Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مرغريت دورا وفرنسوا ميتران جمعتهما الصداقة و"النازية"

الأديبة الفرنسية سكتت طويلاً عن تعاونها المبهم مع حكومة فيشي الفرنسية الموالية للاحتلال الألماني

دورا مع صديقها الرئيس فرنسوا ميتران (غيتي)

ملخص

الأديبة الفرنسية سكتت طويلاً عن تعاونها المبهم مع حكومة فيشي الفرنسية الموالية للاحتلال الألماني

منذ زمن بعيد، وربما منذ نشر كتاباتها الأولى، كانت الفرنسية مرغريت دورا محسوبة على الفكر اليساري العالمي والفرنسي، حتى دون أن يعرف أحد لماذا بالتحديد. كان الجواب حين ينطرح سؤال من هذا النوع أن ثمة عشرات الأسباب "التي تبدو أوضح من أن تناقش". وربما في مقدمة تلك الأسباب صداقتها المعلنة منذ زمن بعيد مع الزعيم الاشتراكي الفرنسي فرنسوا ميتران والسابقة لانتخابه رئيساً للجمهورية الفرنسية لدورتين ليكون أول رئيس يساري/ اشتراكي في تاريخ هذا البلد، ولكن في خضم ذلك كله، وإبان اندلاع تلك "الفضيحة الاجتماعية" التي تمثلت في اتهام أم فرنسية بقتل ابنها الطفل، مما أرعب فرنسا كلها في ما سمي حينها بـ"قضية غريغوري" على اسم الفتى الضحية، لفت الأنظار كيف أن مرغريت دورا علقت على ما يفترض أن تلك الأم قد اقترفته مؤيدة فعلتها تحت عنوان "رائع... بالتأكيد رائع!". وذهل الفرنسيون متسائلين أي يسار هو هذا الذي يفترض أن دورا تنتمي إليه. وحتى اليسار المغرق في فوضويته لا يمكنه أن يتخذ مثل ذلك الموقف. إذاً لا مفر من التحقيق الجدي في توجهات تلك السيدة والبحث عميقاً في ماضيها، بيد أنها هي نفسها سرعان ما أمعنت في الاستفزاز حين ذكرت حينها بشكل موارب كيف أنها خلال الفترة بين صيف 1942 وآخر 1944 تعاونت مع حكومة فيشي، أي حكومة الماريشال بيتان المناصرة لنازيي هتلر، والتي تتخذ من مدينة فيشي عاصمة لها، إذ تحكم فرنسا باسم الألمان محتلي البلاد.

على خطى ميتران

والحقيقة أنهم لم يكونوا كثراً يومها أولئك الذين لفت تصريح دورا نظرهم، بل كان أقل منهم أولئك الذين ربطوا الحكاية بصداقة دورا مع فرنسوا ميتران، حتى وإن كانوا قد تذكروا أن هذا الأخير كان في تلك المرحلة بالذات يتعاون مع حكومة فيشي بدوره، بالتالي لا بد أن تعود إلى ذلك الحين، الصداقة بينه وبين الكاتبة العائدة حديثاً حينها من فيتنام، حيث ترعرعت كما تفيدنا هي في روايتها الأشهر "العاشق". والحقيقة أن ذلك كله مر يومها مرور الكرام. وربما لأن فرنسا التي حين مجدت ميتران كزعيم اشتراكي راحت تتذكر كيف أنه سرعان "ما لحق حاله" خلال الحرب العالمية الثانية وسارع بالانضمام إلى المقاومة وقد راح يعلن نفسه اشتراكياً، بل يتحالف لاحقاً مع الشيوعيين حلفاء ديغول، بل سادة المقاومة ضد النازيين، تعمدت تناسي ماضيه البيتاني. فإذا كانت الذاكرة الفرنسية قد محت ذلك الماضي البيتاني، لم لا تمحو ماضي مرغريت دورا، بخاصة أن مجال تعاون هذه الأخيرة مع "النازيين على الطريقة الفرنسية، وليس مع الألمان مباشرة"، كان "تقنياً" لا أكثر بحسب تحليلات متساهلة. فدورا لم تكن خلال تلك الأشهر أكثر من عضو في لجنة كلفها نظام فيشي بتعيين كميات الورق التي يحتاج إليها كل ناشر في فرنسا لطباعة كتاب من الكتب. ولم يكن هذا قد سمي بعد تعاوناً مح المحتل.

"افتراء" على الطريقة الإنجليزية

لكن الأنغلو – ساكسونيين، كعادتهم فيما يخص أية قضية فرنسية تقع بين أيديهم، كانوا هذه المرة أيضاً بالمرصاد، كما يخبرنا تقرير نشرته مجلة "بووكس" – الفرنسية على رغم عنوانها الإنجليزي – نقلاً عن "نيويورك ريفيو أوف بوكس"، إذ ها هو الكاتب إدموند وايت، المعروف بسيرة مميزة كتبها عن حياة الكاتب الفرنسي جان جينيه وبكونه من أكثر كتاب وأدباء اللغة الإنجليزية معرفة بدقائق الحياة الأدبية الفرنسية، يكتب لمناسبة الحديث عن تلك اللجنة وعضوية مرغريت دورا فيها أن الأمور لم تكن بأية حال من الأحوال، على تلك البراءة التي يحاول التفاف دورا على الموضوع أن يوحي بها ويمررها. فالحقيقة، كما يكتب وايت، أن توزيع الورق على الناشرين والكتب لم يكن محايداً. فمثلاً لم توفر لجنة دورا أية كميات من الورق لإصدار ترجمة فرنسية لرواية "عشيق ليدي تشاترلي" للإنجليزي دي. أتش. لورانس. وفي الوقت نفسه منع نشر أية كتب لفرويد بحجة عدم توفر الورق. وهي نفس الحجة التي استخدمت للتوقف عن إصدار طبعات جديدة من كتب إميل زولا أو كوليت". صحيح أن من الصعب القول إن القرار كان في يد دورا، ولكن ما بالها سكتت عن الموضوع برمته ولم تشر إليه؟ ناهيك بأنها "كان يمكنها أن تستقيل من اللجنة موفرة على سمعتها أن تتطلخ بممارسات فاشية من ذلك النوع"، لكنها طبعاً لم تفعل ولا حتى حين توفر ما يكفي من الورق تحت بصرها وسمعها لطباعة كميات كبيرة من مذكرات غوبلز مترجمة إلى الفرنسية، كما لطباعة النشيد الذي كتبه بول كلوديل تمجيداً للماريشال بيتان، أو حين أمنت اللجنة ما يكفي من الورق لطباعة كتاب النازي الفرنسي لوسيان راباتيه "الأطلال". ترى يتساءل وايت: ألا يثير هذا كثيراً من الاستغراب؟" قبل أن يخبرنا ودائماً بحسب تقرير "بوكس" بأن سكوت دورا عن ممارسات تلك اللجنة دون أي ظل لاحتجاج ربما يكون هو في خلفية نشر روايتها الأولى "الوقحون" بعد أن كان عدد من الناشرين قد رفضوها لأنها في رأيهم "غير صالحة للنشر". فإذا بها الآن تنشر ويتأمن ورقها، بل تمعن الصحافة النازية في امتداحها متحدثة، كما فعل الناقد رامون فرنانديز عضو اللجنة نفسها هو الآخر، والذي كان معروفاً بتعاونه المطلق مع النازيين وكونه عيناً للغستابو في الأوساط الأدبية الفرنسية. وكانت زوجته بيتي تعتبر من أقرب صديقات مرغريت دورا إليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مصير زوج

وكأن ذلك كله لم يكن كافياً، إذ خلال تلك المرحلة بالذات، وتحديداً في يوم الأول من يونيو (حزيران) 1944، اعتقلت قوات الأمن الألمانية في باريس روبير أنتيلم وسجنته في أحد معسكرات الاعتقال، وذلك بتأليب على الأرجح، من عميل فرنسي للغستابو يسمى شارل دلفال الذي كانت دورا كما يبدو تقيم معه علاقة تتسم بقدر من الغموض، حتى ولئن عرف عنها أنها في الوقت الذي كان فيه زوجها يعتقل، كانت هي تقيم علاقة مع ديونيس ماسكولا الذي كان شريكها في عضوية اللجنة. مهما يكن لا بد من الإشارة هنا في هذا الصدد نفسه أن دلفال سرعان ما اعتقل بعد نهاية الحرب بتهمة التعاون مع النازيين. أما دورا فلم يدن منها أحد، إذ كانت قد تخلت عن اللجنة وبدلت مواقفها، بل وصلت أيضاً إلى حد الكتابة في نص لها مبكر عنوانه "ألبير العواصم" أنه كان هو الذي حقق مع زوجها لدى اعتقاله وأسهم في ضروب التعذيب التي تعرض لها قبل أن يعدم من قبل النازيين أنفسهم. ويمكننا أن نتصور هنا كيف أن مثل هذه التبدلات قد وفرت للكاتبة الشابة، والتي على أية حال، لم تكن معروفة حينها، تعاطفاً شعبياً غطى على ما لن يكتشف إلا بعد زمن طويل، من مواقف وممارسات، وهو أمر لا شك قد ساعد فيه ارتباط الكاتبة المتزايد بالزعيم ميتران الذي كان قد أضحى وجهاً اشتراكيا مقاوماً في ذلك الحين ووضعت هي نفسها وقلمها في خدمته لتكون أول من ينسى ماضيه بين المثقفين الفرنسيين الذين، بعد سنوات من الغموض و"حفظ الرؤوس والألسنة" سجلوا أنفسهم في سجل المقاومين وفي دفاتر الخلود تماماً كما فعلت تلك السيدة، بل لِمَ لا نقول أيضاً، كما فعل أول رئيس اشتراكي في تاريخ جمهورية الفكر النير والعقلانية المطلقة؟ في الأحوال كافة لا بد أن نعود هنا إلى سؤالنا الأول: ترى هل كانت مرغريت دورا في أية لحظة من حياتها وفي أية صفحة من كتاباتها يسارية أو ذات نزعة إنسانية؟ لو كانت كذلك، هل كان من شأنها أن تقول بصدد الحديث عن أم قتلت طفلها، أو اتهمت بذلك في الأقل: "رائع.. بالتأكيد رائع!".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة