Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"لمعان مزيف" يغرق أسواق الذهب في مصر

الحكومة تعود لفكرة إصدار "دمغة الليزر" للحد من عمليات الغش وتحذيرات من عروض منصات التواصل  

بحسب تجار الذهب فإن عمليات الغش المنتشرة تتطلب تشديد الرقابة على السوق (أ ف ب)

ملخص

كشفت شهادات حصلت عليها "اندبندنت عربية" عن تنامي عمليات الاحتيال والتلاعب التي تستهدف سوق الذهب.

مع استمرار ارتفاع أسعار الذهب وتفاقم الوضع الاقتصادي في مصر وسعي شريحة واسعة من المصريين إلى الاستثمار الآمن، كشفت شهادات حصلت عليها "اندبندنت عربية" عن تنامي عمليات الاحتيال والتلاعب التي تستهدف سوق الذهب، حتى إن كثيراً من أصحاب الخبرات لم يسلموا من تلك الممارسات غير الشرعية.

بحسب الشهادات فإن هذه الأنشطة غير المشروعة تتخذ أشكالاً متعددة ومتنوعة، متضمنة استخدام سبائك مصنعة من معادن مثل النحاس أو الفضة وتغطية السطح الخارجي لها بطبقة رقيقة من الذهب، فضلاً عن عمليات بيع تتضمن وضع أقفال ذهبية مطبوع عليها أختام في حين تكون مكونات القطعة (الحشو) ليست بالكامل من الذهب، كما تشمل هذه الأنشطة أيضاً تلاعباً في نسب الذهب الموجودة في هذه القطع، إذ يتم تقليل نسبة الذهب الأصلية في القطعة إلى عيار أقل.

تشكيلات عصابية

يروي إبراهيم الرفاعي، صاحب محل ذهب في أحد المراكز التجارية الشهيرة بمدينة السادس من أكتوبر، شهادته في شأن عمليات الاحتيال تلك، مؤكداً أنهم تعرضوا لعملية غش منظمة إذ اكتشفوا تشكيلاً عصابياً كاملاً استهدف جميع التجار داخل المول وعمل على تزويدهم بقطع ذهب مغشوشة.

ويشير الرفاعي إلى استمرار تلك الممارسات غير المشروعة، وكانت آخر عملية تعرضوا لها قبل أقل من شهر، حين تم التلاعب بقطع ذهبية من قبل تاجر تجزئة استغل نقص السبائك في الشركات المعتمدة، لكنهم اكتشفوا أنها كانت غير أصلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يؤكد الرجل صعوبة اكتشاف التجار للذهب المغشوش إلا حين القيام بصهره، إذ يكتشفون أنه لا يتماشى مع العيار المعلن على الأختام، موضحاً أن التشكيل العصابي كان متخصصاً في السبائك الذهبية،  بحيث تكون القطع من الداخل مصنوعة من النحاس، ومشيراً إلى أنه وقع مثل غيره ضحية لتلك العصابات مما جعله لا يتعامل إلا مع شركات موثوقة ومعتمدة.

وحول الطريقة التي يتعامل بها عند اكتشاف مثل تلك الأشكال من الغش، أوضح أنه قد بات لديهم اتصال مباشر مع قسم الشرطة بعد تكرر تلك الحالات، موضحاً أن تلك التشكيلات العصابية تستغل الأزمات، وتنشط في الأوقات التي يصعب فيها على الشركات توفير الكميات المطلوبة من السبائك الذهبية، ليجد التجار أنفسهم مضطرين لقص السبائك للتحقق من أصالتها.

وعلى رغم اعتقاده بأهمية تقنية الدمغة بواسطة الليزر التي تسعى الدولة المصرية إلى تطبيقها، فإنه يشير إلى أن تلك الخطوة قد لا تكون كافية لوقف تلك العمليات من الغش، مؤكداً أن التحدي الذي يترتب على تتبع القطع منذ خروجها من المصنع وحتى وصولها إلى العملاء، وكمية الذهب التي تتحرك يومياً، تجعل من عملية الرقابة معقدة، ويتوقع أن "عصابات الذهب لن تقف عند أختام الليزر، وستتمكن من تقليد تلك الأختام وفك شفرتها".

