قالت مصادر متطابقة لـ"اندبندنت عربية" إن صانع القرار السعودي يوشك أن يعطي الإشارة لسقوط ما يوصف بـ"جدار برلين السعودي"، بإنهاء الوصاية على النساء في البلاد التي كانت فيها المرأة محاطة بهالة من القيود، قبل أن تبدأ خطوات إلغائها تدريجاً.
ويأتي القرار، بعدما تجاوزت السعوديات كل المحرمات الاجتماعية، إثر تنافس مؤسسات القطاع العام والخاص على تمكين المرأة لشغل المناصب الذكورية في الماضي، فأصدرت وزارة العدل السعودية قراراً تاريخياً بتعيين النساء "كاتبات عدل" للمرة الأولى في تاريخ المملكة المحافظة، التي تمنع فيها النساء من أي عمل قضائي، قبل خطوة العدل الأخيرة. وأشارت صحيفة "أم القرى" الرسمية، والتي تنشر من خلالها القرارات الرسمية والأوامر الملكية في البلاد، عبر حسابها على موقع التواصل "تويتر" اليوم أن العدد المقبل سيحمل تعديلات على نظام الجوازات ووثائق السفر.
وذكرت عضو مجلس الشورى السعودي (البرلمان) الكاتبة كوثر الأربش أن إلغاء الولي إجراء لا بد منه لتمكين المرأة، في بلاد تتسارع فيها خطى التنمية، حتى إن ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمحاولات تشويه الفكرة، باعتبارها في نظرهم تحرض على "الانحلال".
وقالت الأربش "توالى كثير من القرارات الإصلاحية التي تصب في مصلحة الأسرة السعودية، من خلال إزاحة كل المعوقات أمام المرأة كإنسان كامل الأهلية، وتسهيل توظيفها وتنقلها، وحمايتها من التعنيف، إلا أن هذه الإصلاحات والقرارات الضخمة، في عهد الملك سلمان، لا يزال ينقصها حل عقدة واحدة في خيط تمكين المرأة، وهو إلغاء الولي الذي يعيق بعض الصلاحيات أمام المرأة، كالزواج والسفر".
ولفتت إلى أنها وكثيرات من النساء في بلادها "نعرف أن هذا القرار آتٍ بلا شك، لأن القيادة تثق كل الثقة بالمرأة، ثم إننا كمجتمع سعودي ديني ومحافظ لدينا بنية تحتية أخلاقية متينة، والمرأة السعودية أثبتت حسن سلوكها وتدبيرها في كثير من الأمور. ولكن، في نظري هذا القرار تأخر قليلاً لأسباب عدة، أولها أن هذا الشرط فُهم خطأ من قبل البعض وكُرّس على أنه اشتراط ديني، وهو في الحقيقة أمر مستحدث. والسبب الثاني استغلال الإعلام المعادي وبعض المغردين ممن لا يلاقون قبولاً لدى الشارع السعودي، لموضوع الولي تحت هاشتاغات وتغريدات تربط بين إلغاء الولاية والانحلال والفساد".
واعتبرت الأربش أن الربط بين إلغاء الولاية على النساء والفساد الأخلاقي "خلق لنوع من الممانعة بين شرائح كثيرة في المجتمع. فالرجل السعودي يتميز بتلك النفسية المحبة والحريصة على نساء بيته، ومجبول بالقلق عليها. وما فعله هؤلاء المغردون أنهم استخدموا الهجوم والشتم والدعوى إلى الانحلال والتمرد على الأسرة تحت مسمى إسقاط الولاية. ما جعل الأمر مخيفاً ومحارَباً من قبل البعض". بينما ترى الكاتبة السعودية أن "إلغاء اشتراط الولي ضروري جداً للمرأة العصرية والراشدة، ومفيد أيضاً في بعض الحالات التي استغل فيها بعض الأولياء، النساء".
رفض الإساءة للرجل السعودي
وفيما جاء وسم "سعوديات نطالب بإسقاط الولاية" على قائمة "الترند" الأربعاء الماضي على "تويتر"، الذائع الصيت بين السعوديين، طمأنت الأربش مواطناتها بأن "إلغاء اشتراط الولي سينتصر له القرار الإداري، بوصفه ضرورة لتمكين المرأة من كل النواحي. وهو شأن سعودي داخلي بامتياز، ولن نسمح لشرذمة في تويتر أن تستغله لتشويه صورة بلادنا وتصوير الأسرة السعودية كما لو أنها بيئة وحشية وضد المرأة، والإساءة للرجل السعودي الذي كان شريكاً وعوناً لها في الطريق إلى تمكينها الكامل. أو استغلال المسألة من قبل بعض الدول المعادية للتدخل في شؤوننا الخاصة".
وفتحت التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها السعودية في السنوات الماضية ملف حقوق المرأة من جديد، بعد خطوة إصلاحية كبرى تسعى إلى بناء صورة جديدة تكرس الانفتاح وروح الإصلاح وتتبنى نهج الإسلام المعتدل، وسط توجه عام لتخفيف قيود السفر على النساء وإسقاط الولاية الجائرة على المرأة، في خطوة يُعتقد أنها ستكون جذرية في إحداث قطيعة بين واقع السعوديات القديم والمستقبل الذي بشرت به رؤية السعودية 2030 مواطني البلاد من دون استثناء.
فعلتها مع قيادة السيارة فلم لا "الولاية"؟
وكانت الآمال بإنهاء كابوس الولاية التي يساء استخدامها على النساء السعوديات، تُقاوم بأصوات محافظة، تسير عكس الاتجاه، ترى أحلام إسقاط الولاية على الراشدات من النساء، أمراً بعيد المنال دينياً واجتماعياً. لكن القرار الملكي الذي أوقف حظر قيادة السيارة على النساء قبل نحو عام من الآن، بات دليلاً تبرهن به السعوديات المطالبات بإنهاء الولاية على أن حلمهن ممكن.
وعينت السعودية في فبراير (شباط) الماضي، أول سفيرة في تاريخها، هي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، التي أصبحت سفيرة لبلادها لدى الولايات المتحدة. وتعتبر بنت بندر من أبرز المدافعات عن تمكين المرأة في السعودية، إذ أعلنت عام 2018، حينما كانت في منصب وكيل الهيئة العامة الرياضية للتخطيط والتطوير، رغبتها في إحداث تغييرات في نظام ولاية الرجل على المرأة، في لقاء تلفزيوني مع شبكة "سي أن أن" الأميركية. وأكدت أن "المرأة السعودية اليوم لا تحتاج إلى إذن من الرجل للعمل أو القيادة أو الدراسة". ولفتت بنت بندر إلى أن ثمة مناقشات تجري بين النساء في أروقة الحكومة ومجلس الشورى حول نظام الولاية، لكنها لا تعرف إطاراً زمنياً محدداً يمكن بتّ هذا الأمر خلاله.
فشل مؤسساتي أعاق القرار
وتتحدث السعوديات عن مفارقات في أداء مؤسستهن التشريعية (مجلس الشورى) التي يفترض بها أن تدافع عن حقوقهن وسياسات تمكينهن، إلا أن الذي حدث هو أن صانع القرار هو الذي يتدخل دائماً لصالحهن بعد سقوط التوصيات والقرارات التي تخدمهن تحت قبة الشورى، منذ انضمامهن إليها قبل عشر سنوات. وتشكل النساء ثلث أعضاء المجلس الذي يعين أعضاءه بمرسوم ملكي.
وبدأ مسلسل رفض التوصيات المتعلقة بالنساء، بإحباط محاولة تصعيد مقترح بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، إذ لم يسمح للعضوات الحديث عنها خلال أول سنة تم تعيينهن فيها. وسجلت لطيفة الشعلان ولبنى الأنصاري أول انسحاب من المجلس منذ إنشائه في تلك المناسبة بعد رفض حديثهن عن "الاهتمام بالاتفاقيات الدولية والمؤتمرات الدولية التي تُعنى بشؤون المرأة".
وبعد محاولات لتعديل نظام المرور، طالبت عضوتا الشورى لطيفة الشعلان وهيا المنيع بتعديل نظام وثائق السفر للسماح للمرأة باستخراج جواز سفر من دون موافقة الولي، ورفعت إقبال درندري توصية تطالب فيها وزارة الداخلية بالسماح للمرأة بالسفر كذلك، وكلا التوصيتين قوبلتا بالرفض.
لم تيأس العضوات بعد هذا الرفض، إذ قدمت لطيفة الشعلان وموضي الخلف توصية تطالب هيئة حقوق الإنسان بحصر أنظمة التمييز ضد المرأة وإلغاء شرط موافقة ولي الأمر، ولم تكن هذه التوصية أحسن حظاً من التوصيات السابقة.
كما حاولت إقبال درندري تقديم توصية بعدم تسجيل المتغيبات عن المنزل بأنهن هاربات لعدم تمكين المعنفين من استغلال هذا الموقف، لكن هذه التوصية لم ترض مجلس الشورى.
ورفضت توصية ممارسة الفتيات الرياضة في المدارس من المجلس أيضاً، إلا أن وزير التعليم أصدر في اليوم التالي قراراً بالسماح للفتيات بممارسة الرياضة في المدارس، قبل بضع سنوات.
حاجة وليس ترفاً
وأجمعت سعوديات تحدثن لـ"اندبندنت عربية" على أن حاجتهن إلى نزع الولاية لم تعد ترفاً حتى يتمكّنَّ من ممارسة دورهن الطبيعي، وأن كل الدلائل تشير إلى أن التغيرات قادمة في بلادهن، خصوصاً بعدما عملت السعودية على تمكين النساء للحصول على بطاقات هوية وطنية خاصة بهنّ، وإصدار بطاقات عائلية للمطلقات والأرامل تمكّن المرأة من القيام ببعض الشؤون الإدارية، من دون اشتراط اصطحاب أحد أقاربها الذكور ليُعرّف عنها في معاملاتها الرسمية.
وعلّقت هدى فيصل، وهي موظفة إدارية في قطاع التعليم بمدينة الخبر شرق السعودية، الكثير من الآمال على الإصلاحات السياسية والاجتماعية الجديدة في السعودية، قائلة "بعد طلاقي، عانيت الكثير من القوانين الصارمة التي منحت طليقي السيطرة على جوازات سفر أبنائي على الرغم من أنني كنت متكفلة مادياً بإعالتهم. وازداد الأمر سوءاً حين حُرمت ابنتي من التعليم لمدة عام لأن والدها رفض نقلها إلى منطقة إقامتي، حيث أعيش بعد انفصالي عنه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشددت فيصل على ضرورة سن قوانين تحمي حقوق المرأة وتمكنها، "خصوصاً المطلقات ومَن تجاوزن سن الأربعين، وإنهاء نظام ولاية الرجل الذي وضع في أيدي الذكور، الأب أو الأخ أو الزوج وحتى الأبناء، سلطة التحكم بجوانب كثيرة في حياة المرأة، إذ تحتاج النساء إلى موافقة أحد الأقرباء الذكور للانخراط في مؤتمرات خارجية أو لمغادرة البلاد من أجل الدراسة أو إجراء بعض المعاملات، مثل استئجار شقة ورفع دعاوى قانونية".
وبحسب نظام ولاية الرجل التمييزي ضد المرأة، تحتاج النساء من كل الأعمار إلى موافقة وصي ذكر مثل أب أو أخ أو زوج أو ابن لديه السلطة لاتخاذ مجموعة من القرارات الحساسة نيابة عنها، فتُلزَم النساء بالحصول على موافقة ولي الأمر لاستصدار جواز سفر أو السفر إلى الخارج أو الدراسة في الخارج بمنحة حكومية أو الزواج أو شراء وبيع العقارات أو الخروج من السجن أو حتى من المستشفى.
مريم عبد الله، إحدى نزيلات سجن النساء في المنطقة الشرقية، فقدت حريتها خلف أسوار السجن. وعلى الرغم من شعورها بالحرمان من الحرية ودفء الأهل، لا تزال تخشى انتهاء فترة حكمها وخروجها باشتراط موافقة ولي أمرها على استلامها للعودة إلى مواجهة الحياة الجديدة بعد سنوات السجن.
وأبدت المحامية والكاتبة السعودية بيان زهران ارتياحها لمعالجة بعض القوانين المفروضة على النساء السعوديات، خصوصاً في ما يتعلق بأحوال السجينات وقضايا العضل. وأكدت أن "إجراءات مغادرة السجن والخروج من مأوى ضحايا الإساءة، صارت لا تلزم بالحصول على موافقة ولي الأمر. أما زواج النساء، فهو أمر شرعي بحت لا بد فيه من موافقة ولي الأمر، وإن تعددت الآراء الفقهية المختلفة بشأنه. وفي حال تعسف الولي الذكر، فإنها تستطيع التقدم بدعوى عضل في محكمة الأحوال الشخصية. وإذا ثبُت عدم وجود أسباب تحول دون زواجها، يتولى القاضي هذا الأمر".
وتصف أكاديميات قانون إسقاط الولاية بأنه "تحرك نحو منح مزيد من الحقوق للمرأة"، تأكيداً لسعي السعودية إلى تمكين المرأة. وقالت البروفيسورة السعودية سامية العمودي، رئيسة وحدة التمكين الصحي والحقوق الصحية في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، "لا يُعقل أن أكون في الستين من عمري وأمثل بلدي في المحافل الدولية وأقوم بتوليد مئات النساء، وعند السفر أطلب من ابني تصريحاً. لذلك، عدّلت الدولة الأنظمة وتمكين المرأة من حقوقها الإنسانية، ونعيش هذه القفزات التاريخية في تمكين المرأة في التعاملات الصحية مثل حق المرأة في التوقيع على كل ما له علاقة بصحتها من تدخلات طبية أو جراحية. وهذا مكفول منذ عام 1984، لكنه لم يكن مفعلاً ولم يكن هناك الوعي الكافي بأن المرأة لا تحتاج إلى ولاية في صحتها".
العادات الاجتماعية كانت أكثر مرونة
كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ذكر في حواره مع مجلة "ذا أتلانتيك" أنه قبل عام 1979 كانت هناك عادات اجتماعية أكثر مرونة، ولم تكن هناك قوانين للولاية في السعودية. وأكد أنه لا يتحدث عن زمن بعيد، بل عن الستينيات، حين لم تكن النساء ملزمات بالسفر مع أوليائهن الذكور "ما دامت في صحبة آمنة".