Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات الإعلام الروسي تحت وصاية الكرملين؟

البرامج الحوارية قريبة من "صانع القرار" ومشاركة إسرائيليين وتحريضهم على استخدام "النووي" تثير تساؤلات والارتباك يسود المشهد

إيليا سوتسكيفر عالم الكمبيوتر الروسي الإسرائيلي يتحدث في جامعة تل أبيب (أ ف ب)

ملخص

من الملاحظ عند متابعة تعليقات المشاركين ومداخلاتهم في البرامج الروسية أنها تتسم بكثير من التحفظ وعدم الخروج عن "الخط" الرسمي الذي يحدده الكرملين ووزارة الخارجية.

في "حملات كاملة العدد"، "مدفوعة الأجر"، يعود الفريق الضارب للإعلام الروسي، الرسمي في معظم تشكيلاته ومفرداته، إلى استعادة مواقعه التي لطالما استطاع من خلالها السيطرة على وجدان مشاهديه وسامعيه بعد أن تراجعت مواقع الصحافة المكتوبة، الروسية والأجنبية على حد سواء.

وإذا كنا نتوقف عند "الأجر المدفوع" فإننا لا نقصد بذلك النيل من مكانة أو مواقع المشاركين والمعلقين الدائمين في البرامج الحوارية التي تتوالى ليل نهار على شاشات التلفزيون، وموجات الأثير الرسمية وشبه الرسمية، فذلك تقليد لم يعد غريباً على الساحة الإعلامية الروسية، منذ نقلته عن الإعلام الغربي الذي لطالما لجأ إلى هذا الأسلوب اعتباراً من منتصف ثمانينيات القرن الماضي، سبيلاً إلى "التغلغل عميقاً"، بين صفوف الخبراء والمعلقين، بل والعاملين في الأجهزة الإعلامية والعلمية والمؤسسات الرسمية الحكومية، وذلك ما تؤكده المشاركة الدورية والدائمة لعدد من المعلقين الغربيين والإسرائيليين ممن يبدون وقد انتقلوا للإقامة شبه الدائمة و"العمل" في موسكو.

وإذا كانت تعليقات هؤلاء تتسم من جانب عدد منهم ببعض "الشطط" الذي تتباين توجهاته ودلالاته بقدر تباين تاريخ وانتماءات كل منهم، وهو ما أشرنا إليه في تقرير سابق من موسكو، فإن ذلك لا يحول دون "التقاط" ما يستحق التوقف عنده لدى متابعة هذه البرامج التي يستمر بعضها إلى ما قبل الفجر، ولا سيما من جانب ما يرتبط منها ارتباطاً وثيقاً بالكرملين وأجهزة صناعة القرار، مثل برامج فلاديمير سولوفيوف نجم الإعلام الأول في روسيا التي يقدمها تارة تحت عنوان "أمسية مع سولوفيوف"، وأخرى "مساء الأحد مع سولوفيوف"، وثالثة "سولوفيوف لايف"، إلى جانب "النهارية، والمسائية" الأخرى، مثل برنامج "60 دقيقة" الذي يتوالى على تقديمه أولغا سكابييفا وزوجها يفغيني بوبوف، وغيرها من البرامج الحوارية التي تقدمها القناتان الأولى، والثالثة (الخاصة بالعاصمة موسكو وضواحيها).

خط رسمي

ومن الملاحظ في صدد متابعة تعليقات المشاركين ومداخلاتهم في هذه البرامج، أنها تتسم بكثير من التحفظ وعدم الخروج عن "الخط" الرسمي الذي يحدده الكرملين ووزارة الخارجية الروسية وما يصدر عن الأجهزة التشريعية والتنفيذية من قوانين وتعليمات، على غرار ما شهدناه خلال الأشهر الأولى من "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، قبل أن يفاجئنا "البعض" بالخروج عن هذا "الخط"، على نحو لم يخل من إشارة إلى أن ذلك لم يكن ليحدث من دون "إيعاز" أو "ضوء أخضر" من كل ما أشرنا إليه من مصادر أو هيئات رسمية.

ومن هذا المنظور تبدو أهمية ما يتوالى من "وجهات نظر"، و"آراء" يحرص بعض أصحابها على الإفصاح عنها مقرونة بأنها مجرد "رأي شخصي"، لا يفرضونه على أحد، وذلك ما تناقله كثيرون مع نهاية المرحلة الأولى "للعملية العسكرية الروسية الخاصة"، التي انتهت في أبريل (نيسان) من العام الماضي بعد تحول القوات الروسية إلى الانسحاب الطوعي من بعض الأراضي الأوكرانية ومنها مقاطعة خاركوف قريباً من حدود روسيا الجنوبية، التي عادت لتكون منصة لهجمات القوات الأوكرانية ضد مقاطعة بيلغورود الروسية المتاخمة للحدود الأوكرانية.

وها هي روسيا تتناقل ما يقوله سولوفيوف وعدد من "ضيوفه" الوافدين من الخارج ممن يؤكدون أن كثيرين من ممثلي الدوائر الغربية النافذة يتابعونه ويستشهدون بتقديراته وتوقعاته، بل ويستمعون إلى تهديداته التي منها ما يدعو إلى ضرورة استخدام الأسلحة النووية، وقصف برلين وباريس وغيرهما من العواصم الغربية أياً كان موقعها الجغرافي وابتعادها عن الحدود الروسية.

ومن اللافت في هذا الصدد أن سولوفيوف وكثيرين من "ضيوفه" عادوا إلى كيل الاتهامات واستعراض ما ارتكبه عدد من "رفاق الأمس"، من أخطاء وخطايا بلغ بعضها حد "الخيانة" والتفريط في حقوق الوطن "التاريخية والجغرافية". ومن هؤلاء، الرئيس الأسبق بوريس يلتسين وسلفه السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، إلى جانب أناتولي تشوبايس مهندس الخصخصة الذي سبق وشغل مناصب كثيرة، ومنها الرئيس الأسبق لديوان الكرملين، والنائب الأول لرئيس الحكومة، قبل أن يلوذ بالفرار مع بداية "العملية العسكرية الروسية" إلى تركيا ثم إلى إيطاليا، ومنها وكما يقال، إلى إسرائيل التي سبقه إليها كثيرون من نجوم تسعينيات القرن الماضي. ومنهم أيضاً فلاديمير غوسينسكي إمبراطور الإعلام الروسي وأول رئيس للمؤتمر اليهودي الروسي ونائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، وغيره من أباطرة النفط والغاز والمعادن ممن كانوا يسمونهم أوليغارشيا العصر.

تحريض نووي

ومن وحي متابعة الحلقات الأخيرة لبرنامج "أمسية مع سولوفيوف" التي شارك في معظمها جنرال الموساد "ياكوف كيدمي" (كازاكوف بحسب اللقب السوفياتي السابق) المنشق الهارب إلى إسرائيل بعد حرب يونيو (حزيران) 1967، نتوقف لنشير إلى ما احتدم حوله الجدل في شأن استخدام الأسلحة النووية التي قال كيدمي بحتمية استخدامها، وهو ما أشرنا إليه في التقرير السابق من موسكو. نشير أيضاً إلى إدانته لما يتناثر من نقد ولوم في حق عدد من الجنرالات الروس ومنهم من اتخذ قرار الانسحاب الطوعي من بعض الأراضي "الأوكرانية"، وكذلك إلى ما يتصاعد من دعوات تتسم بشديد العداء لأصدقاء روسيا التاريخيين في المنطقة العربية، ومنها ما صدر عن الجنرال أندريه غوروليف عضو مجلس الدوما (أحد المشاركين بشكل دوري في برامج سولوفيوف)، حول ضرورة أن تحذو روسيا في تعاملها مع الأوكرانيين، حذو إسرائيل في معاملتها مع "العرب"، ممن ينعتونهم بـ"الإرهابيين". ولا يفوتنا أن نشير أيضاً إلى ما صدر عن جنرال الموساد "كيدمي" حول تجارب الجيش الإسرائيلي في سيناء إبان حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 التي يفخر بمشاركته فيها، وتلك قصة يطول شرحها لما يكتنف معظم جوانبها من غموض.

اللافت أيضاً في هذا الصدد أن أحداً من الحاضرين لم يشر إلى أي من لحظات تاريخ المنشق السوفياتي الهارب، في معرض ما كالوه ويكيلونه من مختلف الاتهامات في حق كل من "لاذ بالفرار" إلى إسرائيل أو إلى الخارج إبان أحرج اللحظات في تاريخ الوطن، سواء في الماضي أو الحاضر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن أحداً منهم لم يشر كذلك لا من قريب أو بعيد إلى ما شهدته روسيا من سقوط كثيرين من كبار مسؤوليها وقياداتها التنفيذية والتشريعية ونجوم الإعلام الحاليين، في شرك إيفاد أبنائهم وأحفادهم للدراسة في مختلف المعاهد والمؤسسات التعليمية المتميزة في البلدان الغربية، ليعودوا إلى الوطن "محملين" بكثير من الأفكار التي تضعهم في عداد "الإنتلجينسيا الروسية" المناهضة لبعض سياسات الكرملين، وذلك فضلاً عن تورطهم في اقتناء العقارات واليخوت والطائرات في مختلف العواصم والمنتجعات الغربية.

وكان الرئيس بوتين توقف عند ذلك أكثر من مرة، قبل وبعد "العملية العسكرية"، لدى تعليقه على مصادرة الدوائر الغربية لهذه الثروات، وإدراج أسماء أصحابها ضمن قوائم العقوبات المفروضة ضد روسيا.

ومما يلفت الأنظار في معرض متابعة الجدل الذي يحتدم على شاشات التلفزيون الروسي، ما يتناقله بسطاء المواطنين من تعليقات تشير بإصبع الاتهام إلى من يسمونهم بـ"حصان طروادة" بين صفوف النسق الأعلى للسلطة، ومنهم كثر كانوا على رأس الأجهزة التنفيذية والتشريعية إبان تسعينيات القرن الماضي.

وفي محاولة للتملص من المسؤولية والتخلص من التبعات القانونية لبعض تصريحاتهم، وإضفاء مسحة من "الديمقراطية الزائفة" على ما يقولون. يقول البعض منهم بجواز انتقاد الرئيس، لكنه من غير الجائز اتخاذ مثل هذه المواقف تجاه الوطن، في مثل هذا التوقيت شديد الحرج، بعد أن أماط أعداء الوطن اللثام عن حقيقة أهدافهم وإعلان أن الهدف لا يقتصر على إطاحة بوتين، بل ويتجاوزه إلى تقسيم الوطن، والقضاء عليه.

ومن النقاط شديدة الأهمية التي توقف عندها بعض المشاركين في هذه البرامج، ما يتعلق بالرقابة غير المعلنة، والتي كانت مرغريتا سيمونيان رئيسة تحرير قنوات "روسيا اليوم" أول من رفع لواء ضرورة فرضها، وذلك ما تناولناه في تقارير سابقة من موسكو. وكان سولوفيوف أعرب عن خشيته من أن تتعرض برامجه، ونشاطه متعدد الأبعاد لسطوة الرقابة أو ما شابهها، إلى جانب ما أعرب عنه آخرون من المشاركين في الحوار من مخاوف تجاه احتمالات "أن توفر الرقابة الفرصة للتدخل الخارجي وإثارة كثير من الارتباك في الساحة الإعلامية الداخلية".

غير أن ذلك يظل بعيداً من دائرة الحوار في كثير من البرامج التي تتواصل على شاشات القنوات التلفزيونية الإخبارية الرسمية، لأسباب لا تخفى على أحد بطبيعة الحال، وما تبرره كثير من ظروف الحاضر ومقتضيات الداخل الروسي.

ارتباك وتردد

ولعل ما شهدته الساحة الإعلامية المحلية والعالمية خلال الساعات القليلة الماضية من ارتباك وتردد لدى تغطية أخبار تفجير أحد أكبر السدود المائية ومحطته الكهرمائية التي تحمل اسم "نوفايا كاخوفكا" في مقاطعة خيرسون، يمكن أن يلقي بكثير من الضوء على ما حاولت مصادر كثيرة التملص من تبعاته ومسؤولية ارتكابه.

وكانت موسكو سارعت إلى "اتهام نظام كييف بإطلاق صواريخ على المحطة خلال الليل"، في الوقت الذي راح الرئيس الأوكراني زيلينسكي يؤكد أن الجانب الروسي هو المسؤول عن قصف السد المائي وتفجيره، من دون اعتبار وبحسب تعليقات الجانب الروسي، لمنطقية البدهية القانونية التي تربط بين الحدث والمستفيد الأول منه، وذلك ما كان سبباً في تغير مواقف عدد من الصحف والمجلات والبرامج الإخبارية التي تناولت هذه الحدث.

فبينما تناولت الصحف والمصادر الغربية أخبار "تفجير السد المائي" وما نجم عنه من فيضانات أغرقت كثيراً من البلدات والمواقع المجاورة وكانت في مقدمة أسباب إجلاء السلطات الروسية لعشرات الألوف من مواطنيها، نقلاً عن الجانب الأوكراني، حرصت السلطات الروسية على تقديم كثير من الأسانيد التي تقول بمسؤولية الجانب الأوكراني بوصفه المستفيد الأول من قصف هذه المنشأة الاستراتيجية المهمة، مقرونة بعديد من الصور والوثائق، ما دفع كثيراً من الصحف الغربية والألمانية منها، إلى جانب قناة "الجزيرة"، إلى تغيير عناوينها ومضامين ما سبق وقدمته من تغطية إعلامية.

ولعله من نافلة القول الحديث عن مصلحة روسيا في قصف واحد من أكبر السدود المائية وأكثرها أهمية ليس فقط لكونه يقع تحت سيطرتها على الشاطئ الأيسر لنهر الدنيبر بما يوفره من إمدادات للطاقة، بل وأيضاً لأنه يظل المصدر الرئيس للمياه العذبة لشبه جزيرة القرم بعد حرمان لسنوات طويلة تزيد على تسعة أعوام، وذلك ما أكده المسؤولون في روسيا ممن سارعوا إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإجلاء عشرات الألوف من المواطنين بعيداً من مناطق الكارثة.

ولمزيد من الأسانيد والقرائن التي راحت تسردها تأكيداً لتورط الجانب الأوكراني وتحمله مسؤولية ما حدث، استعادت السلطات الروسية كثيراً من مشاهد الماضي القريب، ومنها قصف محطة زابوريجيا للطاقة النووية، أكبر المحطات النووية في أوروبا، والثانية على مستوى العالم، إلى جانب ارتكاب حوادث اغتيال عدد من رموز الحركة الوطنية الروسية، والدفع بالمسيرات الأوكرانية إلى الداخل الروسي، ومنها ما كان يستهدف الكرملين والعاصمة موسكو وضواحيها. وهي الحوادث التي رفضت السلطات الأوكرانية الاعتراف بمسؤولية ارتكاب أي منها، وذلك ما يظل مثاراً للجدل على المستويات كافة، بما فيها مجلس الأمن الدولي الذي كانت كييف طالبت بسرعة انعقاده لبحث مسؤولية روسيا تحت عنوان "التهديدات الروسية للأمن والسلام في أوكرانيا".

المزيد من تقارير