Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رعب التمدد الصيني في الإعلام الغربي

في وقت مبكر من بدايات القرن الحالي، تساءل الإعلام عما إذا كانت الصين ستسقط النظام الدولي الحالي أم ستصبح جزءاً منه؟ وما الذي يمكن للولايات المتحدة فعله للحفاظ على مكانتها؟

التخوف من توسع المشاركة الصينية في سوق الأسلحة مرده الخشية من توسع نطاقها الجيوسياسي الذي قد يقود إلى الحد من وصول الولايات المتحدة إلى الموانئ والقواعد الأجنبية (تشاينا ديلي)

قامت شركة شحن عالمية ذات علاقات وطيدة مع شركات مملوكة للحكومة الصينية بشراء محطات لحاويات البضائع في كل من ولايتي نيويورك ونيوجيرسي الأميركيتين في ديسمبر  (كانون الأول) الماضي. أمر لم يكن ليمر أو يوضع في سياقه التجاري البحت طالما أن الصين كانت طرفاً فيه. هذا الأمر دعا صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية للتساؤل حول قدرة واستعداد الغرب لمواجهة القدرات الاستراتيجية المتنامية للصين، مدعية أن ما سمته "الإمبراطورية اللوجيستية التجارية البحرية الصينية" تشكل تهديداً مباشراً للنظام الدولي الليبرالي. كما رأت الصحيفة بأن ما تسعى إليه بكين هو بناء منصة للسيطرة على التجارة في المحيطات وقوة غزو برمائية تمد حدود نفوذ الحزب الشيوعي الصيني إلى شواطئ الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن هل في ما ساقته الصحيفة أية مبالغة أو تضخيم في النوايا والقدرات الصينية؟ منذ عام 2016، أدى دمج صناعة شحن الحاويات العالمية في ثلاثة تحالفات (M Alliance2 وOcean Alliance وTHE Alliance التي تمتلك مجتمعة حصة في السوق تبلغ 75 في المئة من إجمالي حجم الحاويات عن طريق البحر. وتسيطر هذه التحالفات على 96 في المئة من سعة الحاويات التجارية بين الشرق والغرب) إلى فتح الباب لنوع جديد من المنظمات العالمية التي تعمل إلى حد بعيد خارج متناول الهيئات التنظيمية الوطنية. تحالفات شركات الشحن هذه جاء بعد أن أدى خفض أسعار النقل الملاحي إلى إفلاس كثير من الشركات في عام 2016. الشركة الصينية الأكبر هي شركة Cosco Shipping وهي جزء من التحالف الذي يدعى Ocean Alliance، ثاني أكبر مشغل للموانئ في العالم، تضم من خلاله شركات نقل من هونغ كونغ (OOCL) وفرنسا (CMA CGM) وتايوان (Evergreen).

بحسب "وول ستريت جورنال" تقوم شركة Cosco وغيرها من شركات الموانئ والشحن المملوكة لبكين بتوسيع ممتلكاتها في الغرب بشكل مطرد منذ عام 2000. وبحسب بعض المحللين، تمتلك الشركات الصينية أو تشغل محطات في 96 ميناء في 53 دولة. لكن المشكلة بحسب الصحيفة، هو العدد القليل نسبياً من المحطات التي تسيطر عليها الشركات الصينية في الموانئ التي تخدم المراكز السكانية الرئيسة في الغرب التي تخلق أكبر مصدر للضغط الصيني. ذلك أن السيطرة على الموانئ والمحطات تمنح الصين نفوذاً اقتصادياً وسياسياً على حكومات البلدان المضيفة.

 التوسع الصيني الأخير، والأخطر بحسب "وول ستريت جورنال"، وقع في السابع من ديسمبر من العام الماضي، عندما قامت شركة (CMA CGM) الفرنسية بشراء محطتي حاويات في كل نيويورك ونيوجيرسي. العقدة الصينية هنا، التي قالت الصحيفة إن الجميع قد أغفلها، هو أن شركات مملوكة للحكومة الصينية كانت قد قامت في عام 2013 بشراء ما نسبته 49 في المئة من شركة (CMA CGM).

لتختم الصحيفة بقولها إن أي نجاح أو فشل لأية عملية عسكرية بين الولايات المتحدة والصين سيتحدد من خلال خطة لوجيستية سليمة معتبرة أن الصينيين لديهم مثل هذه الخطة لحملتهم الاقتصادية ضد أميركا والغرب. في حين أن الولايات المتحدة لا تملك أي شيء في الوقت الحالي.

التحذير من التمدد الصيني جاء أيضاً في سياق آخر، حيث حذرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية في عددها الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من خطورة أن تحل مبيعات الأسلحة الصينية مكان الروسية في السوق الدولية بعد الحرب في أوكرانيا نتيجة عدم قدرة روسيا على تصدير أسلحتها لأسباب موضوعية وذاتية نتيجة حاجة الجيش الروسي إلى استبدال معداته، والعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة وكذلك مخاوف المشترين بشأن أداء المعدات الروسية في ساحة المعركة. المجلة أثارت ضرورة قيام الولايات المتحدة بإحباط طموحات الصين في ملء الفراغ الناجم عن ذلك من خلال مساعدة شركائها في تطوير قدرات الإنتاج الخاصة بهم وتقديم الحوافز للشركات الأميركية بهدف إنتاج أسلحة ذات جودة عالية وبكلفة منخفضة بهدف منع الصين من الاستفادة من هذه الفرصة.

 

تنبع خطورة الأمر، بحسب المجلة الأميركية، من أن أي توسع للمشاركة الصينية في سوق الأسلحة قد يؤدي إلى توسيع نطاقها الجيوسياسي الذي قد يقود إلى الحد من وصول الولايات المتحدة إلى الموانئ والقواعد الأجنبية نتيجة استخدام الصين مبيعات الأسلحة لتأمين حقوق إنشاء القواعد العسكرية وإعادة توجيه الحكومات المتعاملة معها بعيداً من النفوذ الأميركي وهو ما يمكن أن ينبئ بعصر جديد يتم فيه تحدي قدرة الولايات المتحدة على المناورة العالمية بشكل متزايد.

تتعدد الأمثلة وتكثر الإشارات التي تطلقها الصحافة الغربية عن ضرورة مواجهة الغرب لأي نشاط أو توسع اقتصادي صيني. ففيما يخص القارة الأفريقية مثلاً، عنونت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية في مقالة لها منتصف العام الماضي: "مواجهة الصين في أفريقيا" التي قالت فيها إن على الغرب أن  يبذل جهوداً أكبر لتقديم بدائل للدول الأفريقية عن الصين. وفي السياق نفسه كانت قد وصفت "نيويورك تايمز" منتصف عام 2017 الصين بالقوة الاستعمارية الجديدة في أفريقيا. 

 سؤال الصعود الصيني ومآلاته في الصحافة الغربية ابتدأ في مرحلة مبكرة من القرن الحالي. مؤشرات النمو الصيني والدبلوماسية النشطة التي اتبعتها بكين كانت وراء هذا التوجس. ففي عددها الصادر في يناير/ فبراير 2008، تساءلت "فورين أفيرز" عما إذا كانت الصين ستسقط النظام الدولي الحالي أم ستصبح جزءاً منه؟ وما الذي يمكن للولايات المتحدة فعله للحفاظ على مكانتها؟ وماذا عن التهديد الأمني الذي يمكن أن تشكله الصين تجاه القوى الفاعلة في العالم.

هذا التساؤل الأخير قد يجيب عليه تصريح وزير خارجية سنغافورة الأسبق جورج يو الذي قال الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة والغرب "غير مرتاحين" لفكرة العالم متعدد الأقطاب نظراً إلى هيمنتهم الطويلة، الذي أشار أيضاً إلى أن صعود الصين دفع الدول إلى النظر بشكل متزايد إلى بكين على أنها تحد بل وحتى تهديد.

هذا التحدي أو التهديد، الذي قامت الولايات المتحدة بعنونته ضمن إطار حماية أمنها القومي، أعطي زخماً كبيراً مع مجيء دونالد ترمب إلى الحكم ليستمر هذا النهج المتصاعد مع خلفه جو بايدن. وإذا ما عددنا الوسائل التي تمتلكها واشنطن لفرض عقوباتها المتمثلة بالحرمان من الوصول إلى التعاملات بالدولار الأميركي وأسواق المال العالمية. وهذه من أقوى العقوبات لما لها من دور في تعطيل النشاط الاقتصادي للدولة المستهدفة. وكذلك التحكم في المكونات عالية التقنية وحقوق الملكية الفكرية. فلقد كانت الصين هدفاً رئيساً لتفعيل تلك الآلية الأخيرة في الآونة الأخيرة، بما في ذلك حرمانها من الوصول إلى أشباه الموصلات عالية التقنية، تلك الرقائق التي تشغل عدداً لا يحصى من الأجهزة الحديثة وتقع في قلب التنافس المتزايد بين البلدين.

المزيد من تحلیل