Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نزوح إجباري... هكذا يقسو المناخ ويغير الخرائط

أهوار عراقية جفت وواحات مغربية تصحرت وغابات تونسية وجزائرية احترقت وتغيرات المناخ أدت إلى تشريد 305 آلاف شخص في 2022

ملخص

عديد من البلدان تعاني جفافاً شديداً، مثل السودان والعراق، وتضطر التجمعات للانتقال من مكان إلى آخر، ويهيمن على معظم المنطقة العربية مناخ جاف وتحتل الصحراء معظم شمال أفريقيا، وتغطي موريتانيا وجنوب المغرب وتمتد شرقاً إلى معظم ليبيا ومصر.

يبدو أن النزوح بات قدراً على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإذا لم يكن بسبب الحروب والنزاعات، فبفعل التغيرات المناخية وما تخلفه من جفاف وتصحر وحرائق. وتشهد على ذلك أهوار العراق وواحات المغرب وغابات تونس والجزائر، مما يضطر السكان إلى الانتقال من قراهم لمدن قريبة بحثاً عن سبل للحياة.

هاشم كاصد (41 سنة)، أحد سكان أهوار الحويزة (جنوب العراق) لم يعد قادراً على تحمل تبعات الجفاف الذي بات يهدد مهنته كمربٍ للماشية، إذ خسر نصف قطيع الجاموس الذي يمتلكه العام الماضي، ومع تحول تلك المناطق من أرض وفيرة بالمياه إلى يابسة قاحلة، يدرس كاصد الانتقال مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد إلى مدينة ميسان.

يروي كاصد لـ"اندبندنت عربية" أن الجفاف أصاب هور الحويزة وأدى إلى نفوق الحيوانات التي يعتمد عليها كمصدر رزق وقبل شهرين انتقلت 50 عائلة إلى المدينة، ويتابع "شهدت الأهوار انتعاشة نسبية في الشتاء الماضي تزامناً مع هطول الأمطار، وسرعان ما عادت المعاناة مرة أخرى مع آثار الجفاف للعام الثالث على التوالي".

وحول حجم الخسائر التي تواجه سكان الأهوار يقول إن "عدداً كبيراً من الأهالي أقدموا على بيع الماشية بسبب ندرة المياه وارتفاع أسعار العلف، وعلى المستوى الشخصي نفق نصف ماشيتي العام الماضي بسبب الجفاف، وأبحث بيع ما تبقى لدي من جواميس والانتقال إلى مدينة ميسان التي تبعد 60 كيلومتراً تقريباً من مكان إقامتي".

ويمضي في حديثه "أعيش على الراتب الشهري الخاص بالرعاية الاجتماعية 180 ألف دينار عراقي (138.5 دولار أميركي) وهو مبلغ لا يكفي حاجات أسرتي بعدما فقدت مصدر دخلي القائم على صيد الأسماك وتربية البهائم وصناعة الحصر القصبية".

وأدرجت الأهوار على لائحة التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) في 2016، لكنها اليوم باتت أراضي قاحلة تعاني الجفاف وندرة المياه.

واختلفت النظرة إلى الأهوار رأساً على عقب، فدفعت الأزمات التي تحاصرها منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في العراق إلى توجيه تحذيرات من العواقب الخطرة لتغير المناخ وندرة المياه، وقالت ضمن تقرير لها في يوليو (تموز) الماضي إن الأهوار تشهد أشد موجة حرارة منذ 40 عاماً، مصحوبة بنقص مفاجئ للمياه في نهر الفرات.

وأوضحت "فاو" أن الآثار المدمرة تظهر على النظام البيئي ومربي الجاموس والأسماك والمزارعين في الأهوار، مما أجبر كثيراً منهم على مغادرة قراهم والهجرة إلى محافظات صلاح الدين والنجف وكربلاء وبابل في وسط العراق ومناطق أخرى، بحثاً عن مياه صالحة للاستعمال والغذاء والأعلاف لمواشيهم وفرص العمل.

يقول المتخصص في الموارد المائية أحمد فوزي الذي سبق أن شارك في وضع السياسات المائية للعراق إن المناطق الجنوبية في البلاد تشهد حركة نزوح نحو المدن الكبرى نتيجة قلة الموارد المائية والزراعية.

وأوضح فوزي في حديثه إلينا أن المناطق الشمالية نظراً إلى أنها تعتمد على الأمطار التي تتوافر بشكل مناسب، فإنها لم تتأثر كثيراً بعمليات التعدي على حقوق العراق المائية وقطع الإمدادات عن دجلة والفرات من جانب تركيا وإيران، على عكس الأجزاء الجنوبية التي تعتمد بشكل رئيس على تلك الأنهار، ودفعت التغيرات المناخية إلى زيادة في حدة الأزمة.

واحات في مرمى النيران

"الواحات المغربية مهددة بالزوال" بتلك العبارة الصادمة بدأ الناشط المدني محمد الهلالي، ابن مدينة طاطا (جنوب شرقي المغرب)، حديثه إلى "اندبندنت عربية"، مرجعاً أسباب الهجرة الداخلية من القرى إلى المدن الكبرى إلى مجموعة من العوامل أهمها الأزمات البيئية والمناخية التي تنوعت أشكالها بين جفاف وندرة مياه وتصحر وزحف رمال وحرائق غابات.

وبحسب المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات في المغرب عبدالرحيم هومي، شهدت البلاد اندلاع 222 حريقاً في مناطق متفرقة اجتاحت 3900 هكتار منذ مطلع العام الحالي حتى الآن، مؤكداً في اجتماع بمجلس النواب في الـ25 من يوليو الماضي أن الوكالة عملت على تحسين نظام التنبؤ بالأخطار باستعمال الذكاء الاصطناعي وأنظمة البيانات الضخمة.

وعلى رغم تلك الجهود، شهد الأسبوع الأخير من يوليو، حريقين كبيرين بواحتي أديس وتزكي ايرغن التابعتين لإقليم طاطا، خلفا خسائر فادحة في أشجار النخيل وعاش على أثرها سكان الإقليم أجواء من الرعب إثر اقتراب ألسنة اللهب من مناطق التجمعات السكنية قبل سيطرة رجال الإطفاء والحماية المدنية على النيران.

وروى الهلالي "استمرت حرائق النخيل في واحة أديس قرابة 20 ساعة، كانت على بعد بضعة كيلومترات من منزلي، لقد مرت تلك الأوقات علينا ببطء شديد، كان كل شيء يخص الواحة في مرمى النيران".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"هذا وضع مقلق" بحسب تعبير الهلالي، وعليه يؤكد أن الواحات بحاجة إلى مزيد من الاهتمام، داعياً الأجهزة المعنية إلى التحرك بوتيرة أسرع لحماية الواحات من التهديدات المناخية ووقف الزراعات الدخيلة التي تستنزف مخزونها المائي المعتمد على المياه الجوفية.

وتمثل الواحات المغربية 15 في المئة من المساحة الكلية للبلاد ويقدر عدد سكانها بنحو مليوني نسمة، فوفق دراسة حديثة للباحثين إسماعيل أيت باسو وعبدالصمد خضيري فإن الواحات عرفت خلال العقدين الماضيين تدهوراً لافتاً، بحيث تراجع مستوى المياه الجوفية بمعدل يتراوح بين 15 و20 متراً مكعباً سنوياً وانخفض إنتاج التمور بنسبة 34 في المئة، كما عانت نتائج تغيرات المناخ وتفاقم ظاهرة التصحر بمختلف تجلياتها، فضلاً عن أسراب الجراد والحرائق التي تهددها ومرض البيوض الذي يستهدف النخيل، مؤدياً إلى تقلص المساحة الإجمالية للواحات من 150.000 إلى نحو 44.000 هكتار.

وتلقي الدراسة التي تحمل عنوان "تدبير الواحات المغربية: خطاب وممارسة مزدوجين" الضوء على أزمة الهجرة الداخلية، وتشير إلى أن سكان الواحات وعلى رغم تكيفهم مع هشاشة المجال الطبيعي الذي يعيشون فيه وتطويرهم من أشكال المقاومة للظروف المناخية، فإن التأثير الواقع في القطاع الزراعي أسهم في تسارع وتيرة الهجرة وارتفاع معدلاتها، بحثاً عن موارد ومصادر عيش أفضل خارج الواحات.

ووفق خبير المناخ والتنمية المستدامة محمد بنعبو في حديثه إلى "اندبندنت عربية" فإن الواحات تتعرض كل عام لاندلاع حرائق في فصلي الصيف والخريف وأحياناً في الشتاء، مخلفة أضراراً اقتصادية واجتماعية تؤثر بالتالي في النشاط الفلاحي بتلك المناطق، وعلى رغم الجهود التي يبذلها المغرب، فإن الواحات تعد من المنظومات البيئية الهشة، مما يتطلب وضع استراتيجية متكاملة تنسجم مع المعطيات المحلية تستند إلى مجموعة آليات لحماية النظام الواحي من الحرائق بشكل استباقي.

جهود المكافحة

الجهود المحلية لمواجهة حرائق الواحات كبيرة، وفق بنعبو، ويعضد حديثه بالتأكيد أن المغرب خصص هذا العام 200 مليون دولار لمراقبة بؤر الحرائق على مستوى جميع المنظومات البيئية والواحية، كما يمتلك وكالة وطنية لحماية الواحات من آثار التغيرات المناخية سواء تعلق الأمر بالجفاف أو ندرة المياه أو الحرائق، ويردف "تعمل الدولة على إتاحة مشاريع تنموية لمساعدة السكان في التكيف مع آثار التغيرات المناخية العنيفة والاستفادة من المشاريع المدرة للدخل، بإدماج المرأة الواحية وتثبيت العائلات في مناطقهم الأصلية، منعاً للهجرة القروية نحو المدن التي تتوافر فيها سبل العيش".

وأطلق المغرب مشروع تنمية سلسلة النخيل المثمر (2010-2020) الذي استهدف تسريع وتيرة الإنتاج وتحسين الظروف في هذا القطاع، كما أطلق الملك محمد السادس عام 2013 استراتيجية تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان لتحقيق تنمية مستدامة في تلك المناطق.

يقول بنعبو مستنداً إلى إحصاءات رسمية "الهجرة المناخية في المغرب خفيفة مقارنة بما تعيشه القارة الأفريقية من هجرات مناخية عنيفة سواء من دول جنوب الصحراء أو القرن الأفريقي، بخاصة مع قيام الواحات المغربية بإنتاج منظومة للحماية الذاتية بهدف مواجهة الحرائق، في ظل استفحالها خلال الأعوام الأخيرة".

وعبر المتخصص في المناخ عن أمله في أن "يزيد الاهتمام بحماية الواحات من جانب المجتمع المدني والسلطات المحلية لتخفيف آفات التغييرات المناخية وتوفير المعدات والآليات للازمة للتدخل السريع لمواجهة الحرائق والاشتغال على البنية التحتية لتسهيل انتقال سيارات الإطفاء إلى مناطق الحرائق".

 

ويقول رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ مصطفى بنرامل لـ"اندبندنت عربية" إن الهجرة الداخلية في المملكة ناجمة عن تأثيرات الجفاف وندرة الموارد الطبيعية، والفئات الهشة تنزح من الوسط القروي إلى الوسط الحضري، ومن المناطق الجنوبية الصحراوية إلى الشمالية حيث يتوافر المناخ الملائم، موضحاً أن "العاملين في الزراعة وتربية الماشية أكثر الفئات تأثراً بالتغيرات المناخية في المغرب، أما الهجرة الناجمة عن حرائق الغابات، فإنها خفيفة مقارنة بتأثير الجفاف في السكان".

ويمضي في حديثه "منذ استقلال المغرب عام 1956 بدأت الهجرة لتحسين الظروف الاقتصادية، تلتها هجرة مناخية بدأت عام 1972 نتيجة الفيضانات التي حدثت غرب البلاد، وزادت حدتها في 1990 حتى الآن، بحيث شهدت المناطق القروية موجات من الهجرة نحو المدن الكبرى بسبب ندرة المياه".

ومع اعترافه بنزوح سكان بعض المناطق القروية لأماكن أخرى بحثاً عن العمل، عاد ليؤكد أن حركتها خفيفة مقارنة بما تشهده بعض الدول الأفريقية من أزمات بسبب الجفاف الذي دفع أعداداً كبيرة من مواطنيها للفرار إلى خارج الحدود بسبب أزمات المناخ وتأثيراتها على تزويد المحاصيل الزراعية بالمياه.

