Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحداثة واستقلال المرأة يهبطان بعدد الأطفال في تونس

متخصصون يرون أن تجديد الأجيال يستوجب إنجاب 2.8 طفل لكل امرأة وهو أمر بات مستحيلاً الآن

تتجلى ظاهرة تقلص أعداد الأطفال في السنوات الأولى للمدارس أو في رياض الأطفال (أ ف ب)

ملخص

يشهد المجتمع التونسي تغيرات جلية على المستوى الديموغرافي ويظهر ذلك في تقلص عدد الأطفال بعد أكثر من 60 عاماً من بدء سياسة "تحديد النسل"

يشهد المجتمع التونسي تغيرات جلية على المستوى الديموغرافي، ويظهر ذلك في تقلص عدد الأطفال بعد أكثر من 60 عاماً من بدء السلطات تنفيذ سياسة "تحديد النسل"، إذ أصبح الأزواج الشبان أكثر اقتناعاً بإنجاب طفل واحد أو اثنين على الأكثر لأسباب عدة، منها رغبتهم في توفير حياة أفضل لأطفالهم ونظراً إلى التطورات التي شهدها المجتمع التونسي.

تفيد أحدث الإحصاءات الرسمية أن "نسبة الخصوبة انخفضت بشكل متكرر خلال السنوات الأخيرة، وصولاً إلى 1.8 طفل في 2021، مقارنة بـ2.4 طفل عام 2013"، وفق بيانات معهد الإحصاء الوطني، وتعد المباعدة بين الولادات وتأخر سن الزواج من بين أبرز المؤشرات في هذا السياق.

ونسبة الخصوبة تعني عدد الولادات الجديدة لكل ألف امرأة في سن الإنجاب، أي في الفئة العمرية من 15 إلى 49 سنة أياً كانت حالتهن المدنية، سواء كن عازبات أو متزوجات أو أرامل أو مطلقات.

نساء مستقلات

تقول ضحى العويني وهي سيدة أربعينية، إنها تزوجت في سن الـ30 بعد إنهاء دراستها الجامعية والانطلاق في مسارها المهني، مضيفة "لم أكن أفكر في الزواج قبل إنهاء دراستي وضمان استقلاليتي المالية حتى لا أكون تابعة لأي طرف".

توضح العويني أنها أنجبت في سن الـ35 طفلها الأول، وبعد عامين طفلتها، قائلة "اخترنا أنا زوجي أن يكون لنا طفلان فقط لنضمن لهما حياة أفضل".

أما منال (45 سنة) فتزوجت في سن الـ35، وتقول إنها أنجبت طفلتها بعد سنتين من الزواج ثم أخفقت في إضافة طفل آخر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبخصوص تأخر سن الزواج تقول، إن الاهتمام بالبحوث العلمية والسفر المتواصل في مسارها المهني أسهم بشكل كبير في تأخير مرحلة الزواج.

تتجلى ظاهرة تقلص أعداد الأطفال في السنوات الأولى للمدارس أو في رياض الأطفال، وفي هذا الصدد أكدت رئيسة غرفة رياض الأطفال نبيهة كمون، أن مدارس رياض الأطفال الخاصة تشهد تراجعاً كبيراً في عدد الأطفال مما أسهم في غلق بعضها أبوابه.

كما تجدر الإشارة إلى أن برنامج التنظيم العائلي في تونس انطلق عام 1966، في إطار سياسات تحديد النسل وتنظيمه والقضاء على الفقر ومحو الأمية وتحقيق نمو اقتصاد البلاد وتحقيق التوازن على مستوى النمو الديموغرافي بين مختلف الجهات.

في السياق نفسه يشير الأستاذ الجامعي حسان قصار إلى "أسباب عدة أسهمت في تقلص عدد الأطفال"، مفسراً إياها بتقلص نسبة الخصوبة في تونس نظراً إلى تأخر سن الزواج بين 29 و34 سنة للفتيات الجامعيات. وهو عامل يرتبط بحداثة المجتمع التونسي وتحول اهتمامات المرأة من الزواج والإنجاب إلى الاهتمام أكثر بمسارها العلمي والمهني والمادي.

يرى قصار أن "من الصعب على تونس الرجوع إلى الوراء وتجديد الأجيال، الأمر الذي يستوجب إنجاب 2.8 طفل لكل امرأة، حيث لا يتعدى معدل الإنجاب اليوم 1.8، وهو قريب من الدول الأوروبية.

ويضيف "نحن نعيش وضعاً جديداً لا يمكن تغييره إلا إذا تخلينا عن الحداثة، أي استقلالية المرأة، وهو أمر مستحيل"، وفق تعبيره.

لكن على رغم ذلك يرى قصار أن على الدولة تشجيع الشباب الذين يرغبون بالزواج في سن مبكرة، وذلك بتوفير المسكن بأسعار منخفضة وتقديم منح خاصة لكل طفل من أجل التشجيع على الإنجاب، لكن يبقى الأمر نسبياً، بحسبه، معتبراً أن "الوضع لن يتغير ويجب أن نتأقلم معه، وأن تستعد الدولة لوضع استراتيجيات جديدة خاصة بالتهرم السكاني".

تحديد النسل

من جهته يرى المكلف التخطيط لدى الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري عبدالدايم الخليفي، أنه لا علاقة بين برنامج التنظيم العائلي الذي يعتمد على تحديد النسل وتقلص فئة الأطفال في تونس. مبيناً أن "هذا دور الدراسات الجامعية التي يمكن أن تثبت أو تفند هذه الفرضية".

الخليفي يؤكد أن تقلص عدد الولادات هو دليل على نجاح برنامج التنظيم العائلي الذي وضعته الدولة منذ سبعينيات القرن الماضي. مواصلاً "الديوان الوطني للأسرة والعمران أسهم منذ إحداثه في تجسيم وتنفيذ السياسة الوطنية في مجال التخطيط السكاني والتحكم في الخصوبة عبر العمل على التخفيض في نسق النمو الديموغرافي وضمان الظروف الملائمة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المنشودة خلال تلك الفترة الصعبة التي واجهتها تونس بعد الاستقلال، وذلك عبر توفير خدمات تثقيفية وتوعوية وطبية آمنة ومجانية تشمل جميع مجالات ومكونات التنظيم العائلي والصحة الإنجابية".

تميزت تدخلات وبرامج الديوان عبر خمسة عقود، بحسب الخليفي، بمواكبة التحولات السكانية والصحية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع التونسي وما تفرزه تطوراته ومستجداته من حاجات وأولويات جديدة. فتنوعت هذه التدخلات والبرامج لتشمل مختلف المجالات والمتعلقة خصوصاً بصحة المرأة ورفاهيتها الجسدية والنفسية، وذلك وفق مقاربات مبتكرة وخدمات مجانية بكامل أنحاء البلاد وفي جميع مراحل الحياة. وبذلك كان للديوان، على مدى نصف قرن، دور كبير وفعال في التحكم بنسق النمو الديموغرافي وتوسيع التغطية بوسائل منع الحمل.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير