Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حادثة انتحار منسية وراء الهوس المعاصر بتلفزيون الواقع

عام 1999 اخترعت سلسلة "الأخ الأكبر" الهولندية على ما يبدو تلفزيون الواقع بالشكل الذي نعرفه. لكن في الحقيقة، أرسى برنامج سويدي مغمور صدر قبله بعامين - وكذلك الموت المأساوي لأحد متنافسيه - أسس هذا النوع الترفيهي

تعيد قناة "آي تي في" برنامج "الأخ الأكبر" للشاشات الخريف المقبل (أي تي في)

ملخص

يعود برنامج "الأخ الأكبر" للشاشات الخريف المقبل على قناة "آي تي في" ولكن بصيغة الحنين إلى الماضي والعودة لزمن أكثر بساطة غير نسخة تلفزيون الواقع العملاق الذي نعرفه اليوم

قبل 23 عاماً وشهر واحد، بثت "قناة 4" لقطات لأشخاص يشخرون تحت الأغطية في منزل مصمم خصيصاً في منطقة "بو" شرق لندن. كانت هذه ولادة برنامج "الأخ الأكبر"Big Brother. هذا العمل الذي يحتوي على تجربة اجتماعية في جزء منه، وجزء للتعليق على ثقافة المراقبة وجزء كبرنامج مسابقات، أثبت أن الناس سيشاهدون الغرباء يفعلون أي شيء - بما في ذلك لا شيء على الإطلاق - عندما يكون هناك شيء ما على المحك.

في ليلة إطلاقه، شاهد 3.7 مليون شخص "الأخ الأكبر" وراحت الأرقام ترتفع من حينها. حتى أن "قناة 4" طورت بثاً مباشراً على مدار 24 ساعة، حتى يتمكن المعجبون من مشاهدة المنزل متى شاؤوا. كانت هذه البداية فقط، مع بدء الألفية الجديدة، لم يبد الواقع أغرب من الخيال فحسب، بل يبدو تشويقياً وهوسياً أكثر منه أيضاً. اليوم، بات المشاهدون معتادين بشدة على أن يكونوا متلصصين لدرجة يصعب معها فصل تلفزيون الواقع عن بقية الإنتاج التلفزيوني على نطاق أوسع، ومعرفة أين ينتهي الواقع ومن أين يبدأ.

في كتابه الجديد "حافة الواقع: رحلات عبر النفق المظلم لتلفزيون الواقع" Edge of Reality: Journeys Through the Rabbit Hole of Reality Television، يصف الصحافي الاستقصائي جاك بيريتي كيف شهد، على مر السنين، تلفزيون الواقع وهو "يبني عالماً سريالياً موازياً من العذارى المجتهدين وسائقي الشاحنات على الطرق الجليدية والمنقبين عن الذهب والمزارعين المصنعين للكحول ومقلدي شخصية إلفيس بريسلي والأزواج العارية في جزيرة صحراوية والعائلات التي تتنافس للحصول على أفضل جنازة على الإطلاق والخبازين الذين يصنعون أغرب الكعكات والمتسابقين الذين يصارعون الدببة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن "حافة الواقع" ليس مجرد مسح لهذا "الكون السريالي الموازي"، ولا يهتم فقط بصعود تلفزيون الواقع وتأثيره. ينصب تركيزه الحقيقي على الآليات الخفية لهذه الصناعة - "حيل التجارة" كما يسميها بيريتي. المنتجون وعلماء النفس واتفاقات الحفاظ على السرية، والأهم من ذلك "سر جسيم جداً ومظلم للغاية تحتفظ به صناعة تلفزيون الواقع منذ البداية". لأن برنامج "الأخ الأكبر"، وفي حين أنه تسبب في ضجة كبيرة، لم يكن البرنامج الأول الذي يجمع مجموعة من الغرباء معاً، ويضعهم في مكان محدود ويصور ردود أفعالهم. لم يكن حتى أول برنامج يختزل متسابقيه واحداً تلو الآخر.

قبل ثلاث سنوات، كان هناك برنامج "بعثة روبنسون" Expedition Robinson ورجل في الـ34 من عمره يدعى سينيسا سافيا. كان واحداً من بين 16 شخصاً اختيروا للمشاركة في برنامج تلفزيون الواقع السويدي الذي انطلق عام 1997. سمي العرض على اسم روبنسون كروزو، لأنه – ويا للمفاجأة - يتضمن بشكل أساسي مجموعة من الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل في جزيرة يحاولون النجاة. في الواقع، لم يكن المتسابقون يسعون إلى البقاء على قيد الحياة فقط، بل والفوز أيضاً. للمرة الأولى في تاريخ التلفزيون، سيتعين على المتسابقين التصويت للتخلص من شخص ينتمي إلى مجموعتهم. كان عليهم أن ينقلبوا على بعضهم بعضاً. في الحقيقة، كان من المفترض أن يطلق على هذا الشكل التلفزيوني الجديد المبتكر اسم "بعثة أمير الذباب" Expedition Lord of the Flies [أمير الذباب رواية للكاتب الإنجليزي وليام غولدنغ]، لكن هذا الاسم لا يتمتع بالجاذبية نفسها تماماً. كان المنتج البريطاني تشارلي بارسنز يحلم بهذا المفهوم وحاول في الأصل بيع العرض للولايات المتحدة، لكن المنتجين الأميركيين لم يغامروا بقبوله لسبب واحد بسيط: اعتقدوا أن فكرة بارسنز قد تؤدي إلى مقتل شخص ما. لم يكونوا مخطئين.

كان سافيا أول متسابق "يقصى" من زملائه من قاطني الجزيرة. بعد أربعة أسابيع، قبل البدء في بث العرض، ألقى بنفسه أمام قطار فائق السرعة. ومع ذلك، فإن الفضيحة الناتجة من وفاته لم تكبح هذه التجربة التلفزيونية. أدى اهتمام الصحافة في الواقع إلى زيادة أعداد المشاهدين. حقق "بعثة روبنسون" نجاحاً ساحقاً، لدرجة أن شبكة تلفزيونية أميركية تبنت المفهوم في النهاية وأجرت عليه تغييراً رئيساً واحداً، إذ أعادت تسمية البرنامج ليصبح "الناجي" Survivor.

هذا هو "السر المظلم للغاية" الذي يشير إليه بيريتي: "أولئك الذين لقوا حتفهم في تلفزيون الواقع، وكيف جرى التستر على ما حدث". بعيداً من كونه حالة استثنائية، كان سافياً، الأول من بين 40 حالة انتحار مسجلة في الأقل مرتبطة ببرنامج تلفزيوني واقعي. في "حافة الواقع" يروي بيريتي بعض القصص الإنسانية وراء هذا الإحصاء. هناك ميلاني بيل، منتجة برنامج تلفزيون الواقع عن مقلدي شخصية إلفيس بريسلي، التي كان مطلوباً منها أن تكون أمام الكاميرا أثناء العرض، وأنهت حياتها أثناء التصوير. هناك ناجاي تيربين، الذي أقصي من برنامج "المنافس" The Contender الواقعي للملاكمة الذي عرض في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، بعد أن خسر في قتال مع ملاكم من وزن أثقل بكثير (يلمح بيريتي إلى أن بعض أصدقائه يعتقدون أن ما حدث كان مرتباً بشكل مسبق). أخفى تيربين خسارته عن الجميع لمدة شهرين - التزم الصمت خوفاً من أنه إذا تحدث عما حدث في العرض لأي شخص قريب منه، حتى زوجته، فستتم مقاضاته لخرق شروط العقد. وقبل ثلاثة أسابيع من بث البرنامج، انتحر.

هناك قصص أخرى أيضاً عن متنافسين خاضوا أعمال عنف مروعة بعد ظهورهم على شاشات التلفزيون، وعن أفراد عنيفين يتخطون عمليات تدقيق يفترض أنها صارمة. ظهر ريان جينكينز، على سبيل المثال، في برنامج "ميغان تريد مليونيراً" Megan Wants a Millionaire على قناة "في إتش 1" VH1 ولاحقاً في الموسم الثالث من برنامج "أنا أحب المال" I Love Money. قبل نهاية هذا العرض، عثر على جثة زوجته في حاوية قمامة، بينما هرب جينكينز، وكشفت مؤسسة "تي إم زد" الإعلامية أنه اعتقل في السابق بتهمة الاعتداء الأسري، الأمر الذي ادعت "في إتش 1" أنه لم يظهر أثناء تقصي خلفية المتسابق. يظهر جوناثان شميتز في "برنامج جيني جونز" Jenny Jones Show ويقدم مع أحد معارفه، سكوت أميدور، الذي يدفع إلى وصف تخيلات جنسية عاشها تجاه شميتز. بعد أيام من ظهوره في العرض، أطلق شميتز الرصاص على أميدور مرتين في صدره، مما أدى إلى مقتله على الفور.

هل كان من الممكن تجنب أي من هذه الأحداث الفظيعة أو جميعها لو أن تلفزيون الواقع لم يعتمد على الإذلال أو التلاعب أو الخداع الصريح؟ لو أنه لم يخلق عمداً بيئات يبلغ الضغط فيها مستويات خطرة؟ يتخيل بيريتي بالتأكيد "سيناريو في عالم بديل"، حيث يعامل شميتز وأميدور "بطريقة إنسانية". وهو يراهن على أن الجمهور لكان "انشد وتأثر" لمشاهدة حديث دقيق بين الرجلين، بدلاً من "حديقة حيوانات بشرية تبث على التلفزيون خلال النهار". إذاً، هل هناك طرق يمكن أن يصبح بها تلفزيون الواقع أكثر إنسانية؟

يقول لي بيريتي: "في عروض عديدة، يظهر التعاطف واللطف من المتسابقين وليس المنتجين. هؤلاء المتسابقون مرتبطون بصدمة وجودهم في العرض. يريد المنتجون إظهار تلك الأشياء اللطيفة لأنها تجعل الجمهور متعاطفاً". ويشير إلى السلسلة الأميركية "أسفل السفينة" Below Deck التي تتبع طاقم يخت فاخر، وكيف كان المتنافسون يتشاجرون ويكرهون بعضهم بعضاً في البداية، ولكنهم أصبحوا محبوبين ومترابطين [في النهاية]. لقد كان البرنامج ’رحلتهم‘ العاطفية. لكن مع تلفزيون الواقع الإقصائي، سيكون الهدف النهائي دائماً هو الصراع. يجب على شخص ما أن يغادر في كل مرة، وهذا يعني أن الأمور يجب أن تتحول دائماً إلى بغضاء. أعتقد أن القسوة ستنتصر دائماً لأنها جزء من متطلبات المنافسة".

ليس من المستغرب أن يكون لديه مثل هذا الشعور، بالنظر إلى القصص التي سمعها في كواليس آلة برامج الواقع. يتابع: "قال عشرات المتسابقين الذين تحدثت إليهم إنهم تعرضوا لصدمة نفسية، أو عانوا مشكلات في الصحة العقلية، أو حاولوا الانتحار بعد ظهورهم في برنامج واقعي. يستهدف مسؤولو اختيار المشاركين الأشخاص الضعفاء وغير المستقرين عاطفياً لأنهم يعتقدون أنهم سيصنعون مادة تلفزيونية رائعة. في كثير من الأحيان، يصبح العرض هو الحافز الذي يدفعهم إلى الحافة". عند معرفة ذلك، من السهل الشعور بالذنب - كما لو أن أيدينا ملطخة بالدماء.

على كل حال، يتراجع بيريتي عن هذا الموقف في نهاية الكتاب، حتى أنه يقارن بين صناعة تلفزيون الواقع وصناعة التبغ. فكلتاهما، كما يقول، تحاولان إلقاء اللوم على المستهلك الفرد، وإبعاده عن أولئك الذين يتحكمون بخيوط اللعبة حقاً. بالطبع، يجد المشاهدون صعوبة في التوقف عن المشاهدة ببساطة – صممت برامج الواقع لتكون، كما قال أحد المنتجين لم يذكر بيريتي اسمه "كوكايين التلفزيون". لكن إذا كان تلفزيون الواقع يشبه المخدرات التي تسبب الإدمان، فهل يمكن أن يخضع لرقابة أكبر من أجل تقليل الضرر؟

يقول بيريتي: "أعتقد أن هذا ممكن تماماً، لكن هل سيحدث؟ لا". إنه يسلط الضوء على أن برلمان المملكة المتحدة حاول التحقيق في حالات وفاة متعددة مرتبطة ببرنامجي "جزيرة الحب" Love Island و"جيرمي كايل شو" The Jeremy Kyle Show، لكنه أوقفها عندما انشغل بإجراء انتخابات. يقول بيريتي "لم تتخذ أية خطوة"، ويشير إلى أن المبادئ التوجيهية الحالية للمنتجين هي "مجرد خطوط إرشادية طوعية".

لكن في صفوف المتنافسين السابقين، يزداد الصخب المطالب بالتغيير. واتفق كل الذين تحدث إليهم بيريتي على ما يجب القيام به. أولاً، إنهم يطالبون بفاصل حماية واضح بين علماء النفس وفرق الإنتاج، حتى لا يصبح علماء النفس "عن غير قصد مسؤولي اختيار المشاركين يوجهون المنتجين إلى متنافسين أكثر عرضة للخطر ويشاركون تاريخهم الطبي السري". ثانياً، يريدون أن تتوقف العروض عن تحويل المتسابقين إلى شخصيات من خلال المونتاج أو النصوص المعدة مسبقاً، والسماح بتصويرهم بدقة. يقول بيريتي: "هذا التوصيف الخاطئ الجسيم هو السبب الذي يجعل الناس يتلقون تهديدات بالقتل على ’تويتر‘، ثم يحاولون الانتحار".

أخيراً، بدلاً من الوصول الشكلي والمحدود للغاية إلى المساعدة النفسية، يجب أن يطلب من الشبكات التلفزيونية تقديم دعم مستمر مفتوح للمشاركين السابقين، مع توفير فريق صغير ولكن مخصص من المحترفين عند الطلب، تتكفل القناة التلفزيونية التي تبث البرنامج بدفع تكاليفه وليس الشركة المنتجة. يقول: "هذا التزام حقيقي وملموس تجاه الرعاية الصحية العقلية ينبغي أن تأخذه قنوات البث على عاتقها إذا كانت جادة في حماية الأرواح. وهذا سيكلفها مبالغ لا تذكر".

في الوقت الحالي، على كل حال، لا يبدو أن هذه الدعوات تلقى آذاناً صاغية. كتب بيريتي في "حافة الواقع"، "يحتاج تلفزيون الواقع إلى الاستمرار في التحرك، مثل سمكة قرش، والاندفاع دائماً إلى الأمام، ويصبح أكثر تطرفاً". على سبيل المثال، من كان سيستطيع مشاهدة المسلسل الدارمي الكوري الجنوبي "سكويد غيم" Squid Game الذي تستضيفه منصة "نتفليكس" - حول أشخاص يعانون ضائقة مالية يشاركون في تحديات قاتلة من أجل المال - ويعتقد أن الأجواء القاتلة في العمل ستكون مناسبة لنسخة واقعية؟ حسناً، يجري صناعتها بالفعل الآن.

يلاحظ بيريتي أن "التلفزيون يحب الاقتيات على نفسه. هناك منتجو تطوير أعرفهم، وظيفتهم الوحيدة هي العثور على صيغ منسية منذ فترة طويلة من الأعوام الـ20 الماضية وإعادة إحيائها مع تطوير جديد. الآن هناك جمهور لم يكن مولوداً بعد عندما ظهر ’الأخ الأكبر‘ للمرة الأولى، لذا فمن الممكن تماماً العودة للبداية". هذا، بالطبع، هو بالضبط ما تفعله قناة "آي تي في" من خلال إعادة "الأخ الأكبر" للشاشات الخريف المقبل. الآن، لا يعول المنتجون فقط على صدمة الجديد، ولكن على الحنين إلى الماضي أيضاً والعودة لزمن أكثر بساطة، قبل أن يصبح تلفزيون الواقع العملاق الذي نعرفه اليوم. يقترح بيريتي أن "مشاهدة [المواسم القديمة من "الأخ الأكبر"] الآن تشبه عصر البراءة قبل أن يصبح الواقع هذا المنتج المعالج بشدة. إنه مثل خبز القمح الكامل أو شيء من هذا القبيل. إنه يبدو. حقيقياً".

ربما، إذاً، بعد عقدين من الانغماس في واقع أكثر تطرفاً من أي وقت مضى، يتوق الناس الآن إلى شيء "مناهض للترفيه" أي محتوى أبسط وأبطأ وأكثر براءة، مثل مشاهدة أشخاص يتشاجرون حول البقالة، أو يشخرون تحت الأغطية. بالطبع، هذا النوع من المحتوى متاح بالفعل، ليس بلمسة من جهاز التحكم بالتلفزيون عن بعد، ولكن بنقرة على شاشة الهاتف الذكي.

يشير بيريتي إلى أن "الشيء المدهش بالنسبة إلي هو كيف أخذ صانعو المحتوى على "يوتيوب" و"إنستغرام" و"تيك توك" قواعد التلفزيون القديمة وطبقوها على نسخهم التي لا تعد ولا تحصى من الواقع". يأكل الناس أمام الكاميرا، وينامون ويمارسون حياتهم أمامها. يروي الناس حياتهم ويخضعونها للمونتاج ويقدمونها كترفيه للعامة.

السؤال الحقيقي هو، إذاً، هل تعلمنا أي شيء من الجزء المخفي المظلم من تلفزيون الواقع، أم أننا سمحنا له فقط بابتلاعنا جميعاً؟ أخيراً، يقول بيريتي: "بالنسبة إلي، فإن أصدق تلفزيون واقع الآن هو ’تيك توك‘ نفسه. إذا فكرت في الأمر، فإن ’تيك توك‘ هو ببساطة عرض واقعي ضخم واحد فيه ملايين المتسابقين الذين يقاتلون من أجل المشاهدات والإعجابات، وجائزة محتملة قد تكون ملايين الدولارات. إنه الطفل الأكثر واقعية في تجربة تلفزيون الواقع. إنه المسابقة النهائية".

كتاب "على حافة الواقع: رحلات عبر النفق المظلم لتلفزيون الواقع" لـ جاك بريتي متوفر في الأسواق

© The Independent

المزيد من منوعات