تتشابه الظروف المناخية التي تواجه المغرب مع نظيرتها التونسية المصنفة ضمن الدول العربية الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، إذ لم تسلم غابات تونس أيضاً من النيران في ظل موجة حر شديدة شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة.

 

وعانت تونس موجة حر الشهر الماضي تجاوزت المعدلات العادية وأتت الحرائق على مساحات شاسعة من الغابات، كما انتشرت في خمس ولايات والتهمت ألف هكتار في ولاية جندوبة الشمالية الغربية.

وتشير دراسة بعنوان "الهجرة والبيئة في تونس: العلاقات المعقدة والتحديات من أجل التنمية" التي شاركت في إعدادها منظمة الهجرة الدولية في تونس وشركاؤها المحليون إلى أن البيئة عامل أساسي وراء هجرة السكان الذين يعيشون نمط حياة ريفية ويمارسون أنشطة زراعية ورعوية، معتبرة أن الهجرة الموقتة أو الدائمة هي إحدى استراتيجيات الأسر الريفية للتكيف مع عواقب التحولات البيئية، وتدق الدراسة ناقوس الخطر من احتمالية أن تؤدي التهديدات المتعلقة بالمناخ العالمي وتدهور البيئة إلى تقويض التنمية المستدامة في تونس وتواصل الهجرة خارج حدود البلاد.

وفي سبتمبر (أيلول) 2021 وضع البنك الدولي تونس ضمن مجموعة الدول المهددة بتنامي الهجرة الداخلية لأسباب مناخية وبيئية، متوقعاً أن يصبح نحو 19 مليون شخص من النازحين داخلياً في شمال أفريقيا وحدها بحلول عام 2050، محذراً من أن دول شمال أفريقيا ستواجه نقصاً حاداً في المياه بحلول 2030.

ضحايا حرائق الغابات

لم تكن الجزائر بمنأى عن تلك الأحداث الجامحة، بحيث أدت الحرائق العنيفة التي اجتاحت المناطق الشمالية الشرقية الشهر الماضي إلى وفاة 34 شخصاً واحتراق 16 شخصاً وهم أحياء خلال فرارهم، كما جرى إجلاء الآلاف إثر اندلاع حرائق غابات في أنحاء متفرقة من البلاد، وسجلت الجزائر في يوليو الماضي اندلاع نحو 97 حريقاً بالغابات في 16 ولاية.

وفي أغسطس (آب) 2022 لقي 37 شخصاً مصرعهم في حرائق هائلة بولاية الطارف شمال شرقي البلاد، وكان صيف عام 2021 الأكثر فتكاً منذ عقود، إ    ذ قضى خلاله أكثر من 90 شخصاً في حرائق واسعة النطاق في شمال الجزائر، لا سيما في منطقة القبائل.

 

وفي الـ22 من يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت منظمة الهجرة الدولية أن التغيرات المناخية تسببت في تشريد 305 آلاف شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2022، بزيادة 30 في المئة عن العام الذي سبقه، داعية إلى إيجاد حلول ملموسة للتعامل مع الهجرة الناجمة عن التغيرات المناخية في منطقة البحر المتوسط.

ويقول عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ واستشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة سمير طنطاوي في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية" إن التجمعات السكنية التي تعمل في الصيد أو الزراعة والرعي تمثل الفئات الأكثر هشاشة التي لا تستطيع تحمل الآثار السلبية لتغير المناخ، لذلك يضطرون إلى اتخاذ قرار الهجرة الداخلية أو الخارجية.

وحول مدى تأثر المنطقة العربية بالتغيرات المناخية أوضح طنطاوي أن بلداناً عدة تعاني جفافاً شديداً مثل السودان وتضطر التجمعات إلى الانتقال من مكان لآخر، ويهيمن على معظم المنطقة العربية مناخ جاف إلى شبه جاف وتحتل الصحراء معظم شمال أفريقيا وتغطي موريتانيا وجنوب المغرب وتمتد شرقاً إلى معظم ليبيا ومصر، وصولاً إلى عطبرة في السودان.

ويردف أن مناخ الصحراء من أقسى المناخات في العالم، بحيث يبلغ متوسط انخفاض هطول الأمطار السنوي أقل من 25 ملم ودرجة الحرارة تتجاوز 50 درجة مئوية في معظم الأشهر، بينما تتراجع إلى دون نقطة التجمد في فصل الشتاء.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة