Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"غواصة" التسامح في الحرب الثانية تفتتح مهرجان البندقية

فيلم "الكونت" التشيلي يفشل في رسم شخصية الطاغية بينوشيه رغم التهام الأكباد والقلوب

مشهد من الغواصة في فيلم "كومندانتي" الذي افتتح مهرجان البندقية (ملف الفيلم)

ملخص

فيلم "الكونت" التشيلي يفشل في رسم شخصية الطاغية بينوشيه رغم التهام الأكباد والقلوب

فيلمان ضعيفان ثرثاران غير مفهومين إلى حد ما، شاهدنهما ضمن المسابقة في أول يوم عروض مهرجان البندقية السينمائي "30 أغسطس (آب) - 9 سبتمبر (أيلول)" الذي انطلق، أمس الأربعاء، محتفلاً بدورته الـ80. الأول هو "كومندانتي" للمخرج الإيطالي إدواردو دي أنجليس الذي افتتح "الموسترا"، والثاني أحدث عمل للمخرج التشيلي بابلو لاراين المعنون بـ"الكونت". صحيح أن الفيلمين بعيدان واحدهما عن الآخر، إن على مستوى الحكاية أو زمن الأحداث أو حتى المعالجة البصرية والسردية، لكن ثمة تقاطعات بينهما. فكلاهما يموضعان حكايتهما ضمن سياق تاريخي لعالم مضطرب، حيث القتل شربة ماء لا أكثر. أما في ما يتعلق بالمخرجين، فكلاهما في منتصف الـ40 من عمرها، مع اختلاف كبير بين الإيطالي الذي لا يزال لديه الكثير ليثبته، في حين سبقه التشيلي المكرس سينمائياً بأشواط، من خلال أفلام مثل "لا" و"توني مانيرو" عن ماضي بلاده الدموي، قبل أن يباشر في صناعة مجموعة سير عن شخصيات نسائية ملهمة مثل جاكي كينيدي والأميرة ديانا. 

في "كومندانتي" ينقلنا المخرج إلى الحرب العالمية الثانية، هذه الحقبة التي لا يزال الأوروبيون يتحدثون عنها كما لو جرت أمس، من شدة ما تركت في نفوس آبائهم وأجدادهم تروما لا تمحى، لكن التاريخ هنا ليس تاريخاً فحسب، بل هو موصول بالحاضر، ولو غمزاً، فثمة حوار بين الأزمنة، بين حروب أمس ومآسي اليوم، تتحاور من خلال السينما، ولا عجب إن استعمل المخرج فصلاً من التاريخ للفت نظر الناس عن أحداث تقع اليوم. 

إنقاذ الأعداء

بطل الفيلم هو سالفاتوري تودارو (بيارفرنتشسكو فافينو)، قبطان الغواصة التابعة للأسطول الملكي الإيطالي. ذات يوم يطلب منه أن يقود مهمة صعبة تحمله إلى عرض المحيط الأطلسي. بعد إغراقه سفينة نقل بلجيكية في ظروف الحرب التي نعرفها، يقرر هذا الرجل المتعنت والصارم في قراراته، إنقاذ حياة 26 بلجيكياً كانوا على متنها، والسماح لهم بالصعود إلى غواصته، فأخلاقيات الحروب في نظره تطبق ليس فقط براً بل بحراً، ولا يجوز تركهم في المياه. 

هذه الأحداث غير التقليدية تحول الغواصة "كوناً مصغراً"، فنرى الأضداد يتعايشون بعضهم مع بعض، مرغمين على النظر في ما يجمعهم لا في ما يفرقهم، وفي هذا المجال يقدم الفيلم درساً في التسامح على غرار فيلم "عيد ميلاد سعيد" لكريستيان كاريون، لكن، للأسف، النيات الحسنة لا تصنع سينما كبيرة، بل مجرد عمل سليم، يسقط في لحظات وينهض في لحظات أخرى، على نحو متكرر ومتواصل. 

باختصار شديد: هذا فيلم يدعو إلى التسامح، ذاك الذي يحتاج إليه الإنسان حتى في أحلك الظروف. في تعليق مختصر كتبه المخرج يقول فيه إنه يجب ألا ننسى أن أعداءنا بشر حتى ونحن نحاربهم، لا بل يمكن الانتصار عليهم وإنقاذهم في الحين نفسه. كلام يدل على نيات المخرج ونيات إدارة المهرجان التي اختارت عمله هذا، ليس فقط لمستواه الفني الذي يبقى متواضعاً في نهاية المطاف، لكن للخطاب السياسي الذي يحمله إلى العالم، في زمن تشهد إيطاليا موجات متواصلة من الهجرة غير الشرعية التي مصدرها بلدان أفريقية. في أي حال، لا يخفي دي أنجليس الشيء الذي جذبه في هذه الحكاية، إذ يروي أنه تحمس لها، بعدما سمع قائد الأسطول البحري جيوفاني بيتورينو يتحدث عن سالفاتوري تودارو خلال انتقاده سياسة الحكومة الإيطالية في ما يخص اللاجئين. "هذا فيلم يحمل نداء عاجلاً لوضع القيم والمناقبية فوق المنطق العنيف للبروتوكولات العسكرية"، هذا ما قاله أيضاً مدير المهرجان باربيرا في معرض دفاعه عن الفيلم. 

حظي الفيلم بموازنة كبيرة بلغت 15 مليون يورو، وصممت من أجله غواصة بطول 70 متراً، وحصل على مساعدة من الجيش الإيطالي، لكن هذا كله لم يفضِ إلى فيلم مهم وملهم، رغم كلام باربيرا عن عودة السينما الإيطالية إلى الواجهة، فنحن إزاء عمل مسطح، بلا مشاعر، جاف، يدور كثيراً حول نفسه طوال ساعتين، في دوامة تثير الملل، خصوصاً أن معظم الأحداث يدور في مكان واحد، داخل غواصة.

"الكونت العنيف"

في المقابل، ما قدمه بابلو لاراين في "الكونت" أشد عنفاً ورعباً، إذ يتخيل السفاح التشيلي أوغوستو بينوشيه الذي حكم تشيلي 17 عاماً بعد الانقلاب على خلفه سالفادور أليندي، في إطار شخصية مصاص دماء يعبر الأزمنة. تبدأ القصة في زمن الثورة الفرنسية قبل أن تحط في القرن 21. في هذا الخيار (عبور قرنين ونيف) شيء من الجرأة التي قد تصيب أو تخيب، وأميل إلى الاعتقاد أنه يخيب. مبدأ "كلما كبرت الكذبة صار تصديقها أسهل" لا يأتي بنتائج مضمونة في كل مرة.

في أي حال، من شاهد أول أفلام لاراين، يرى بوضوح اهتمامه العميق بمرحلة الديكتاتورية العسكرية التي حكمت بلاده، التي تجسدت في فيلمه "لا" بصورة واقعية، لدرجة أنه كان مسألة وقت قبل أن يتطرق إلى رمز تلك الحقبة حيث ولد لاراين، وأعني به بينوشيه، الرجل الذي تسبب بقتل –واختفاء- أكثر من ثلاثة آلاف معارض، وتعذيب معتقلين سياسيين بلغ عددهم 38 ألفاً. أي فيلم يمكن أن يختزل قضية بينوشيه وحضوره في الذاكرة الجمعية، سؤال قد طرحه لاراين على نفسه، فهو كأي مخرج مهموم بالسينما والتاريخ، يولي أهمية للنحو الذي يحكي فيه القصة ولنمط المعالجة. ويمكن الجزم أن الطريقة التي يحكي فيها حكاية بينوشيه تخرج عن المألوف تماماً، لدرجة تثير السخرية أحياناً، إذ يحتاج المشاهد إلى جهد كبير، كي يبقى على تركيزه ويلتقط الخيط الرفيع الذي يعبر الأحداث، ثم يجمعها في رأسه ويعطيها معنى، هذا من دون الحديث عن المشاهد المقززة لأكل الأكباد والتهام القلوب، رغم أن اللونين الأسود والأبيض، يخففان قليلاً من الجانب المقرف. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول لاراين في مقابلة أنه لجأ إلى الكوميديا السوداء، ليحلل الأحداث التي حصلت في تشيلي وفي العالم، خلال السنوات الـ50 الأخيرة. وإذا كان يعتقد أن هذا التصريح يشرح أمراً ما، فهو لا يفعل الا إضفاء طبقة من الغموض على الغموض.

مهما يكن، لا أعتقد أن استخدام الكوميديا السوداء للحديث عن شخصية دموية كهذه كان فكرة موفقة، خصوصاً أن الكوميديا هذه لا تضحك البتة ولو على مضض. وأيضاً لأن لارين سبق أن طرح بدرامية فائقة حكايات أقل خطورة من هذه، كمعاناة جاكي كينيدي بعد مقتل زوجها. وغالب الظن أن الفيلم المرجعي الذي كنا ننتظره عن بينوشيه بكاميرا أحد أكثر السينمائيين التشيليين موهبة، لم ينجز بعد. 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما