Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القمار في سوريا لعبة أثرياء الحرب

القانون يلاحقهم وأيضاً ألسنة الناس

لا غرابة ما يفعله القمار بالإنسان من تداعيات مؤلمة (رويترز)

ملخص

يقصد المغرمون بلعبة الحظ كازينوهات في دول عربية وأوروبية أو مواقع المراهنة الكثيرة على الإنترنت

في بلد يعيش أهله تداعيات الحرب على مدى أكثر من عقد من الزمن، من حصار ونزوح وأزمات اقتصادية وانهيار متواصل في العملة السورية، يفتش، على رغم ذلك، بعضهم عن حظّ في لعبة قمار هي محرّمة أصلاً سورياً.

المقامر في دائرة الاتهام

لعبة القمار غير قانونية، وقبل أن يتعرض صاحبها للملاحقة القانونية تلاحقه ألسنة الناس، فالمقامر غير مرغوب به اجتماعياً ولا ثقة فيه.

يروي جبران (45 سنة) مأساة أحد أصدقائه الذي ابتلي بهذه الآفة "كانت حياته العائلية سعيدة، لكنه غرق لاحقاً برمال القمار المتحركة، تطلّق من زوجته، ولم يعد يرى أطفاله، باع متجره ومسكنه، وأدمن الخمر، اليوم هو مشرد يجوب الحارات، وينام على ناصية الطرقات العامة، ويستجدي الناس اللقمة ليسد جوعه بعدما فقد عقله".

لا غرابة ما يفعله القمار بالإنسان من تداعيات مؤلمة، وما زالت دمشق ملتزمة بعدم منح ترخيص رسمي يسمح بافتتاح كازينو، ولهذا تتم المقامرة بسرية شديدة، وفي أماكن خاصة كالمزارع خارج المدن أو في أماكن شديدة التحصين تحت الأرض خوفاً من ملاحقتهم.

اللعب عن بعد أو بالخفاء

وقالت أستاذة علم النفس الاجتماعي بكلية التربية بجامعة حلب فاتن وردة "بعد الحرب وما خلّفت من إحباط واكتئاب، اتجه جزء من الناس لممارسة هذه اللعبة، ولا سيما "لعب الورق" بخاصة بين الشباب، وفيها درجة من المنافسة يمكن أن تتطور وتصبح مقامرة حقيقية". وأضافت "لعل الحرب المتواصلة دفعت بكثيرين إلى الترويح عن أنفسهم، إما بالجنس الزائد أو الأكل الزائد للشعور بالسعادة، لكنها تبقى سعادة كاذبة".

وتشرح أستاذة علم النفس الاجتماعي التداعيات الاجتماعية لما يسمى "اللوتو" "وذلك من خلال دفع أموال طائلة لجني الأرباح وإشباع الرغبة بالانتصار على الطرف الآخر، في موازاة اعتقاد راسخ لدى الخاسر أنه سيعيد الكرة مرة أخرى بهدف الربح وتعويض هزيمته"، معتبرة هذه التصرفات حالة اجتماعية مدمرة للفرد ولاحقاً للأسرة والمجتمع "مدمرة للفرد لأن الشخص المقامر يعيش التحدي مع نفسه سعياً للربح، وفيها كثير من الغش، كما أن تداعياتها على الأسرة هائلة جداً، وهناك من يبيع بيته وشرفه وأرضه في لعبة قمار".

مصدر رزق غير مشروع

في غضون ذلك، لا توجد دراسات أو إحصائيات واضحة عن المقامرين وأعدادهم لكن الأستاذة الجامعية فاتن وردة تعزو السبب إلى تعاطي لعبة القمار بسرية تامة.

ويشرح المحامي المختص بمحاكم الجنايات إسماعيل زكريا، من جهته، رأيه القانوني في ما خص لعبة القمار، ويقول إن قانون العقوبات وضع تعريفاً للمقامرة، وحدد عقوبة إدارة محلاتها، والاشتراك بها "يعود نص قانون المقامرة والمراهنة للعام 1930 المعدل بالمرسوم التشريعي رقم (76) 1940، ووصفه بعقد يتعهّد بموجبه كل مقامر أن يدفع إذا خسر المقامرة للمقامر الذي كسبها مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر يتفق عليه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف زكريا "ألعاب القمار لا تعد جريمة إلا إذا حصلت في أحد المحال العامة، أو المباحة للجمهور، أو في منزل خاص اتخذ لهذه الغاية، وإن كان لا يشترط أن يكون المحل العام أو المباح للجمهور قد أعد خصيصاً لألعاب القمار، أو الغرض الأصلي من فتحه هو استغلاله في هذه الألعاب، بل يكفي فيه أن يكون مفتوحاً للاعبين يدخلونه في الأوقات المقررة بينهم، ويزاولون فيه ألعاب القمار حتى ولو كان مخصصاً لغرض آخر كمقهى أو مطعم أو فندق".

وثمة تشديد وضوابط قانونية تصل إلى فرض تدبير منع الإقامة على المحكوم عليه إذا كان سورياً، ويمكن أن يقرر طرده من البلاد السورية إذا كان أجنبياً، ولفت المختص القانوني إلى تشديد العقوبات بعد تعديلات عام 2022 برفع الحد الأدنى للغرامة الجنحية المنصوص عليها في قانون العقوبات لتصبح 100000 ليرة، ما يعادل 11 دولاراً أميركياً، ويعدل حدها الأعلى ليصبح 500000 ليرة.

الأثرياء

"وحدهم الأثرياء من يمارسون لعبة القمار، ولا سيما أثرياء الحرب بعدما جاءت أموالهم الطائلة من مصادر مالية سريعة، ومن دون تعب"، هكذا يصف الأمر مدير إحدى صالات الملاهي الليلية.

وتربط أستاذة علم النفس الاجتماعي بكلية التربية بجامعة حلب فاتن وردة ممارسة القمار مع مشكلات أخرى منها تعاطي المسكرات وهدر المال وضياع الثروة والبطالة، وهو آفة تحرمها أيضاً الشرائع الدينية وتفسيرات القرآن الكريم، "لا يوجد فيه مصدر رسمي للثروة في حال الربح، إننا نشاهد عكس ذلك في أوروبا حيث تنتشر أعداد كثيرة من الكازينوهات، ولعل كازينوهات لاس فيغاس الأميركية مثال لاعتماد اقتصادها على المقامرة، وباتت معلماً سياحياً".

وترى الباحثة وردة أن التخلص من هذه الآفة يحتاج من المقامر إرادة قوية ومن أسرته دعماً كبيراً "لأن الإدمان على المقامرة كالإدمان على الخمر يحتاج إلى مساعدة وإرادة معاً".

المزيد من تقارير