Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رعب في القنال الإنجليزي... لغز مخيف يلف مصير مهاجري القوارب المفقودين

تحقيق أجرته "اندبندنت" يستمع للمرة الأولى إلى شهادات أشخاص عن فقدان أحبائهم في ثلاثة حوادث منفصلة في نوفمبر 2021، ويؤكد هؤلاء أنهم لا يزالون يسعون جاهدين إلى تحقيق العدالة للضحايا

 حاول توانا (يسار الصورة) وزانيار عبور "القنال الإنجليزي" إلى بريطانيا في نوفمبر عام 2021 ولم يعرف عنهما شيء منذ ذلك الحين (غيتي/ اندبندنت)

ملخص

يقول والد أحد الضحايا: "نريد مقبرة له نقوم بزيارتها أو جثة تعود لموطنه لدفنها أو سماع أي خبر، ولا نعرف ما إذا كان ولدي عالقاً تحت صخرة في البحر أم مدفوناً تحت الرمال، وربما لا يزال على قيد الحياة، فما نريده فقط هو الحصول على إجابات"

على مدى الأشهر الـ 18 الأخيرة اعتاد مصطفى مينا الاستفاقة فجأة من نومه كل ليلة، وهو مقتنع بأنه يسمع طرقاً على باب غرفته، أو يتلقى مكالمة هاتفية من ابنه الذي لا يزال مفقوداً منذ صعوده إلى متن زورق صغير شمال فرنسا متوجهاً إلى المملكة المتحدة.

قال الأب والدموع تنهمر من عينيه والحزن يعصر قلبه ألماً، "نريد مقبرة له نقوم بزيارتها أو جثة تعود لموطنه لدفنها أو سماع أي خبر، ولا نعرف ما إذا كان ولدي عالقاً تحت صخرة في البحر أم مدفوناً تحت الرمال، وربما لا يزال على قيد الحياة، فما نريده فقط هو الحصول على إجابات".

وكان مصطفى قد تلقى منتصف ليل الـ 24 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 رسالة نصية من ابنه زانيار (20 سنة) يخبره فيها أنه تحت رحمة أحد المهربين، وأنه سيحاول للمرة التاسعة عبور القنال.

وقال الوالد عبر رابط فيديو من كردستان العراق، "طلب مني عدم إبلاغ والدته بوضعه لأن ذلك سيسبب لها توتراً شديداً قد يمنعها من النوم"، مضيفاً "قال لي إنه بمجرد وصوله إلى المملكة المتحدة فيمكنني حينها أن أخبرها".

في اليوم التالي تحدث مصطفى مع المهرب عبر الهاتف فأكد له أن زانيار وصل بأمان، وطلب منه أن يدفع له المال لقاء تسهيل عبوره "القنال الإنجليزي" إلى بريطانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خرجت زوجته فرحة لتخبر جيرانها في مجتمعهم المميز بروابطه المتماسكة، وقامت بشراء حلوى لأهالي القرية احتفالاً بذلك، لكن عندما علمت الأسرة بالحادثة التي وقعت في القنال، قال مصطفى إنه كان بمثابة "أسوأ كابوس قد يحدث لأي والدين".

وأضاف أن "الألم لا يمكن وصفه، فنحن من العراق وهناك عائلات هنا فقدت أحباءها قبل نحو 30 عاماً، ولا تزال تنتظرهم، لكن الأمر يختلف عندما يحدث معك، وما نحتاجه هو الحصول على إجابات فقط".

كانت الحادثة التي وقعت في الـ 24 من نوفمبر عام 2021 أسوأ حادثة بحرية تقع في "القنال" منذ أكثر من 30 عاماً، حيث لقي27 شخصا حتفهم، ولا يزال خمسة في عداد المفقودين، بينما نجا اثنان منهم فقط.

أما زانا محمد، من كردستان العراق أيضاً، والذي فقد هو الآخر شقيقه توانا في تحطم القارب فقال، "يكاد أن يكون من المستحيل وصف تأثير عدم معرفة ما جرى، فإذا كان لدى أي شخص معلومة عما حصل، قد يكون صياداً أو أي فرد أو حتى قطعة من جسده أو أي شيء آخر، فإن ذلك سيساعدنا في أن نحظى ببعض الراحة، وسواء كانوا موتى أو أحياء فنحن بحاجة إلى معرفة ذلك، نريد بعضاً من السكينة والسلام".

المسؤولون اعتقدوا بادئ الأمر أن المأساة وقعت في المياه الفرنسية استناداً إلى مكان العثور على الجثث والناجين، لكن سجلات المكالمات والإحداثيات التي تم إصدارها في وقت لاحق كجزء من تحقيق فرنسي، أكدت أن القارب عبر إلى المياه البريطانية قرابة الساعة الـ 2:30 فجراً

وفيما أكد حزب "المحافظين" الحاكم باستمرار أنه يركز على منع عبور القوارب إلى المملكة المتحدة، دعت المعارضة البريطانية إلى إنشاء طرق آمنة وقانونية لطالبي اللجوء، وقال وزير الدولة لشؤون الهجرة في حكومة الظل "العمالية" المعارضة ستيفن كينوك إن مسألة إجراء تحقيق عام وشامل في حوادث الغرق الجماعي التي وقعت في الـ 24 من نوفمبر عام 2021 كانت "محقة"، داعياً الحكومة إلى فتح تحقيق "مستقل وشفاف تماماً" في الموضوع.

ولجأ مصطفى وزانا مع ثلاث أسر أخرى اختفى أحباؤهم في تلك الليلة، إلى رفع دعاوى قانونية على السلطات الفرنسية التي يقول محامون إنها "تسير في الاتجاه المتوقع لها مع القيام ببعض الاعتقالات في هذا الإطار".

 

لكن المحامية التي تمثل عائلات الضحايا ماريا توماس أشارت إلى أنه على نقيض ذلك فإن التحقيق الذي أطلق من جانب المملكة المتحدة بقيادة "فرع التحقيق في الحوادث البحرية" Marine Accident Investigation Branch (MAIB) - وهو هيئة مستقلة تعمل إلى جانب "قوة حرس الحدود" HM Coast Guard - "كان غير فاعل على الإطلاق وغير كاف".

وأضافت توماس، "أياً كانت نتائج التحقيق التي لن نعرفها حتى صدور التقرير النهائي فهي لن تكون كافية، ونحن لا نعرف الأفراد الذين تحدث معهم "فرع التحقيق في الحوادث البحرية" فقد أجري هذا المسار بكتمان، ومن غير المفهوم أن تقع خسائر في الأرواح على هذا النطاق وأن يبقى هناك في المقابل أسئلة مطروحة حول ما إذا كان سيتم فتح تحقيق عام شامل وقانوني".

وكانت فترة المشاورات التي دعي أقرب أقارب الضحايا إلى المشاركة فيها انتهت الأسبوع الماضي، ومن المقرر أن يتم تسليم التقرير النهائي لـ "فرع التحقيق في الحوادث البحرية" مع انتهاء فصل الصيف.

يأتي ذلك بعد وضع تقرير موقت من صفحتين نشر في نوفمبر عام 2022، عندما تم إرسال رسائل "واتساب" تتضمن مقتطفات منسوخة منه إلى أفراد الأسرة، من دون ذكر أسماء أحبائهم أو مخاطبتهم شخصياً، وقد أعرب أقارب مباشرون للعائلة عن شعورهم بخيبة أمل شديدة من سلطات المملكة المتحدة، وطالبوها بفتح تحقيق كامل في ما حدث.

أما زانا فقال "نعتقد أن ’فرع التحقيق في الحوادث البحرية‘ يجب أن يُقدم على القول إن شخصاً ما أهمل واجباته وتنكر لمسؤولياته، ونعتقد أن الدليل موجود وهو أن القارب كان في وسط المياه الإقليمية البريطانية، والتكنولوجيا في العادة لا تكذب".

ورأى مصطفى من جانبه أنه "بما أن القارب دخل إلى مياه المملكة المتحدة فعلينا أن نحمل السلطات البريطانية المسؤولية عن الحادثة، إذ كان يتعين عليها واجب تقديم الرعاية لهؤلاء الأفراد لكنها أهملت مسؤولياتها، وذلك يشكل خرقاً للقانون الدولي".

وفي هذا الوقت يحاول أفراد الأسرة أيضاً الحصول على معلومات تتعلق بالتحقيق الجنائي المستمر الذي تجريه "الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة" National Crime Agency  (وكالة لإنفاذ القانون في المملكة المتحدة تعنى بمكافحة الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات)، في ما يتعلق بالمهرب المعروف بأنه دبر عملية عبور "القنال الإنجليزي" التي فقد فيها أحباؤهم.

ويقول مصطفى "نحن نعلم أنه أُلقي القبض على المهرب، لكننا لا نعرف ما إذا كانت جرت محاكمته، أو ما إذا كان جرى توجيه أي تهم إليه. إن أحداً لم يطلب منا الإدلاء بأية معلومات عن هذا التحقيق الجنائي، ولم نحصل على معلومات محدثة أو أية إيضاحات ذات صلة".

ويشار إلى أنه في حادثة أخرى وقعت في الـ 11 من نوفمبر عام 2021، حاول خمسة ذكور من جنوب السودان عبور "القنال الإنجليزي" بواسطة قارب "كاياك"، وتسببت عاصفة في انقلاب الزورق مرات عدة، ونجا شخصان بصعوبة من الحادثة.

وقفز رجل يدعى ويليام نيون غاي إلى الماء لتثبيت القارب، إلا أن أحداً لم يره أو يعرف عنه شيئاً منذ ذلك الحين.

ويقول جيكوب جوما بول لي، وهو ابن شقيق وليام، "عندما لا يتوافر دليل على وجود جثة فلا يمكنك إقامة جنازة، أنت فقط تنتظر وإذا ما تمكنا من رؤية جثمانه فأقله يمكننا أن ندرك أنه لم يعد موجوداً في هذه الدنيا".

قبل أسبوع واحد فقط، وتحديداً في الرابع من نوفمبر عام 2021، حاول أمان عبور "القنال" مع ابن عمه هافتوم (17 سنة)، وعندما انقلب قاربهما وسقط الأول في الماء حاول هافتوم أن يسحبه لإعادته إلى متن القارب، لكنه سقط هو الآخر في الماء، وقد أصيب أمان بصدمة نفسية ولا يزال يبحث عن إجابات حول ما حدث لابن عمه.

وتقول امرأة بلجيكية استضافت الاثنين قبل مغادرتهما إلى شمال فرنسا والمملكة المتحدة، "يبدو أن أمان أصبح عاجزاً جسدياً عن استيعاب ما حدث، فمن وقت إلى آخر يبعث إلي بمقاطع فيديو على ’تيك توك‘ يقول فيها إنه يمكنه رؤية هافتوم. إن اختفاءه لا يزال يثير مسيطراً على ذهنه، والأسوأ من ذلك أنهم لا يحققون في الحادثة، وليست لدينا أي أنباء عما إذا كانوا سيفتحون تحقيقاً في الأمر".

وزير الدولة لشؤون الهجرة في حكومة الظل "العمالية" ستيفن كينوك رأى أن "من الضرورة بمكان أن يجرى الكشف عن جميع الحقائق علناً كي نتمكن من استخلاص العبر، ومنع وقوع أي حوادث أخرى من هذا النوع، فلدينا حجة مقنعة لإجراء تحقيق شامل وكامل، وفي الأقل يجب على الحكومة التزام إجراء تحقيق مستقل وشفاف تماماً للمساعدة في العثور على إجابات تسعى إليها عائلات الأفراد المفقودين وأحباؤهم".

مدير "مكتب دعم اللاجئين وإعادة الروابط العائلية" لدى لـ "الصليب الأحمر البريطاني" British Red Cross أليكس فريز أوضح أن "فرق الصليب الأحمر تعمل بلا كلل لإعادة لم شمل العائلات التي انفصل بعضها عن بعض أثناء محاولة الوصول إلى بر الأمان، ومساعدة الناس في العثور على أقاربهم المفقودين. إننا نحض حكومة المملكة المتحدة على العمل مع الدول الأخرى على إنشاء طرق آمنة يسهل الوصول إليها، وتسمح للناس بطلب اللجوء من دون المخاطرة بحياتهم".

متحدث باسم "فرع التحقيق في الحوادث البحرية" وصف "الحادثة بأنها كانت مروعة، إذ أودت بحياة عدد كبير من الأفراد"، وقال "نحن مستمرون في إجراءات التحقيق المستقل الذي يقوم به فرعنا للتدقيق في مستوى استجابة المملكة المتحدة للطوارئ عند احتمال تعرض قوارب المهاجرين لمحنة في مياه المملكة المتحدة".

وختم بالقول "سيسعى تحقيقنا إلى تحديد دروس السلامة وتقديم التوصيات اللازمة للحد من وقوع مثل هذه المآسي في المستقبل، ولقد اكتمل التحقيق وانتهينا من فترة التشاور مع أصحاب المصلحة حول النتائج التي تم التوصل إليها، وما أن نقوم بمراجعة التعليقات المقدمة أثناء التشاور والتمعن فيها سننتقل إلى إعداد التقرير المقرر أن يصار إلى نشره".

 أسهم سايمون موفيو ومايا كورتوا ومايل جاليسون في إعداد محتوى هذا التقرير.

 تم العمل على هذه المقالة بدعم من "الصندوق الأوروبي لتمويل الصحافة" Journalismfund Europe (منظمة غير ربحية تدعم وتشجع الصحافة الاستقصائية عبر الحدود في أوروبا)

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات