Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستتحول تركيا إلى إيران ثانية؟

مقارنات بين أوضاع البلدين تظهر سير أردوغان على خطى الخميني

حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أخذ يتخلى عن دعواته إلى الديمقراطية والشفافية قبل 10 سنوات (أ ف ب)

ملخص

من المعلوم أن هناك أنماطاً عديدة في العالم لنظام الرجل الواحد فما نمط النظام الفردي في تركيا؟ الجواب هو: النظام الإيراني.

قد يبدو العنوان الذي وضعته قديماً ومملاً لمعظم القراء، لكن الواقع هو أن الفصيل العلماني الكمالي استخدم هذا الطرح لفترة طويلة في تركيا، منذ ما يقرب من 40 عاماً لممارسة الضغط النفسي على جميع المحافظين المتدينين.

ولكني أخيراً أدركت أنه إذا تحولت تركيا يوماً ما بالفعل إلى إيران ثانية فسيكون العلمانيون الكماليون من أكبر المساهمين في ذلك، ومع الانتخابات الأخيرة أظهروا لنا أنهم يستطيعون العيش مع أي نظام طالما لا يمس براحتهم.

وعندما لعبت حكومة حزب العدالة والتنمية مسرحاً انقلابياً في الـ15 من يوليو (تموز) 2016 لم يرفع هذا الفصيل صوتاً ضده، وقبل نحو شهر شاهد العالم كله مسرحاً انتخابياً جديداً قدم الرئيس رجب طيب أردوغان خلاله مسرحية الديمقراطية.

وكان بإمكان النظام الحالي أن يعلن نتائج الانتخابات على أنه بنسبة 70 في المئة لصالح أردوغان، ولكنهم لم يريدوا ذلك بسبب عجزهم عن إقناع الناس بصدقيتهم، بالتالي جنحوا إلى إعلان أقل نسبة تخول لهم الفوز بالرئاسة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وذكرت في مقالتي الأخيرة التي نشرت قبل الانتخابات، توقعاتي بأن ينهي أردوغان هذه اللعبة الانتخابية في نطاق 53 في المئة، ولكني مع ذلك أخطأت في شأن الأمل في أن تحمي المعارضة جميع صناديق الاقتراع.

وكنا نظن أن المعارضة لم يكن لها في الجولة الأولى مندوبون يراقبون في 20 ألف مركز اقتراع، وصدرت للتو أرقام رسمية، تبين من خلالها أنه لم يكن في الجولة الأولى مندوبون لها في 80 ألف مركز اقتراع وليس 20 ألفاً، مما أدى إلى انتقادات لاذعة تجاه المعارضة، حتى إن كمال كليتشدار أوغلو أقال مستشاره المسؤول عن الانتخابات ومراكز الاقتراع لهذا السبب.

وعلى رغم ذلك، لم ترسل المعارضة أي مندوب ليراقب مراكز الاقتراع البالغ عددها 17 ألف مركز في الجولة الثانية. وهذا يعني أن أردوغان اخترق بالفعل ساحة المعارضة. نعم بوجود هذه المعارضة الهشة، فإني لا أستبعد أن تصبح تركيا مثل إيران، بل وكوريا الشمالية أيضاً.

بالعودة لموضوعنا أقول: لسنوات طويلة استخدم القطاع العلماني الكمالي هذه الشماعة (أي التخويف بتحويل البلاد إلى إيران) كسلاح قوي جداً، من أجل مواصلة القمع ضد قطاع كبير من المجتمع المتدين، وذلك من أجل الحفاظ على الامتيازات التي كانوا يحتكرونها على مدى تاريخ الجمهورية الطويل.

هذه العبارة (هل سنصبح إيران ثانية؟)، بلغت ذروتها بشكل خاص في تسعينيات القرن الماضي، وأصبحت عنصراً مهماً للدعاية السلبية ضد المتدينين، بخاصة عندما دخل حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان البرلمان وأصبح في ما بعد شريكاً في الحكومة، وفاز الحزب برئاسة البلديات ببعض المدن، خصوصاً في إسطنبول.

وبعد أن وصل حزب العدالة والتنمية في عام 2002 إلى السلطة واتبع سياسات موالية للغرب خلال السنوات الأولى من حكمه انتزع هذه الدعاية من أيدي القطاع العلماني. وبفضل ذلك حصل على الدعم الداخلي والخارجي من شتى الأطراف والقطاعات بمن فيهم العلمانيون المعتدلون.

ولكن في عام 2013 أطلق القضاء عمليات تستهدف حالات الفساد في الدولة، طاولت مسؤولين في الحكومة، وكشفت عن تورط عدد كبير من رجال الحزب الحاكم بمن فيهم المقربون من أردوغان في الفساد والرشوة، مما أدى إلى تخلي الحزب عن دعواته إلى الديمقراطية والشفافية، وتغيير مساره نحو الحكم الشمولي الاستبدادي، وتحول النظام إلى سلطوي بعيداً من الممارسات الديمقراطية، وبلغ هذا الأمر مداه خصوصاً بعد مسرحية الانقلاب الذي وقع في الـ15 من يوليو 2016.

ومن الممكن الآن القول إن هناك نظاماً فردياً بكل معنى الكلمة في تركيا في الوقت الحالي. ومن المعلوم أن هناك أنماطاً عديدة في العالم لنظام الرجل الواحد، فما نمط النظام الفردي في تركيا؟ الجواب هو: النظام الإيراني.

أولاً، دعونا نقدم مقارنة بسيطة بين تركيا وإيران في ما يتعلق بأوجه الشبه والاختلافات بين البلدين على شكل قائمة صغيرة.

أوجه التشابه:

•          عدد السكان (كلا البلدين نحو 82 مليون نسمة).

•          الأقليات (هناك أقلية كردية كبيرة في تركيا وأقلية أذرية كبيرة في إيران).

•          الهيكل الاجتماعي (على رغم وجود قطاع علماني قوي في كلا البلدين فإن الإسلام السياسي هو الذي يحكم البلاد).

•          المشاعر المعادية للغرب.

•          الصداقة مع الصين وروسيا.

•          تمتع كلا البلدين بتاريخ وحضارة عميقة.

أوجه الاختلاف:

•          تمتلك إيران موارد ضخمة من النفط والغاز الطبيعي لكن تركيا لا تمتلكها.

•          إيران تخضع لحصار اقتصادي وسياسي خطر بينما تركيا لا تعاني ذلك.

•          هناك دول تحت التأثير المباشر لإيران (العراق، وسوريا، ولبنان "حزب الله"، والشيعة في أفغانستان وباكستان، إلخ).

•          إيران هي الجهة صاحبة النفوذ على أغلب الشيعة في العالم بينما يحاول أردوغان جعل تركيا صاحبة نفوذ في العالم السني.

بالطبع، لا تقتصر أوجه التشابه والاختلاف على هذه، فهناك عديد من الأشياء الأخرى.

الآن دعونا نحاول أن نشرح بالأمثلة كيف يأخذ أردوغان النظام الإيراني كمثال.

عندما نفذ آية الله الخميني ثورة 1979 كان هناك عديد من الأحزاب في إيران، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. وبعد نجاح الثورة أغلقت معظم هذه الأحزاب أو أصبحت تحت دائرة نفوذ النظام. وفي الحالة التركية بعد محاولة انقلاب 2016 وضع أردوغان بعض الأحزاب تحت سيطرته، ونجح في جذب بعضها (بخاصة حزب الشعب الجمهوري) إلى جانبه في قضايا سياسية مهمة.

وفي إيران عندما وصل الخميني إلى السلطة، كان هدفه الجيش الوطني (آرتيس).. وبهدف إضعاف الجيش وجعله غير قادر على القيام بانقلاب، حول الحرس الثوري إلى جيش مواز. وبالمثل ألحق أردوغان أكبر ضرر بالجيش منذ الـ15 من يوليو، إذ اعتقل أو طرد أنجح الضباط الأتراك من العمل.

ألغى الخميني جميع المؤسسات البيروقراطية والديمقراطية وأنشأ نظاماً خاصاً به، وأردوغان أيضاً أخذ جميع العناصر الحيوية تحت سيطرته، من القضاء إلى الاستخبارات، ومن مصادر المال إلى المؤسسات البيروقراطية المهمة.

وعندما أجج الخميني عداءه للغرب دخل في تحالفات مع الصين وروسيا، وبالمثل أصبح أردوغان تحت سيطرة روسيا بعد الـ15 من يوليو 2016، وبدأ في التعبير عن خطاب قاس معاد للغرب.

اتبع الخميني سياسة تحويل التعليم إلى تعليم ديني سريع، وأردوغان يفعل الشيء نفسه.

أطلق الخميني على نفسه اسم المرجع الديني الأعلى ووضع نفسه في موقع صاحب الكلمة الأخيرة، ويتبع أردوغان نهجاً مماثلاً من خلال النظام الرئاسي الذي يرسخه.

تحاول إيران توجيه الدول الخاضعة إلى سيطرتها مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وبالمثل ينفذ أردوغان أنشطة في بعض الدول، خصوصاً سوريا وليبيا، عن طريق مرتزقة ووحدات استخبارية، حتى إنه شكل وحدات شبه عسكرية داخل تركيا من خلال شركات أمنية غير رسمية (سادات).

صحيح أن هذا كله لا يعني أن تركيا ستصبح بالضبط مثل إيران بكل التفاصيل، علاوة على أن الشعب التركي - باستثناء الإسلامويين - لا يشعرون بالتعاطف تجاه النظام الإيراني، ولهذا السبب يحاول القائمون على "النظام الأردوغاني" استعطاف الشعب التركي من خلال تغطية النظام الذي يمارسونه بصلصة الاتحاد العثماني والتركي.

نعم يمكنني بالتأكيد أن أقول إنهم أحرزوا تقدماً لا يستهان به في سبيل تحويل النظام إلى ما يشبه النظام الإيراني، لكني على رغم ذلك أمل أن يتم إنقاذ بلدي من هؤلاء الإسلاميين.

المزيد من تحلیل