ملخص
تحذيرات قائد "فاغنر" من سيناريو شبيه بما جرى عام 1917 مناورة إعلامية والرهان الغربي يتركز على جماعة السيلوفيكي ورفاق بوتين من الجواسيس القدامى
في الأيام الماضية حذر قائد مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين من أن روسيا قد تواجه ثورة مماثلة لثورة 1917، وتخسر الحرب في أوكرانيا، ما لم تتعامل النخبة بجدية مع الواقع العسكري.
تحذيرات بريغوجين جاءت عبر مقابلة له نشرت من خلال قناته على تطبيق "تيليغرام"، وفي توقيت مواكب لخطط أوكرانيا العسكرية الخاصة بشن هجوم معاكس على القوات الروسية.
في المقابلة قطع بريغوجين بأنه "على الأرجح لن يكون هذا السيناريو في صالح روسيا، لذلك نحن بحاجة إلى حرب شاقة".
التحذير الأشد الذي ورد على لسان بريغوجين هو قوله "نحن في وضع يمكن أن نخسر فيه روسيا، هذه هي المشكلة، نحن بحاجة إلى فرض أحكام عرفية".
ترى ما الأسباب التي تجعل قائد هذه المجموعة المسلحة، والتي باتت منتشرة خارج روسيا وداخلها، يصرح بهذا الحديث القاسي والخطر؟
ثم ربما يكون الأهم التساؤل: هل هو على حق؟ فيما الأكثر مدعاة للدهشة هو كيف يصبر بوتين على طباخه السابق، مع إطلاقه مثل هذه التعبيرات التي يمكن اعتبارها مخلة بالأمن القومي الروسي؟
بريغوجين وسيناريو روسيا 1917؟
حين عين الرئيس الروسي بوتين قائداً جديداً للحرب مع أوكرانيا، بدا واضحاً أن القرار وربما الشخص المعين غير محبوب أو مرغوب من جانب بريغوجين.
ليس سراً أن هناك ما يشبه "صراع أجنحة" مكتوماً بين رجال الرئيس الروسي، وقد استمع العالم أخيراً لنداءات بريغوجين وتهديداته بالانسحاب من باخموت، وذلك بسبب نقص الإمدادات العسكرية والتسليح لجماعته، فلم يوفر اتهام من سماهم "النخبة الروسية"، بحماية أبنائهم، بينما يهلك أبناء عموم الشعب على الجبهة، وهو وضع قال إنه يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في روسيا.
ما الذي جرى في 1917، وهل يمكن بالفعل أن يكرر التاريخ ذاته في روسيا؟
باختصار غير مخل، كانت خسائر روسيا في الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في الفترة ما بين 1914 و1917 مخيفة، بل مريعة، فقد خسرت روسيا وقتها أكثر من مليوني جندي وضابط خصوصاً بسبب نقص الأسلحة، الأمر الذي أدى إلى حدوث ثورة جعلت القيصر نيكولا الثاني يتخلى عن العرش، ومن ثم تشكلت حكومة موقتة، لكنها لم تكن مسيطرة على شيء، ولم تفكر في الانسحاب من النزاع الذي بات يثير غضباً شعبياً في البلاد.
أدى هذا الإخفاق إلى قيام الثورة البلشفية، وقد كان أول قرار للثوار هو أن يعرضوا على الدول التي تحارب روسيا وقف الأعمال العدائية.
هل سيكرر التاريخ نفسه كما تساءل كارل ماركس ذات مرة؟
التاريخ لا يكرر نفسه، هذه حقيقة، لكن يمكن أن تتشابه أحداثه.
هنا تبدو رؤية بريغوجين ذات وجاهة ما، لا سيما إذا استمر المواطنون العاديون في تسلم جثامين أبنائهم بينما يستمتع أبناء النخبة بأشعة الشمس في رحلات بالخارج.
يتحدث بريغوجين بقوة، وهناك نصر باخموت من ورائه يدعمه، على رغم هجومه الواسع على قيادة القوات المسلحة الروسية في باخموت والمتمثلة في الجنرال فاليري غراسيموف.
لم تكن هجمات قائد "فاغنر" على قيادات الجيش الروسي شيئاً جديداً، فقد سبق ووجه انتقاداته مراراً وتكراراً ضد نخبة الجنرالات الروس الذين يقودون الحرب في الأشهر الأخيرة.
هنا لا بد من السؤال: ما الذي يجعل بوتين يصبر على تصريحات طباخه الشهير؟
"فاغنر" والعسكرية الروسية غير الرسمية
تقول مجلة "هيل" الأميركية، في تحليل لها يمزج بين العسكرية والسياسة، إن بريغوجين لن يتعرض لكثير من العواقب، على رغم انتقاداته قادة الجيش الروسي، طالما أنه لا يهاجم الرئيس بوتين أو الحرب نفسها.
ليس من اليسير أن يعادي قائد مجموعة مرتزقة قيادات الجيش النظامي في أي دولة، وإلا سيكون مصيره الهلاك.
هنا تبدو حلقة مفقودة بالنسبة إلى "فاغنر" توقفت عندها مجلة "فورين أفيرز" الأميركية... ماذا عن ذلك؟
لفهم أهمية "فاغنر" وبريغوجين، لا بد من العودة إلى التسلسل الهرمي للجيش والاستخبارات في روسيا.
في حقيقة الأمر، وبحسب التسلسل التاريخي العسكري الروسي يظهر لدينا ومنذ زمن جوزيف ستالين وجود واضح وقوي للقوات الروسية غير الرسمية، فضلاً عن ذلك لدى مجموعة "فاغنر" إرث كبير في أوكرانيا، فقد برزت لأول مرة خلال حرب روسيا السابقة في إقليم الدونباس قبل ثماني سنوات.
هل هذا هو فقط السبب الرئيس الذي يجعل بوتين يحافظ على بريغوجين؟
ربما يكون هناك ما هو أكثر أهمية ويتخفى بين سطور الصراع الدائر في الكرملين اليوم، لا سيما مع جنرالات الجيش الروسي، وقبل الخوض في وضع "جماعة السيلوفيكي" المحيطة ببوتين.
يرى بوتين أن "فاغنر" ربما تعتبر "وثيقة الأمان والضمان" الشخصية له، في مواجهة جموح جنرالات الجيش، وقد اعتبر بوتين طويلاً أن هؤلاء يمكن أن يضحوا مصدر تهديد له ذات يوم.
من هنا يمكن للمرء أن يتفهم الدور الحقيقي لـ"فاغنر" ضمن ديالكتيك وديناميات السلطة القائمة اليوم في روسيا، والتي ستشكل القائد القادم للبلاد عند لحظة زمنية بعينها.
لا ترتبط جماعة "فاغنر" في واقع الأمر فقط بمجريات المعارك العسكرية على الأرض فحسب، بل بالصراع داخل أجنحة السلطة في روسيا، وهو صراع يبدو مكتوماً اليوم، لكنه حكماً سينطلق في وقت ليس ببعيد، والأمر رهن بالمعارك في أوكرانيا وتطوراتها.
هل "فاغنر" هي الجناح العسكري غير المرئي للاستخبارات الروسية، والخاضع لبوتين بشكل سري، في مواجهة أي تغيرات أو تطورات تنشأ في عقول الجنرالات لإزاحته من موقعه أو موضعه في أي وقت يشاؤون؟
تبدو القصة مثيرة وخطرة وفي حاجة إلى قراءة مفصلة، غير أنه ومن دون إغراق في التفاصيل، تظهر حقيقة "فاغنر" يوماً تلو الآخر كأداة ضمن أدوات مديرية الاستخبارات الرئيسة الروسية GRU، والتي تختلف عن نظام جهاز الـ(أمف) الفيدرالي الروسي FSB.
هذه الأداة أو القسم الجديد داخل مديرية الاستخبارات الرئيسة الروسية لا يضمن لبوتين حائط صد في الداخل فقط، بل يمكنه من الإشراف على عديد من العمليات العسكرية الخاصة في الخارج كذلك.
لكن وعلى رغم كل ذلك فلا نزال في البحث عن صدقية تحذيرات "فاغنر" من ثورة ضد بوتين، وهل هناك بالفعل من يدفع في طريق تفتيت روسيا من الداخل، عبر إثارة حرب أهلية، ومحاولة العودة بعجلة الزمان إلى وقت ثورة البلاشفة الذين قبضوا على روسيا لسبعة عقود؟
من يسعى إلى ثورة داخل روسيا؟
يمكن أن يقرأ المرء تصريحات بريغوجين من باب دفع جنرالات الجيش الروسي في طريق تكثيف عملياتهم في أوكرانيا، ودعم زخم قوات "فاغنر" لتحقيق مزيد من النجاحات العسكرية لروسيا إجمالاً، حتى لو ضغط على جزئية المحاصصة المجتمعية بين أبناء النخبة وأبناء العوام.
غير أن بوتين وميدفيديف، أي الرئيس ونائب رئيس مجلس الأمن القومي، لم يترددا في الإقرار بأن هناك من يود تفكيك روسيا وتفتيتها، بالضبط كما جرى مع الاتحاد السوفياتي السابق.
القصة تبدو واضحة من خلال أصابع الاستخبارات الأميركية، والتي تعمل في الخفاء حتى من قبل انفجار الصراع الأوكراني على تفخيخ الداخل الروسي، وذلك من خلال عمليات التخريب المتعمدة التي تستهدف البنية التحتية، وقد كانت ضربة خطوط الغاز في مقدمتها.
سعي الناتو الظاهر كذلك تمثل ولا يزال في العقوبات الاقتصادية الساعية إلى إشعار المواطن الروسي بالأزمة الداخلية، ودفعه إلى طريق التمرد على القيادة السياسية، أي محاولة خنق موسكو من الداخل، ومن دون أن تتكبد واشنطن مشقة إطلاق رصاصة واحدة عليها من الخارج، بالضبط كما حدث مع الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود، وهو الأمر الذي يعتبره بوتين أكبر خطأ جيوسياسي في القرن العشرين.
هل لدى الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية اليوم عملاء داخل روسيا يتبعون استراتيجية "إثارة التوتر" طويلة المدى، بغرض استنزاف الروس، ودفعهم إلى العنف المسلح، وإحداث انقسام في الدولة لتتفتت إلى كانتونات وقطاعات جغرافية؟
في أواخر مايو (أيار) الماضي أعلنت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وفي مقطع فيديو لها، بحثها عن أشخاص موثوق بهم لتزويدها بمعلومات عن روسيا، متجنبة استخدام كلمة جاسوسية أو صفة جاسوس.
يمكن اعتبار هذا الإعلان بمثابة استعداد رسمي من قبل وكالة التجسس الأميركية الأشهر للعب دور في الداخل الروسي، بهدف استقطاب الروس غير الراضين عن سياسات الكرملين وعن ظروفهم المعيشية.
فلسفة الجانب الأميركي أو القاعدة التي يتم من خلالها العمل مع الروس تتمثل في المقولة التالية "قد تكون معلوماتك أكثر قيمة مما تعتقد"، والدعوة الأميركية تمد جسورها بنوع خاص تجاه العاملين في مجال الاستخبارات والدبلوماسية والعلوم والتكنولوجيا، وتفتح الباب واسعاً لكل أنواع المعلومات والمعطيات الاستخباراتية، بما فيها، بل في مقدمتها السياسة والاقتصاد، الركنان الرئيسان في إدارة أي دولة.
بعد نصف تقريباً من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ما الذي تغير في شعبية بوتين عبر الداخل الروسي، وهل تم الاختصام منه، مما يعني أن الثورة التي تحدث عنها بريغوجين، حكماً واقعة؟
عن شعبية بوتين في الداخل الروسي
عشية رأس السنة 2023 قتل عشرات الجنود الروس في غارة أوكرانية... كان يمكن لهذه المجزرة، أن تثير الغضب ضد بوتين، وتتسبب في شرارة ثورة كما الحال في 1917 بحسب تنبؤات بريغوجين.
لكن شيئاً من هذا لم يحدث، بل العكس هو الذي جرت به المقادير.
خلال مراسم تشييع جثامين الجنود الروس، قالت رئيسة مجموعة من زوجات رجال الجيش إيكاترينا كولوتوفكينا "إنه أمر صعب للغاية، إنه مخيف، لكن لا يمكن كسرنا. الحزن يوحدنا".
كان من الواضح أن الروس يفرقون بين وحدة البلاد المستهدفة من الخارج من جهة، والأخطاء التي ارتكبها القادة العسكريون في الميدان من ناحية ثانية. طالب القوميون الروس وبعض المشرعين بمعاقبة القادة الذين اتهموا بتجاهل الأخطار الناجمة عن الحرب الأوكرانية، لكنهم لم يظهروا أي غضب تجاه المؤسسة السياسية أو الرئيس بوتين.
هل كان هذا الحدث مؤشراً إلى شعبية بوتين، على رغم الخسائر التي حلت بالبلاد والعباد منذ بدايات الأزمة؟
يمكن الجواب من خلال أرقام استطلاعات الرأي، قبل وبعد معركة رأس السنة.
في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث الرأي العام الروسي أن 80 في المئة من الشعب الروسي يثقون ببوتين، فيما وافق أكثر من 70 في المئة على أدائه، وبالتحديد 77 في المئة.
جاءت النتيجة بعد مسح حدث بين 10 و16 أكتوبر، واستطلع آراء 1600 مواطن روسي فوق سن 18 عاماً.
في أبريل (نيسان) من عام 2022 أظهر استطلاع نشرته هيئة استطلاعات الرأي الروسية الحكومية أن "نسبة الروس الذين يثقون بالرئيس بوتين ارتفعت إلى 81.6 في المئة من 67.2 قبل بدء العملية العسكرية.
مرة جديدة تأتي النتائج داعمة لبوتين، ففي منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، أجرى مركز أبحاث الرأي لعموم روسيا استطلاعاً أظهرت نتائجه ارتفاع منسوب ثقة الشعب الروسي في بوتين بنسبة 04 في المئة إلى 78.5 في المئة.
شارك في الاستطلاع أيضاً نحو 1600 مواطن روسي آخرين، كما حصل حزب روسيا الموحدة، الذي يترأسه ميدفيديف، رجل الظل لبوتين، على أكبر نسبة من مستويات الثقة في الداخل الروسي، وبين جميع الأحزاب والتيارات السياسية العاملة هناك بنسبة 38.7 في المئة.
غير أن هناك من يذهب للقول إنها نتائج يمكن أن تكون غير نزيهة، وإن أتباع بوتين هم من قاموا عليها، وهي وجهة نظر يمكن أن تؤخذ في الاعتبار، ومع ذلك يظل وضع بوتين قوياً، وفكرة الثورة مستبعدة، طالما ظلت النخبة الروسية متماسكة، والسيلوفيكي يدعمون بوتين... ماذا عن هذا الطرح؟
بوتين بين السيلوفيكي ورفاقه الجواسيس
في أكتوبر الماضي كشفت صحيفة "واشنطن بوست"، نقلاً عن مصدر في الاستخبارات الأميركية، عن أن عضواً بارزاً في الدائرة المقربة من الرئيس الروسي جاهر أخيراً في الكرملين باختلافه مع طريقة خوض الحرب في أوكرانيا.
وذكرت "واشنطن بوست" أن الاستخبارات الأميركية عرفت اسم المسؤول الروسي الذي يخالف بوتين، وقد تم إطلاع الرئيس بايدن عليه، وإن لم يحدث الكشف عن اسمه؟
هل الخبر صحيح أم هو نوع من التمنيات الأميركية ولعبة من ألعاب الاستخبارات التقليدية؟
ربما لا نملك الجواب الشافي الوافي، لكن الأمر يقودنا إلى حديث أهم متعلق بمجموعة السيلوفيكي، المحيطة بالرئيس بوتين، وهل أن ولاءها ووفاءها له أبدي أزلي أم أنه متغير، مما يعني فتح طاقة في جدار مستقبل بوتين السياسي؟
تتشكل هذه المجموعة من رؤساء الوكالات العسكرية والأمنية والاستخبارات، وهم رجال أمن روس يحيطون بالرئيس، ومنهم من خدم في جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي)، ولديهم آراء سياسية "محافظة وتآمرية" والعهدة على صحيفة "الغارديان" البريطانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالرجوع ناحية تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة منظمة المحللين السياسيين "أر بوليتيك"، نجد أنها قسمت النخبة الروسية الحاكمة إلى مجموعتين، وذلك عبر مقال لها في فبراير (شباط) 2022:
المجموعة الأولى: هم التكنوقراط الذين يهيمنون على الحكومة، ولكن ليس لديهم سلطة التدخل في الشؤون الأمنية.
المجموعة الثانية: السيلوفيكي الذين يؤثرون في بوتين ويثيرون ويصعدون التوتر... من هؤلاء تحديداً؟
ـ نيكولاي باترشوف: رئيس مجلس الأمن القومي والملقب الصقر.
ـ سيرغي نارشكين: رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي.
ـ ألكسندر بوتنكيوف: رئيس جهاز الأمن الاتحادي الروسي.
ـ سيرغي شويغو: وزير الدفاع الروسي الحالي.
التساؤل الجوهري: هل يمكن أن ينقلب هؤلاء على بوتين عند لحظة زمنية بعينها؟
الجواب نجده عند الصحافي الروسي أندريه سولدانوف، الذي كتب مقالاً عبر مجلة "فورين أفيرز"، استعرض فيه احتمالات تحرك مراكز القوى المحيطة بالرئيس الروسي، مع الأخذ في الاعتبار أن الجيش الروسي تاريخياً لم يشكل تهديداً كبيراً لحكام البلاد، لكن هناك حالة واحدة قد تدفع جماعة السيلوفيكي للتحرك ضد بوتين، وهي بحسب سولدانوف، وصول المشكلات الاقتصادية لروسيا إلى درجة انقسام الحكام الإقليميين في شأن بوتين، والنظام الاقتصادي الذي منع انهيار دولة بوتين الأمنية منذ 20 عاماً.
في هذا التوقيت فقط قد يشعرون أن الكرملين يفقد السيطرة على البلاد وأن مستقبلهم مهدد وفي هذه الحالة يمكنهم التنحي جانباً وترك بوتين لمواجهة الثورة الداخلية، أو التدخل وإزاحته.
هل يخشى بوتين جماعة السيلوفيكي؟
ربما خوفه الأكبر من رفاقه القدامى، جواسيس الـ(كي جي بي)، سواء الفاعلين حتى الساعة في ثنايا وحنايا الهيكل الوظيفي لموسكو، أو المتقاعدين، والذين يشكلون لقمة سائغة للاستخبارات الغربية والأميركية بشكل خاص، وهؤلاء لديهم مقدرة حقيقية على تحريك الشارع الروسي من غير أدنى محاججة أو اعتراض.
وفي الخلاصة، فإنه لكي تندلع الثورة البلشفية، كان لأحداث بعينها أن تحركها، غير قائمة على الساحة الداخلية الروسية اليوم.
يوم 8 فبراير عام 1917 أضرب عمال مصانع بوتيلوف للتعدين في بيتروغراد عن العمل، وفي 25 من الشهر نفسه تحول الأمر إلى إضراب عام. في 26 أمر القيصر بإطلاق النار على المتظاهرين، مما دعا في اليوم التالي إلى تمرد قوات فض الشغب.
هنا تبدو قصة اندلاع الثورة البلشفية بعيدة كل البعد عن واقع حال روسيا، مما يجعل المقارنة غير قائمة بالفعل.
من جانب آخر لم تكن روسيا وقتها دولة نووية، بمعنى أن الروس اليوم غير خائفين من المواجهة العسكرية، إذ لديهم أوراق ضمان تدفع عنهم شبح الهزيمة العسكرية، حتى لو قاد الأمر إلى إشعال حرب نووية، وهو ما لمح إليه بوتين وميدفيديف عوض المرة الواحدة مرات متتالية.
أضف إلى ذلك بعداً آخر يجعل فكرة الثورة الروسية في الوقت الحاضر أمراً مستبعداً، وهو ذلك الشعور القومي السلافي، والذي يدرك أنه ليس بوتين السبب في الحرب، وإنما أطماع الغرب عامة والولايات المتحدة الأميركية بخاصة، هي من قاد بوتين إلى الدخول في مواجهة مع الأوكرانيين، ومن هنا فإنهم ينظرون إلى النازيين الأوكرانيين كما يصورهم بوتين بوصفهم المكافئ الموضوعي لنازيي هتلر، وعليه فإنه يجب القتال والكفاح في مواجهة العدوان الخارجي، ومن أجل سلامة الأمة الروسية.
تبدو تصريحات بريغوجين غزلاً ولعباً على المتناقضات الروسية في الوقت الحاضر، وبنوع خاص في مواجهة المؤسسة العسكرية الروسية، وبعيدة كل البعد عن ملامسة واقع ثورات أهلية جديدة في الوقت الروسي الحاضر.