Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا بد من خطوات جريئة في الهندسة للحد من أخطار التغير المناخي

يجب التخفيف من استعمال الزجاج والخشب والاستعانة بالأسمنت الصديق للبيئة

يعود صمود "البيت الأحمر" في هاواي وسط الحرائق إلى بنيته الخرسانية السميكة التي حمته من التلف (غيتي)

ملخص

ترتكب الدول أخطاء فادحة في العمران والتنظيم المدني فتسرع عملية التغير المناخي، ما المطلوب حالياً؟

اعتبر صمود منزل وسط الحرائق التي دمرت مدينة لاهاينا في هاواي بمثابة معجزة، فتحول إلى رمز للأمل والصمود. تمكن "البيت الأحمر" من النجاة وحده وسط حرائق مدمرة قضت على الغابات المحيطة. بدا مشهداً استثنائياً فخطف أنظار العالم، فيما طرحت التساؤلات حول أسباب نجاته على رغم الدمار الذي لحق بكل ما يحيط به. يعتقد أن صمود "البيت الأحمر" يعود إلى بنيته الخرسانية السميكة التي حمته من التلف، لاعتبار أن جد المالكة الحالية كان قد بناه قديماً من الأسمنت لضمان استدامته مع مرور الزمن، مما ساعد على تحمله العديد من التحديات، ومنها الحرائق الأخيرة. في ظل تداعيات التغير المناخي في مختلف أنحاء العالم، تدعو هذه الواقعة إلى النظر في العلاقة بين التغير المناخي والهندسة المعمارية، وما إذا كان التغيير مطلوباً على مستوى الهندسة المعمارية.

تأثير متبادل

يعتبر التغير المناخي من أهم التحديات التي تواجه العالم حالياً. مع الارتفاع المتواصل لمعدل درجات الحرارة العالمية تتزايد تداعياته على مختلف الدول، كونه أدى إلى تغيير متسارع في الظروف المناخية في العالم. وما نشهده اليوم من ارتفاع لدرجات الحرارة ولمستوى البحار ومن كوارث طبيعية كالفيضانات والأعاصير وموجات الحر والجفاف والحرائق المدمرة ليس إلا جزءاً مما قد يواجه العالم في الأعوام المقبلة، في حال عدم التحرك الجدي لمواجهة هذا التحدي العالمي.

تعتبر الهندسة المعمارية من المجالات التي تأخذ في الاعتبار المناخ لتأثيراته في الأبنية والمدن، ونظراً إلى العلاقة بين العمران والطبيعة. في بناء أي مشروع تؤخذ بالاعتبار الإنارة الطبيعية وأشعة الشمس وحركة الرياح ومعدلات هطول الأمطار ودرجات الرطوبة والحرارة، كما تؤثر العوامل المناخية في شكل المباني والعناصر التي تضمها. لذلك من المفترض أن تحصل دراسة شاملة للبيئة المحيطة بأي مشروع عمراني أيضاً، من تضاريس وتربة ومياه جوفية وأخطار طبيعية. قد يطبق ذلك في الدول المتقدمة، لكن في مواجهة هذا التحدي العالمي يفترض بالدول أن تتحرك وتأخذ في الاعتبار التغيير الحاصل. مدير برنامج تغير المناخ والبيئة في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور نديم فرج الله يشرح التأثير المتبادل بين التغير المناخي والهندسة المعمارية. على سبيل المثال تستفيد المنازل ذات السقوف العالية من حركة الهواء، فيما تبنى المنازل حالياً في الولايات المتحدة الأميركية بشكل تحصر فيه الحرارة ولا تتناسب مع موجات الحر الحالية. تتميز المنازل القديمة بسماكة جدران بحيث لا تدخلها الحرارة بنسبة كبيرة، فتبقى الأجواء منتعشة في داخلها. وتتعدد تقنيات الهندسة المعمارية حالياً التي تعود إلى هذا الأسلوب.

أيضاً من المفترض أن تتنبه الدول إلى البنى التحتية خصوصاً مستوى تصريف المطر الذي يتزايد هطوله مع عملية التغير المناخي. فالشوارع والبنى التحتية بأسلوبها التقليدي معدة لمعدل أمطار عادية، ولا تتماشى مع غزارتها حالياً في دول عديدة.  

وتتأثر المملكة العربية السعودية مثلاً بخطر الرياح الموسمية المعروفة باسم "المونسون"، خصوصاً بين شهري يونيو (حزيران) وأكتوبر (تشرين الأول). في ظل التغير المناخي ازدادت حدته ويشكل خطراً أكبر على البلاد، هذا إضافة إلى خطر الأعاصير المعروفة بـ"التايفون" والتي لم تكن يوماً بهذه الحدة. ومن الدول التي تأثرت بها بشكل خاص عمان التي تكبدت خسائر بمليارات الدولارات بسببها، ومن المتوقع أن تزيد غزارة هطول الأمطار بعد في هذه البلاد.

ليست المشكلة في هندسة البناء المعتمدة فحسب، فالتنظيم المدني لا يراعي الظروف المناخية الحاصلة. على سبيل المثال، شق الطرقات والبناء في الغابات من الأخطاء الفادحة، وهي تحصل في لبنان ودول أخرى، ففي حال حصول حرائق في أيام الحر يزيد الخطر كما حصل في غابات هاواي.

الاستعداد للآتي

يدعو فرج الله إلى التنظيم المدني الواعي حفاظاً على البيئة ولحمايتها من التعديات، فيجب الحد قدر الإمكان من الاحتكاك بين الإنسان والطبيعة، إذ يمكن بناء منازل لا تتطلب الكثير من الطاقة للتدفئة أو التبريد واستخدام مواد معاد تدويرها، كما يجب معالجة الطرقات وشبكات الصرف الصحي بشكل يسمح باستيعاب معدلات الأمطار المتزايدة والعواصف الكبرى التي يجب أن يستعد لها العالم. ولعل ما حدث في كاليفورنيا والصين عندما غرقت الشوارع بسبب غزارة الأمطار خير دليل على عدم استعداد الدول للظروف المناخية القصوى. ويضيف فرج الله "نحن في صلب الأزمة المناخية المتفاقمة ولا يمكن التحدث عن عملية تغير مناخي لأننا بذلك نقلل من أهمية ما يحصل. على الدول غير المعتادة على هطول الأمطار الغزيرة أن تتحضر لذلك. من المتوقع أن نشهد معدلات أمطار غير مسبوقة في السنوات الـ30 المقبلة. يجب زيادة المساحات الخضراء في الدول للحد من معدلات الحر لديها. ويعتبر وضع الكويت وقطر والبحرين صعباً، فيما تتميز المملكة العربية السعودية بمزيد من التنوع الإيكولوجي الذي له أثر إيجابي، لذا تبرز أهمية نشر الثقافة اللازمة في شأن السلوكيات الصحيحة للحد من الأذى الذي يطاول البيئة ويسهم في تسريع التغير المناخي. قد لا يكون أثر التغيير على مستوى الهندسة المعمارية مباشراً، إلا أن هذا المسار لا بد منه من أجل الأجيال المقبلة للحد من التطور السريع لعملية التغير المناخي".

وفق المهندس المعماري المتخصص في العمارة البيئية البروفيسور في الجامعة الأميركية آرام يريتزيان، وجود الأبراج الزجاجية في الدول التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة، كدول الخليج، يفاقم الحاجة إلى أجهزة التكييف والمزيد من الطاقة والوقود الأحفوري. من الأفضل استخدام الزجاج بنسب محدودة للحد من استهلاك الطاقة. ويضيف البروفيسور يريتزيان "على المهندس أن يفكر حالياً أكثر من أي وقت مضى بمبان تراعي البيئة، هذا ما لا تراعيه مبان كبيرة تشيد في الصين والهند البرازيل وحتى في الوطن العربي. يجب تحفيز أصحاب المشاريع الكبرى والمهندسين على اتباع استراتيجيات جديدة في العمارة".

بين القديم والجديد

يميز يريتزيان بين المباني الجديدة وتلك القديمة، ففي بيروت 18600 مبنى، 80 في المئة منها شيدت قبل عام 1975، هذه مشكلة كبرى، قبل عقود مضت كانت الظروف المناخية مختلفة، وكان من الممكن للمواطن الشعور بالراحة من دون حاجة إلى أجهزة التكييف، اليوم أصبحت حركة الهواء أقل مع زيادة أعداد المباني وارتفاع درجات الحرارة وزيادة استخدام الأسمنت في المدينة، مما يستدعي إعادة تأهيل المباني لمواكبة التغييرات الحاصلة في الظروف المحيطة، كما ارتفعت درجات الحرارة في المدن بشكل خاص بالمقارنة مع الريف.

وكون المواد المستخدمة في البناء مواد طبيعية، يجب الحرص على إعادة التدوير للحد من أثرها السلبي في البيئة، بشكل عام هناك معايير معينة يجب التقيد بها بعيداً من جماليات التصميم، لأن مراعاة البيئة أولوية في الهندسة المعمارية، على سبيل المثال، في أوروبا تفرض الدول على أصحاب المشاريع مراعاة معدلات معينة من استهلاك الطاقة في البناء، فتكون دراسة المشروع بنسبة معينة من الزجاج فيه ومع مراعاة حركة الشمس والهواء والنور، كونها عناصر تسمح بالحد من استهلاك الطاقة، وتبرز أهمية تشييد مبان مقاومة للظروف المناخية القصوى المتوقعة في ظل التغير المناخي، فلا يمكن استخدام الخشب مثلاً في مناطق تكثر فيها الحرائق، خصوصاً في الجدران الخارجية، وفي مواجهة خطر الفيضانات فإن المدن التي بمحاذاة الشواطئ ستكون في خطر في السنوات المقبلة مع ارتفاع مستوى المحيطات، وسبق أن واجهت مدن في الهند مثل هذه الأخطار، ومن الضروري الحرص على المعالجة لتجنب الأخطار للأعوام المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكل خطوة دورها

في مواجهة هذا التحدي العالمي حرص المهندس المتخصص في العمارة البيئية فرنسوا معوض على القيام بأبحاث لتصنيع خلطات أسمنتية مستدامة بنسبة 100 في المئة وتتضمن الرماد المتطاير من معامل الكهرباء في أوروبا والمعاد تدويره، إذ يعتبر الأسمنت من مصادر التلوث. وحرصاً على عنصر الأمان ولضمان الصلابة في البناء يعمل معوض على أسمنت صديق للبيئة، يراعي قوة الضغط في الخلطات التقليدية وبالجودة نفسها، ليمزج بين حرصه على البيئة وسلامة هيكل البناء. وقد أظهرت الدراسات التي قام بها أيضاً أن القهوة تساعد في زيادة صلابة الأسمنت مما يدفعه إلى العمل على ذلك أيضاً. مع الإشارة إلى أن هذه الخلطة المستخدمة أقل كلفة من الأسمنت، خصوصاً أنها تستخدم مواد من المفترض أن ترمى، إضافة إلى مياه البحر.

وبينما تتوالى الاجتماعات والمؤتمرات بهدف التوعية لا تزال الاستراتيجيات الشاملة البعيدة المدى خجولة. علماً أن الحلول توضع بحسب كل دولة، وبما يلائم ظروفها.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة