Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الهجرة" ورقة السياسة الرابحة في فرنسا

اليمين يسعى إلى مشروع قانون ضدها ومراقبون يرون أن المهاجرين وراء دفع عجلة الاقتصاد للأمام 

ملخص

 يسعى اليمين الفرنسي إلى كبح ظاهرة الهجرة بمشروع قانون جديد ومراقبون يرونه تطرفاً وسط عالم يموج بالمتغيرات.

لا حديث في فرنسا يعلوا خلال الأيام الماضية فوق الخطاب الإعلامي اليميني في شأن الهجرة، فبعد إقرار قانون تعديل النظام التقاعدي تعمل الحكومة على تبني مشروع جديد حول اللجوء بهدف تدشين الغالبية كجبهة تعفيها من المرور بالبرلمان وفق البند الثالث من المادة (43).

وجاءت الإحصاءات حول تزايد أعداد المهاجرين الوافدين لأوروبا في أعقاب رفع قيود الحظر التي فرضتها الجائحة لتغذي حجة المطالبين بالحد من تدفق اللاجئين، في مزايدة واضحة على طروحات أقصى اليمين والمتطرفين. 

رئيس الجمهوريين إريك سيوتي اعتبر أن منح 500 ألف إقامة عام 2022 رقم يتجاوز قدرة فرنسا على استقبالهم بشكل صحيح، ومساعدتهم في الاندماج داخل المجتمع، وبينما يتصدر خطاب الهجرة الرأي العام الفرنسي جاءت حادثة الطعن في بلدة أنيسي على يد طالب لجوء سوري لتهلب حلقات النقاش.

وينص مشروع الحكومة المرتقب على ترحيل المهاجرين الذين يرتكبون الجرائم وتسريع تسوية أوضاع غير النظاميين منهم الذين يعملون في قطاعات تحت الضغط، وهو ما رفضه اليمين الجمهوري. 

ويتضمن نص اليمين لائحة طويلة من الشروط أبرزها تحديد سقف معين من الهجرة وإجراء استفتاء سنوي حول العدد المطلوب، وإنهاء حق الحصول على الجنسية مباشرة بسبب الولادة على الأراضي الفرنسية، ورفع عدد سنوات الحصول على الجنسية بالزواج لتكون عند ثماني سنوات بدل من خمس سنوات حالياً.

النموذج الدنماركي 

وفي السياق أكد سيوتي أن اقتراح القانون الدستوري يهدف إلى إضافة نص على المادة الـ (11) من الدستور تسمح بإمكان التشريع من طريق الاستفتاء حول سياسة الهجرة، عندما تكون المصالح الأساس للبلاد في خطر، مع إمكان الخروج من سيادة المعاهدات الأوروبية والدولية على غرار الاتفاق الموقع مع الجزائر عام 1968. 

وأشار إلى استلهام النهج الذي اتبعته الدنمارك لخفض أعداد المهاجرين، إذ يطالب الجمهوريون بتدوين رفض الغيتوهات والتجمعات العرقية، وفرض مبادئ الاندماج في المجتمع والسماح للبرلمان بالتصويت سنوياً لإقرار "كوتا" للهجرة وطلبات اللجوء. 

قوانين الهجرة

من جانبه يرى الأكاديمي المتخصص في القانون الدولي بجامعة "غرونوبل" سيرج سلامة أن "ما يطرحه اليمين صعب التطبيق ولا يمكن تصوره من الناحية القانونية، إلا أن القوانين الأوروبية تسمح بالاستثناءات وهي متعددة وسبق أن تمت الاستعانة بها، والمطالب بوضع ’كوتا‘ واستفتاء يشكل قطيعة جذرية مع النموذج الفرنسي الجمهوري ويجعله أقرب لما يحدث في الدنمرك".

ويشير سلامة إلى أن أخطر ما في الأمر أن "فرنسا تعتبر إحدى الدول المحركة للاتحاد الأوروبي والنموذج المحتذى خصوصاً في مجال حقوق الإنسان، وفي حال تطبيق ذلك فإن مسألة الهجرة تستوجب القلق". 

فرنسا والجزائر

وتجدد الحديث أخيراً في شأن اتفاق فرنسا والجزائر الذي ظهر إلى العلن في سياق الحديث عن الهجرة، وباتت مطالب مراجعته أو التخلي عنه على لسان كثير من الشخصيات وبينهم القيادي اليميني إريك سيوتي ورئيس الوزراء السابق إدوار فيليب، الذي وصفه بـ "التابو" الذي تحول إلى "طوطم"، وسفير فرنسا السابق لدى الجزائر كزافييه دريانكور الذي قدم مذكرة يدعو فيها إلى إعادة النظر في الاتفاق الذي ينظم إقامة وتنقل الجزائريين في فرنسا.

ويقول أستاذ القانون المتخصص في اللجوء والهجرة إن "اتفاق 1968 الموقع بين فرنسا والجزائر يمكن تعديله من الناحية القانونية ونقضه، يعني تطبيق ’اتفاق إيفيان‘ الذي يقضي بحرية التنقل، فالأول وقّع لتنظيم حركة تنقل الفرنسيين الجزائريين وأطلق عليهم الأقدام السوداء، إضافة إلى الجزائريين أنفسهم وكان عددهم آنذاك 800 ألف شخص، وخضع الاتفاق إلى التعديل مرات عدة أبرزها كان في عامي 1973 و2022".

ويشير سلامة إلى أنه بالتدقيق في تفاصيل الاتفاق نجد أنه ليس في مصلحة الجزائريين في عدد من النواحي منذ تعديل عام 2002، لا سيما مع إقرار "قانون شوفنمان" الذي أضاف تعديلات على قوانين الهجرة التي تمنح إمكان تغيير الإقامة الطلابية والتأشيرة للمواهب، والمواد المتعلقة بمكافحة الإتجار بالبشر والهجرة الاقتصادية وقضايا العنف. 

ويخلص إلى أن "كل ما يتمتع به الجزائري هو إمكان الحصول على الإقامة الطويلة الأمد، أما في ما يتعلق بموجبات الهجرة فهم يخضعون لأحكام القانون العام". 

ويرى أن المقصود من هذا النقاش هو الحصول على تصاريح قنصلية لإعادة غير المرغوب فيهم في فرنسا لبلادهم، "هناك بضعة آلاف من الجزائريين الذين يتعين ترحيلهم والجزائر ترفض ذلك، إذ من الصعب التفاوض معها لكن الأمور تحلحلت حين خفضت فرنسا نسبة منح التأشيرات إلى النصف في مقابل منح التأشيرات الاقتصادية".

ويرى أستاذ القانون أن ما يدعي به سيوتي لا يمكن تطبيقه من الناحية القانونية، وهو يعادل خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي (فركسيت)، إذ إن المطلوب إيجاد إطار دولي لإدارة أزمة الهجرة والتوزيع العادل ما بين الدول للمهاجرين، فهو يعمل مع عدد من الباحثين على إطلاق مبادرة من هذا النوع تدعو إلى مبادرة وطنية حول الهجرة، لكن حادثة الطعن الأخيرة عطلت خطواتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التجمع الوطني 

وعززت اقتراحات اليمين في شأن الهجرة ثقة حزب أقصى اليمين (التجمع الوطني) في آرائه السالفة، وعدها تأكيداً على طروحاته واعترافاً بما دعا إليه منذ 30 عاماً، ورأت مارين لوبن "أنها نسخة سيئة النوعية".

أما الظهور المفاجئ على الساحة الإعلامية فكان لرئيس الوزراء السابق زعيم حزب "أفق" إدوار فيليب عمدة مدينة لوهافر، الذي يتهيأ لانتخابات الرئاسة عام 2027 وفق ما أدلى به من تصريحات خلال مقابلة له مع مجلة "ليكسبرس" في الخامس من يونيو (حزيران) الجاري وانصبت في الاتجاه ذاته، إذ طالب بإعادة النظر في اتفاق فرنسا والجزائر، واعتبر أن الأولى تخضع إلى هجرة يفرضها الأمر الواقع.

واستنكر فيليب أيضاً أعداد المهاجرين التي بلغت حدوداً لم تشهدها البلاد من قبل، ورأى أن على فرنسا أن" تمتلك القرار لتستقبل من تشاء وترفض من لا تريد وجوده على أراضيها"، فيما وصف الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية بالمعهد الفرنسي للعلوم السياسية برتران بادي التصريح بـ "الخطاب الانتخابي الذي يدغدغ مشاعر فئة من الناخبين يتنافس عليها اليمين".

إثارة الخوف بالإحصاءات

وأشار إدوارد فيليب خلال مقابلته إلى الاستعارة من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي جملة استخدمها يوم أطلق حزبه عام 2021، مشيراً إلى الخلل الديموغرافي والضغط الناجم عنه، إذ قال "نعم الأزمة بدأت لكن الأعظم لا يزال أمامنا"، وهذا هو الحال في أنحاء أوروبا كافة.

وعلى مدى 30 عاماً مضى، وتحديداً منذ السبعينيات وحتى بداية الألفية الجديدة، ارتفعت نسبة المهاجرين في فرنسا من 7.3 إلى 10 في المئة، كما تغيرت مناطق قدوم الهجرة جغرافيا.

وأشارت إحصاءات وزارة الداخلية ومديرية الإحصاءات الفرنسية إلى أن نسبة المهاجرين من شمال أفريقيا قفزت من 39 إلى 47 في المئة من إجمال أعداد المهاجرين، وفي الفترة نفسها ازداد عدد الشعب الفرنسي 9تسعة في المئة، فيما بلغت زيادة المهاجرين 53 في المئة. وخلص فيليب إلى أن "هذا الواقع ليس ناجماً عن سياسة وطنية أو أي قرار وطني إرادي، بل نحن نخضع لهجرة مفروضة بالأمر الواقع".

مصالح انتخابية

وتعليقاً على هذه التصريحات والجدل الدائر حول الهجرة يقول الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية برتران بادي لـ "اندبندنت عربية"، إن مسألة الهجرة لا يمكن حصرها في إحصاءات وأعداد ويد عاملة وهجرة انتقائية بحسب الطلب، أي أن ما قدمه الرئيس ماكرون حول تسوية أوضاع المهاجرين العاملين في القطاعات تحت الضغط والتي تعاني نقصاً في اليد العاملة، كما هو الحال في مجالات الصحة والبناء ورعاية المسنين والأطفال والمطاعم والفنادق وغيرها، كل هذه المعادلة لا يمكنها أن تشكل الحل. 

ويعتبر بادي أنه "لا يمكن التعامل مع مسألة الهجرة وكأننا نتعامل مع سلعة تجارية ننتقي ما نريد ونترك ما لا نرغب فيه، فهناك كثير من الـ ’ديماغوجية‘ في مسألة التعامل مع أزمة الهجرة، وخطاب أريك سيوتي يستهدف دغدغة مشاعر الفئة التي يستولي عليها الخوف، والتقوقع على الذات، ويبدو جلياً أنه يستغل ذلك لأهداف انتخابية".
 
قصور الرؤية

والخطاب السائد يصدر الهجرة على أنها أزمة تثقل كاهل المجتمع، فيما يغيّب عمداً ما تجنيه المجتمعات التي تستقبل المهاجرين النظاميين على الصعيد الاقتصادي، ويشير الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية إلى أن المهاجرين يسهمون في اقتصاد البلدان التي تستقبلهم، ويقول "إذا نظرنا ملياً نجد أن الهجرة النظامية تسهم بشكل كبير يفوق نظيره مما تقدمه وزارات التعاون والمساعدة في التنمية، إذ توضح الإحصاءات أن قيمة التحويلات المالية من المهاجرين إلى ذويهم في بلدانهم الأصلية تمثل 700 مليار دولار سنوياً، في حين تبلغ مساهمة صناديق المساهمة في التنمية 150 مليار دولار، فالمجتمعات التي تستقبل المهاجرين تستفيد على الصعيد الاقتصادي كون ذلك يساعد باستمرار في سلسلة الإنتاج ودورة الاقتصاد".

 ويوضح، "في حالات الهجرة النظامية يكون المهاجر ذا وجود مدني يسهم في عجلة الاقتصاد بدفع الضرائب، والناحية الأهم أن المهاجر بعد سنوات العمل يعود لبلاده في شيخوخته، مما يعني تخفيف العبء على الدولة التي استقبلته من حيث العلاج".

ويكشف بادي أن ما يعد عائقاً بحق هو الهجرة غير النظامية، ويرى أنه كلما اتجهنا إلى تشريع وتحرير القيود كلما استفادت البلاد من تقنين أوضاع المهاجرين من هذه الفئة عبر الإسهام بدفع الضرائب وما إلى ذلك، وبهذا يصبح المهاجر شخصية اقتصادية منتجة وتدر المكاسب". 

يد عاملة وكفاءات

وعن مبدأ استثمار أوروبا المهاجرين النظاميين وسط حاجتها إلى اليد العاملة منذ بداية الألفية مع دخولها في منحدر سكاني، يرى برتران بادي أن "نقاشاً كهذا سيشكل خطورة، فإجراؤه سيستغل لأغراض انتخابية على شاكلة ما صرح به رئيس حزب الجمهوريين سيوتي الذي يدخل ضمن إستراتيجية انتخابية حوّل على إثرها الأزمة لمصلحته".

ويوضح، "علينا ألا ننسى أن وراء أوروبا خمسة عقود من السيطرة الاستعمارية، وهي تخشى فكرة أن تصبح تحت سيطرة الذين كانوا يقودونهم، وأعمال الباحثين كافة حول الهجرة أمثال باتريك فايل تشير إلى كل ما تقدمه الهجرة من إيجابيات في المجتمع، لكن المسألة تظل ورقة رابحة يستغلها السياسيون لأغراض انتخابية". 

ويرى بادي أن "معالجة مسألة الهجرة يجب أن تكون بين ثلاثة أقطاب، بلد المغادرة وبلد الاستقبال والمُهاجر، إذ يتم ترشيد وعقلنة تدفق المهاجرين، لكن للأسف لا يزال الإنكار التام للمهاجرين يستغرق أوروبا، وكل ذلك ناجم عن سوء فهم للعالم المتشابك اليوم في كل تفاصيله ووسائل التنقل والتبادل، والصورة وتناقل المعلومات وشبكات المواصلات، وما يثيره في المخيلة البشرية كون الجميع على علم بما يدور في أنحاء العالم، وهذه إحدى صفات العولمة"، مؤكداً أن "الهجرة ظاهرة طبيعية وهي مستقبل العالم".

ويختم القول، "اليوم نعيش في قلب تحولات وتغيرات كبرى تجعل الهجرة أمراً عادياً، ولا معنى لكل محاولات كبحها في الوقت الذي يتعين فيه التكيف معها وتشريعها، لكن الخطاب حول الهجرة يظل ورقة سياسية للمزايدة".

المزيد من تقارير