Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعداد المصريين قنبلة موقوتة و"العيال عزوة" تنسف دعوات التنظيم

السيسي يؤكد أن "حرية الإنجاب" تقيد الدولة وإحصاءات المواليد تسجل طفلاً كل 15 ثانية

مصر تقترب من كسر حاجز 106 ملايين مواطن (أ ف ب)

ملخص

حرية إنجاب المصريين "المطلقة" في خطر... فما القصة؟

وصفوا المنافسة الحامية بـ"سباق الأرانب"، ونعتوا المواليد الجدد الذين يجري ضخهم في مصر بلا هوادة بـ"القنبلة الموقوتة"، وصنفوا ترتيبها من حيث الكثرة بالأولى عربياً والثالثة أفريقياً والـ15 عالمياً في الزيادة السكانية.

ولأن القاعدة العريضة من المصريين حين ترى زوجين يصطحبان خمسة أو ستة أو سبعة أطفال يبادرون إلى "الحوقلة" (قول لا حول ولا قوة إلا بالله) و"البسملة" (قول بسم الله الرحمن الرحيم) و"مسك الخشب" (تعبير يدل على التمكن) إعجاباً وثناء على القبيلة الصغيرة، حتى لو كان الفقر أعيا شيخها والوهن نال من كبيرتها وضيق الحال وشظف العيش يظهران بكل وضوح على وجوه الصغار وأجسادهم، فإن الحديث عن الزيادة السكانية دائماً يكتنفه الحرج ويتطلب كثيراً من الحذر.

 شؤون القنبلة

الحذر واجب في تناول شؤون القنبلة التي تمتزج فيها عادات حب كثرة العيال بتقاليد العزوة النابعة من فيض الإنجاب التي هيمن عليها خطاب ديني سبعينياتي ينص على عدم جواز منع الحمل إطلاقاً، وأن تنظيم النسل حرام، لا سيما إذا كان القصد خشية الإملاق، لأن الله تعالى هو الرزاق.

لكن حين يتعلق الأمر بساعة سكانية تدق من دون هوادة في شارع صلاح سالم (شرق القاهرة) معلنة ضخ رأس جديدة كل 15 ثانية، مع تواتر الأرقام مهددة بقرب كسر حاجز 106 ملايين مصري ومصرية في ظل أزمة اقتصادية طاحنة ومعضلة إنتاجية واضحة حيث الإنتاج الأكبر هو إنتاج العيال لا ما يسد جوع العيال، فإن الحرج ينتفي والحذر يتوارى.

لا الحرج سيجدي أو الحذر سيفيد أمام غول الزيادة السكانية الذي يلتهم أخضر التنمية ويابس الفقر متسبباً في تفاقمه وتمدده، وهذا تحديداً ما فعله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في افتتاح المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية المنعقد بين الخامس والثامن من سبتمبر (أيلول) الجاري في العاصمة الإدارية الجديدة.

حرية الإنجاب

وعلى غير العادة السياسية المتوخية الحذر في الحديث عن متعة البسطاء المتمثلة في كثرة الإنجاب، وعكس ما جرى عليه العرف الثقافي في اتباع مبدأ "ما أعظم العيال والعزوة، إلا أن"، دخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في "إلا أن" من دون مقدمات، "يجب أن ينظم الإنجاب، وإن لم ينظم، ممكن أن يتسبب في كارثة في البلد، فالحرية المطلقة في الإنجاب تعني أن الدولة المصرية كلها تدفع الثمن".

"الحرية المطلقة في الإنجاب" تكاد تكون هي الحرية الوحيدة والمتعة المتاحة والهدف القابل للتحقيق في حياة قاعدة ليست قليلة من المصريين، وهي الحرية التي ألبسوها عباءة دينية في سبعينيات القرن الماضي، فغلفت متعة ممارسة الجنس والإنجاب الدنيوية بهالة روحانية محببة إلى الأنفس لا سيما رقيقة الحال، وباتت كثرة الإنجاب طاعة وضخ العيال تقوى، والكثرة العددية، بغض النظر عن جودة المنتج، أقرب ما تكون إلى الجهاد في سبيل الله.

غياب التوازن

لكن "الحرية المطلقة في الإنجاب" التي تطرق إليها الرئيس المصري هي التي تكبد الدول الغالي والنفيس، إذ المعادلة ببساطة تشير إلى أن ما تنتجه الدولة من غذاء وما يتاح من فرص عمل وما توفره من علاج وتعليم لا يضاهي ما تنتجه الدولة من أطفال، بمعنى آخر لا يوجد توازن أو تكافؤ أو حتى تقارب بين النموين الاقتصادي والسكاني، بمعنى ثالث السكان يزيدون والاستهلاك يزيد وإنفاق الدولة على الخدمات يزيد، واتجاه الحكومات رغماً عنها سيكون صوب تلبية حاجات القادمين الجدد بشكل زائد بدلاً من التوسع في المشاريع الاقتصادية والتنموية، ونسبة البطالة تتزايد، ومعدل الزحف العمراني صوب الأرض الزراعية يزيد. وبكل المعاني، فإن الزيادة السكانية العشوائية وغير المخططة والمتروكة للعادات والتقاليد والخطاب الديني الشعبي البعيد من أعين المؤسسات الدينية الرسمية تأكل الدولة حرفياً.

قدرة الدولة المصرية على التعامل مع القنبلة السكانية والغول السكاني وسباق الأرانب ترقى إلى "المعجزات" غير القابلة للتفسير، وذلك منذ عقود طويلة، بطريقة أو بأخرى تعاملت الأنظمة والحكومات المصرية مع "غية" كثرة العيال بشكل أبقى كليهما الدولة والعيال على قيد الحياة.

جودة الحياة

ولأن جودة الحياة وثيقة الصلة بالموارد ووفرتها ونسبتها إلى السكان، فإن السيسي تحدث قبل ساعات عن مصر ومن فيها من 105 ملايين مصري و9 ملايين أجنبي "ضيوف موجودين عندنا" عبر تساؤل يدعو إلى التفكير "يتساءل بعضهم كيف يمكن لهذه الدولة التي لا تتسم بكثرة الموارد التعايش مع هذا الوضع؟".

الإجابة تكمن في مستوى الجودة، والرئيس المصري قال إن أصعب ما يمر به هو معرفته بحجم المتطلبات، وكذلك معرفته بأن المتاح أقل بكثير، وهو ما ينعكس على الجودة في كل الخدمات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر على التعليم، إذ لا يمكن الإنفاق على تعليم جيد في ظل مثل هذه الزيادة السكانية الكبيرة جداً والموارد القليلة.

أزمة وجودية

ولكنها أزمة مصر المزمنة والوجودية، ففي عام 2015 تصور البنك الدولي أن أقسى ما يمكن أن تمر به مصر هو مستوى الزيادة السكانية حينئذ، واعتبر في ورقة عنوانها "الزيادة السكانية: أزمة مصر الوجودية" أن وصول السكان إلى 88 مليون نسمة في ظل معاناة البلاد نقصاً في الطاقة والمياه والقمح وتضاؤل احتياطات العملات الأجنبية وارتفاع معدلات البطالة هو قمة التحدي.

الطريف والمؤسف في آن واحد هو أن "قمة التحدي" في عام 2015 يبدو في عام 2023 وكأنه كان قمة الترف والرفاهية والتعقل في الزيادة السكانية، بعضهم يضحك وهو تطاوله هذه التحذيرات الدولية، لكنه ضحك كالبكاء، فقد ضخ المصريون نحو 17 مليون طفل إضافياً، وتفاقمت الأزمات منها وباء كوفيد-19 وحرب روسيا في أوكرانيا ناهيك عن سلسلة التعويم وما أصاب الجنيه المصري من وهن أمام الدولار وما ضرب المواطن المصري من إنهاك جراء كل ما سبق.

