Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

3 محاولات لاقتباس "كثبان" فرانك هربرت سينمائيا آخرها ناجح

حتى ديفيد لينش أخفق في أفلمة تلك المعتبرة أعظم روايات الخيال العلمي في تاريخ الأدب

مشهد من فيلم "كثبان: الجزء الأول" لديني فيلنوف (موقع الفيلم)

ملخص

حتى ديفيد لينش أخفق في أفلمة تلك المعتبرة أعظم روايات الخيال العلمي في تاريخ الأدب

كان في إمكان الكاتب فرانك هربرت أن يبتعد بروايته الخيالية – العلمية "كثبان" عشرات ألوف السنين في الزمان وإلى خارج المجرة في المكان، لكنه مهما أمعن في ذلك فإنه لم يتمكن في إبعاد تلك الرواية الفذة عن السياسات الراهنة كما كانت حالها حين كتبها أواسط ستينيات القرن الـ20، لتترجم من فورها إلى 14 لغة وتباع خلال فترة بسيطة بأكثر من 12 مليون نسخة. ولعل أبسط دليل على ما نقول إن هربرت حين جعل لكوننا المأهول ملك رغب في غزو الكوكب البعيد "المعروف" باسم "كثبان" –ونستخدم هنا صيغة الجمع لمفردة "كثيب" التي يجب أن يترجم إليها العنوان عن تعمد سنعود إليه بعد سطور– أطلق عليه اسم "شدام الرابع" الذي لا شك يذكر بالزعيم العراقي السابق! حتى وإن كان هربرت كتب روايته ونشرها عام 1965. فهل كان الأمر صدفة أو نوعاً من الاستباق؟ ليس هذا الأمر مهماً.

سبب شاعري!

فالمهم هنا هو أن الرواية بدت وكأنها تزيح الراهن إلى مكان وزمان بعيدين من دون أن تنتزع عنه دلالاته، بمعنى أننا هنا أمام واحدة من أكثر روايات الخيال العلمي تسييساً في تاريخ النوع، مهما أنكر كاتبها ذلك. وفي هذا السياق ليس غريباً أن يجعل هربرت كوكب روايته مغموراً بالصحارى الرملية –بكثبان لا تنتهي من الرمال حتى وإن كان اختياره صيغة المفرد للعنوان جاء لضرورات شاعرية لديه كما سيقول (!). ولم يكن غريباً كذلك أن يجعل محور الصراع و"الطمع الكوني" بما يملكه الكوكب من ثروة ضخمة يتعلق بالتوابل المرتبطة أصلاً بالشرق ارتباط البترول به بالتالي بالصحراء من دون أن ننسى طريق الحرير وهي أمور كانت قد عادت إلى الواجهة السياسية العالمية في أواسط عقد الستينيات من القرن الـ20، تماماً كما حال الإسلام، بالمعنى السياسي غالباً، الذي نلتقي به كثيراً ولو مواربة في هذه الرواية التي كان يفترض أن تكون أولى في سلسلة.

عالم صحراوي

المهم أن "كثبان" وفي ما يهمنا هنا بالتحديد تدور في عالم صحراوي خالص، ربما يكون العالم الأكثر صحراوية الذي تحدثت عنه أي رواية من هذا النوع ما يجعله المعادل التخييلي مثلاً، لكتاب الرحالة الإنجليزي ويلفريد تيسيجر عن الربع الخالي "صحراء الصحارى" الذي كان صدر في أصله الإنجليزي عام 1959. وسيقول هربرت إنه كان من أول قارئي الكتاب الذي هيمن على تفكيره وقد قرر منذ تلك اللحظة أن يستوحي أجواءه روائياً. وتمثل ذلك الاستيحاء في الرواية التي، لفرط ما فيها من أبعاد بصرية، كان من الطبيعي في ذلك الزمن الذي كانت فيه سينما الخيال العلمي تتربع على عرش الفن السابع موصلة إياه إلى تحقيق الفيلم الأعظم في تاريخ النوع "2001 أوديسا الفضاء" (1969)، من الطبيعي أن يفكر كثر في تحويل الرواية إلى عمل سينمائي. ومع الزمن سيسفر الأمر عن ثلاث محاولات لن تنجح سوى الأخيرة بينها، أي الفيلم الذي حققه الكندي ديني فيلنوف متوجاً به مسيرة كانت انطلاقتها مع فيلمه الأصغر "حرائق" الذي كتبه اللبناني وجدي معوض عن الحرب اللبنانية. مع أن المحاولتين السابقتين حملتا توقيعين لسينمائيين يعتبر كل منهما الأكبر في مجاله: الشيلي أليخاندرو جودوروفسكي صاحب المحاولة الأولى التي أخفقت تماماً مع أن المشروع الذي ولد عام 1970 كان يحمل توقيع هذا المخرج كمصور أيضاً ومشرف على كتابة السيناريو، ولكن أيضاً تواقيع لا تقل ضخامة من فريق بنك فلويد في الموسيقى وموبيوس وجيجر في الديكور وأورسون ويلز وسلفادور دالي وديفيد كارادين وايك دجيجر (زعيم فريق الرولنغ ستون) والنجمة أماندا لير في الأدوار الرئيسة. والحال أن جودوروفسكي لم يكف حينها عن إعلان أنه بصدد تحقيق "أعظم فيلم في تاريخ السينما. بل الفيلم الذي سينسي الناس تحفة ستانلي كوبريك أوديسا الفضاء". وطبعاً نعرف اليوم أنه لا شيء من ذلك كله تحقق حتى وإن كان المنتج الفرنسي ميشال سيدو قد أنفق على التحضير مبالغ طائلة ضاعت كلها هباء بخاصة أن الأستوديوهات الهوليوودية لم تر فائدة من مساندة مشروع مجنون لمخرج ثرثار!

8 ساعات من لينش الصموت

لكن اسم ديفيد لينش كان في ذلك الحين اسماً كبيراً يكفي وحده لإنجاح فيلم بكامله بغير ما حاجة إلى كثير من الأسماء. ومن هنا حين أعلن في الربع الأول من عقد الثمانينيات أنه بصدد إعادة إحياء المشروع وإنما على طريقته، توقع كثر أن يتحقق هذه المرة على يديه فيلم كبير بخاصة أنه كان مندفعاً بفعل حماس خاص أبدته ابنة المنتج الإيطالي دينو دي لورانتس والفنانة الكبيرة سلفانا مانغانو للرواية وللمشروع وربما انطلاقاً من أن لينش لم يكن على ثرثرة جودوروفسكي بل صموتاً ما بشر بأنه بالتأكيد سيحقق فيلماً كبيراً هو الذي كان فيلمه السابق "الرجل الفيل" قد أوصله إلى الذرى. وبالفعل ما إن حل عام 1984 حتى كان لينش قد أنجز فيلمه "كثبان" ولكن في زمن سينمائي لا يقل عن ثماني ساعات وفي لغة سينمائية بدا واضحاً أنه لا باع له فيها. فـ"الرجل الفيل" شيء لكن "كثبان" شيء آخر. بل حتى وإن ذكر بعض النقاد بأن لينش كان قد خاض تجربة السينما الغرائبية في فيلمه الأول "إيرازهيد" فإنها كانت غرائبية إنسانية وسينمائية المنحى شديدة التركيب مغرقة في أبعاد بصرية ساحرة. وصحيح اليوم أن "كثبان" غرائبي بدوره لكن غرائبيته "سياسية ورمزية" تبعد سنوات ضوئية عما كان يمكن توقعه من لينش، ثم من قال لهذا الأخير ولمنتجيه وموزعيه أن في إمكان المتفرجين، شعبيين كانوا أو نخبويين، أن يتسمروا أمام الشاشة ثماني ساعات هو الزمن الذي يستغرقه عرض الفيلم من دون أن يكون ثمة من الأبعاد البصرية من مشاهد سوى الرمال تتلوها رمال ورمال إلى ما لا نهاية؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كميات من التوابل

بالنتيجة فشلت تجربة ديفيد لينش كما ساءت سمعته لدى المنتجين والموزعين وباتت "ملعونة سينمائياً"، رواية هربرت التي تثير عادة إعجاباً كبيراً كنص مكتوب متحدثة عن ذلك الكوكب الصحراوي الذي لا يبدو بصرياً أكثر من صحراء قاحلة ليس ثمة فيها من الإثارة سوى كميات هائلة ولا تنضب من التوابل. والتي من خصائصها أنه تسبغ على الكائنات من متناوليها طول العمر في بيئة تندر فيها المياه ما يجعلها أثمن من الذهب والحجارة الكريمة ويثير أطماع الكواكب الأخرى بعيدة كانت أو قريبة، بالتالي تندلع الصراعات والمعارك الطاحنة بين الكواكب والعوالم للسيطرة على الكوكب واحتكار ثروته. ولما كان الكوكب أصلاً مسالماً يعيش بعيداً في منأى عن العالم، كان من الطبيعي أن ينتهي الأمر بعالم كوني يكاد يشبه أرضنا إلى السيطرة عليه واستعباد سكانه، ولكن البطولة الفردية لا بد أن تلعب دورها هنا وتحديداً من خلال المحارب الجسور بول إنريد ابن الدوق ليتو وامرأته جيسيكا، إذ يندفع إنريد وقد رافق أباه المرسل من قبل الإمبراطور شدام الرابع للسيطرة على الكوكب الصحراوي المعروف لديهم باسم آراكيس -هل يذكر هذا الاسم بالعراق مثلاً؟- وهو ذو حكم إقطاعي في الأساس لا يجد شعبه سبباً وجيهاً يدفعه إلى مجابهة الطامعين الكثر باحتلاله. وهنا يعطيهم بول إنريد الأسباب التي تدفعهم إلى النضال ضد العبودية – الطوعية! – التي كانوا غارقين فيها، ليجابهوا الأعداء المتكالبين ولكن كذلك المؤامرات والمناورات الداخلية، في أكثر تجليات السياسة وضوحاً.

... والبقية تتبع...

في النهاية تمكن فيلنوف من أن يخلص رواية "كثبان" من لعنتها. بل أكثر من هذا، حقق فيلمه الذي عدل عنوانه بشكل له دلالته إلى "كثبان: الجزء الأول"، من النجاح ما وعد باستتباعه بحلقة وربما بحلقات أخرى قد يكون فرانك هربرت أسس لها لكن رحيله حال بينه وبين إنجازها وها هو ابنه بريان لا يكتفي اليوم بإنجازها بل يدخل على خط تحويلها بدورها إلى فيلم أو أفلام مقبلة، ترفع المناخ الصحراوي إلى مستوى بصري جديد ربما يضاهي ما فعله جورج لوكاس في حرب النجوم وما حقق عن سلسلة روايات تولكاين حتى وإن كان من المستحيل حتى الآن الزعم بأن عملاً من كل تلك الأعمال قد ضاهى تحفة ستانلي كوبريك التي لا تضاهى!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة