Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 انقلابات أفريقيا ورحلة البحث عن حاكم قوي

 الفشل في تحقيق النمو والاستقرار يؤدي إلى التأييد القوي لها

ملخص

 الموجة الجديدة من الانقلابات في أفريقيا تذهب مباشرة إلى الصين وروسيا، باعتبار أن هذه الدول أقل كلفة من الغرب لأنها تعتمد مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الصغيرة سواء سياسياً أو غير ذلك.

أعاد الانقلاب الذي أطاح الرئيس النيجري المنتخب محمد بازوم قبل أيام لواجهة الأحداث الجدل في شأن تواتر الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية التي تئن تحت وطأة فوضى أمنية وسياسية وأزمات اقتصادية لا تكاد تنتهي، على رغم الثروات التي تتمتع بها.

والنيجر ليست أول دولة تشهد انقلاباً في آخر ثلاثة أعوام، إذ سبقتها في ذلك كل من مالي وتشاد وغينيا وبوركينافاسو، فيما شهدت الأخيرة خلال عام واحد انقلابين مما يعكس ازدهار عصر الانقلابات في القارة السمراء على رغم الإدانات الدولية لها والقيود التي فرضها الشركاء الدوليون على هذه البلدان مع صعوبة الالتفاف عليها، لكن ذلك لم يضع حداً لها.

ويعد انقلاب النيجر السابع في غضون عامين ونصف العام في دول القارة السمراء إذ أطاح برئيس منتخب مما أثار ردود فعل منددة ليس من الواضح أنها ستردع الانقلابيين، لا سيما وأن القرارات التي تم الذهاب فيها من قبل تكتلات إقليمية وحلفاء نيامي الخارجيين وفي مقدمهم فرنسا التي علقت مساعداتها للنيجر، لم يسبق وأن دفعت انقلابيي مالي وبوركينافاسو وتشاد إلى التراجع.

هشاشة الدولة

وبين معظم الدول الأفريقية التي شهدت انقلابات رابط مشترك يتجسد في الحركات المتطرفة التي تؤرق السلطات في هذه الدول ويتسبب نشاطها والمكاسب التي تحققها على الأرض في فتح الباب واسعاً أمام التدخلات الأجنبية التي بدأت مع فرنسا بعملية برخان العسكرية عام 2013، لتنتهي بهيمنة شبه تامة للروس على تلك الدول عبر مرتزقة "فاغنر"، الذراع العسكرية القوية لموسكو.

وعلى رغم الإجراءات العقابية التي أقرتها منظمات إقليمية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) ضد الانقلابيين على غرار قرار تجميد عضوية بوركينافاسو إثر الانقلاب، إلا أن ذلك لم يشكل رسالة ردع قوية إلى الحكام الجدد في القارة السمراء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف رياض الصيداوي أن "الانقلابات في الدول الأفريقية تعكس هشاشة مفهوم الدولة من الناحية السوسيولوجية وهشاشة مفهوم السلطة، لذلك لا يمكن مقارنتها بالغرب الذي فيه رأسمالية راسخة وتشرف على الانتخابات والتداول على السلطة".

وقال الصيداوي في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن "الدول الأفريقية لم تنضج بعد من الناحية الاقتصادية، ولا يوجد مجتمع مدني قوي فيها، فالسلطة هشة جداً إلى جانب فشل الدولة اجتماعياً واقتصادياً في مرحلة ما بعد الاستقلال، وبعضها لا يزال مرتبطاً بالمستعمر السابق، كما أن هناك كثيراً من الشخصيات والأحزاب السياسية التي ارتبطت بفرنسا على سبيل المثال".

وتابع، "فرنسا وغيرها من المستعمرات السابقة لا تسعى إلى تنمية هذه الدول بل تركز على الاستفادة من منتجاتها الطبيعية من ذهب ومناجم ونفط، وتشجع في بعض الأحيان الانقلابات العسكرية التي تكون في مصلحتها، وهناك موجة جديدة من الانقلابات التي تذهب مباشرة إلى الصين وروسيا، إذ تعتبر أن هذه الدول أقل كلفة من الغرب لأنها تعتمد مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الصغيرة سواء سياسياً أو غير ذلك".

عطش إلى رؤية حاكم القوي

وتتقاطع دول المنطقة في عدد من النقاط والخصوصيات على غرار الطرق المذهبية والقبلية مما قد يقود إلى استنساخ الانقلابات التي تمت في كثير من الدول، خصوصاً أن الفشل في تحقيق النمو والاستقرار يدفع إلى تأييد قوي للانقلابات التي تفرز عادة حكاماً أقوياء.

وليست الانقلابات في أفريقيا وليدة اللحظة، فمنذ بزوغ استقلال القارة شهدت دول كثيرة انقلابات متتالية أخفقت العقوبات وحجب المساعدات وغيرها من القيود في الحد منها على رغم أن تداعياتها كانت وخيمة، إذ تضم القارة ثلث لاجئي العالم، علاوة على زيادة حال عدم الاستقرار مع ترصد المتشددين الإسلاميين لهذه الفرص بغية تعزيز نفوذهم.

ودفعت الانقلابات إلى احتدام التنافس الدولي على القارة الأفريقية الغنية بثرواتها بين الغرب الذي كثيراً ما مثلته فرنسا التي تقهقرت خلال الأعوام الأخيرة، وروسيا والصين اللتان نجحتا في ترسيخ نفوذهما بعد انقلابي مالي وبوركينافاسو عامي 2021 و2022، إذ استعانت المجالس العسكرية في هذين البلدين بمرتزقة "فاغنر".

وعلى رغم أن الوضع يزداد سوءاً على المستوى الأمني والاقتصادي في الدول التي شهدت انقلابات، إلا أن الترحيب الشعبي بالتحركات العسكرية في تصاعد مما يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف ذلك.

ويرى الصيداوي أن "الشعوب ترحب بذلك لأنها ترغب في رؤية حاكم قوي في السلطة، وترى أن المؤسسة العسكرية هي القوة الوحيدة المنظمة، بينما الأحزاب السياسية ينخرها الفساد والرشوة والمحسوبية فتصبح المؤسسة العسكرية الضامن للأمن".

ويركز القادة الجدد للدول التي شهدت انقلابات على الملف الأمني الذي يمثل هاجساً لشعوبها مع تمدد الجماعات الإرهابية، لكن مراقبين يشككون في إمكانات الانقلابيين وقدرتهم على قص أجنحة هذه الجماعات، خصوصاً أن الانقلابات تؤدي إلى استبدال حلفاء خارجيين بآخرين لديهم الأهداف والأطماع نفسها، وأولويتهم ليست محاربة المتشددين.

بدوره قال الباحث السياسي النيجري إيساكا موسي مونكايلا إن "الانقلابيين يركزون على الملف الأمني دائماً لتبرير تحركاتهم لأنهم يعرفون أهمية هذه القضية التي تحظى بشعبية في دولهم".

واعتبر مونكايلا أن "المشكلة تكمن في قدرتهم على الاستجابة لمطالب الشعوب بوضع حد للمتشددين"، مختتماً "لا أعتقد أن استبدال الفرنسيين بمرتزقة ’فاغنر‘ كما حصل في مالي وبوركينافاسو، وهو السيناريو المحتمل أيضاً في النيجر، سيأتي بنتائج يمكن المراهنة عليها".

المزيد من متابعات