Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السيارات الكهربائية... شعبية مفقودة في مصر

عدم جاهزية البنية التحتية في البلاد تضعف نمو الطلب وتسقط اقتناء هذه المركبات من حسابات المواطنين

عدد السيارات الكهربائية في مصر لا يتجاوز ألفي سيارة حتى مارس الماضي (أ ف ب)

ملخص

متخصصون يرون أن المصريين لن يقبلوا على شرائها قبل تحقيق 3 مطلبات

تثقل عديد من التحديات مستقبل السيارات الكهربائية في مصر، فمن ضعف يعانيه الجنيه المصري ونقص في البنية التحتية اللازمة لشحن المركبات وصولاً إلى غياب التحفيز، لا يتوقع لهذه الفئة أن تشهد نمواً كافياً خلال السنوات المقبلة، أو أن ترتفع أسهمها في بورصة المصريين.

بينما تبدو التقارير العالمية أكثر تفاؤلاً اليوم حيال مستقبل هذه السيارات في أوروبا وأميركا والصين، تبدو السوق المصرية في معزل عن ذلك، ففي حين يشير أحدث تقرير صادر من اتحاد مصنعي السيارات الأوروبيين "ACEA" إلى تراجع في حصة سيارات البنزين بالسوق إلى أقل من 50 في المئة للمرة الأولى بحلول الربع الرابع من العام الماضي، أمام جاذبية وقبول أوسع للسيارات الهجينة والكهربائية، تلفت "ستاندرد آند بورز غلوبال" إلى أن حصة هذه المركبات ستتسع أكثر لتشكل 70 في المئة في أوروبا، 47 في المئة بالولايات المتحدة، بحلول 2030، من 19 في المئة حالياً للأولى وثمانية في المئة في الثانية.

ويتوقع تقرير حديث صادر عن وكالة "فيتش سوليشنز" في شأن مستقبل السيارات الكهربائية في مصر، أن ينمو الطلب خلال كامل 2023 بنسبة 10.5 في المئة، لكن رغم ذلك، ستظل مبيعات هذه الفئة من المركبات لا تمثل أكثر من 0.1 في المئة من إجمالي المبيعات العام الحالي، وسط توقعات ببقاء هذه النسب الضعيفة من دون تغيير عامين إضافيين، بالنظر إلى انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع مستوى التضخم، واللذين يضعفان شهية الشراء.

شعبية مفقودة

الجد بالهزل ممزوجان في بعض أحاديث المصريين عن السيارات الكهربائية، إذ يستوقف انتباههم تحديداً فكرة "الشحن" التي تترادف في أذهانهم وشحن الهواتف الذكية، فيتساءلون مداعبين "وهل سنشحن هذه السيارات بالشاحن في البيوت؟ ثم ماذا لو توقفت فجأة على الطريق، هل سنقوم بشحنها بالشاحن؟".

تساؤل لا يغادر منطقة الدعابة حتى يستقر في مساحة انشغال البعض بمصير البنية التحتية اللازمة لتسيير السيارات، التي لا تزال تفتقر إليها البلاد، ومن بين هؤلاء يقول عبدالرحمن سمير، موظف بإحدى الشركات التجارية الخاصة، لـ"اندبندنت عربية" إن "عديداً من علامات الاستفهام تدور حول هذه السيارات، كيف تعمل وأين تشحن؟ ما زالت البلاد لا تحظى ربما بمحطات شحن أو مراكز صيانة أو قطع غيار أو حتى فنيين متخصصين في المعاينة والإصلاح، الأمر سيستغرق سنوات على الأرجح لقبولها العام".

يشاركه في طرحه، محمود عبدالسلام الموظف في إحدى المؤسسات الحكومية، لكنه مشغول في شأن أمر آخر لا يقل أهمية، إذ يعتقد أن "هذه السيارات ربما لن تحظى ببيع سهل، إذا ما أراد البيع أو الاستبدال لشراء آخر بعد سنوات، فلا تحظى السيارة الكهربائية بعد بشعبية في أوساط المستهلكين... هذه مشكلة أخرى".

من بين ما يزيد على 10.9 مليون مركبة مرخصة تزحم شوارع مصر، يقدر إحصاء رسمي للمجموعة المصرية للتأمين الإجباري، عدد السيارات الكهربائية في البلاد بنحو 1904 سيارات فقط في مارس (آذار) الماضي، وتتصدر السيارة "فولكس فاغن أي دي لاين" القائمة كأكثر السيارات الكهربائية استحواذاً لدى المصريين بعدد 336 سيارة مرخصة في الفترة ما بين يوليو 2021 ويناير 2023، بينما حلت السيارة "تسلا" ثانياً بنحو 96 سيارة، ثم في المرتبة الثالثة "بي أم دابليو" بعدد 46 سيارة، ورابعاً "بورش" بـ26 سيارة خلال الفترة نفسها.

محاولات التصنيع

بدأت إرهاصات تصنيع السيارة الكهربائية في مصر قبل سبعة أعوام بتعاون بين وزارات الصناعة والتجارة وقطاع الأعمال العام والمالية، إلا أن القاهرة لم تحرز تقدماً في الملف سوى في 2020، حين اتفقت شركة "النصر" المصرية مع شركة "دونغ فينغ" الصينية لتصنيع السيارة "E70" قبل أن تتعثر المفاوضات لأسباب فنية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

تواجه السيارة الكهربائية في مصر رياحاً معاكسة تمسكها عن التمدد في سوق استهلاكية واسعة، فمن أزمة العملة الصعبة التي تقف عائقاً أمام استيراد سهل وتجعل من الخطوة أكثر كلفة، مروراً بضعف البنية التحتية اللازمة لشحن وصيانة هذا النوع من السيارات وصولاً إلى غياب التحفيز في شأن فتح باب الاستيراد بتيسيرات وإعفاءات، يعتقد المتخصصون الذين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، أن زوال هذه العوامل يكفل قبول المصريين للسيارة الكهربائية في مصر من حيث المبدأ، ويعمل على انتشارها وإن ظلت العوامل الخارجية كتحديات التصنيع العالمية باقية.

تلفت وكالة "فيتش سوليشنز" في تقريرها الأخير عن السيارات الكهربائية في مصر، إلى قرار إعفاء استيراد المركبات المستعملة من الرسوم الجمركية في مارس (آذار) 2018، شريطة ألا يتجاوز عمر السيارة ثلاث سنوات، قبل أن تعلق وزارة التجارة والصناعة المصرية، في مايو (أيار) 2021، استيراد المركبات الكهربائية المستعملة من أجل زيادة التجميع المحلي للمركبات الكهربائية، وتقول إن التوقعات خلال الفترة من 2023-2032 تشير إلى نمو هامشي في السوق لهذه الفئة، في ظل عديد من العوامل، من بينها دخل منخفض يعوق القدرة على تحمل التكاليف.

وعلى رغم ذلك، تشير "فيتش سوليشنز" إلى أن التحسين المستمر في تكنولوجيا البطاريات عالمياً، قد يؤدي إلى توفر السيارات الكهربائية منخفضة الكلفة في السوق المصرية مع نهاية العقد.

استعرضت "الوكالة" في تقريرها الصادر قبل أيام، عزم البلاد توفير 100 حافلة كهربائية لنقل الركاب على طول الطريق الدائري لإقليم القاهرة الكبرى، والبالغ 110 كيلومترات، كجزء من نظام نقل صديق للبيئة أطلق في ديسمبر (كانون الأول) 2022 تحت رعاية شركتين محليتين تابعتين لوزارتي النقل والإنتاج الحربي.

تفاؤل متوسط المدى

يبدو التقرير متفائلاً في شأن مستقبل السيارات الكهربائية في مصر على المدى المتوسط، إذ يتوقع أن يصل العدد إلى 23800 وحدة حال تراجع الكلفة الإجمالية لتلك السيارات بحلول 2032، ويستند في ذلك إلى ما تحظى به المركبات العاملة بالغاز الطبيعي الرخيص، إذ يختار المستهلكون الذين يعانون ضائقة مالية شراء سيارات الغاز الطبيعي بأسعار معقولة.

في فبراير (شباط) الماضي، عقد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، اجتماعاً لاستعراض مشروع تصنيع أول سيارة كهربائية في مصر، في خطوة تستهدف توطين الصناعة في مصر خلال ستة أشهر، وتضمن الاجتماع، الإشارة إلى أن السيارات التي ستكون مخصصة للاستخدام داخل المدن، ستضم مكوناً محلياً 60 في المئة، ويصل 90 في المئة خلال عامين من بدء الإنتاج.

وفي مايو الماضي، أعلن وزير المالية المصري محمد معيط، أن الدولة تتبنى استراتيجية صناعة السيارات الكهربائية، تتضمن محفزات للتصنيع والتوطين، وعلى جانب الشراء أيضاً بمنح المشترين دعماً مالياً يتراوح بين 50 ألف جنيه (1618 دولاراً) و70 ألفاً (2265 دولاراً).

يقف المتخصص في قطاع السيارات، وعضو "الشعبة" في الغرف التجارية، منتصر زيتون، على عديد من العوامل التي تكبح شهية المستهلكين في مصر عن طلب السيارات الكهربائية. ويقول لـ"اندبندنت عربية"، إن المستهلكين في مصر لديهم تخوفات حيال نقص البنية التحتية وضعف إمكاناتها في ما يتعلق بمحطات الشحن ومراكز الصيانة لهذه المركبات، إضافة إلى نقص قطع الغيار اللازمة.

وتهيمن شركة خاصة على محطات شحن السيارات الكهربائية في مصر، وتمتلك 190 محطة شحن على مستوى الجمهورية، وتخطط لزيادتها إلى 300 محطة بحلول العام المقبل، في حين منح جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، مطلع الشهر الجاري، تراخيص جديدة لشركتين، بغرض إنشاء محطات شحن السيارات بالكهرباء خلال الأعوام الثلاث المقبلة.

أسعار باهظة

لم يغفل منتصر زيتون، سعر السيارة الكهربائية المرتفع للغاية من بين أسباب تدعم عزوف المستهلكين عن الشراء، الذي يفوق بكثير سعر نظيرتها من السيارات التقليدية العاملة بالبنزين والديزل، ويربط في ذلك بأزمة شح النقد الأجنبي التي تعانيها البلاد، والتي أضعفت العملة المحلية، ودفعت معدلات التضخم صعوداً، في حين يبقى التخوف الآخر آت من عمر البطارية الافتراضي، وفترة الضمان التي لا تتجاوز ثمانية أعوام.

وأظهرت بيانات رسمية صادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، الأسبوع الماضي، أن تضخم أسعار المستهلكين السنوي بلغ أعلى مستوى منذ يوليو (تموز) 2017، حين سجل الشهر الماضي 36.8 في المئة من 14.7 في المئة خلال يونيو (حزيران) 2022.

وضعف الجنيه المصري في أعقاب دورة التشديد النقدي التي مارستها البنوك المركزية وفي مقدمتها مجلس الاحتياط الفيدرالي نهاية عام 2021، وأدت إلى خروج 20 مليار دولار من سوق أدوات الدين الحكومية بنهاية الربع الأول من عام 2022، وأدى ذلك إلى تراجع العملة المصرية أمام الدولار الأميركي بنسبة 97.7 في المئة عبر ثلاث عمليات من تحرير سعر الصرف، منذ مارس 2022، تراجعت على أثرها من مستوى 15.75 للدولار الواحد في مارس 2022 وصولاً إلى متوسط 30.85 للدولار في يوليو الجاري، في حين احتفظت السوق السوداء بأسعار أكبر للعملة الأميركية عند مستوى دون 40 جنيهاً (1.29 دولار بالسعر الرسمي) في المتوسط.

في حديثه، يشير المتخصص في قطاع السيارات، إلى مشكلات عالمية تعوق انتشار هذه المركبات، من قبيل ندرة عنصر الليثيوم اللازم لتصنيع البطارية، في وقت تمثل البطارية تقريباً كل شيء في هذه السيارة، ويتحدث أن أوروبا تدعم مبيعات هذه السيارات، في إطار العمل على نشرها وخفض الانبعاثات الكربونية، وتمول هذا الدعم المقدم للمشترين، بفرض رسوم وضرائب على مصادر الانبعاثات الرئيسة، سواء الشركات النفطية أو غيرها.

ويعتزم الاتحاد الأوروبي، العام الماضي، فرض حظر على مبيعات السيارات الجديدة العاملة بالبنزين، اعتباراً من عام 2035، في خطوة تستهدف خفض الانبعاثات بحلول 2050.

جهود التوطين

يعرج المتخصص في حديثه إلى مساعي مصر لتوطين صناعة السيارات الكهربائية والعمل على نشرها، فيقول في حديثه، إن مصر انتهت من 50 في المئة تقريباً من البنية التحتية اللازمة لتسيير هذه السيارات، من محطات شحن ومراكز صيانة، من بين خطوات أخرى تعمل عليها، متوقعاً أن تشهد السوق تحسناً مدفوعاً بالطلب، وإقبالاً على استيراد هذه السيارات، حال انتهاء أزمة النقد الأجنبي.

تبدو سوق السيارات بأكملها أمام عزوف عام، إذ تظهر بيانات حديثة لمجلس معلومات سوق السيارات "أميك"، انخفاضاً في المبيعات بنسبة تقترب إلى 71 في المئة في الأشهر الخمس الأولى من العام الحالي، إذ باعت الشركات قرابة 30 ألف مركبة فقط حتى نهاية مايو الماضي، مما يزيد على 100 ألف خلال الفترة المثيلة من العام الماضي، وجاءت سيارات ركوب الأفراد "الملاكي" بأكبر نسبة تراجع من إجمال المبيعات عند مستوى 73 في المئة بعدد 21.8 ألف وحدة، مقارنة بما يتخطى 80 ألفاً في الفترة ذاتها من 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واختبرت سوق السيارات في البلاد عديداً من التحديات خلال العام ونصف العام الماضية، على إثر ظهور أزمة شح النقد الأجنبي في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية في الربع الأول من العام الماضي، والقيود المفروضة على استيراد السلع غير الاستراتيجية ومن بينها السيارات، من قبيل العمل بنظام الاعتمادات المستندية في شأن الاستيراد، بديلاً لمستندات التحصيل، وهو ما صعب من مهمة الوكلاء في تدبير النقد الأجنبي اللازم للاستيراد، وسرعان ما تسللت تبعات أخرى إلى العملاء الذين شكوا من ارتفاع أسعار السيارات إلى مستويات قياسية، وصارت تعاملات بعضهم مع الوكلاء وتجار السيارات محل نزاع أمام الأجهزة الرقابية وسط اتهامات من العملاء للتجار بفرض مبالغ إضافية على السيارات رغم إتمام الحجز وسداد كامل الثمن.

مخاوف قائمة

وثمة تخوفات تحول دون انتشار هذه السيارات في مصر، كما يقول رئيس رابطة تجار السيارات، أسامة أبو المجد، لـ"اندبندنت عربية"، إذ إن قوانين البلاد لا تشجع على اقتناء هذه النوعية من المركبات، علاوة على ضعف البنية التحتية اللازمة لتسييرها من دون إشكاليات.

يقول أبو المجد إن غياب ثقافة السيارات الكهربائية عامل آخر، يمنع استعمالها، وفي الماضي، كان هناك قرار يتيح استيراد تلك النوعية من السيارات شريطة ألا يكون قد مضى على عام التصنيع أكثر من ثلاثة أعوام، وقد ألغي هذا القرار لاحقاً، واستبدل بآخر يسمح بدخول السيارة الكهربائية موديل عام الاستيراد فقط، بينما يعرج المتخصص في تجارة السيارات بمصر، إلى تحديات التصنيع العالمي لهذه المركبات التي تعاني مشكلات فنية تتعلق بنقص مكونات أساسية، فإن تركيز حديثه الأكبر ينصب على "ضعف البنية التحتية" اللازمة لخدمة هذه السيارات على مستوى الجمهورية، ما يفسر عدم انتشارها بالقدر الكافي، بالتالي وجود هذه السيارات ضعيف للغاية، معتبراً أن أي انتشار لهذه المركبات يجب أن يسبقه نشر لمحطات الشحن ومراكز الصيانة، وكذلك التشريعات والتحفيزات الداعمة لإدخالها إلى البلاد، وحينئذ ستحظى بطلب جيد، كما يقول.

لم يخف مجلس الوزراء المصري المعوقات التي تحول دون انتشار السيارات الكهربائية، ففي يونيو الماضي، تحدث مركز معلوماته عن مشكلات تتعلق بنقص عنصر الليثيوم المستخدم في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية عالمياً، ما يفسر ضعف مبيعات تلك السيارات في 2021 بما لا يتجاوز 6.6 مليون سيارة على الصعيد العالمي، وارتفاع أسعار العنصر أربعة أضعاف خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضي، وسط توقعات بنقص أكبر في الليثيوم بحلول 2025.

على الأرجح ستظل السيارة الكهربائية حبيسة عدم القبول العام في مصر إلى أن يطرأ على المشهد ما يحفز الاقتناء محلياً، ويدعم السعر والوفرة عالمياً، من دون أي مشكلات تلوح في الأفق، وتنذر بمستقبل أشأم تجاه هذه الصناعة.