Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تراجع "الكاش" لصالح "القسط" في مصر؟

1.7 مليون شخص حصلوا على قروض بـ660 مليون دولار في 6 أشهر لشراء سلع استهلاكية

ارتفاع التضخم وأزمة الدولار وتدني الجنيه أسهمت في نمو نشاط التمويل الاستهلاكي في مصر (أ ف ب)

ملخص

الاقتراض تنوع لأغراض شراء سيارات وأجهزة كهربائية وأثاث وسلع غذائية وملابس

أمام تضخم شرهٍ وتدنٍّ قياسي في قيمة الجنيه الشرائية اندفع المصريون نحو الاقتراض لأغراض استهلاكية على نحو ملحوظ في النصف الأول من العام الحالي، إذ اقترض قرابة 1.708 مليون فرد نحو 20.5 مليار جنيه (660 مليون دولار) لشراء أجهزة كهربائية ومواد غذائية وتجهيزات منزلية وأثاث، حتى وإن لم يسلموا من سعر الفائدة المرتفع على الإقراض بنحو 11 ألف نقطة أساس منذ مارس (آذار) 2022، والمستقر بعد سلسلة من الارتفاعات عند مستوى 20.25 في المئة.

وتفصح أرقام الهيئة العام للرقابة المالية في مصر عن ارتفاع بأعداد المصريين الحاصلين على قروض استهلاكية خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران) 2023 إلى 1.708 مليون فرد من 1.344 مليون في الفترة ذاتها من العام الماضي، بنسبة نمو 27.1 في المئة، بإجمالي تمويلات بلغت 20.5 مليار جنيه (660 مليون دولار) من 14.172 مليار (450 مليون دولار) بنسبة نمو 45 في المئة بالمقارنة مع الفترة المثيلة من عام 2022.

وتلفت الإحصائيات الشهرية الصادرة عن قطاع التمويل غير المصرفي والإدارة المركزية للبحوث والسياسات في "هيئة الرقابة المالية" إلى أن يونيو الماضي شهد وحده حصول 284.3 ألف شخص على قروض بقيمة 3.685 مليار جنيه (120 مليون دولار)، بنسبة نمو بلغت 18.4 في المئة عند المقارنة بأعداد المقترضين (240.2 ألف مقترض) في الفترة ذاتها من العام الماضي، وبتمويلات أعلى بنسبة 18.2 في المئة في الفترة المثيلة محل المقارنة.

الأجهزة الكهربائية في المقدمة

وبينما يغطي التقرير الحديث نشاط التمويل الاستهلاكي لشركات الأنشطة المالية غير المصرفية ولا يغطي القروض الاستهلاكية لدى البنوك، فإن من المؤكد أن نسبة الأخيرة أكبر بكثير بالنظر إلى وجود قرابة 38 بنكاً تعمل في السوق المحلية، وتدفع هذه النوعية من القروض بنتائج أعمالها على نحو واسع.

وبنظرة أدق تنوعت أغراض الاقتراض بين شراء السيارات بنسبة 32.85 في المئة من إجمالي التمويل البالغ 20.5 مليار جنيه في النصف الأول، وشراء الأجهزة الكهربائية والإلكترونية بنسبة 32.93 في المئة، وشراء الملابس والأحذية والشنط والساعات بنسبة 5.10 في المئة، والهواتف الذكية بنسبة 4.10 في المئة، إضافة إلى شراء الأثاث وقطع غيار السيارات وحلول الطاقة المتجددة للمنازل ومشتريات المحال والسلاسل التجارية والمواد الغذائية والإلكترونيات بنسب أقل تمثيلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ مارس من العام الماضي عوّمت القاهرة سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار ثلاث مرات، إذ انزلق السعر من 15.75 جنيه للدولار في نهاية الربع الأول من العام الماضي، إلى متوسط 30.85 جنيه للعملة الأميركية في سبتمبر (أيلول) الجاري، في وقت ظلت فيه السوق السوداء للعملة محتفظة بأسعار أعلى للدولار الأميركي أمام الجنيه عند مستوى 40 جنيهاً (1.29 دولار بالسعر الرسمي)، إثر موجة من هرب 20 مليار دولار من الأموال السخنة، نتيجة التشديد النقدي الذي مارسته البنوك المركزية، وفي مقدمتها بنك الاحتياطي الفيدرالي، نهاية عام 2021.

وزاد التضخم من ضغوط الأفراد والأسر، وسرعان ما مررته الشركات التي عانت ارتفاعاً في مستلزمات إنتاجها إلى المستهلك النهائي، ليسجل معدله السنوي في المدن المصرية في أحدث قراءة يوليو (تموز) الماضي، 38.2 في المئة على أساس سنوي مقارنة بنحو 36.2 في المئة خلال يونيو الماضي، وإن أظهر تباطؤاً على أساس شهري في يوليو الماضي إلى 1.9 في المئة مقابل 2.1 في المئة خلال يونيو 2023، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

مصرفيون رأوا في إفصاح الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر حول نمو نشاط التمويل الاستهلاكي في البلاد خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، يتماشى ومعدلات التضخم المرتفعة وتدني قيمة العملة المحلية وأزمة النقد الأجنبي، وتحدثوا لـ"اندبندنت عربية" عن أن هذه الأمور كفلت لجوء شريحة واسعة من المصريين إلى الاقتراض لأغراض الاستهلاك، في مسعى لاستيعاب صدمة الأسعار.

تقسيط الغلاء

يتحدث المتخصص المصرفي ماجد فهمي عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد وكيف أسهمت في تغيير أنماط الاستهلاك بين تأجيل الشراء أو العزوف عنه أو تقسيطه، ويشير إلى أن الخيار الثالث دفع نشاط التمويل الاستهلاكي عبر الاقتراض لأغراض استهلاكية كشراء سلع ومنتجات بنظام التقسيط عوضاً عن سداد فوري مؤلم وبالغ الكلفة.

ويلفت رئيس بنك التنمية الصناعية السابق في حديثه إلى أن نشاط السوق السوداء ساعد في استفحال الأزمة على نحو واسع، وأن ارتفاع الطلب على الدولار بغرض الاكتناز والتحوط أو حتى لأغراض الاستيراد أسهم في ارتفاع سعره على نحو مبالغ فيه بالمقارنة مع السعر الرسمي في البنوك، وهو ما أدى إلى تأجيج الغلاء، وجعل من الاقتراض حلاً أنسب لكثيرين، من الراغبين في الحصول على السلع مقابل تقسيط أسعارها على أقساط عديدة.

أما عضو غرفة القاهرة التجارية إيهاب سعيد فيرى أن عديداً من السلاسل التجارية استفادت من أنظمة البيع بالتقسيط، وتنوعت عروضها بين البيع الآجل بفائدة صفرية أو حتى فائدة ميسرة، ودفعت نمو مبيعاتها عبر أنظمة التقسيط، في وقت وفرت فيه بنوك وشركات خيار التمويل الاستهلاكي عبر قروض سريعة للأفراد.

ويشير المتخصص التجاري إلى أن انتشار شركات التكنولوجيا المالية ساعد بقوة في هذا تنامي هذا الاتجاه الاستهلاكي، والذي يناسب كثراً، بخاصة أصحاب الدخول المتوسطة، الذين يفضلون شراء عديد من السلع بنظام التقسيط وعبر قروض استهلاكية طويلة الأجل، متوقعاً نمو نشاط التمويل الاستهلاكي الفترة المقبلة على نحو واسع.

وفي سبتمبر عام 2021 أنشئ في مصر اتحاد للشركات العاملة في مجال التمويل الاستهلاكي بهدف تنظيم أوضاع القطاع وتقديم المقترحات التشريعية الخاصة به، في وقت قدرت فيه الهيئة العامة للرقابة المالية عدد الشركات المقيدة ضمن نشاط تقديم خدمة نشاط التمويل الاستهلاكي بـ43 شركة.

سيظل نشاط التمويل الاستهلاكي مدفوعاً على الأرجح بارتفاع معدلات التضخم في مصر، واستحداث الشركات أنظمة ميسرة للبيع تحقق الرواج وتدفع المبيعات وتلبي الحاجات، فيما ستظل الشركات العاملة في النشاط الرابح الأكبر من اتساع قاعدة العملاء الفارين من لهيب الغلاء إلى حمى القروض مرتفعة الفائدة.