Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرسام إبراهيم الصلحي بلغ العالمية بمآسي السودان

اختيرت لوحته "صورة ذاتية للمعاناة" ضمن أفضل 16 "لوحة بورتريه" لتعرض في متحف لندني

الرسام السوداني الرائد إبراهيم الصلحي (موقع الفن الأفريقي الحديث)

ملخص

اختيرت لوحته "صورة ذاتية للمعاناة" ضمن أفضل 16 "لوحة بورتريه" لتعرض في متحف لندني

يعد الفنان التشكيلي الرائد إبراهيم الصلحي – إضافة إلى الروائي الراحل الطيب صالح - أحد قطبين إبداعيين سودانيين، سطع نجمهما ربما طاغياً على أسماء إبداعية سودانية أخرى، منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن.

إبراهيم الصلحي، المولود في مدينة أم درمان عام 1930 ويعيش حالياً في أكسفورد بإنجلترا، عُرضت أعماله في أماكن عدة، مثل متحف الفن الحديث بنيويورك، والمتحف العربي للفنون الحديثة بالدوحة، وتوجد أعماله ضمن مقتنيات خاصة وعامة مثل متحف الفن الحديث في نيويورك، والصالة الوطنية الجديدة في برلين، وأطلق عليه لقب زميل مؤسسة روكفلر، وفاز بجوائز عدة في السودان والعالم، منها الجائزة الشرفية لمؤسسة برنس كالوس للثقافة والتنمية.

وقد اختيرت لوحته أخيراً "صورة ذاتية للمعاناة" ضمن أفضل 16 لوحة بورتريه في تاريخ الفن، لتعرض في معرض الوجوه الوطني في لندن، أحد المعارض الفنية الدائمة، والذي افتتح للمرة الأولى عام 1856، وهو معرض مخصص للبورتريهات فقط، ويقع في قصر سانت مارتن في لندن ويعرض فيه ما يقرب من 195 ألف لوحة بورتريه لفنانين من جميع أنحاء العالم. ويفتتح المعرض في 22 يوليو (تموز) المقبل بعد إغلاقه أمام الجمهور في عام 2020 من أجل تجديده.

بدأ الصلحي تعليمه من السودان في خمسينيات القرن الماضي ومارس تدريس الفنون. درس الرسم والتلوين في مدرسة التصميم بكلية غردون التذكارية التي أسسها المستعمر الإنجليزي في العاصمة السودانية الخرطوم (جامعة الخرطوم)، كما درس في معهد الخرطوم الفني (جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا حالياً)، وابتعث إلى بريطانيا وواصل دراسته لمدة ثلاث سنوات (1954 حتى 1957) في مدرسة إسليد للفنون في كلية لندن الجامعية، ثم درس التصوير الفوتوغرافي في جامعة كولومبيا في نيويورك (1964- 1965).

وفي عام 1969 شغل وظيفة مدير مصلحة الثقافة في وزارة الإعلام السودانية إضافة إلى إدارة المجلس القومي لرعاية الآداب والفنون، ثم عُين وكيلاً لوزارة الإعلام السودانية.

لوحات الاعتقال

وعقب عودة الصلحي الى السودان في أواخر الخمسينيات بعد تخرجه في مدرسة إسليد للفنون في إنجلترا، عمل في تدريس الفنون لعدة سنوات في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الخرطوم، وسطع نجمه كمثال للحركة الفنية الناهضة آنذاك والتي عُرفت لاحقاً باسم مدرسة الخرطوم. وهي المدرسة التي يصفها نقاد تشكيليون بأنها كانت حركة مهمة في فضاء الفنون التشكيلية السودانية، تميزت برؤية جمالية وأسلوبية خاصة بها.

عاد الصلحي إلى السودان مواصلاً جهده الرائد في مزاوجة الفن الأفريقي التقليدي والمصادر البصرية العربية الإسلامية بحركة الفنون الأوروبية. يقول الفنان التشكيلي الأمين محمد عثمان، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن ما يميز فن الصلحي هو هذه المزاوجة بين الثقافات والتقاليد التي تبدو جلية في عمله "صدى أحلام الطفولة" (1964)". ويحقب الأمين أعمال الصلحي بقوله: "إن أعمال الفنان الممتدة من عام 1970 حتى بداية الثمانينيات تعكس ظروف وملابسات حياته الخاصة إضافة إلى الظرف السياسي، بخاصة عندما اعتقله نظام مايو (أيار) (1969-1985) حينما كان وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام". ويعلق على أعمال تلك الفترة بأنه أنتجها أثناء فترة الحبس فتبدت فيها كل ملامح القسوة والكآبة وصدمة العزلة.

ويضيف الأمين: "تُوّجت هذه الفترة بسنوات الهجرة والاغتراب إلى دولة قطر حيث تسنى له إنتاج أعمال معبرة عن تلك الفترة كاستجابة جبارة للفوضى والحرب الأهلية القائمة آنذاك في جنوب السودان".

وعمل الصلحي أيضاً محاضراً وممتحِناً خارجياً في عام 1970 في قسم الفنون في بجامعة ماكريري في يوغندا، وسافر إلى الولايات المتحدة بصفة فنان مقيم لدى منظمة اليونسكو وزميلاً في مؤسسة روكيفلر. وعاش في نيويورك وسافر عبر الولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل في أوائل الستينيات من القرن الماضي.

مقدم برنامج تلفزيوني وممثل سينمائي

في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الفائت، أسهم الصلحي في إنشاء مؤسسات إبداعية مثل اشتراكه في نادي "إمباري" في مدينة أبادان النيجيرية، وهو عبارة عن ورشة عمل تجريبية تُعنى بالفنون والدراما، مع كتاب أفارقة صار لهم شأن لاحقاً مثل وولي شوينكا، وشينوا أشيبي، وجيرالد فيليكس تشكايا، وجيكوب لورنس، ودينيس وليامز ضمن آخرين.

أعد الصلحي وقدم برنامجاً على التلفزيون القومي للسودان خلال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، عُرف بين المشاهدين السودانيين آنذاك ببرنامج "بيت الجاك"، وهو برنامج تلفزيوني يُقدم في شكل مجلة اجتماعية ثقافية. ولاحقاً اختير اسم البرنامج عنواناً لحوار مطول نشر في كتاب، أعده معه الفنان التشكيلي فتحي محمد عثمان. يشير الناقد والفنان التشكيلي صلاح حسن في دراسته "إبراهيم الصلحي وصناعة الحداثوية الأفريقية والعابرة للأمم"، إلى أن البرنامج أسهم في عكس ملمح آخر من ملامح شخصية الصلحي المتعددة، "إذ عَرَفه الناس خلال هذا البرنامج كفنان طليعي، خصوصاً من خلال الفقرات التي اشتملت على أداء درامي يتم ارتجاله بصورة تلقائية خلال عرض البرنامج". ويضيف حسن: "لقد كان من أكثر البرامج التلفزيونية جسارة واقتحاماً، وحطم العديد من المحرمات والقيود التي وسمت نفسية مجتمع السودان المحافظ". ويقول: "لم يطرق البرنامج أرضاً بكراً من حيث المحتوى فقط، بل أيضاً في تقمُّص الصلحي أدوار شخصيات متعددة مرتبطة بموضوع كل حلقة على حدة". واعتبر حسن البرنامج فضاءً رحيباً وفرصة مواتية سمحت للصلحي بتجريب مهاراته ومقدراته في التمثيل والدراما. ولم يسلم البرنامج في تلك الفترة من مقص الرقابة تحت قبضة نظام الجنرال جعفر نميري. وجسد الصلحي أيضاً دور شيخ الحنين الصوفي الفيلم السينمائي المأخوذ من رواية صديقه الطيب صالح "عرس الزين"، وأخرجه الكويتي خالد الصديق في 1976.

قبضة من تراب

يقول الصلحي في مذكراته التي نشرت في كتاب بعنوان "قبضة من تراب": "غادرتُ السودان ثم عدت. ثم فجأة بدأت أنظر من حولي بدأت أبحث عن شيء ما، عن أشكال نمطية، لقد كنت دوماً مفتوناً بالأشكال النمطية في الصناعات الحرفية التقليدية في السودان، وبما يبدعه الفلاحون البسطاء من نقوش وزخارف وتلوين. وفجأة أدركت كل ذلك الجمال على حين غِرِّة، كأن تتلقى ضربة قوية مباغتة. لقد تعايشت مع كل ذلك الجمال طوال حياتي من دون أن أبصره في حقيقة الأمر. كان عليّ أن أسافر للخارج والعودة مجدداً بنظرة مغايرة للأشياء... أتبصّر في ما حولي من أشياء وأشكال يبتدعها الناس في بيوتهم، أسرِّتهم ومصاليهم، تبصّرت في الطريقة التي يضعون بها السروج على ظهور جمالهم أو ثيرانهم. وافتتنت بكل ذلك بصورة لا تُصدق. وبدأت في تدقيق الملاحظة وبدأت بالرسم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرى صلاح حسن في دراسته عن الصلحي، أنه نجح في مزج التقليد بالحداثة بإبداع تصاوير ملّونة جذابة وأيضاً في الأعمال المنفذة بالأسود والأبيض، ويشير إلى أن أعمال الصلحي استطاعت عكس التوتر الخلاّق في حداثويتها والتعبير عن أفكار مختلفة المصادر من أفريقيا، ومن الحضارة الإسلامية والعربية، ومن الحضارات النوبية والقبطية، إضافةً للتأثيرات الغربية على الفنون والثقافة السودانية. 

يعتبر صلاح حسن، أن الفنان التشكيلي السوداني إبراهيم الصلحي أحد أهم رواد الحداثوية الأفريقية، ويضيف: "تكمن مساهمته الجوهرية التأسيسية في حركة الحداثوية الأفريقية في الفنون المرئية والبصرية، في استمرارية إنتاجه الفني وفي اشتغاله المؤثر بفضاء الفكر والتنظير، إضافة إلى إرثه العظيم ككاتب وناقد، فضلاً عن المدى الواسع الذي اشتملت عليه أعماله الفنية التي نهضت بمهمة سبر أغوار كل ما يمكن استكشافه من استراتيجيات التلوين والرسم".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة