Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أغاني الراب المغربية واقعية أم بذاءة؟

أثير الجدل بعد استخدام لفظة تحمل إيحاءات جنسية في أغنية حديثه على "يوتيوب"

فنان الراب المغربي لاغتيست    (وكالة الأنباء المغربية)

ملخص

انقسم الجمهور المغربي المتابع لموسيقى الراب حيال كلمة "البرتوش"، فريق اعتبرها أغنية تحث على "ممارسة الفاحشة" وآخر دافع عن اختيارات كلمات الأغنية الواقعية.

"البرتوش" كلمة واحدة في أغنية لمغني راب مغربي كانت كفيلة لتثير جدلاً واسعاً في البلاد، بين رافض لهذه "اللفظة الشعبية" وإيحاءاتها الجنسية، وداعم لهذا "الأسلوب الواقعي" في أغاني الراب.

وتعني كلمة "البرتوش" في اللهجة المغربية المتداولة لدى الشباب خصوصاً، الغرفة أو البيت الذي يتخذه الشاب مكاناً لنزواته الجنسية والعاطفية، أو حتى لتناول المخدرات وغيرها من الممنوعات.

وباتت موجة أغاني الراب خلال الفترة الأخيرة تمتلئ بغير قليل من "الكلمات البذيئة" التي تعرف انتشاراً وسط فئة الشباب، كما تتسم بما يسمى "الكلاشات"، وهي طريقة لمبادلة الاتهامات الحادة بين مغنيّ الراب أنفسهم، وهو الواقع الذي جر على هذا النوع من الأغاني انتقادات عدة.

جدل "البرتوش"

تقول الأغنية الجديدة المثيرة للجدل لمغني الراب الشاب يوسف أقديم المعروف فنياً بلقب "لاغتيست" (أي الفنان باللغة الفرنسية)، "أنا وياك والليل وبرشا حكايات... أنا وياك وبرشا حكايات في البرتوش"، بمعنى "أنا وأنت وكثير من الحكايات في البرتوش".

ويلمح مغني الراب من خلال كلمات هذه الأغنية إلى عالم الشباب الماجن وما يجري من قصص غرامية وعاطفية داخل بيوت معدة لممارسة المتعة الجنسية، قبل أن يضيف في مقطع آخر عبارة "تكايسي عليا يا الزين"، بمعنى "مهلاً بي أيتها الجميلة".

واستطاعت أغنية "الزرزور" (وهو اسم نوع من الطيور أكبر حجماً من العصفور) في غضون أسبوعين أن تحقق عبر منصة "يوتيوب" العالمية أكثر من 17 مليون مشاهدة، مما جعلها تعتلي "الترند" في المغرب طيلة أيام متوالية.

وانقسم الجمهور المغربي المتابع لموسيقى الراب حيال هذه الأغنية وكلمة "البرتوش"، تحديداً إلى مجموعتين، الأولى اعتبرتها أغنية تحث على "ممارسة الفاحشة" وسط الشباب والثانية تدافع عن اختيارات مغني الراب وكلمات الأغنية المتسمة بالواقعية.

المنتقدون والمعلقون على مواقع التواصل الاجتماعي رفضوا استعمال كلمات تحيل إلى فضاء معروف في المجتمع المغربي بممارسة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وذلك في أغنية موجهة أساساً إلى الشباب وصغار السن من محبي وجمهور فن الراب في البلاد.

وفي الجهة المقابلة دافع بعضهم عن كلمة "البرتوش" باعتبار أنها لفظة عادية مستمدة من الواقع المغربي وأن مغني الراب المذكور لم يأت بها من عنده، بل جاء بأغنية تصور واقع بعض الشباب الذين مروا بتجارب عاطفية وجنسية داخل "بيوت الشباب".

الولد العاق

على أنقاض الأغاني التي كانت توصف بالملتزمة والهادفة، خصوصاً ما كانت تقدمه المجموعات الغنائية من قبيل "ناس الغيوان" و"المشاهب" و"جيل جيلالة" وغيرها من أغان تتناول قضايا اجتماعية وسياسية بلغة مباشرة ساخنة، انبثق فن "الراب" في التسعينيات من القرن الماضي.

وبعيداً من الجدية التي كان يظهر بها أفراد مجموعات الفن الملتزم بقضايا المجتمع، ظهر شباب بأزياء غريبة وحركات سريعة وأوشام جسدية، وكلمات أغانٍ تبدو عير مفهومة ليتشكل فن الراب الجديد بالمغرب.

كثيرون نظروا إلى فن الراب الذي خرج من رحم المجموعات الغنائية "الملتزمة" على أنه مجرد "ابن عاق" داخل أسرة الأغنية المغربية، وفي مجتمع معروف بأنه محافظ في كثير من تجلياته، خصوصاً في سنوات التسعينيات، قبل أن يتشبع بعدد من مظاهر الحداثة حتى في الغناء والموسيقى.

وتطور هذا "الولد العاق" شيئاً فشيئاً وبدأ عوده يشتد تدريجاً، خصوصاً بظهور حركة "نايضة" عام 1998 ومعناها "ناهضة" أو "متحركة" التي يحلو لبعضهم تشبيهها بحركة "لاموفيدا" الإسبانية التي نشأت بعد وفاة الجنرال فرانكو في سبعينيات القرن الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن تجليات حركة "نايضة" المغربية إطلاق العنان للتعبيرات الشبابية المختلفة عبر أنواع الرقص والموسيقى المستوردة، أو تلك التي أضيفت إليها لمسات غنائية مغربية محلية، وكلها كانت تتسم بنوع من الرفض للواقع المعيش، وكان على رأسها فن الراب الشبابي.

ومرت الأعوام لتتشكل أسماء بدأت تعرف انتشاراً وقبولاً لافتاً وسط الشباب المغربي من قبيل الرابور "البيغ" أو الملقب بـ"الخاسر"، أو الرابور الملقب بـ"مسلم"، أو مجموعة "آش كاين" وغيرهم ممن يوصفون بحاملي لواء الراب الشبابي المغربي.

وجاءت حركة الـ 20 من فبراير (شباط) التي ولدت في سياق ما يسمى "الربيع العربي" في عدد من الدول العربية لترفع من أسهم غناء الراب، سواء المغنين الذين تماهوا مع السلطة ورفضوا الاحتجاجات المطالبة بمحاربة الفساد والاستبداد، أو الذين رفعوا شعارات "الربيع المغربي" في أغانيهم.

كلام زنقاوي؟

هذا الغناء الذي يظهر لكثيرين بأنه هادف ويهتم بأوجاع المجتمع المغربي، سواء عبر إثارة مواضيع البطالة أو الفساد أو الرشوة أو المحسوبية وغيرها التي تطرق إليها عدد من نجوم غناء الراب خلال مرحلة "الحراك الشعبي" وحتى ما بعده، سرعان ما خفت وهج بعضه أو معظمه وتحول إلى راب بلون مغاير ومضامين مخالفة تماماً.

وشغلت "اللغة البذيئة" والحركات المشحونة حيزاً متنامياً في عدد من الأغاني الجديدة للراب خلال الأعوام الأخيرة، حتى بات كثيرون يرون أن كلماتها مجرد "كلام زنقاوي" بمعنى أنه يمتح من الشارع (الزنقة) "بترديد كلمات وألفاظ تنتمي إلى أسفل القاع"، وفق كثيرين.

ويستند مغنو الراب الذين يؤدون مثل هذه الأغاني وجمهورهم الواسع من الشباب إلى قناعة مفادها بأن "تلك اللغة المتداولة هي بالفعل جزء رئيس من لغة الشباب في الشارع، بالتالي فإنها ليست سوى ترجمة ونقلاً لواقع معيش لا يمكن الارتفاع عليه، أو تجميله فقط لإرضاء ذائقة الجمهور".

في المقابل يرفض كثيرون الاستماع إلى أغاني الراب الشبابية الجديدة أو مشاهدة "الكليبات" الخاصة بهذا النمط الغنائي لأنه بحسبهم يخدش الذوق ويمس روح الفن الذي لا يمكنه إلا أن يكون جميلاً، بعيداً من الكلمات الجارحة أو المصنفة بالخارجة عن الحياء والحشمة.

ويرد بعضهم على هذا الطرح الذي ينحصر في مسألة عكس الواقع وما يموج فيه عبر أغاني الراب، مما يستدعي استخدام لغة توصف بالبذاءة، بأن هناك مغنيّ راب نجحوا في تقديم أغانٍ من الواقع من دون السقوط في التعبيرات الفجة مثل الأغنية التي نالت أخيراً نجاحاً لافتاً وهي "مع العشران" للرابور "دوزي دروس" التي جاءت محملة برسائل اجتماعية وسياسية وتصوير احترافي حظي بإعجاب الملايين من دون الوقوع في اتهامات اللغة المسيئة.

كلاشات

وعدا النقاش الساخن الدائر حول كلمات أغاني الراب في المغرب التي يصفها بعضهم بالبذيئة والبعض الآخر بالجريئة والواقعية، فإن الراب المغربي يتسم بتبادل "الكلاشات" في ما بين عدد من المغنيين. و"الكلاش" هو مختصر لكلمة رشاش "كلاشنيكوف" في إحالة إلى الردود النارية المتسمة بالقسوة والسب أحياناً بين الرابورات المغاربة.

ويرى مهتمون بفن الراب الشبابي المغربي أن الرابور "دون البيغ" الشهير بلقب "الخاسر" (وهذا اللقب يعني صاحب الكلام البذيء) هو أحد أشهر من مارس "الكلاشات" ضد زملائه من بني جلدة الراب في المغرب وحتى خارجه، لا سيما مع مغنيّ الراب الجزائريين.

وفي هذا السياق اشتهرت أغنية "170 كيلوغرام" للرابور "البيغ" واسمه الحقيقي توفيق حازب، إذ قدم فيها "كلاشات" لعدد من زملائه في هذا النمط الغنائي من خلال استعمال لغة بذيئة ورسم كاريكاتيري يظهره يدخن "سيجاراً كوبياً" بينما زملاؤه ساقطون أمامه من دون حراك، قبل أن يرد عليه مغنو راب آخرون وتتطور الكلاشات لتصير "علامة مسجلة" مميزة للراب المغربي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة