Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أصحاب السيارات في مصر... معاناة بـ"السرعة القصوى"

شريحة واسعة منهم تشتري قطع غيار مجهولة المصدر لارتفاع أسعار الأصلية وورش الصيانة تشكو "وقف الحال"

زادت أسعار صيانة السيارات في مصر بمقدار ثلاثة أضعاف في وقت قياسي (اندبندنت عربية)

ملخص

الأزمة التي لحقت بورش الصيانة ما هي إلا جانب واحد من القصة. فما حدود معاناة أصحاب السيارت في مصر؟

على وقع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر، بدا أسامة حسن الذي يعمل في مجال صيانة السيارات منزعجاً من ارتفاع أسعار قطع غيار السيارات وتأثيرها المباشر في عمله، إذ تراجع دخله اليومي بشكل ملحوظ على رغم خبرته التي تصل إلى نحو 25 عاماً.

يقول الرجل الخمسيني الذي كان يرتدي بذلة زرقاء ملوثة ببقع من الشحم، إن شكاوى الزبائن من كلف الصيانة تزايدت لدرجة أن بعضهم لا يقدر على توفير قطع الغيار ويطلبون سحب سياراتهم من الورشة.

يحكي الرجل الذي يدير ورشة متواضعة بأحد الأحياء الشعبية بمدينة "السادس من أكتوبر"، أنه يفكر بالانسحاب من السوق، متابعاً "الحال واقف، والزبائن تشتكي بصفة مستمرة من ارتفاع أسعار قطع الغيار، والعربيات مرمية برة الورشة".

صدمة الصيانة

الأزمة التي لحقت بأصحاب ورش الصيانة ما هي إلا جانب واحد من القصة، فعلى الجانب الآخر يبدي خالد عاطف دومة، الذي يعمل بإحدى شركات السيارات المعتمدة على تطبيقات الهاتف، قلقه الدائم من حدوث أعطال بسيارته. يقول لـ"اندبندنت عربية" إن الجميع يستغل الظروف الحالية لدرجة أن أي عامل ميكانيكي بات يطلب أجراً كبيراً في مقابل الفحص السريع للسيارة، ودفع أثناء أعمال الصيانة الأخيرة 3 آلاف جنيه (200 دولار)، على رغم أن العطل لم يكن يكلف أكثر من ألف (33 دولاراً) قبل عام واحد، على حد قوله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشير دومة، الذي يملك سيارة تنتمي للفئة الاقتصادية، إلى اضطراره للاستدانة أحياناً لحل المشكلات المتعلقة بسيارته لأنها تمثل مصدر دخله الوحيد، إذ لم يعد يهتم بجودة قطع الغيار المطلوبة لأن الأهم من وجهة نظره استمرار السيارة في الحركة.

وكانت مصر حررت عملتها المحلية مرات ثلاث منذ مارس (آذار) 2022 حتى يناير (كانون الثاني) الماضي، مما تسبب في أزمة غلاء انعكست بدورها على سوق صناعة السيارات.

وشهدت أروقة البرلمان المصري في مارس الماضي مطالبات بضرورة مواجهة أزمة ارتفاع أسعار قطع الغيار، إذ تقدم عضو مجلس النواب محمود عصام بطلب مناقشة تلك القضية، موضحاً أن "قطع غيار السيارات تعد من أبرز السلع المستوردة التي شهدت ارتفاعاً يصل إلى نحو ثلاثة أضعاف مع نقص كمياتها بالأسواق، الأمر الذي تسبب خلال الفترة الأخيرة في معاناة أصحاب السيارات وقطاع النقل بشكل عام.

وأشار النائب إلى استيراد مصر نحو 95 في المئة من قطع غيار السيارات من الأسواق الخارجية، داعياً إلى التوسع في قطاع تصنيع تلك الخامات.

الطبقة المتآكلة

لم يكن الشاب الثلاثيني خالد محمود أفضل حالاً من غيره، فهو يعيش معاناة كبيرة تعود تفاصيلها لنحو عامين عندما قرر بيع سيارته القديمة وتحويل قيمتها إلى مقدم لشراء سيارة "بيجو" موديل 5008، معتمداً على فوائد شهادة بنكية لدفع الأقساط المطلوبة، لكنه وجد نفسه مصدوماً من أزمات عدة خلفتها قرارات التعويم المتتالية من ارتفاع أسعار الصيانة وقطع الغيار وزيادة نفقاته الشخصية نتيجة انخفاض قيمة الجنيه وثبات دخله.

 

 

حول مدى تأثره بالتغيرات التي طرأت على سوق صيانة السيارات يقول خالد لـ"اندبندنت عربية"، "أسعار صيانة السيارة زادت بمقدار ثلاثة أضعاف في وقت قياسي، والأمر أثر في بالسلب فلست قادراً على تحمل كلف الصيانة داخل التوكيل"، مشيراً إلى أن "السيارة في نهاية الأمر سلعة استهلاكية ولا تمثل استثماراً".

وحكى أحمد إسماعيل (35 سنة)، الذي احترف قيادة السيارات منذ أن كان عمره 10 سنوات، أنه امتلك أول سيارة باسمه عام 2010، وعن تلك الفترة يقول "كنت أدفع نحو 150 جنيهاً (نحو 4 دولارات) لإصلاح معظم الأعطال، وحالياً كلفة تركيب طقم (تيل الفرامل) تجاوزت 2000 جنيه (75 دولاراً)، والشهر الماضي اضطررت لشراء طاقم إطارات قيمته 12500 جنيه (404.49 دولار)، على رغم أن كلفته العام الماضي كانت 4200 جنيه (135.91 دولار)".

وقال أحمد، الذي ينتمي للطبقة المتوسطة التي بدأت تتآكل في مصر، إن صيانة الوكيل أصبحت أمراً مؤذياً بالنسبة إليه، والتجار يستغلون الأزمة ليرفع كل منهم يحدد أسعار قطع الغيار بحسب أهوائه، معلقاً "أرى أن العربية تحولت مع الوقت إلى خراب للبيوت".

أسواق كاسدة

في منطقة الحرفيين التي تقع ضمن نطاق حي السلام أول شرق العاصمة القاهرة، كانت أنصاف السيارات التي تحمل علامات تجارية مختلفة متراصة بعضها فوق بعض، إذ تحتل جانبي الشارع الرئيس للسوق الذي شهد حركة بيع هادئة نسبياً، باستثناء بعض التجار الذين لديهم قنوات اتصال بشركات خارج البلاد تمدهم بقطع الغيار الناقصة في السوق.

يقول تاجر قطع غيار السيارات حسني عمر لـ"اندبندنت عربية"، إن الوضع تغير عن ذي قبل، إذ باتت منطقة الحرفيين تشهد ركوداً في البيع منذ فترة بعيدة بسبب جشع بعض التجار، وبيع منتجات مقلدة على أنها أصلية، وانخفاض قيمة الجنيه المصري، وارتفاع أسعار القطع المستوردة، مما أدى إلى هرب الزبائن نتيجة ممارسات ينتهجها بعض المستغلين للأزمة.

 

 

ويستشهد حسني بقصص عن فترة الرواج قائلاً "بعض الزبائن كانوا يأتون لشراء مستلزمات سيارات، وعندما كانوا يجدون انخفاضاً في أسعارها يدفعهم الأمر لاقتناء قطع أخرى، لكن الوضع تغير وبدأ بعض الزبائن يطلبون أجزاء معينة لاستخدامها في ترقيع القطع التالفة مثلما يحدث في كشافات السيارات".

تعود نشأة سوق منطقة الحرفيين إلى نهاية عقد الثمانينيات، عندما تحركت الحكومة المصرية لتفريغ حيي مصر الجديدة والزيتون من الورش الصناعية بسبب شكاوى السكان المقيمين من ضوضائها، إذ نقل العمال والحرفيين المتخصصين في إصلاح السيارات إلى منطقة الحرفيين ونجحوا في اجتذاب زبائنهم مجدداً.

يرسم حسني الصورة التي باتت عليها السوق قائلاً "الأسعار ارتفعت أكثر من 300 في المئة خلال السنة الأخيرة، والزبائن أصبحوا يبحثون عن أرخص الأسعار في ظل ارتفاع قيمة المنتجات الصينية ذات الجودة المنخفضة".

على رغم التزام حسني ببيع قطع الغيار المقلدة بأسعار مناسبة وفق حديثه لنا، فإن الرئيس السابق لجهاز حماية المستهلك أحمد سمير يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن مجرد عرض تلك القطع مخالف للقانون حتى إذا بيعت بأسعار منخفضة لأنها تستخدم علامات تجارية مجهولة المصدر تحت غطاء علامة شهيرة، مؤكداً أن "مصارحة التجار لزبائنهم لا يعفيهم من المسؤولية، فالجهاز من مهماته مصادرة مثل هذه السلع حال إثبات تلك الوقائع".

وحول الدور الرقابي لجهاز حماية المستهلك أوضح سمير أن الجهاز يطلب من التجار إمداده بمصادر السلع، وفي حال كانت مصادرها مجهولة تصادر على الفور، فتقليد العلامات التجارية بات عالماً واسعاً، ووفق الإجراءات القانونية تصل الغرامات على المخالفين إلى مليوني جنيه (64.718 دولار).

يشير الرئيس السابق للجهاز إلى أن السوق في مصر مفتوحة، إذ لا يمكن تسعير تلك المكونات في ظل نقص إنتاجنا المحلي من قطع الغيار، وتحديد الاستيراد يدفع بعضهم إلى استغلال الأزمة.

منتجات مجهولة المصدر

وكانت دراسة أنجزها الباحث طلعت عبدالحميد بعنوان "الجغرافيا الاقتصادية لسوق قطع غيار السيارات المستعملة بمنطقة الحرفيين" توصلت إلى بعض النتائج، منها غياب دور الدولة عن متابعة نشاط السوق، ودعم مقومات بقائها، وانتشار قطع الغيار المغشوشة أو مجهولة المصدر، وعلى رغم رداءة تلك القطع فإن تشهد إقبالاً كبيراً لرخص ثمنها ومناسبتها لدخول قاعدة عريضة من المترددين على السوق، وإن كانت تشكل خطورة على أرواح قادة المركبات والمواطنين.

وأكدت الدراسة أن نحو 158 فرداً من أصحاب الورش والمصانع يشكلون ثلثي عينة الدراسة، يتوقعون أن تتحول المنطقة مع مرور الوقت إلى سوق تجارية تخلو من ورش الصيانة والإصلاح، في حين يرغب نحو 206 عمال، يشكلون 35.6 من جملة عينة الدراسة، بتغيير مهنتهم. وأوصت الدراسة بضرورة العمل على تقنين أوضاع الورش والمعارض العاملة وإزالة المخالف منها.

يقول محمد الصعيدي، الذي يحظى بـ25 عاماً من الخبرة في مهنة سمكرة ودهان السيارات بمنطقة الحرفيين لـ"اندبندنت عربية" إن الركود حل على المنطقة حيث انخفضت حركة البيع والشراء، مشيراً إلى آثار الأزمة الاقتصادية الواضحة على زبائنه، يقول "على سبيل المثال عندما أطلب من بعض الزبائن 2000 جنيه (64.72 دولار) نظير عملي أجد مماطلة نظراً إلى أن الكلفة كانت 500 جنيه (16.18 دولار) فقط منذ فترة قريبة".

يستعرض مهندس الصيانة أحد المراكز المعتمدة محمد عبدالمنعم، بعض الأسباب التي أدت إلى تلك الحال بالقول "بعض التجار لديهم معلومات عن الأوقات التي تعاني فيها التوكيلات المعتمدة من نقص في بعض المكونات، ومن ثم يغرقون السوق بها بمساعدة مستوردين لا تربطهم صلة بالشركات الأم، ويلجأون إلى مضاعفة أسعارها".

"لمست خلال الأشهر الماضية اهتمام الزبائن بالمنتجات الرخيصة على حساب الجودة"، بهذه الكلمات يروي عبدالمنعم انعكاس أزمة غلاء قطع الغيار على السوق، فـ"أعداد كبيرة من الزبائن يلجأون لتجار يبيعون منتجات مقلدة ومجهولة المصدر، كما يطلب مني بعضهم تقسيط قيمة الصيانة المخصصة لـ40 ألف كيلومتر، نظراً إلى تخطيها حاجز 8 آلاف جنيه (260 دولاراً). وأجد نفسي مضطراً إلى الرفض لأنها أمور لا تتماشى مع طبيعة العمل داخل مركز صيانة معتمد".

ضعف الرقابة

على الناحية الأخرى يؤكد رئيس مجلس الإدارة الأسبق للشركة الهندسية وصناعة السيارات رأفت مسروجة، أن الرقابة على السوق بشكل كامل مسألة مستحيلة في ظل تفاقم تلك الأزمة وتعدد أسبابها.

وفي شرح التحديات التي تواجه سوق قطع غيار السيارات يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن ندرة العرض أدت إلى رفع الأسعار بشكل جنوني وأهم شيء توفر المكونات، مضيفاً "ستظل مشكلة الغلاء قائمة طالما لم تستقر أسعار الدولار في مقابل الجنيه المصري، ولم يبدأ التضخم بالهبوط".

بجانب هذه القصص تخبرنا بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بارتفاع التضخم السنوي في أسعار المستهلكين بالمدن المصرية إلى 32.7 في المئة في مايو (أيار) في مقابل 30.6 في المئة في أبريل (نيسان)، كما سجل التضخم ارتفاعات حادة خلال العام الماضي بعد سلسلة تخفيضات لقيمة الجنيه بدأت في مارس (آذار) 2022، ونقص العملة الأجنبية لفترة طويلة، والتأخير المستمر في الإفراج عن الواردات.

 

 

رأفت مسروجة يسلط الضوء على مشكلة أخرى تتمثل في أن "بعض المستوردين باتوا ينشطون بشكل فردي، ويتعاملون مع بعض شركات سيارات تزودهم بقطع غيار ناقصة في السوق، وعلى رغم عدم الجودة مقارنة بالأصلية منها فإنها تباع بأسعار مرتفعة في ظل استغلال مسألة تعثر الاستيراد".

وحول رأيه في تحسن عملية البيع والشراء نسبياً في منطقة الحرفيين، يشدد على أنه "انتعاش موقت نظراً إلى وجود أشخاص داخل السوق يمكنهم استيراد مكونات من دول أفريقية مجاورة من دون الاعتماد على الشركات الأم، لكنها تبقى مرحلة ستنتهي بمرور الوقت".

ويقول رئيس رابطة تجار السيارات مصر أسامة أبو المجد، إن قطع الغيار في وضع سيئ نظراً إلى كثرة مصادرها واختلاف جودتها ووجود خمس فئات في الأسواق بين أصلية ومقلدة، كما أن عملية تسعير تلك المكونات تشهد عشوائية ملحوظة، مشدداً على أنها "مسألة تتطلب وعياً أكبر بحال السوق أكثر منها أزمة رقابة".

ويضيف أبو المجد لـ"اندبندنت عربية" أن قطع غيار بعض العلامات التجارية تباع بأسعار مخيفة، موضحاً أن التجار الذين يستوردون كميات أكبر يحصلون على عروض أفضل، وهو ما ينتج حالاً من التذبذب الشديد في الأسعار، أما المشكلة الرئيسة من وجهة نظره فتتمثل في صعوبة توفير المكونات من الأساس.

وحول كيفية التعامل مع الأزمة يشير أمين عام رابطة مصنعي السيارات خالد سعد إلى أن أساس المشكلة هو وقف الاستيراد، وقدرة بعض التجار على توفير حاجاتهم بطرق ملتوية، وهي مسائل لا يمكن أن يتعاطى معها الوكلاء المعتمدون في ظل صعوبة السيطرة على السوق.

ويقول سعد لـ"اندبندنت عربية" إن "مستقبل الأزمة مرتبط بقيمة العملة، فطالما أنها غير ثابتة ستظل الأسعار متذبذبة وفي زيادة وارتفاع، ولابد من تغطية حاجات المستهلك المصري وتوفير حاجاته لأن اختفاء بعض قطع الغيار يؤدي إلى مشكلة كبيرة".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات