Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القمار في مصر "منبوذ" يحظى بـ"مملكة رسمية"

تشير مراجع التاريخ إلى ممارسته منذ أزمنة بعيدة وبأشكال متغيرة لكنه بقي ممنوعاً إلا للأجانب حتى وقتنا هذا

مجتمعياً ينظر إلى القمار في مصر على أنه فعل كريه يجلب الفقر والسخط والغضب (مواقع التواصل)

ملخص

تلك سيرة اللعبة المحرمة في مصر، فما الذي نعرفه عنها؟

في عالم الحظ والصدفة ولحظات الانتظار والتوتر، على وقع دوران كرة عاجية، أو ورقة كوتشينة تحمل فألاً جيداً أو سيئاً لصاحبها، تغري الأموال بمزيد من الكسب، كما تغري الخسارة أيضاً باستكمال اللعب لتعويضها، وهكذا تدور ألعاب القمار في مصر دورتها اللانهائية.

عرف المصريون القمار منذ زمن بعيد، إذ تشير بعض الكتب التاريخية إلى ممارسته في أزمنة عدة، وبأشكال مختلفة ومتغيرة مع كل زمن، لكن القانون المصري يمنع ممارستها إلا لغير المصريين، أو المواطنين الحاملين لجنسية أجنبية أخرى، ويشمل الأمر دخول صالات القمار أيضاً، التي يكون التعامل فيها بالعملات الأجنبية فقط، لكن كل ذلك مر بتغيرات تاريخية واجتماعية وتشريعية عبر السنين.

أوراق اليانصيب

بالعودة لعام 1833 حين زار المؤلف الإنجليزي إدوارد ويليام لاين مصر ونقل ثقافتها في كتاب من جزئين عام 1836 بعنوان "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم"، سنرى تفاصيل تتعلق ببعض الألعاب وأحدها القمار.

ورأى الكاتب أن الألعاب التي تعتمد على الحظ جزئياً أو كلياً شائعة في أوساط الناس من مختلف الطبقات، لكنه يفرق بين تلك الألعاب التي قد لا يكون المال جزءاً منها وبين غيرها، فيشرح "وأما لعب القمار، كما ينعتون هذا النوع من ألعاب الحظ المعتمد دائماً على رهان المال أو غيره، فأقل انتشاراً بينهم".

في ذلك التوقيت كانت مصر تحت حكم محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، لكن ذلك اللون من اللعب الذي أشار إليه إدوارد ويليام لاين، لا يزال يمارس حتى الآن في بعض المقاهي باختلاف أشكال المكسب والخسارة، التي قد تكون في هيئة جنيهات أو لعب على "كلفة المشروبات".

 

 

ربما تدخل في هذا المضمار لعبة "اليانصيب" وإن لم تكن تمارس في الكازينوهات المخصصة للقمار باعتبارها لوناً مختلفاً من ألعاب لا اعتماد فيه على أدوات بل بطاقة، ففي منشور نادر يزيد عمره على 118 عاماً، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، سابع حكام مصر من أسرة محمد علي، ما بين عامي 1892 و1914، صدر قرار نشر في الصحف المصرية كلها عام 1905 لتقنين لعبة "اليانصيب" التي شهدت انتشاراً كبيراً على يد الجالية اليونانية في عهد الاحتلال الإنجليزي لمصر.

نص القرار على أنه لا يجوز لأحد أن يتجول بغير رخصة من الحكومة بأوراق اليانصيب "اللوتارية" أو يبيعها أو يعرضها أو يوزعها في المحال العمومية، كما اعتبر القرار أن من أعمال "اليانصيب" ما يكون الربح فيه موكولاً للصدفة. وفي المادة الثالثة كانت الغرامة لا تتجاوز 100 قرش صاغ، وفي حال تكرار الفعل فللقاضي أن يحكم بالحبس لمدة أسبوع مع الغرامة، ومصادرة الأوراق والأشياء التي استخدمت في اللعب.

ألعاب محرمة

على رغم محاولة تقنين "اليانصيب" في عهد عباس حلمي الثاني، وقصر ترخيصه على الأمور التي لها أوجه عمل خيرية، فإن الملك فاروق الأول آخر من حكم البلاد من الأسرة العلوية، حين وضع قانون العقوبات رقم 58 لعام 1937، لاغياً "قانون العقوبات المعمول به أمام المحاكم الأهلية، وقانون العقوبات الذي تطبقه المحاكم المختلطة"، بحسب نص المادة الأولى من القانون، ذكر القمار صراحة مجرماً لعبه وممارسته حتى في الأماكن المخصصة له.

ففي الباب الـ12 من قانون العقوبات الجديد والمعنون بـ"ألعاب القمار والنصيب" نصت المادة 352 على أن "كل من فتح محلاً لألعاب القمار والنصيب وأعده لدخول الناس فيه يعاقب هو وصيارفة المحل المذكور بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، وبدفع غرامة لا تتجاوز 50 جنيهاً مصرياً، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وتضبط أيضاً لجانب الحكومة جميع النقود والأمتعة التي توجد في المحال الجاري فيها الألعاب المذكورة". وتناولت المادة التالية 353 لعبة "اليانصيب"، فوضعت لممارسيها عقوبات القمار السالفة نفسها.

 

 

عقب صدور ذلك القانون بسنوات طويلة وسع الأمر في قانون المحال العامة رقم 38 لسنة 1941، إبان عهد الملك فاروق أيضاً، الذي قسم المحال إلى نوعين، الأول يتعلق بالمطاعم والمقاهي وأماكن تعاطي المشروبات، والثاني الفنادق والوكالات والبنسيونات والبيوت المفروشة وما يلائمها من أماكن.

تقول المادة الـ19 من القانون إنه "لا يجوز في المحال العمومية أن يترك أحد يلعب القمار على اختلاف أنواعه"، ثم عددت المادة بعض أشكال لعب القمار مثل "البكاراه، وشيمان دي فير، واللانسكينة، والـ31، والـ30، والـ40، والفرعون، والبوكر، والروليت، ولعبة الكرة (البول)، وماكينة الخيول الصغيرة، والكونكان، وما شابه ذلك من أنواع اللعب"، كما ترك القانون لوزير الداخلية أن يعلن بقرار يصدره أن لعبة معينة تعتبر من ألعاب القمار، ومخالفة تلك المادة تستوجب ضبط الآلات والنقود المستخدمة في ارتكاب هذه المخالفة.

اختلفت أشكال القمار على مدار سنوات، وباتت تضم عدداً كبيراً لكل منها قواعده وطريقته، والقائمة تضم "البكاراة، وبلاك جاك، والروليت، والبوكر، والسكة الحديد، واللانسكينة، وبوكر دايس، والكرابس، والكونكان، وشيمان دي فير، والزوكوف"، وغيرها كثير من الألعاب التي تدخل في باب القمار وتلقى انتشاراً كبيراً، حتى إن بعضها بات يمارس بشكل إلكتروني.

لكن أحد العاملين في صالة قمار بالقاهرة، رفض ذكر هويته، يوضح لـ"اندبندنت عربية" أن أكثر ألعاب القمار ممارسة هي "الروليت، وبلاك جاك، والبوكر، وبونتو"، ولتلك الألعاب جميعاً أدوات تستورد كلها من الخارج، وغالباً ما تكون مرتفعة الثمن.

في المحاكم

القانونان سالفا الذكر، "العقوبات" و"المحال العامة"، استندت إليهما محكمة مصرية في قضية قمار، ففي مارس (آذار) عام 1944 كانت هناك قضية منظورة أمام محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية، حين سمع ضابط واسمه محمد أفندي دسوقي، صوت مشاحنة من دور أرضي لناد يدعى "الكتبخانة"، وحين دخل بعض مخبريه وجدوا أن "أشخاصاً يلعبون الميسر والبوكر"، وبحسب تفاصيل القضية رقم 177 لعام 14 قضائية، فإن واحداً من خمسة أشخاص حاول إخفاء النقود التي كانت أمامه، وهي ستة جنيهات، فاستطاع الضابط إمساكها قبل أن يدسها الرجل في جيبه، كما ضبط "الفيش" الذي يستعمله اللاعبون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قدرت المحكمة آنذاك أن المكان مخصص للعب القمار وليس نادياً عادياً لكثرة التردد عليه لذلك الهدف، إضافة إلى أن لعبة "البوكر" تعد من القمار الصريح، كما رأت بحسب تقديرها أن مبلغ الجنيهات الستة ليس تافهاً، لذا لم تأخذ المحكمة بدفاع الطاعنين، واستندت إلى قانوني العقوبات لعام 1937، والقانون رقم 38 لعام 1941 الخاص بالمحال العامة في حكمها.

في سلسلة القوانين المتعلقة بالقمار، أصدر الملك فاروق قانون الأندية رقم 152 لسنة 1949، ونصت مادته العاشرة على أنه "لا يجوز لعب القمار في الأندية إلا بترخيص خاص من وزارة الداخلية، ويجدد هذا الترخيص سنوياً، كما يدون فيه أنواع لعب القمار التي يسمح بها في النادي، ولوزير الداخلية أن يعين بقرارات يصدرها الألعاب التي تعتبر من ألعاب القمار، التي لا يجوز مزاولتها إلا بترخيص".

في هذا القانون الذي يعتبره بعضهم محاولة التقنين الأولى للعب القمار، تنص المادة الـ17 على أن "يفرض وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الشؤون الاجتماعية على الأندية التي يرخص لها لعب القمار رسماً سنوياً يتناسب مع إيرادات كل ناد من اللعب، بحيث لا يتجاوز الرسم نصف هذه الإيرادات، وتخصص حصيلة هذا الرسم للوجوه التي يعينها وزير الشؤون الاجتماعية".

نصيب الدولة

نسبة الحد الأقصى لهذه الرسوم التي حددها قانون الأندية عام 1949 ستخضع لتغيرات في بعض الأوقات، لكنها ستظل موجودة وإن اختلف شكل التحصيل، ولا تزال هذه النسبة معمولاً بها حتى الآن، وهي 50 في المئة تحصل عليها الدولة من صالات القمار، إضافة إلى 14 في المئة ضريبة قيمة مضافة.

يقول مصدر بأحد نوادي القمار تحدث لـ"اندبندنت عربية"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن الدولة تحصل على نسبتها وما يتبقى يذهب إلى الفندق وإدارة الصالة بحسب اتفاق ووضع كل منها، فهناك فنادق لديها صالات تتبعها مباشرة وهناك شركات تستأجر المكان من الفندق، وفي تلك الحال الأخيرة فإن ما تبقى من المكسب يذهب نصفه لإدارة الفندق لاستئجار المكان، والباقي للموظفين والعاملين والشركة التي تشغل الصالة، أو يكون الاتفاق بين الفندق والصالة وتؤول ربع الأرباح للفندق.

 

 

هناك اشتراطات للفنادق وأخرى للشركات التي تقوم بتشغيل صالات القمار، فالفندق يجب أن يكون خمس نجوم، إلا في محافظتي البحر الأحمر وجنوب سيناء، حيث يصح أن يكون أربع نجوم، والشركة يجب أن تكون أجنبية ولديها خبرة طويلة في هذا المجال ومعها ما يثبت إدارتها لصالات قمار، وليست جديدة أو ناشئة.

حين قامت ثورة 1952 في مصر بقيادة حركة الضباط الأحرار عدل قانون الأندية بمرسوم قانون 26 عام 1953، وجاء في نصه أنه "لا يجوز لعب القمار في الأندية إلا بترخيص خاص من وزارة الداخلية، ولها منع ذلك الترخيص أو رفضه أو تحديد مدته أو تقييده بأي شرط تراه لازماً، وتعين في الرخصة أنواع القمار التي يسمح بلعبها في النادي"، وأصدر القرار محمد عبدالمنعم بصفته الوصي على عرش مصر، لكن ذلك التعديل لن يكون الأخير في سلسلة القوانين التي تنظم عملية لعب القمار.

عدل اللواء محمد نجيب الذي حكم مصر بعد ثورة 1952 قانون المحال العامة الذي أصدره الملك فاروق، لا سيما المادة 19 التي كانت تحظر لعب القمار في المحال العامة، فأضاف إليها فقرتين من القانون 97 لعام 1954، ومفادهما بأنه "يجوز لوزير الداخلية أن يرخص لبعض المحال العمومية مزاولة لعبة معينة أو أكثر من ألعاب القمار بالشروط أو القيود التي يقررها، وتسري في هذه الحال على المحل العمومي أحكام المادة 17 من القانون رقم 152 لسنة 1944 في شأن الأندية"، وهي المادة الخاصة بالرسوم السنوية التي حددها قانون الملك فاروق الأول.

السياحة على الخط

كانت البلاد آنذاك في مرحلة جديدة بتحولها من ملكية إلى جمهورية، وشهدت استقراراً أمنياً نسبياً، وهو أمر وثيق الصلة بالسياحة في كل زمن، مما دفع الحكومة المصرية آنذاك للبحث في تهيئة وسائل لترغيب السائحين كما يحدث في الدول السياحية الكبرى، ويدخل في ذلك الباب السماح بشرب الخمور ولعب القمار، لذا جاء التعديل بمنح بعض المحال العمومية بقرار من وزير الداخلية، ترخيصاً بمزاولة بعض أنواع القمار بالشروط والقيود التي يراها في إطار تنشيط السياحة، وفقاً لما ذكرته المذكرة الإيضاحية للقانون 97 لعام 1954 الذي أصدره الرئيس محمد نجيب.

العلاقة بين السياحة وتنشيطها وصالات القمار قديمة، كما توضح المذكرة الإيضاحية سالفة الذكر، كذلك يرتبط الأمر بعوامل أمنية أخرى، ويتضح ذلك من البيانات التحليلية للموازنات العامة المصرية، ففي العام المالي 2021 - 2022 حققت إتاوة القمار 165 مليون جنيه مصري (نحو 6 ملايين دولار)، لكنها في العام المالي السابق له حققت 19 مليون جنيه (نحو نصف مليون دولار)، وفي العام المالي 2018 – 2019 سجلت 202.6 مليون (6.5 مليون دولار).

 

 

بالعودة لعام 1955 أصدر جمال عبدالناصر بصفته رئيس مجلس الوزراء المصري آنذاك، قانوناً حمل رقم 17 لعام 1955 باستبدال المادة 352 من قانون العقوبات، الذي أصدره الملك فاروق عام 1937، بمادة تنص على أن "كل من أعد مكاناً لألعاب القمار وهيأه لدخول الناس فيه يعاقب هو وصيارفة المحل المذكور بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه، وتضبط جميع النقود والأمتعة في المحلات الجاري فيها الألعاب المذكورة ويحكم بمصادرتها".

في المادة العاشرة من هذا القانون جرى النص على أنه لا يجوز لعب القمار في الأندية، على أن يوضح وزير الداخلية ماهية تلك الألعاب التي تعد من قبيل القمار. وفي العدد نفسه من جريدة "الوقائع المصرية" التي تنشر القوانين الصادرة رسمياً، فإن القانون رقم 18 لعام 1955 جاء معدلاً لبعض أحكام القانون 38 لسنة 1941 الخاص بالمحال العامة، ولبعض أحكام القانون رقم 152 لسنة 1949 في شأن الأندية.

استثناء للأجانب

لكن ذلك المنع لم يكن على إطلاقه، فقد حمل ذلك القانون في مادته الخامسة استثناء يخص مزاولة القمار، وجرى ذكر مسألة الأجانب للمرة الأولى وقصر اللعبة عليهم، لكن وفق اشتراطات وضحتها المادة الخامسة من القانون رقم 18 لعام 1955، حين نصت على أن "تقوم الحكومة في العقود التي تبرمها مع الشركات أو المؤسسات بالمناطق السياحية أو التعمير بمنح رخصة مزاولة ألعاب القمار، ويقتصر الدخول إلى الأماكن التي تزاول فيها تلك الألعاب على الأجانب البالغين، على أن يكون دخولهم إليها بمقتضى جوازات سفرهم أو تصريح الإقامة".

مسألة حرمان المصريين من دخول تلك الأماكن ومزاولة القمار، التي لا تزال مستمرة حتى الآن، ربما توضحه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 18 لعام 1955، التي نصت على أن "الشريعة الإسلامية حرمت الميسر، وكذلك فعلت شرائع سماوية أخرى ووضعية لوضوح ضرره وخطره، غير أن هذه الآفة الاجتماعية تفشت في البلاد منذ أمد بعيد، وتفاقم خطرها وازداد شرها على مر السنين، وانتشرت انتشاراً مروعاً هدد الأسرة والمجتمع، فوجب على المشرع أن يتدخل للقضاء على هذه الآفة صيانة لأموال الناس ومحافظة على كيان الأسرة"، بالتالي جرى حظر لعب القمار إطلاقاً في المحال العامة والأندية وإلغاء جميع الرخص السابقة.

ما نصت عليه المذكرة التوضيحية يتفق وحديث أحد العاملين في صالة قمار تحدث لـ"اندبندنت عربية"، قائلاً إن "الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر كان أول من نص بشكل قاطع على عدم مزاولة المصريين أو دخولهم أماكن لعب القمار وإلا فقد تغلق الصالة ويطرد المدير، ولا يزال هذا النص معمولاً به حتى الآن، لكن من أين سيأتي المصري بالدولارات للعب؟".

وفقاً لموقع "كازينو وورلد دايركتوري" فإن مصر بها 21 كازينو للقمار، ويقول أحد مديري هذه الكازينوهات لـ"اندبندنت عربية"، رفض ذكر اسمه، إن العدد يصل إلى نحو 30، وتشترك جميعها في أن اللعب يكون بالدولار فقط، وتغير العملات الأخرى الأجنبية من خلال الصالة، مفرقاً بين طبيعة لعب المنتمين لجنسيات عربية وغيرهم، فغير العربي حريص على أن يبدأ لعبه بمبالغ قليلة تبدأ من خمسة أو 10 دولارات، لكن اللاعبين من الجنسيات العربية غير المصرية يلعبون بمبالغ كبيرة.

وزارات وإيرادات

ظل وضع القمار كما هو في عهد الرئيس المصري أنور السادات مع تعديلات محدودة، حتى صدر قانون رقم 1 لعام 1973 في شأن المنشآت الفندقية والسياحية، وكانت الكازينوهات ضمن تعريف تلك المنشآت، ونصت المادة الثالثة من ذلك القانون على أنه "لا يجوز مزاولة القمار في المنشآت الفندقية والسياحية إلا لغير المصريين، وبقرار من وزير السياحة الذي يحدد تلك الأماكن وشروطها، والإتاوة المستحقة بما لا يجاوز نصف إيرادات ألعاب القمار، على أن يقتصر دخول تلك الأماكن على غير المصريين، وأن يكون التعامل فيها بالعملات الأجنبية، التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية.

 

 

في عهد السادات أيضاً جرى نقل تبعية كازينوهات القمار من وزارة الإسكان إلى السياحة، كما جرى فرض رسوم قدرها 25 في المئة من إيرادات القمار، وهي المبالغ التي تبقى للكازينو بعد سداد مكاسب اللاعبين، وقبل خصم أعباء التشغيل والمصروفات العامة والإدارية، ثم زادت في 1976 إلى 50 في المئة.

الثابت في كل تلك هذه المتغيرات هو السماح فقط لغير المصريين بلعب القمار ومنع المصريين من مزاولته، وامتد الأمر كذلك إلى فترة رئاسة حسني مبارك، لكن مصر توسعت في إصدار تراخيص لفنادق بإقامة كازينوهات، حتى إنها خفضت قيمة الإتاوة المفروضة على الكازينوهات عام 1986 من 50 إلى 25 في المئة، على أن تكون الـ25 في المئة الأخرى من الإيرادات مودعة في حساب يتبع الكازينو بالبنك المركزي المصري، مع إخطار وزارة السياحة شهرياً بما أودع، لكن النسبة عادت إلى 50 في المئة مرة أخرى عام 2005. وظلت الحال كما هي عليه طوال السنوات الماضية، لكن تأثرت السياحة بمتغيرات سياسية وأمنية طاولت صالات القمار بالتبعية.

العام الماضي أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي القانون رقم 8 لعام 2022، في شأن إصدار قانون المنشآت الفندقية والسياحية، وتسري أحكامه على جميع المنشآت المنصوص عليها في المادة الأولى من ذلك القانون، ما عدا تلك التي تملكها أو تديرها وزارة الدفاع أو الداخلية أو الجهات التابعة لها. وألغى ذلك القانون ما سنه السادات عام 1973 في شأن المنشآت الفندقية والسياحية، إضافة إلى قوانين أخرى تتعلق بالسياحة ومنشآتها.

نصت المادة الـ24 من ذلك القانون على أنه "لا تجوز مزاولة ألعاب القمار في المنشآت الفندقية والسياحية إلا لغير المصريين، وفقاً للشروط والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير المختص، على أن يتضمن هذا القرار تحديد المنشآت التي يجوز مزاولة ألعاب القمار فيها، والإتاوة التي تستحق عليها بما لا يجاوز نصف إيرادات ألعاب القمار".

مبالغات سينمائية

عالجت السينما المصرية عالم القمار من خلال فيلم "الريس عمر حرب" للمخرج خالد يوسف، إذ يذهب شاب للعمل في أحد الكازينوهات ويختار من دون غيره لاستكمال العمل بعد أن أظهر كفاءة وتميزاً فيه، ويتعرف هناك على تفاصيل شتى لطرق إدارة اللعب، وينخرط بنفسه في عمليات خداع خلال اللعب، كالتدريب على أن يزيد من فرص فوز أحدهم على حساب آخر والعكس، حتى إنه ينخرط في علاقة عاطفية مع إحدى مرتديات الكازينو، وفي الوقت نفسه يواعد أخرى، لكن تحذيراً يصل إليه بضرورة ألا يقيم علاقات مع زبائن المكان.

أحد العاملين في كازينو للقمار بالقاهرة، فضل عدم ذكر اسمه، يقول "هذا عالم صعب وله قواعد صارمة، والتعرف على آخرين وإقامة علاقة معهم قد يضعك في خانة التشكك في تصرفاتك، ومحاولة مجاملة طرف على حساب آخر"، لكنه يشير أيضاً إلى ما يسميه مبالغات في فيلم "الريس عمر حرب"، لا سيما في ما يتعلق بوضع السيدات، ووجودهن كمصدر إلهاء للاعب أو لإقامة علاقة غير مشروعة معه.

مجتمعياً ينظر إلى القمار في مصر على أنه فعل كريه يجلب الفقر والسخط والغضب، لوجود نصوص دينية تؤكد أنه فعل محرم، كما تنص آيات القرآن على فساد مرتكبيه. واتفقت كلمة فقهاء المسلمين، كما يقول الموقع الرسمي لدار الإفتاء، على أن "الميسر وكل قمار محرم بالآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)، وإنما كان تحريم الميسر والقمار بعمومه لما فيه من المضار النفسية".

وأوردت "الإفتاء" تفاصيل فتوى نقلتها عن شيخ الأزهر الراحل جاد الحق علي جاد الحق، جاء فيها أن "القمار يعمل على إفساد التربية بتعويد النفس الكسل عن طلب الرزق، وإضعاف القوة العقلية بترك الأعمال المفيدة في طرق الكسب الطبيعية، ويؤدي لإهمال المقامرين للزراعة والصناعة والتجارة التي هي أركان العمران، فيخرب البيوت ويورث الإفلاس".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات