Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يستمر سقوط الدينار التونسي أمام اليورو ؟

المواطنون أمام فاتورة مالية باهظة تطاول كلف المعيشة في البلاد ومتخصصون يختلفون على الآثار

اليورو يعادل 3.4 دينار في أعلى مستوى منذ أعوام (أ ف ب)

ملخص

تداعيات منتظرة لارتفاع التضخم وخلاص الديون المقومة بالعملة الأوروبية

تفاجأ التونسيون منذ ثلاثة أيام بصعود لافت لسعر صرف اليورو أمام الدينار ليصل إلى مستوى قياسي ويصبح في السوق البنكية بـ3.401 دينار لليورو الواحد، إذ زادت قيمة العملة الأوروبية الموحدة بنسبة 2.75 في المئة منذ بداية العام الحالي.

لم يستسغ المتعاملون الاقتصاديون هذا التدهور المقلق والمحير للعملة المحلية الذي يعكس في جزء منه الأزمة الاقتصادية والمالية الكبيرة التي تعانيها البلاد في الأعوام الأخيرة.

سجل اليورو الرقم القياسي الأول في الـ19 من أبريل (نيسان) 2019 عندما تخطى عتبة 3.3 دينار في ذهول كبير للأوساط المالية التونسية التي أطلقت جرس إنذار في شأن التداعيات غير المحمودة لهذا التراجع للعملة التونسية.

وقد يدفع التونسيون ثمناً باهظاً لانزلاق سعر الدينار الذي أثر في معيشتهم نتيجة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، وصعود نسبة التضخم إلى 9.1 في المئة، فعلى مدى الأعوام الأخيرة كل رجة تحصل على مستوى التضخم أو اختلال قيمة العملة المحلية، تنعكس جلياً على الأسعار في جل المنتجات، مما يفاقم الوضعية المعيشية الصعبة للتونسيين.

إنهاك دعائم الاقتصاد

أكد المرصد التونسي للاقتصاد أن اعتماد قانون استقلالية البنك المركزي التونسي منذ 2016 أسهم في إنهاك دعائم الاقتصاد الوطني، لا سيما بالنسبة إلى التأثير في سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية المرجعية، فضلاً عن التسبب في تفاقم عجز ميزان المدفوعات وتوسع التضخم وتآكل احتياط النقد.

ولاحظ في تقرير نشره في الـ 20 من يونيو (حزيران) الماضي أن طلب صندوق النقد الدولي اعتماد نظام صرف معدل أدى إلى ارتفاع قيمة الواردات، مما أضعف القدرة التنافسية للمؤسسات وتسبب في نقص مداخيل البلاد من العملة الأجنبية.

وانطلق المنحى التنازلي للعملة الوطنية منذ 2011 بعد أن كان سعرها لا يتجاوز 1.33 دينار مقابل الدولار في يناير (كانون الثاني) 2010 وتراجع إلى 1.51 دينار في مارس (آذار) 2012، ثم إلى 1.66 دينار في ديسمبر (كانون الأول) 2013، وصولاً إلى 1.72 دينار في يوليو (تموز) 2014، ليأخذ منحى خطراً منذ عام 2015، إذ تهاوى إلى 1.93 دينار في فبراير (شباط)، ثم 2.2 دينار في أغسطس (آب) 2016، و2.42 دينار في يوليو 2017، ليصل إلى 3.02 دينار في أبريل (نيسان) 2019، مما مثل دافعاً للمخاوف الحالية باقترابه من هذا السقف وهو 2.901 في الوقت الراهن، وفق المؤشرات المالية للبنك المركزي التونسي.

نقلة لافتة

يقول المحلل المالي بسام النيفر إن تونس أقفلت عام 2022 على سعر صرف دولار يساوي 3.1101 دينار بما يعادل 3.3102 دينار لليورو، ولكن منذ الإثنين الماضي وقعت النقلة الملحوظة في سعر الدولار ليساوي 3.0332 دينار واليورو الذي أصبح يتداول بـ3.4015 دينار.

هذا التطور في سعر صرف الدينار مقابل اليورو على مستوى الميزان التجاري يعد وفق النيفر في حديث إلى "اندبندنت عربية" أمراً إيجابياً لأن الاتحاد الأوروبي يستوعب أكثر من 71 في المئة من الصادرات التونسية، مما يعني أن تونس ستغنم أكثر بالدينار بينما واردات البلاد من الاتحاد الأوروبي تبلغ 43.8 في المئة فقط.

كما لفت إلى أن معظم واردات تونس، بخاصة المواد الأساسية والمحروقات تكون بالدولار، مما يعني أن الكلفة ستكون أقل من اليورو، بالتالي فإن الميزان التجاري في الأقل سيغنم نسبياً فيساعد على تحسين ميزان الدفوعات في 2023.

ارتفاع حجم التداين

وبخصوص تداعيات ارتفاع قيمة اليورو مقابل الدينار على ديون تونس، قال بسام النيفر إن المسار ما زال طويلاً لتسوية ديون هذا العام في ظل وجود مسألتين مهمتين، الأولى تسوية ما قيمته تسوية 22.4 مليار ين ياباني (0.16 مليار دولار) في آب المقبل، ملاحظاً أن العملة اليابانية هي تقريباً في الاتجاه نفسه مع الدولار، الأمر الذي يعني أن التسوية ستكون أقل مما هو مجدول في 2023، أما المسألة الثانية فتتعلق بتسوية قرض بقيمة 500 مليون يورو (560 مليون دولار) في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ومن المرجح أن تزيد القيمة بسبب ارتفاع قيمة اليورو أمام العملة التونسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن جهة أخرى، لفت المحلل المالي الانتباه إلى أن إجمال ديون تونس بفعل سعر الصرف في مارس 2023 تظهر أن 60.4 في المئة من قائمة الديون التونسية الخارجية باليورو، وبالتالي فإن هذا الارتفاع سيجعل حجم تداين الدولة يقفز على رغم أن البلاد لم تحصل على قروض خلال العام الحالي.

وفسر في هذا الإطار أن زيادة سعر صرف اليورو أمام الدينار ستؤثر في تسوية ديون تونس في ظل الحظر الدولي على نفاذ البلاد إلى قروض المؤسسات المالية العالمية.

وعما إذا كان هذا الارتفاع في قيمة سعر صرف اليورو سيؤثر في التضخم، أوضح المحلل المالي أن تعاملات تونس كبيرة مع الاتحاد الأوروبي وأن التغير في قيمة الدولار لا تنعكس عموماً على التضخم بقدر ما تؤثر بشكل جلي عند صعود قيمة اليورو أمام الدينار.

ولفت إلى أن مهمة البنك المركزي التونسي ستكون صعبة لمجابهة التضخم المالي في ظل فترة دقيقة لتطويق التضخم المرتفع في البلاد (9.1 في المئة في أواخر يونيو 2023) مع إضافة الفارق الكبير في سعر صرف اليورو أمام الدينار، مما سيجعل التضخم المستورد كبير وتصعب السيطرة عليه.

تأثير إيجابي لتحويلات المغتربين

وفي المقابل قال النيفر إن ارتفاع قيمة اليورو أمام الدينار ستخدم بشكل مهم تحويلات المغتربين التونسيين المتمركزين في أوروبا (نحو مليوني تونسي) بربح بعض النقاط وتحصيل عائدات أعلى على مستوى الدينار.

صعود متوقع

من جانبه، اعتبر أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية معز الجودي أن هذا الصعود القياسي لسعر صرف اليورو أمام الدينار كان متوقعاً وفق مجمل التحاليل المالية، مبرزاً أن هذه الزيادة ستكون لها تداعيات غير محمودة على احتياط تونس من النقد الأجنبي وعلى الموارد الخارجية فضلاً عن تأثر تنافسية الصادرات.

ورجح أن الوضع سيزيد صعوبة مع إمكان تسجيل زيادات أخرى في سعر صرف اليورو أمام الدينار مع نهاية العام الحالي، ويعزو تراجع الدينار إلى ضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أن خبراء "الصندوق" طلبوا من "المركزي التونسي" عدم التدخل بطريقة مفتعلة لتعديل الدينار حتى يأخذ حجمه النقدي الحقيقي.

ويوضح أن البنك المركزي التونسي دأب على تحديد سعر مرجعي للدينار خلال بداية عملية العرض والطلب في سوق الصرف، لكنه كان يتدخل لشراء الدينار بالعملة الصعبة من أجل تعديل قيمته وليحد من انزلاقه، وهو ما يرفضه "الصندوق"، معتبراً أن هذا التدخل لا يعكس قيمته الحقيقية.

اقرأ المزيد