Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يتبارز العرب حول الانتخابات التركية كأنها شأن داخلي؟

تشابكات أنقرة مع قضايا المنطقة "سلباً وإيجاباً" خلفت استقطاباً في الشارع العربي والآمال معقودة على تلاشي "السياسات التوسعية"

ملخص

أحدث التداخل التركي طوال السنوات الأخيرة في عديد من الملفات العربية حضوراً لأنقرة وشخص الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان في الشارع العربي "سلباً وإيجاباً"

على قدر احتدام المنافسة في الانتخابات الرئاسية التركية بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو زعيم المعارضة يتبارز كثير من العرب على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، غير آبهين بالتعبير عن انحيازاتهم لأحد الأطراف في صورة عكست تمدد الاستحقاق التركي خارج جغرافيا تلك الدولة الرابطة بين جنوب شرقي أوروبا والقارة الآسيوية.

وعلى مدار العقدين الأخيرين برز حضور الرئيس أردوغان الذي حكم بلاده (كرئيس حكومة، ثم رئيس للدولة)، منذ نحو 21 عاماً، على الساحة العربية، وصاحبت دوماً سياساته الداخلية والخارجية جدلاً بين مؤيدين ومنتقدين في الشارع العربي، لا سيما بعد أن زادت التحولات التي شهدتها المنطقة والتبعات التي خلفتها منذ عام 2011، من الاستقطاب حول السياسة التركية، المتداخلة في عديد من الملفات العربية، والساعية في بعض المحطات "إلى استعادة النفوذ العثماني القديم"، وفق توصيف البعض، إذ دعمت أنقرة تيارات الإسلام السياسي في الدول التي شهدت تحولات سياسية، و"راوغت" اقتصادياً وعسكرياً بملف اللاجئين، ودعمت واستضافت قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" التي يصنفها عدد من البلدان العربية "إرهابية"، فضلاً عن أن تجربتها الاقتصادية كانت مثار شد وجذب في الشارع العربي.

وأياً كان التباين والتجاذب في المتابعة العربية "غير الرسمية" لمسار الانتخابات التركية، فإنها تبقى حاسمة ومصيرية في مسيرة أردوغان الطامح في ولاية جديدة من 5 سنوات، لترسيخ حكمه الذي غير فيه ملامح تركيا، وأعاد تشكيل الدولة العلمانية التي تأسست منذ 100 عام لتلائم رؤيته المتدينة، وأحكم قبضته على السلطة فيما يعتبره المعارضون توجهاً نحو حكم سلطوي كمم فيه أفواه منتقديه وقوض الحقوق والحريات، وأخضع النظام القضائي لنفوذ السلطة التنفيذية، في المقابل وعد كليتشدار أوغلو، بـ"استعادة الديمقراطية" في بلاده.

تداخل قاد لاستقطاب

أحدث التداخل التركي طوال السنوات الأخيرة في عديد من الملفات العربية حضوراً لأنقرة وشخص الرئيس المنتهية ولايته أردوغان (69 سنة)، في الشارع العربي "سلباً وإيجاباً"، إذ تعاطى كثيرون، وفق ما تحدث به مراقبون عرب وأتراك لـ"اندبندنت عربية"، مع السياسات التركية، وكانت دوماً ما تلقى نقاشاً بين مؤيدين ومعارضين، لا سيما ملف اللاجئين السوريين، والتدخل العسكري في سوريا والعراق، والتدخل السياسي في الأزمة الليبية، فضلاً عن دعم جماعة "الإخوان المسلمين"، بعد ما يعرف بـ"الربيع العربي"، وكذلك العلاقة مع إسرائيل.

ويقول مدير المركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة هاني سليمان إنه "على رغم أن الاستحقاقات الانتخابية برلمانية كانت أو رئاسية تعد شأناً داخلياً خالصاً، فإنها في بعض البلدان تتسم بصبغة تتعدى حدود هذا البلد على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي"، موضحاً "يأتي ذلك الاهتمام نظراً إلى ما تمثله تلك الانتخابات من دلالات لها علاقه باعتبارات خاصة بالعلاقات الدولية والملفات والقضايا الشائكة إقليمياً ومستقبل التأزم أو الانفراج في بعضها، أو فيما يتعلق بتماسها بشكل أساسي مع مستقبل بعض الحركات أو التنظيمات أو مستقبل بعض المشاريع الأيديولوجية على مستوى العلاقات الدولية والنظم السياسية والفكر السياسي".

ويتابع سليمان "هذا الاهتمام العابر للحدود بالانتخابات الداخلية في إحدى الدول يظل قائماً بقدر ما تمثله الدولة من استثناء أو خصوصية معينة تنعكس سلباً أو إيجاباً على التطورات الجارية في الإقليم وعلى صعيد قضاياه، إذ تشكل الانتخابات دوماً اختباراً على مستقبل الحزب السياسي أو الحكومة، بالتالي يكون لها تأثيرها على سياسة الدولة الخارجية أو سياساتها الداخلية".

 

ويضيف سليمان "لم تكن الحالة التركية بعيدة عن هذا التوصيف، إذ تظل إحدى الدول المتداخلة في المشهد العربي، ويمكن فهم الاستقطاب العربي في شأن انتخابات الرئاسية من خلال مجموعة من الأسباب". وبرأي سليمان تلك الأسباب تتمثل في: "أولاً ما تمثله تركيا من امتداد لتاريخ الدولة العثمانية وإرثها المختلف عليه بالدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وثانياً أن النموذج السياسي التركي ممثلاً في الوقت الرهان في حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان المهيمن على السلطة منذ عام 2002 يبقى نموذجاً جدلياً في الشارع العربي استطاع أن يجذب مؤيديه ومعارضيه على حد سواء".

ويتابع "عامل آخر يتمثل في أن تجربة أردوغان وحزبه العدالة والتنمية في السلطة، مرتبطة بشكل أو أخر، بحركات الإسلام السياسي في المنطقة، لا سيما جماعة (الإخوان المسلمين)، ومستقبلها وحدود تفاعلها، بالتالي فإن ما تسفر عنه الانتخابات التركية يبقى مؤشراً يمكن القياس في شأنه حول مستقبل تلك الحركات والجماعات، صعوداً أو هبوطاً على المستوى العربي"، مضيفاً "في ظل تباين وجهات النظر وتعارض الرؤى بين سياسة أردوغان وتلك التي أعلن عن تطبيقها خصمه الرئيس زعيم المعارضة كليتشدار أوغلو، محل ترقب في ظل تأثيرات أنقرة على بعض القضايا العربية العالقة، كقضية اللاجئين السوريين، وفيما يتعلق بالوضع السياسي الداخلي في سوريا وليبيا، وحسابات وتوازنات القوى السياسية بهما، وأيضاً ملف غاز شرق المتوسط، وقضية الأكراد، وغيرها من الملفات".

وبينما انتهجت حكومة أردوغان سياسة أكثر ترحيباً باللاجئين السوريين الذين يتجاوز عددهم الـ3.4 مليون لاجئ، وفق تقديرات أممية، يتبنى منافسه كمال كليتشدار أوغلو خطاباً مناهضاً للمهاجرين في محاولة لتغيير مسار السباق الانتخابي، إذ تعاون أوغلو مع حزب قومي من اليمين المتطرف ووعد بإعادة جميع المهاجرين إلى أوطانهم في غضون عام مع انتشار ملصقات تحمل صوره في أنحاء المدن التركية مع تعهد بترحيل السوريين، وبات ملف المهاجرين العرب واللاجئين السوريين أحد أبرز الملفات المحركة لديناميكية الانتخابات الحالية.

في الاتجاه ذاته، يتفق رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات، مع رأي سليمان في شأن الأسباب التي عكست التفاعل والتجاذب العربي مع الانتخابات التركية، قائلاً إن "تركيا كانت جزء من تاريخ المنطقة الطويل، لأكثر من 400 عام، من خلال الدولة العثمانية، فضلاً عن أنها باتت متشابكة في السنوات الأخيرة مع ملفات المنطقة، والتي من الربيع العربي وما أحدثه من استقطابات في الشارع والوجود العسكري لأنقرة في الشمال السوري والعراقي، وقضية الأكراد المركزية بالنسبة لها، إضافة إلى تفاعل حكومة أردوغان بشكل شعبوي مع ملفات كالصراع العربي - الإسرائيلي والقضية الفلسطينية".

ويضيف شنيكات "على رغم التبدلات في المواقف التركية في بعض القضايا العربية خلال السنوات الأخيرة، فإن النبرة الشعوبية في تفاعلات حكومة أردوغان مع قضايا المنطقة كانت مسار اهتمام وتجاذب في الشارع العربي"، وهو ما يوضحه لنا المحلل السياسي التركي جواد غوك قائلاً إن "التجاذب العربي في شأن الاستحقاقات الانتخابية التركية وما سينتج عنها رد فعل طبيعي للتدخل التركي في الشؤون العربية"، موضحاً "في العالم العربي أصبح هناك جماعات وحركات موالية لأردوغان، لا سيما جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها (الإخوان المسلمون)، وفي المقابل، هناك حركات معارضة له، لا سيما الجماعات الليبرالية والعلمانية، وهو الأمر الذي يشبه حالة الاستقطاب الذي تعيشها تركيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتأتي الانتخابات التركية في عام تحتفل فيه البلاد بمئوية الجمهورية التركية. وتمثل الانتخابات أكبر اختبار لأردوغان حتى الآن. ويحظى الرئيس المنتهية ولايته بدعم قوي بين المحافظين والقوميين من أبناء القرى والطبقة العاملة. وتظهر استطلاعات رأي أن بإمكانه وبإمكان ائتلافه الحاكم الفوز بالانتخابات الرئاسية، غير أن استطلاعات رأي أخرى تظهر في الوقت نفسه أنه يأتي خلف مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو (74 سنة) الذي لن يتوانى عن محو سياساته الاقتصادية الخرقاء وغير التقليدية.

وهبطت شعبية أردوغان في السنوات القليلة الماضية تحت ضغط التراجعات التي شهدها سعر صرف الليرة واحتدام أزمة غلاء المعيشة نتيجة تمسكه بسياسته لخفض أسعار الفائدة على رغم التضخم المتفاقم، لكن مقاييس أخرى للازدهار الاقتصادي تظهر أن التراجع بدأ قبل ذلك، في عام 2013 تقريباً، الذي كان بمثابة نقطة التحول بعد عقد من النمو والرخاء المرتفعين تحت حكم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية، وفق ما تقول وكالة "رويترز".

فقد كان عام 2013، هو العام الذي فتحت فيه احتجاجات غير مسبوقة على مستوى البلاد ضد حكومته الباب على مصراعيه أمام قمع متواصل للحريات المدنية. وفي الوقت نفسه تركت التغيرات العالمية في أوضاع السيولة بالأسواق تركيا وغيرها من الأسواق الناشئة تكابد للحصول على تمويل. وبداية من ذاك العام، بدأ المستثمرون الأجانب في الإحجام عن الأصول التركية لينصرفوا في نهاية المطاف عن أسواق العملات الأجنبية والائتمان والديون التي تتحكم فيها الدولة بشكل كبير.

تجاذب بين مؤيد ومعارض

على مدار الأسابيع الأخيرة، كان لافتاً حجم التباين في وجهات النظر العربية المطروحة في شأن التعاطي مع الانتخابات التركية، تحليلاً وترقباً وتأييداً، سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل الإعلام، وذلك في وقت أرجع فيه كثيرون الزخم المحيط بالانتخابات التركية إلى شخصية الرئيس أردوغان المعقدة والمثيرة للجدل، فالرجل يحظى بشعبية ليست قليلة داخل وخارج تركيا، وهو في السلطة منذ أكثر من 21 عاماً. وبالنسبة إلى البعض، كان ولا يزال، أردوغان ونظام حكمه "نموذجاً ملهماً" استطاع أن يقوض العلمانية التركية، ويبعد "العسكر" عن المشهد السياسي، فضلاً عن قدرته عن بناء نظام اقتصادي رائد، في الأقل في السنوات الـ10 الأولى من حكمه، إضافة إلى تبنيه سياسة قريبة من الشعوب والمواطنين، على حد وصفهم. في المقابل، يرى آخرون أن الرئيس التركي "قضى" على الديمقراطية التركية، وكمم الأفواه، ووضع بلاده في مراكز متدنية على صعيد مؤشرات الحقوق والحريات وملاحقة الصحافيين وسجن النشطاء والمعارضين البارزين، إضافة إلى تدخلاته السلبية في قضايا المنطقة، والتي خلفت استقطاباً وتعقيداً للملفات، وهي أمور تتطلب "هزيمته في الانتخابات" ودعم السياسي المعارض كليتشدار أوغلو البالغ 74 سنة هو "منقذ الديمقراطية التركية" الذي يمكن أن يمحو آثار "الاستبداد والسلطوية" التي سادت البلاد على مدار عقدين، ويعود بتركيا إلى القيم الأتاتوركية، كما أنه يعد مؤيديه بمكافحة الفساد وترميم الأوضاع الاقتصادية.

وفي الوقت الذي يشيد فيه مؤيدو أردوغان بما يعتبرونه "حركة البناء والتشييد وتطوير الصناعات التي يقودها في تركيا"، وجهت له اتهامات عدة بالاستبداد، خصوصاً بعد أن حول تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ووجهت إليه أيضاً تهم بالفساد، وهو ما ركزت عليه وسائل إعلام عربية عديدة. في المقابل ينظر إليه من قبل البعض على أنه شخص شديد البراغماتية على استعداد لعقد الصفقات والتسويات من أجل تحقيق أهدافه.

وبجانب الاستقطاب حول سياسات أردوغان الخاصة بدعم التيارات الإسلامية في المنطقة، وعلى رأسها دعمه السابق لجماعة "الإخوان المسلمين" التي تصنفها دول عربية وخليجية عدة جماعة إرهابية، بدا التجاذب عربياً ظاهراً في شأن ملف المهاجرين واللاجئين السوريين على وجه الخصوص، إذا أدت الانتخابات والتحول المناهض للمهاجرين في السياسة التركية بالنسبة إلى السوريين، إلى إثارة حالة جديدة من الضبابية في شأن مستقبلهم، مما دفع كثيرين إلى التساؤل عما إذا كان سيتعين عليهم معاودة الكرة وبدء حياة جديدة مرة أخرى بعد فرارهم من حرب دامية في وطنهم.

 

وفي شأن هذا التباين غرد رئيس تحرير "البيت الخليجي للدراسات والنشر" عادل مرزوق قائلاً إنه "من المنطقي جداً أن يكون للدول العربية ولكل عربي (أو حتى مش عربي) موقف أو انحياز لمرشح من مرشحي الرئاسة في انتخابات تركيا"، بينما غرد الكاتب الإماراتي عبدالله النعيمي، قائلاً إن الانتخابات التركية لا تهمه "ولا أي انتخابات أخرى"، وإنه يتمنى "خسارة أي مرشح يحمل فكر (الإخوان) أو اليسار المتطرف".

وأياً كانت المواقف المسبقة من الانتخابات التركية، اتجه البعض للتعبير عن أمله في أن تقود نتائجها في النهاية "إلى منع التدخل التركي السلبي في القضايا العربية"، ووقف سياساتها التي يرى فيها البعض "توسعية"، فضلاً عن "تحاشي افتعال الخصومات المتكررة مع الدول العربية وانتهاج إلى لغة الحوار والعمل الدبلوماسي عوضاً عن التصعيد".

وللمرة الأولى في تاريخها اتجهت تركيا نحو جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية في أعقاب جولة أولى متنازع عليها، إذ لم يتمكن الرئيس أردوغان، ولا منافسه الرئيس زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو من تجاوز عقبة الـ50 في المئة.

وتحمل هذه الانتخابات أهمية قصوى، فهي تأتي مع إتمام أردوغان عامه العشرين في السلطة، وسط تضخم اقتصادي ونزاع حول السياسية الخارجية لأنقرة، وعلى وقع الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 6 فبراير (شباط) الماضي وأودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص.

وتقام جولة الإعادة في الانتخابات غداً الأحد 28 مايو (أيار) بعد أن حصل أردوغان في الجولة الأولى على نسبة 49.5 في المئة من الأصوات، بينما حصد منافسه الرئيس كليتشدار أوغلو نسبة 44.89 في المئة من الأصوات، بحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية. أما سنان أوغان، النائب السابق لليمين المتطرف، فحصل على 5.17 في المئة، مقابل نسبة ضئيلة لمحرم إنجه، الذي انسحب قبيل انطلاق الجولة الأولى، لكن لم يسنح وقت كافٍ لحذف اسمه من بطاقات الاقتراع، وحصل على نسبة 0.44 في المئة.

وكان لافتاً وصول نسبة المشاركين في الاقتراع على المستوى الداخلي إلى 88.84 في المئة، إذ صوت 53 مليوناً و993 ألفاً و355 مقترعاً، وجاءت أصوات 52 مليوناً و972 و392 منهم صحيحة. أما المغتربون، فصوت منهم مليون و768 ألفاً و90 شخصاً، بنسبة 53.20 في المئة.

المزيد من الشرق الأوسط