Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصرف ليبيا المركزي "مقسوم" بين موازنتي الشرق والغرب

مجلس النواب يقر موازنة لحكومة حماد ومراقبون يحذرون من عودة سيناريو 2014

مصرف ليبيا المركزي أمام خيارين صعبين لإقرار موازنتين ماليتين بين الشرق والغرب (رويترز)

ملخص

مصرف ليبيا المركزي في وضع لا يحسد عليه بين موازنتين لحكومتي الشرق والغرب

تعيش ليبيا حالاً من الترقب على إثر إعلان مجلس النواب خلال الأيام الماضية إقراره مشروع قانون الموازنة المقدم من رئيس الحكومة الليبية أسامة حماد بالإجماع، بحسب المتحدث باسم البرلمان عبدالله بليحق.

وتبلغ قيمة موازنة حكومة حماد 89 مليار دينار ليبي (17.5 مليار دولار)، مما خلف تساؤلات عديدة في مقدمتها الموقف الذي سيتخذه رئيس مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير حيال هذه الموازنة التي تأتي في الربع الأخير من هذا العام، وما إذا كان سيضطر إلى تمويلها حفاظاً على منصبه، وتأثير ذلك في تمويل حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة التي تستعد هي الأخرى لتقديم موازنتها في الأيام المقبلة.

ضغوط بارزة

الأكاديمي المتخصص في الشأن الاقتصادي بجامعة بنغازي هاني رحومة رأى أن محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير يواجه ضغوطاً سياسية وأخرى مالية من مجلس النواب وحكومة أسامة حماد لتمويل مشروع قانون الموازنة المقدم من الحكومة، موضحاً أن البرلمان أقر مشروع الموازنة بالإجماع، توحيداً لأوجه الصرف في ظل توحيد المصرف المركزي بين شقيه في الشرق والغرب.

وقال رحومة في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إن "هناك انعداماً للثقة بين محافظ مصرف ليبيا المركزي ومجلس النواب، بخاصة أن المحافظ يتمتع بدعم دولي وإقليمي، فأشاد صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير بجهوده في تحسين التحصيلات من قطاع النفط وخفض عجز الموازنة، وتحقيق استقرار سعر صرف الدينار (الدولار الأميركي يساوي ما يقارب 5 دينارات ليبية)".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفتت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى ضرورة احترام استقلالية المصرف المركزي، والتزام جميع الأطراف باتفاق توحيده، مستبعداً فقدانه لمركزه، بخاصة أنه سبق وقرر مجلس النواب إعفاءه من مهماته لكن لم ينفذ هذا القرار.

وقال المتحدث ذاته إن محافظ مصرف ليبيا المركزي يواجه تحدياً كبيراً في التعامل مع طلبات تمويل مشروع قانون الموازنة من مجلس النواب وحكومة أسامة حماد، وهو يحاول إيجاد حلول تضمن استقرار الاقتصاد الليبي والحفاظ على المال العام، موضحاً أنه حالياً لا يمكن التكهن بدقة ردود محافظ مصرف ليبيا المركزي على هذه الطلبات، باعتبار أن هذا الأمر يعتمد على عوامل كثيرة، منها السياسية والقانونية والمالية والاجتماعية.

صعوبة الصرف

من جانبه وصف المتخصص في الشأن الاقتصادي عبدالحميد الفضيل الموازنة المقدمة من حكومة حماد بـ"غير القابلة للصرف" لأسباب عدة يتمثل أولها في انتهاء السنة المالية، فإقرار الموازنة من جهة تشريعية في الربع الأخير من العام يعد مخالفاً للتشريعات والقوانين الليبية، فمن المعروف أن الموازنة العامة للدولة هي ترتيب مالي معتمد لسنة مقبلة في حين أن موازنة حكومة حماد تأتي في عام مضى منه تسعة أشهر، وهو ما يدل على أنها جاءت فقط في إطار مناكفات سياسية لا غير. 

وذكر الفضيل أن السبب الثاني يتعلق بتمويل هذه الموازنة، فالجميع يعلم أن هناك لجنة مالية مشكلة من المجلس الرئاسي، سبق واجتمعت أكثر من خمس مرات في مدن ليبية مختلفة ومهمتها الرئيسة هي إعداد ترتيبات مالية لجميع مناطق ليبيا من دون استثناء وإقرار هذه الموازنة يضرب بعرض الحائط كل المجهودات التي تبذلها هذه اللجنة من أجل توحيد الإنفاق للدولة الليبية، لأنه من خلال إقرار هذه الموازنة ستصبح اللجنة من الماضي، لذلك لن تجد هذه الموازنة طريقاً لتنفيذها على أرض الواقع. 

وبخصوص تعامل محافظ مصرف ليبيا المركزي مع التفويضات المالية من حكومة حماد قال المتخصص في الشأن الاقتصادي إن "مصرف ليبيا المركزي لن يتعامل مع حكومة حماد لأن المصرف يتعامل مع الترتيبات المالية التي أقرتها حكومة الدبيبة، بخاصة أن المصرف المركزي أصدر أخيراً بياناً يوضح فيه إجمالي الإيرادات والمصروفات التي أنفقتها حكومة الوحدة الوطنية حتى نهاية أغسطس (آب) الماضي بالتالي لن يحدث أي شيء على أرض الواقع، فالبرلمان استنسخ الموازنة نفسها التي أقرها سابقاً لرئيس الوزراء السابق فتحي باشاغا حتى إنها تحمل القيمة المالية نفسها". 

سيناريو 2014

أما المتخصص بالشأن الاقتصادي محمد قرقر فلم يخف خوفه من اتجاه المشهد الليبي إلى مزيد التعقيد، فالبرلمان بإقراره لموازنة بهذه القيمة المالية لا يعدو أن يكون سوى تأصيل للانقسام وورقة ضغط على حكومة الدبيبة التي تستعد هي الأخرى لطرح موازنتها خلال الأيام المقبلة، التي ستكون مقاربة من موازنة حماد لتدخل ليبيا بذلك في مرحلة العبث بالمال العام. 

ونوه إلى أن "أطراف الصراع الليبي بصدد استنساخ تجربة 2014 (رأسي سلطة تنفيذية واحدة بالشرق والأخرى بالغرب لكل منهما موازنة)، لتعود ليبيا بذلك لمربع ما قبل اتفاق الصخيرات (اتفاق وقع في الصخيرات المغربية نهاية 2015 وجاءت من رحمه حكومة فائز السراج)، لينزلق المشهد السياسي بذلك إلى إشكالات عميقة جداً لم تعرفها ليبيا من قبل، قد تصل إلى حد تهديد وحدة البلاد، بخاصة أن مصرف ليبيا المركزي أصبح الآن في موقف حرج أمام رأسي سلطة التنفيذية واحدة بالشرق والأخرى بالغرب، فحكومة حماد عبارة عن حكومة فيدرالية شبه مستقلة عن المركز تسيطر على إقليم معين (الشرق) بينما حكومة الوحدة الوطنية هي من تمثل الدولة الليبية على المستوى الدولي. 

ويتوقع قرقر اتجاه مصرف ليبيا المركزي إلى تكرير الخطوات نفسها التي عمل بها عام 2014 والمتمثلة في تمويل عدد من الأبواب المالية على غرار باب المرتبات وباب الإنفاق وباب الخدمات، بينما سيلجأ المصرف المركزي للتقليل من باب التنمية مستبعداً تمويل المصرف المركزي لأية حكومة بصفة مالية متكاملة.