Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

للبدر مآثر اكتمال حجبها الغياب المرير

كلمة السعودية والوطن العربي تنعى الشاعر الذي ظل يهز النخيل كمحترق وجدٍ بجمر الغضى

الأشكال الفنية لشعره خلقت فضاءات تعبيرية وظفها في أبياته بهندسة مبدعة للكلمة (مواقع التواصل)

ملخص

كان البدر المعبر والضمير الناطق للسعودية التي منحها سحر شبابه وصواب مشيبه 

لم تمهل الأيام بدر بن عبدالمحسن مزيداً من الضي وما خلا النخيل من الفضاء ليكمل التحليق بصوت جناحه كأسراب الحمام التي تنشد الشمس عن حزن الغياب، على رغم هدير الهديل الذي يخنق الصمت الأخير، فقد "علمتنا الشمس نرضى بالرحيل
كل يوم يغرق الضي فـ عباب

ما سمعنا ناعي ما به عويل".

كان هذا العويل يهاب حضوره صمتاً، ولكنه انفجر هادراً فور إسدال الستار على وجه البدر الذي اكتمل، فآثر الانزياح الصامت.

وها هي كلمات السعودية والوطن العربي تنعى الشاعر الذي ظل يهز النخيل في نجد حتى صحت مفزوعة كمحترق وجدٍ بجمر الغضى، يستحثها مزيد من العطايا النابتة في سموم ضلوعه.

ظل يهجو أنوار الشوارع الخافتة والغياب والرحيل وليل الشتاء القاسي الطويل، وفراق أرضه وشوقه لـ"عروس البحر" لتبكيه اليوم ومعها كل هذه العوالم و المعاني التي كان خير من يترجم هويتها عندما انقشع خلفها المدى جمراً ورماداً، فبكت سحاب الغيث سخية من الرياض إلى صنعاء، ومن وهران إلى نجران.

وغادر قطار الكلمة

لم يبَت بيت عربي أمس السبت، إلا واستذكر بأسى واندهاش شعره "ككتاب عتيق وأظنه شعر" وهو أصدق ما جاد في حياته التي ترصعت بنبطيته المتفردة لأنه "رسالة من بدوي"، لا يعرف إلا "شهد الحروف" المغروسة في الوجدان كنقش عصفور في تمرة العذق، بمشاعر سيّالة عجنها الشوق واليقين الذي ما خالطه النكران.

ومثلما لكل بلد شاعر هو لسان حاله المعبر، كان البدر المعبر والضمير الناطق للسعودية التي منحها سحر شبابه وصواب مشيبه، حضوراً ومهابة وظل شاعراً في جسد مواطن وفي، وأميراً في ثوب بدوي بسيط، كلما هزه الشوق جادت قريحته كألوان الحب في "السماء عند الغروب".

هذا العزاء الكبير يكشف عن المكانة التي احتلها قمر البدر في نفوس العرب، وهو الذي تخطى بأحاديث أشعاره "روابي نجد" شمالاً والحجاز جنوباً، متخطياً التقليدية التي أثقلت على قلتها النتاج العربي الحديث.

ولم يكُن مستغرباً تبادل روائعه من مختلف البلدان وعبر كل فضاءات الإعلام ومن مختلف الأعمار  لتكشف عن مكانة مؤثرة ومنتشرة ظلت تجتذب المهتمين والعاشقين لعطاء الشاعر الراحل.

ثيمة المملكة

يمكن القول إن للمطربين الذين تغنوا بقصائده دوراً في ذلك الانتشار العربي الواسع، ولكن تبادل مقاطعه الشعرية التي ألقاها بصوته خلال أمسياته يشير إلى اهتمام جماهيري بشعر وإلقاء "أيقونة المملكة" فحسب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واليوم تفارق الكلمة جزالتها التي شدت على مدى خمسة عقود، صهوات المخيلة والعشاق والمطربين والأوتار بأشعار ربما سيمر كثير من الوقت حتى تهب رياح جديدة "لطيف يشبهه"، ليأتي من يخلف أحد أبرز رواد الحداثة الذي جدد أسلوب الشعر بعد أن شق طريقاً مغايراً، جسد هوية بلاده في استحضار الغزل والفخر والارتقاء بالوطن "فوق هام السحب" كمعانٍ خالدة شكلت ثيمة السعودية في كل محفل.

يمكن القول إن الأمير الراحل بات أشهر من تغنى بالوطن شعراً،  وكان السباق في رفد مكتبته المغناة بأعمال خالدة متفوقة قال إنها "قليلة في حق بلادي"، ولكن ذلك الشغف الشجي في ترديدها بزهو ومحبة جماهيرية تجاوز الحدود.

كان تأثير حياة الطفولة واضحاً في أشعار شباب البدر وكهولته، وهي سمات لم يغفل نتاجه من تضمينها مع الاحتفاظ، كما هو ملاحظ، بسرد أدق صورها بين المعاناة قديماً وما تحقق لبلده حديثاً من رخاء واستقرار وهي خلفيات موضوعية في تجربة كل أديب.

توظيف شجي

هذه التجربة عصرت عطاءه في تخضيب الأشكال الفنية لشعره بفضاءات تعبيرية وظفها في أبياته بهندسة مبدعة للكلمة مزجت النبطي بالفصيح أحياناً، فكان أن جاد بهذا الوجدان الذي يشعل النفس طرباً واعتزازاً شجياً، خصوصاً وهو يحاكي الوطن، أغلى وأصدق حب وانتماء بقيمة جمالية فائقة التميز.

وفي نصيحة قدمها ذات أمسية إلى الجيل الشاب، حثهم على شحذ الهمم والعطاء والافتخار بوطنهم، وقال إن "من لا يعتز بوطن مثل المملكة فلا أمل أن يعتز بالحياة"، وهو بهذا يؤكد أن السعودية كانت كثيرة بشاعرها الذي كثيراً ما اصطلى زهواً بها وكثيراً ما سقى من عروق نبضه الناطق صحاريها عرقاً ودماً بكل "طيب وكرم".

رحل البدر تاركاً وراءه إرثاً زاخراً وغنياً، من المؤكد أنه سيظل محفزاً للمخيلة الشعرية والدراسات النقدية، كما سيشكل رافداً ممتداً من "عند الغدير" الذي تركه رقراقاً عذباً لكل ذائقة تنتصر للكلمة المبدعة والملحونة والمغناة ولكل وارد من حوض قافيته السهلة، والممتنعة جداً.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات