارتفع عدد سكان الهند إلى 1.4 مليار نسمة، تشهد الصين انحداراً ديموغرافياً. ويسير اقتصاد الهند على المسار الصحيح للتوسع بنسبة ستة في المئة هذا العام بوتيرة أسرع من الاقتصاد الصيني، مما يجعلها خامس أكبر اقتصاد في العالم، وإذا استمر هذا المعدل، فقد يصبح بنفس حجم اقتصاد منطقة اليورو بحلول منتصف القرن.

ولا تستطيع الهند وحدها تحقيق التوازن مع الصين، بحسب المسؤول الأميركي السابق، إذ يظل اقتصاد الصين أكبر بنحو خمسة أضعاف، ولا يزال الفقر منتشراً على نطاق واسع في الهند ومعدلات البطالة مرتفعة وأكثر من ثلث النساء والفتيات أميات، ولكي يصبح عدد سكان الهند المتنامي أصلاً اقتصادياً وليس عائقاً محتملاً، فلا بد من تدريبهم. 

ولا يبدو أن الهند راغبة في التخلي عن وصولها إلى السوق الصينية، فعلى رغم مشاركتها في الرباعية إلى جانب واشنطن، إنها جزء محوري من مجموعة "بريكس" التي تضم روسيا والصين، ولذلك يقول ناي إن الزواج لن يكون مصير الهند والولايات المتحدة، لكن الأرجح قيام شراكة طويلة المدى، تستمر ما دام الطرفان يشعران بالقلق إزاء الصين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير