Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الأيام"... دراما مخيفة عن كارثة نووية 

مسلسل ياباني مقتبس من أحداث حقيقية للمخرجين هايدو ناكاتا وماساكي نيشويرا

لقطة من العمل (نتفليكس)

ملخص

المسلسل مقتبس من شهادة مدير المحطة النووية ومن التقرير التحليلي للحادثة والكتاب الذي صدر عن الكارثة للصحافي ريوشو كادوتا، تكريما للأشخاص الذين كانوا حاضرين في ذلك اليوم.

في العمل الدرامي الياباني الجديد الذي تعرضه "نتفليكس"، ثمة وجبة دسمة من الخوف والتوتر والقلق والاضطراب وفقدان الأمل والإحباط وكثير من مشاهد الدمار. 

وهناك أيضاً إصرار على الخروج من الكارثة والانتحار إذا لزم الأمر لإنقاذ الفكرة. يقدم مسلسل "الأيام" (The Days) للمخرجين هايدو ناكاتا وماساكي نيشويرا، المبني على أحداث حقيقية صورة عما حدث في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية عام 2011، بعدما ضربها زلزال مدمر قوته تسع درجات على مقياس ريختر، ومن ثم غمرتها أمواج تسونامي.
تهتز الصورة وتنقلب. صراخ في الردهات. يقع الكادر في المكتب على الأرض وينكسر. يختبئ العمال تحت الطاولات. يصرخ أحدهم "إحموا أنفسكم، تمسكوا جيداً". يهدأ غضب الزلزال. يقف العمال في المحطة لاكتشاف ما حدث، لكن تسونامي بات جاهزاً "للإقلاع". 
 
 
تضرب الموجات العالية المحطة، تتسرب مياه البحر إلى كل شبر فيها. في المصعد عامل عالق غير قادر على المغادرة، تدخل المياه إلى المصعد. يتنفس العامل أنفاساً أخيرة. يتنفس مجدداً إلى أن تغمره المياه. نراه غارقاً في المصعد بعينين مفتوحتين، كأنه يخبرنا "تحضروا إلى ما هو أسوأ". ساعات ما بعد الكارثة ويحدث انفجار جديد. ساعات تمر مجدداً وتقع هزة أرضية...
إذاً نحن أمام عمل هدفه الأساس أن يشعر المشاهد بما حصل على الساحل الشرقي لليابان منذ 12 عاماً. تصوير متقن للكارثة التي أدت إلى تسرب كميات كبيرة من المواد المشعة وتسببت في حدوث تلوث نووي واسع النطاق في المنطقة المحيطة بالمحطة وتأثيرات بيئية وصحية كارثية وإجلاء آلاف الأشخاص ونحو 20 ألف قتيل ومفقود. 
تصنف الكارثة في مستوى 7 على مقياس الحوادث النووية الدولي، وهو أعلى مستوى في السلم الذي يستخدم لتصنيف حوادث الطاقة النووية، وتعتبر كارثة فوكوشيما واحدة من أسوأ الكوارث النووية في التاريخ وتشبه في بعض الجوانب كارثة محطة "تشيرنوبل" عام 1986.

 

مبني على أحداث حقيقية

 

في التاسع من يوليو (تموز) 2013 بعد عامين من الحادثة، توفي ماساو يوشيدا مدير محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية بعدما أدلى بشهادته حول ما حصل تفصيلياً. 
 
 
نشرت إفادته التي أدلى بها بعد الحادثة تحت عنوان "شهادة يوشيدا" إلى جانب التقرير التحليلي لشركة كهرباء "تو أو" عن الحادثة النووية وأُثبت أن الشهادة سجل غير مسبوق ولا يقدر بثمن لتطورات حادثة في محطة نووية.
في المقابل، أجرى الصحافي ريوشو كادوتا مقابلات مع أكثر من 90 شخصاً قدموا المساعدة خلال الحادثة نشرت نتائجه في كتابه "على حافة الهاوية: القصة الداخلية لـ’فوكوشيما دايتشي‘. 
والمسلسل مقتبس من شهادة يوشيدا وكن التقرير التحليلي للحادثة والكتاب أيضاً تكريماً للأشخاص الذين كانوا حاضرين في ذلك اليوم. 

 

كيف بدأت الأزمة؟

 

أدى الزلزال إلى هياج البحر وهبوب أمواج تسونامي، وعندما وصلت الارتجاجات إلى المفاعلات النووية توقفت عن العمل آلياً. لكن الأمواج العاتية تمكنت من تخطي حاجز الصد البحري حول محطة فوكوشيما النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وقطعت الكهرباء عن نظام التبريد، بينما لم تعمل مولدات الديزل سوى فترة بسيطة، ومما زاد الوضع سوءاً سرعة نفاد الطاقة من بطاريات الطوارئ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

كما تسبب توقف محركات ضخ المياه نتيجة انقطاع الطاقة الكهربائية عنها بانخفاض مستوى الماء الذي يبرد الأنابيب التي تزود المفاعلات بالوقود، مما أدى إلى بروز بعضها فوق مستوى سطح الماء وتعرضها للهواء، أي ارتفاع درجة حرارتها واحتمال انصهار المفاعلات. 
 
 
إضافة إلى ذلك، أطلقت أنابيب الوقود، نتيجة لارتفاع حرارتها، أبخرة أنتجت كميات من الهيدروجين والغازات القابلة للاحتراق، مما أسفر في النهاية عن حدوث ثلاثة انفجارات على مدى أربعة أيام.
ومن أهم المعضلات التي واجهت الفنيين العاملين في المفاعلات النووية في فوكوشيما، احتمال خطأ قراءات أجهزة قياس مستوى الماء داخل المفاعلات، مما يعني عدم معرفة مستوى الماء بدقة، وهو أمر جوهري للتحكم بدرجة الحرارة المطلوبة داخل أي مفاعل.
تضاعفت مستويات الإشعاع في الهواء المحيط بمحطة فوكوشيما أربع مرات، مما دفع السلطات إلى إجلاء السكان من دائرة قطرها 20 كيلومتراً حول المفاعل إلى مناطق أخرى ووصل عدد الذين أجلوا من المناطق التي تحيط بمجمع فوكوشيما إلى 200 ألف شخص.

 

تشيرنوبل

 

ثمة تشابه كبير بين ما حصل في فوكوشيما وما حدث في كارثة تشيرنوبل التي تعتبر الأسوأ في التاريخ نتيجة عيوب في تصميم المفاعل النووي وعدم اتباع العمال بروتوكولات السلامة المعروفة، مما قاد إلى انفجار هائل في أبريل (نيسان) 1986 شمال أوكرانيا.
 
 
واللافت أن الكارثتين تجسدتا في مسلسلين دراميين، إذ قدم مسلسل "تشيرنوبل" في 2019 بإنتاج أميركي - بريطاني ويتألف من خمس حلقات ويتناول الكارثة بشكل مفصل وواقعي. وصورت الأحداث من منظور شخصيات مختلفة، بدءاً من عمال المفاعل النووي الذين شاركوا في مواجهتها وحتى السلطات الحكومية والعلماء الذين عملوا على إدارة الأزمة.
اللافت في العمل قوة الأداء والتضحيات البطولية والكشف عن الفساد الحكومي آنذاك، ووفر العمل فهماً عميقاً للكارثة وتأثيرها في البشر والبيئة. 
يختلف الوضع في مسلسل "الأيام" قليلاً، ثمة تشابه من حيث الأداء التمثيلي بالقوة والتعبير، لكن في اليابان لم يكن هناك فساد حكومي مثلاً. أراد صناع العمل التركيز على التضحيات والتعابير والوجوه العابسة. هنا ثمة رصد للخوف بكل مراحله والتحول الفوري إلى راحة نفسية بعد معرفة مثلاً أن درجات الضغط النووي بدأت بالانخفاض، أو إيجاد حل لتثبيت خراطيم المياه لتبريد المفاعل.
هنا ثمة تركيز على الإيقاع النفسي للعمل والصراعات الداخلية، إذ تعتبر بعض المشاهد أو الانفعالات طويلة لأن المخرج أرادها أن تكون كذلك والإطالة مقصودة لتقدم الشعور الحقيقي للمشاهد، شعور هو مزيج ما بين الارتباك والخوف والقلق.
في المقابل، يظهر الاختلاف واضحاً في المسلسلين، خصوصاً من حيث ترتيب المعلومات والخطط والدراسات. في تشيرنوبل عمت الفوضى المكان وكان القرار دوماً للطبقة السياسية، في حين أن الوضع في فوكوشيما مختلف، دقة وترتيب في عرض المعلومات وتحديثها كل ساعة، فيما التدخلات السياسية ليست مؤثرة كما كانت في تشيرنوبل.
 
 
الجانب الانساني
 
لا يحاول المسلسل الياباني الغوص في أسباب ما حدث، بل يعرض الجانب الإنساني للكارثة وقلق الأهل على ابنهم المفقود واللقاء بين الأصدقاء بعد غياب وربما يكون مشهد الوداع في الحلقة السابعة من الأجمل في العمل.
يتخذ القرار بإجلاء من ليس لهم دور أساسي في المحطة ويطلق على الفرقة التي بقيت "فرقة الانتحاريين". في لحظة يأس يطلب موظف من مديره قبل بدء العمل الاطمئنان على عائلته. وهنا تبدأ الرسائل بالظهور على الشاشة، كلمات شكر للعائلة على صبرها ووداع على أمل اللقاء. 
 
 
أجوبة ترد أيضاً على الشاشة، "لا تمت نحن في انتظارك". مشهد معبر عن قوة التعلق بالحياة، لكنه قاسٍ جداً. ولا بد من الحديث هنا عن قوة الأداء الياباني في التمثيل. يسيرالعمل بالإيقاع نفسه على مدى ثماني حلقات. يتردد موظف في الإجابة عن سؤال مديره في شأن قوة التسرب. يسكت لبرهة، يحك رأسه، يرتبك، ويجيب بصوت متهدج. 
في المقابل، نرى الخوف من الكارثة وتوابعها على وجه رئيس الوزراء. تصرفات مدير محطة الطاقة النووية وانفعالاته الخجولة (كوجي ياكوشو) تبقى الأبرز، فعرف الممثل القدير والشهير كيفية تقديم صورة تمزج ما بين التمثيل وإتقان أن تكون مديراً لمحطة نووية. ثمة تصوير واضح للصراعات النفسية الداخلية.
وعلى رغم الإيقاع البطيء للعمل يبقى مثيراً وحيوياً، خصوصاً أن هذا مقصود للسيطرة على المُشاهد وإمساكه حتى النهاية، وكما كان الممثلون بارعون في تأدية أدوارهم لعبت الموسيقى التصويرية في العمل دوراً كبيراً أيضاً في مواكبة الخوف والقلق والتوتر وكانت بديلاً عن النص في بعض المشاهد.
في سياق متصل لا يخرج العمل أو يتمرد على العادات والتقاليد اليابانية. الأسس الواضحة التي وضعت للتربية بعد الحرب العالمية الثانية تظهر في المسلسل، الاحترام المتبادل والثقة بصناع القرار وتنفيذ الأوامر حتى اللحظة الأخيرة والاعتذار، حتى الانفعالات الغاضبة في ظروف كارثية كانت لافتة والتضحية من أجل فكرة الوطن.
حتى اللحظة لم تنته توابع الحادثة ولا يزال العمل مستمراً على تفكيك المحطة إلى يومنا هذا ويذكر أن العالم شهد ثماني كوارث نووية، إضافة إلى تشيرنوبل وفوكوشيما.

المزيد من ثقافة