شعبة الذهب تحذر

يشدد رئيس شعبة الذهب وصناعة المعادن الثمينة في اتحاد الصناعات المصرية إيهاب واصف، على صعوبة وقف عمليات التزوير والغش في قطاع الذهب، مضيفاً "لسنا في عالم مثالي نعيش وسط ملائكة، بخاصة أن البعض يبحث عن وسائل للخداع ويستغل الأزمات باقتحام سوق الذهب".

وأوضح واصف لـ"اندبندنت عربية"، أنهم عقدوا اجتماعاً قبل بضعة أيام لمناقشة فكرة تطبيق الدمغة الليزرية على الذهب، وتم تأييد الفكرة من جهة مصلحة الدمغة (بحسب تأكيده) متوقعاً أن يتم التنفيذ قريباً للحد من عمليات غش الذهب، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن تلك الخطوة لن تمنع حدوث عمليات احتيال.

وحول المخاوف من أن تؤثر الدمغة الليزرية في قيمة الذهب القديم، ينفي واصف الأمر برمته، مؤكداً أن "جميع الدمغات معتمدة وصادرة عن الجهات الحكومية، والهدف من تطبيق الدمغة الليزرية إحكام السيطرة والرقابة على سوق الذهب".

ويضيف رئيس شعبة الذهب أن "أجهزة الكشف عن أعيرة الذهب أصبحت متاحة وصغيرة الحجم، مما يمكن التجار من استخدامها لمكافحة عمليات الغش".

 

 

في مطلع العام الماضي أثير الحديث عن اتجاه الحكومة المصرية لتطبيق دمغة الليزر، واختلفت وجهات النظر حول قدرة تلك الخطوة على وقف عمليات الغش، وعبر تجار ذهب عن قلقهم من مصير الذهب القديم الذي لن يتم دمغه بتلك الأختام، وخرجت وزارة التموين وشعبة الذهب بتصريحات تشددان فيها على أن دمغ الذهب بالليزر يمنع الغش ويسجل جميع البيانات المتعلقة بالمعدن النفيس، كما أنه لا يلغي التعامل في المشغولات الذهبية المدموغة بالدمغة القديمة، موضحة أن هذه الدمغات القديمة تظل معتمدة طالما كانت فاتورة الشراء بحوزة الشخص، لكن تلك الخطوة التي يعتبرها البعض مهمة للحد من عمليات الغش توقف تطبيقها بشكل مفاجئ.

سبائك من النحاس

شهادة أخرى يرويها لنا موسى محمود، تاجر يمتلك خبرة تزيد على 25 عاماً في سوق الذهب، إذ يقول إن "عمليات الغش منتشرة وتتطلب تشديد الرقابة على السوق، وعلى رغم مسيرته الطويلة في هذا المجال فإنها لم تكن كافية لحمايته من التعرض لمحاولات احتيال من جانب عصابات الذهب، موضحاً "هؤلاء الأفراد لديهم قدرة فائقة على تقليد المشغولات الذهبية ووضع أختام مشابهة لتلك التي تصدرها مصلحة الدمغة".

ويقدم موسى مثالاً من تجربته الشخصية، مشيراً إلى اكتشافه الشهر الماضي أن مشغولات من تلك التي اشتراها هي في الحقيقة مغشوشة، فالقفل من الذهب ويحتوي على الختم، أما الجنزير فلم يكن كذلك.

وأوضح الرجل أنه لاحظ التغير في لون القطعة مما جعله يكتشف تعرضه لعملية نصب، ومن واقع خبرته يقول "معظم عمليات التلاعب تستهدف تخفيض نسبة الذهب، على سبيل المثال، عيار 21 يجب أن يحتوي على 875 جزءاً (سهماً) من الذهب و125 جزءاً من النحاس، لكن بعض التجار يقومون بتقليل تلك الأسهم الذهبية بحيث يصل عيار 21 إلى نسب أقل من عيار 18، بالتالي لا يمكن اكتشاف هذا الأمر إلا بعد حرق تلك القطع.

 

 

يتذكر موسى أكبر عملية احتيال تعرض لها قائلاً "وقعت في بداية الألفية الثانية، وحينها أغلق كثير من التجار في المنطقة محالهم، وأصبحنا غير قادرين على مواصلة العمل".

ويوضح كيف اعتمدوا على مصنع يمتلكه تاجر معروف في مدينة أبو كبير بالشرقية (شمال العاصمة)، قام باستقدام عمالة من الهند وكان يبيع كميات من الذهب المغشوش، وبسبب تلك العملية انخفض نصف رأس ماله وأغلق محله أشهراً عدة قبل أن يعود للنشاط مجدداً.

ومن وقت إلى آخر تعلن الأجهزة الأمنية عن ضبط عصابات متخصصة في الذهب المغشوش، ففي منتصف هذا الشهر ضبطت الأجهزة تشكيلاً عصابياً في منطقة السيدة زينب (جنوب القاهرة) يمارس عمليات الغش المتعلقة ببيع المصوغات الذهبية، كما ضبطت في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي تشكيلاً آخر مكوناً من خمسة أفراد تورط في بيع الذهب المغشوش بمنطقة المعادي، وكشفت التحقيقات الأولية أن التشكيل استهدف استبدال الجنيهات الذهبية المزيفة بقطع ذهبية أصلية، وأسفرت الحملة عن ضبط مشغولات ذهبية مقلدة عبارة عن علب بلاستيكية فارغة معدة للتعبئة، وفواتير خالية من البيانات تظهر كأنها صادرة من محال مختلفة للمصوغات الذهبية، ومكابس بأشكال متنوعة تستخدم لصب العملات والمشغولات الذهبية، وجنيهات من الذهب المزيف مغلفة وجاهزة للبيع، إضافة إلى سبائك مغشوشة غير مغلفة وأخرى جاهزة للبيع.

وفي شهر أغسطس (آب) من العام قبل الماضي، ضبطت حملة مشتركة من مديرية التموين في بورسعيد (شرق البلاد) بالتنسيق مع مصلحة الدمغة والموازين كميات متنوعة من المشغولات الذهبية لا تحمل الدمغات الحكومية، وعليها أرقام تعريف أجنبية وعلامات تجارية أجنبية يشتبه في أنها واردة بعد تصنيعها في الخارج.

ذهب منصات التواصل

في مايو (أيار) الماضي، كشف ناجي فرج، مستشار وزير التموين لشؤون صناعة الذهب، عن رصد عدد من حالات الغش والتلاعب في عمليات بيع الذهب عبر منصات التواصل الاجتماعي، محذراً المواطنين من شراء أي أشكال من الذهب، سواء أكانت سبائك أو مشغولات، عبر تلك المنصات، نظراً إلى أن أغلبية تلك القطع المعروضة مغشوشة وغير مدموغة من الوزارة.

وأشار فرج إلى أن الارتفاع الملحوظ في الطلب على شراء الذهب دفع بعض المستغلين إلى تقديم عروض عبر منصات التواصل الاجتماعي، على رغم أن طبيعة تجارة الذهب مختلفة بشكل جوهري عن تجارة أي منتج آخر، إذ يجب الاهتمام بنواح أساسية مثل التحقق من الدمغة القانونية للمنتجات وضمان سلامة عيار المشغولات والسبائك الذهبية التي تعرض للبيع.

 

 

شهادة أخرى يرويها شريف عبد المنعم، تاجر تجزئة ذو خبرة تزيد على 15 عاماً في سوق الذهب، في شأن انتشار المشغولات الذهبية "المضروبة"، مؤكداً أن معظم هذه المشغولات تصدر من ورش صغيرة وليس من المصانع ذات السمعة في السوق.

وأكد عبد المنعم على صعوبة اكتشاف التلاعب في نسبة الذهب، إذ يتم خفض الأسهم للوصول إلى عيار أقل في بعض الأحيان. ومهما تبدو القطع الذهبية لامعة يبقى الكشف عن التلاعب فيها صعباً على كثيرين.

الأزمة تصل البرلمان

في يونيو (حزيران) الماضي، قدم عضو مجلس النواب المصري محمود عصام موسى، طلب إحاطة إلى الحكومة ممثلة في وزارتي المالية والتموين في شأن ضرورة حماية السوق المصرية من تداول الذهب المستورد بعد السماح بدخوله من دون فرض رسوم جمركية.

وأفاد موسى أنه مع صدور القرار الذي أتاح للمصريين العائدين من الخارج إدخال الذهب من دون فرض رسوم جمركية، زادت أعداد السبائك الواردة من الخارج بشكل ملحوظ، ومع هذه الزيادة بدأت تثار مخاوف من التلاعب في أوزان تلك السبائك، وكذلك التلاعب في درجات العيار الذهبي.

 

 

وأشار إلى المخاوف التي أعربت عنها شعبة الذهب والمصوغات في الغرفة التجارية، والتي تتجلى في أن السبائك والمشغولات الذهبية التي يتم استيرادها مع المصريين القادمين قد تكون أوزانها أقل من المعلن عنه، أو ربما يتم التلاعب في درجات العيار المذكورة، وهو ما يمثل خطراً كبيراً يؤثر في استقرار السوق والمواطنين.

لم يتخيل التاجر شريف أن يتسع الغش في الذهب ليمتد إلى السبائك، إذ انتشرت فكرة طلاء الطبقة الخارجية لها بالذهب بينما يتم تصنيعها من الداخل باستخدام إطار من النحاس أو الفضة، يقول "كنت أعتقد أن من الصعب تقليد الأختام الموجودة على السبائك، لكنني فوجئت بذلك النوع من الاحتيال".

دمغة الليزر هي الحل

يحكي شريف أنه يقوم بقص السبائك للتحقق مما إذا كان محتواها ذهباً حقيقياً أم لا، معترفاً بأن "عمليات تقليد شكل الذهب شائعة، واستخدام الدمغة بواسطة الليزر سيقلل من حالات الغش، وكانت هناك محاولات سابقة لتطبيق هذه التقنية لكن لم تفعل بشكل رسمي".

ويظل القلق يسيطر على الزبائن الذين يضطرون إلى الحفاظ على السبائك مغلفة من أجل الحصول على "كاش باك" عند عملية إعادة البيع، وفي ظل انتشار عمليات الغش تبقى هناك مخاوف من أن تكون تلك السبائك مغشوشة.

يقول شريف إنه "حتى لو كان التاجر ذا خبرة كبيرة فإنه قد لا يتمكن من اكتشاف جميع أشكال الغش، بخاصة تلك المتعلقة بتقليل الأسهم، فقد يخصم عدد قليل من الأسهم بحيث لا يلاحظ التاجر الفارق، وهذا يمكن أن يكون مربحاً للمصنع الذي يلجأ إلى هذه الطرق"، موضحاً أنه وقع ضحية هذه الأشكال من الغش من قبل عصابات الذهب، وكثيراً ما اشترى ذهباً عيار 21 ثم اكتشف أنه في الواقع عيار 18.

ويؤكد شريف أنه بات يتعامل فقط مع الأشخاص الذين يعرفهم بشكل شخصي، موضحاً أن مجال عمله لا يعتمد على إيصالات أمانة أو شيكات، بل على الكلمة. وحتى مع ارتفاع الأسعار يظل التاجر ملتزماً بالاتفاق.

المزيد من تحقيقات ومطولات