فجوة تمويلية

كل ما سبق في كفة، والاستمرار في ضخ العيال في كفة أخرى، وبين الكفتين فجوة تمويلية، إذ أشار إليها الرئيس المصري في حديثه عن قنبلة مصر السكانية، إذ إنه في الخمسينيات وقت كان عدد المصريين بين 19 و20 مليون نسمة، تراوحت الفجوة التمويلية بين قدرة الدولة ومواردها إلى نحو 10 و12 في المئة، وهذه الفجوة نتجت منها تراكمات على مدار 75 عاماً تبدو واضحة تماماً اليوم في جودة المنتج التعليمي والصحي الذي تصبو الدولة إلى تقديمه.

 

 

المواطنون أو في الأقل أولئك المعتنقين مبدأ "العيال عزوة" والمؤمنين بأن تنظيم النسل نقمة والمنضمين الجدد ممن عادوا إلى اعتبار كل رأس بشرية تضاف إلى الأسرة هي رأسمال جديد، في واد آخر بعيد تماماً من المؤتمر الدولي المنعقد في قاعة كبرى في العاصمة الإدارية الجديدة، إنه بعد جغرافي واجتماعي وفكري وثقافي يسير في اتجاه مواز، لكن لا يقترب أو يتوقع تماسه مع خط الدولة التي تعرف أن الزيادة السكانية تأكلها فعلياً.

آكلو الدولة

الجموع الغفيرة في كل شارع وميدان وحارة في المدن الكبرى والصغرى ومراكزها وقراها تؤكد أن الدولة يجري أكلها بالفعل، والوحيدون الذين لا يلمحون معالم الأكل هم آكلوها.

السيدة الثلاثينية التي تتخذ من تقاطع شهير يسبقه مطب يجبر السيارات على التهدئة ومن ثم الإغداق عليها بالأموال في أحد شوارع حي مدينة نصر (شرق القاهرة) تحولت من متسولة معها طفلان إلى قبيلة قوامها ستة أطفال، الفارق الزمني بين كل منهم والآخر يكاد يكون تسعة أشهر وبضعة أيام، ومن اشتد عوده منهم أصبح "بسم الله ما شاء الله" على حد قولها "كسيب ويعمل كالرجال"، فيما لا يتجاوز عمر أكبرهم سبعة أعوام ويعملون في التسول كل الوقت وبيع المحارم الورقية بعض الوقت.

السيدة التي لا تجد حرجاً في تسريح صغارها الذين لم تطأ أقدامهم أرض مدرسة ولا ترى تربيتهم في الشارع أمراً جللاً، تعتبر التفكير في التوقف عن عملية ضخ مزيد منهم "عملاً يغضب الله"، تقول: "استغفر الله العظيم يارب، ربنا يرسل لي نعمة وأنا أرفضها؟ استغفرك ربي وأتوب إليك".

استغفار وتوبة

شعور عام يجمع كثيرين بأن الأزمة الاقتصادية الطاحنة سببها غضب السماء أو إتيان العباد بكثير من الذنوب، أما فكرة أن إتيان العباد بكثير من العيال مما يسهم في تأجيج أزمة اقتصادية رهيبة جانب منها دولي وجانب آخر منها لأسباب محلية بحتة فغالباً لا تطرأ على البال، وحتى إن طرأت فمصيرها الاستغفار وطلب التوبة، وذلك ضمن منظومة ثقافية ودينية ممسكة بتلابيب حرمانية التحديد والتنظيم.

تحليل التنظيم

المؤسسات الدينية الرسمية تنتهج حالياً نهج تحليل التنظيم، أما التحديد فلا يتطرق إليه أحد إلا في ما ندر، الرأي الديني الرسمي والفتاوى التي تصدر علناً من المؤسسات الدينية الرسمية والآراء الفقهية التي تبث على أثير الإعلام جميعها يدور في ثلاثة محاور، وهي أن الحاكم هو ولي الأمر ومن حقه في الشرع أن يقيد المباح، وكذلك تنظيم الأسرة حلال شرعاً (لحين إشعار آخر) حفاظاً على صحة الأم وحتى يحصل الصغير على القدر الكافي من الرضاعة والرعاية، إلى جانب تحديد النسل حرام شرعاً. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اللافت أن الجميع يتحدث عن التنظيم لا التحديد، ولكن بالورقة والقلم والحجة والبرهان فإن المطلوب من المصريين من أجل إبطال مفعول القنبلة وتهدئة السباق المحتدم واقتصار الزيادة السنوية على 400 ألف مولود فقط لا غير لمدة 20 عاماً في الأقل، فإن المطلوب فعلياً هو التحديد، فالمرأة التي تتزوج في سن 22 سنة مثلاً لو اتبعت مبدأ التنظيم القائم على المباعدة ثلاث سنوات بين مولود وآخر ستنجب نحو ستة أطفال في سنوات خصوبتها، وهو ما يعني أن التحديد لا التنظيم هو القادر على إبطال القنبلة.

قنبلة الزيادة السكانية دفعت السيسي للتحدث للمرة الأولى عن تجارب دول أخرى مثل تركيا والصين وإيران في ملف الزيادة السكانية، واللافت أن التجربة الإيرانية لم يتوقف عندها أحد من المعلقين أو المنددين أو المؤيدين للتوجه الرسمي نحو تقييد حرية الإنجاب المطلقة بشكل ما التي تتضح أمارتها في فعاليات المؤتمر الحالي.

التجربة الإيرانية

التجربة الإيرانية سبق وأشار إليها البنك الدولي ضمن التجارب الإيجابية التي ينبغي أن تكون نموذجاً يحتذى.

إيران لم تفرض قيوداً على الإنجاب، بل العكس هو الصحيح، وبحسب البنك الدولي، "كون الإيرانيين أصبحوا أكثر تعليماً مما كانوا عليه قبل عقود، يبدو أنهم كانوا قادرين على اتخاذ قرارات مستنيرة في شأن حجم أسرهم، وأصبح هناك توازن بين مناشدات الحكومة للإقبال على التناسل والإنجاب في مقابل التحدي المتمثل في تربية والإنفاق على أسرة كبيرة العدد في وقت يسود فيه التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي، ويبدو أن التعليم كان إحدى أكثر الأدوات فاعلية في ما يتعلق بتنظيم الأسرة، وشهدت إيران أكبر وأسرع انخفاض سجل على الاطلاق في ما يتعلق بمعدلات الخصوبة، من نحو سبع ولادات لكل امرأة إلى أقل من ولادتين في غضون نحو 30 عاماً".

التعليم والتنظيم

العلاقة بين التعليم وتنظيم الأسرة علاقة وطيدة، لكن بالنظر إلى التركيبة الثقافية والدينية لقطاع غير قليل من المعلمين في مصر يمكن القول إن نسبة غير قليلة ترفع شعار "العيال عزوة" وأن كلاً من التنظيم والتحديد حرام، والغريب أن عديداً من الدروس المدرسية تتطرق إلى أهمية تنظيم الأسرة ومميزات الأسرة الصغيرة وقيمة الاستثمار في التعليم وسوق العمل وتقليل الزيادة السكانية، وهو ما يدرسه المعلم للطلاب، لكن ما يقال خارج المنهج كثيراً ما يكون معاكساً لما في داخله.

وما يقال كذلك أعلى المنابر الخاضعة لتنظيم ورقابة وزارة الأوقاف أحياناً يختلف تماماً عما يقال أسفلها أو على باب المسجد من الحديث الشريف، وذلك من دون اجتهاد في التفسير.

تحليل التعامل مع الوضع الاجتماعي والثقافي في ما يتعلق بالزيادة السكانية في مصر يحتاج إلى منظومة فكرية وإجرائية وثقافية ودينية مبتكرة، لا "ترقيع" الموجود أو فرض القيود.

تشهد مصر سنوياً ما لا يقل عن 880 ألف عقد زواج جديد، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهذا يعني نحو 880 ألف مولود إضافي في العام التالي، وهلم جرا، وربما ذلك ما يجعل خبير دراسات السكان والهجرة وعضو المجلس القومي للسكان أيمن زهري غير متحمس لأفكار تتعلق بالتقييد، لا سيما على المدى القصير كما هو مطلوب، مشيراً إلى أن الطريق الوحيد يمر من بوابة تمكين المرأة وإصلاح التعليم جذرياً.

جذرية التغيير

قبل أسابيع، تحدث مستشار وزير الصحة والسكان لشؤون السكان وتنمية الأسرة عمرو حسن عن "التحسن الملحوظ في ملف الزيادة السكانية، إذ شهد عام 2014 ولادة مليوني و700 ألف مولود، وفي عام 2022 انخفض عدد القادمين الجدد إلى مليوني و183 ألف مولود، أي بانخفاض نحو نصف مليون عن عام 2014. 

حسن قال إنها "قضية وعي وحرب تغيير مفاهيم لدى المواطن"، لكن هذا النوع من الحروب لا يؤتي ثماره آنياً في ساحة المعركة، كما أنه أكثر عرضة للكيد الشعبي والالتفاف الديني والتربص السياسي، وهو الثالوث الذي يقفز في وجه النظام المصري كلما تحدث السيسي عن اللغم السكاني.

حديث الحروب

حديث السيسي عن الحروب التي خاضتها مصر من حرب اليمن إلى حروب 1956 و1967 و1973، إضافة إلى حروب الإرهاب التي تأججت عقب أحداث 2011 ثم 2013 واستمرت حتى عام مضى، وما يعني ذلك من كلفة باهظة للدولة يظل بعيداً من فكر قاعدة ليست قليلة من المصريين لا تجد رابطاً بين ضخ العيال من جهة والحروب والصراعات ومواجهة الإرهاب من جهة أخرى.

ليس هذا فقط، بل إن بعضاً من المصريين لجأ عبر التاريخ إلى سلاح المكايدة والعناد حال وجد نفسه "مجبراً" بقوة القانون على تغيير نمط اعتاده في حياته أو نشأ وتربى عليه، وليس أدل على ذلك من "زواج الطفلة" الذي لا يقتصر فقط على الأسر الفقيرة التي تزوج بناتها في سن صغيرة لنقل مسؤوليتها المادية إلى رجل آخر، أو حتى اعتبارها مصدر رزق للأسرة عبر المهر مثلاً، بل تمتد إلى أسر ما زالت تؤمن أنه يجب التسريع بتزويج الصغيرات حتى وإن كن طفلات في الـ10 أو الـ11 من العمر بحثاً عن الستر وحماية الشرف.

وعلى رغم انخفاض حالات تزويج الصغيرات، وعلى رغم القوانين المجرمة له، إلا أن الالتفاف يظل سيد الموقف، إذ يتم الزواج عرفياً إلى أن تتم الطفلة 18 سنة ثم يتوثق، وكثيراً ما يجري ذلك بمساعدة ومباركة شيخ القرية وطبيبها وأهل القرية جميعاً.

الالتفاف الديني

أما الالتفاف الديني فيكاد يكون أصعب في التعامل والمواجهة من الكيد الشعبي، فبين رجال دين ودعاة "مستقلون" أي غير تابعين للمؤسسات الرسمية ومنهم الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي من دون ضابط لآرائهم أو رابط لتفسيراتهم، وآخرون منتمون للمؤسسات الرسمية ممن يقولون خلف الأبواب المغلقة ما لا يقولونه عند فتحها، ونأي شبه كامل عن التطرق للتحديد لا التنظيم فقط، يبقى شوكة في حلق أية محاولة رسمية أو توعوية للغم السكاني.

 

 

الألغام تظل أنواعاً وأشكالاً، ومنها ما يجذب ما يصفه بعضهم بـ"الطفيليات" لتتغذى عليه لا سيما بعد ما نضبت مصادر التمويل ومنابع التعضيد السياسي لها، وقنوات ومنصات وأفراد محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين يتلقفون أي حديث عن القنبلة السكانية وسباق الأرانب والتهام الزيادة للدولة باعتبارها خطوات وسياسات وإجراءات تتبعها الدولة لتعقيم المواطنين أو انقراض المصريين أو محاربة الدين عبر منع الإنجاب وغيرها من "التحليلات" التي تدور رحاها كلما ضج الساسة من إيقاع الساعة السكانية، فما بالك برأس الدولة وهو يتحدث عن "تنظيم الحرية المطلقة في الإنجاب"!

الصين هدفهم

وتظل هناك فئة من المصريين تصر على ضرب أمثلة بالصين حيث التعداد يفوق 1.4 مليار نسمة، وعلى رغم ذلك يمثل كل منهم قوة ضاربة في الصناعة والإنتاج، منهم من ينتقد ما يرونه "تباطؤاً من الدولة في المضي قدماً بملف التصنيع والاستثمار"، وهو الملف الوحيد القادر على استيعاب بل وطلب الأيدي العاملة والمدربة والمتعلمة لقيادة الدولة نحو نهضة حقيقية، ومنهم من يطالب بإطلاق حرية ضخ العيال على مصراعها من دون الالتفات لفروق جذرية بين الصين ومصر، إذ نسبة ليست قليلة من الأسر المصرية التي تضخ عيالاً من دون هوادة تضع قيادة "توك توك" والبيع المتجول والهجرة إلى أوروبا على ظهر قارب خشبي وغيرها نصب عينيها، وليس إلحاق الصغير بدراسة فنية أو مهنية لضخ مزيد من العمال إلى المصانع المتطورة، هم يطالبون بالاستمرار في حرية ضخ العيال على أمل تشييد المصانع المرجوة التي تستوعب هذه الملايين في يوم ما.

يوماً ما ستعي الملايين أن معدلات المواليد ليست المشكلة أو الحل، كما أن السياسات الحكومية حول العالم التي تتأرجح بين دعم خفض نسب الخصوبة تارة ورفعها تارة أخرى أو إبقائها على ما هي عليه ليست الحل، بل تكاد تكون جزءاً من المعضلة السكانية، وأورد "تقرير حالة السكان 2023" الأممي الجهود المبذولة للتأثير في معدلات الخصوبة التي يرى أنها غالباً تكون غير فعالة لأنها لا تضع الجوانب الحقوقية، لا سيما في ما يختص بالمرأة في الحسبان، بل تتعامل مع السكان باعتبارهم أرقاماً لا أشخاص.

وبين دعوة الرئيس المصري إلى تنظيم "الحرية المطلقة"، واعتقاد قاعدة شعبية بأن العيال لا علاقة لهم بالتنمية أو الموارد أو السياسة أو الاقتصاد، واصطياد أصوات إعلامية وعنكبوتية معارضة في المياه العكرة واعتبارها الحديث المصري الرسمي عن اللغم السكاني هو مخطط لانقراض المصريين، وألعاب القط والفأر بين العادات والتقاليد والقوانين والفتاوى والعزوة والسترة، ورؤية حقوقية تنموية تدعو إلى التعليم والتمكين ثم ترك قرار الإنجاب حق في يد الجميع تدور معضلة مصر السكانية التي كانت مزمنة ثم أصبحت مسألة وقت قبل أن تنفجر في وجوه الجميع تنتظر ما سيسفر عنه "المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية" من إجراءات تقييد حريات ضخ العيال المطلقة أو قرارات الانتظار قليلاً.

المزيد من تحقيقات ومطولات