في صباح يوم ربيعي من أيام مارس (آذار) هذا العام، تعرضت لاعتداء جنسي وأنا في طريقي إلى العمل.
لم أكن أعتقد بتاتاً أن ذلك سيحدث لي، وإذا كانت الفكرة قد خطرت في بالي على الإطلاق، فإنني تخيلت دائماً أنني سأكون واحدة من تلك النساء الشجاعات اللواتي سيدافعن عن أنفسهن ويفضحن المعتدي على الملأ.
لكن، لم تسر الأمور على هذا المنوال. على العكس، أصبت بالذهول، وتسمّرت في مكاني وانعقد لساني. انتابني شعور بالضعف والإخفاق قبل أن يتحول إلى غضب من نفسي لأنني لم أستجب للاعتداء بالطريقة التي اعتقدت دائماً أنني سأتعامل بها مع موقف كهذا. على الرغم من أنني كنت في الماضي، وحتى لحظة الحادثة، غير مبالية بالذكورية السامة.
لو تجرأت على العودة بذاكرتي إلى الوراء، لشعرت أنه من الممكن القول إنني كنت دائماً منبوذة معظم حياتي. كنت من أولئك الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في تكوين الصداقات، وحتى الآن فإن مهاراتي الاجتماعية ليست مصقولة تماماً، رغم أنني في أوائل العشرينات من عمري، ولطالما كنت إنسانة عاطفية نسبياً.
ذات مرة، واجهت معلّمتي في المدرسة الابتدائية والدتي حول هذا الموضوع في الصف الدراسي، قائلة لها إنني كنت "فتاة مفرطة الحساسية"، و الطريف في الأمر أنني تجاوبت مع الموقف بالإجهاش بالبكاء. أنا أعتقد أن الضعف لعب دوراً في جعلي هدفاً سهلاً لتلقي التحيز الجنسي وتقبله وما يرافقه من تقليل من قيمة المرأة.
كانت قبلتي الأولى مع صبي يدعى بن في المرحلة الابتدائية. كنا نغيظ بعضنا البعض بتبادل القبلات بين الشجيرات في باحة المدرسة. لم يكن الأمر عادةً أكثر من ملامسة الشفاه، إلى أن حاول بن في يوم من الأيام تقبيلي "قبلة الكبار" ، أو قبلة فرنسية ، الأمر الذي تركني في حالة ذهول كطفلة بعمر ثماني سنوات. كانت ردة فعله أن وافقني الرأي بسرعة على أننا لا نستطيع التقبيل بهذه الطريقة لأنه "يُسمح للبالغين فقط أن يقبّلوا هكذا". مسألة إعطاء الإذن كانت موضوعاً لم أكن أفهمه أو حتى أستخدمه في كلامي عندما كنت في تلك السن، وبالتالي، فإن سلوك بن شجعني فقط على الاعتقاد بأن ما فعله هو السلوك النموذجي للصبيان. الرجال هم المسؤولون، والنساء يتبعْنَهم.
في وقت لاحق خلال المرحلة الثانوية، كنت أتعرض للتنمر كثيراً، لكنني لحسن الحظ كنت أدير له ظهري دائماً. كنت تلميذة هادئة، محنيّة الرأس ترّكز على دراستها، الأمر الذي كان حينها آخر شيء يثير الصبيان الذين يفيضون بهرمونات المراهقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أتذكر أنني كنت في كثير من الأحيان أجلس في مقدمة الصف خلال حصة العلوم على أحد تلك المقاعد الخشبية التي توجد فيها فتحة في الظهر. وكان الصبيان الجالسون خلفي يحبّون مد أقدامهم محاولين استخدام أصابعها للعبث بملابسي الداخلية من تحت تنورتي. كانوا يضحكون، ومرة أخرى، لم أقل أو أفعل شيئاً يُذكر على الإطلاق.
عندما أصبحت صبية مراهقة، أنفقت وقتي على المواعدة الغرامية عبر الإنترنت من خلال تطبيقات مختلفة كنت أحمّلها على هاتفي. كنت أتصفح الملفات باستمرار، وأقبل معظم المتودّدين بمجرد ظهورهم على الشاشة، وعلى الرغم من الحقيقة الفجة أن العديد من هؤلاء الرجال كانوا يقولون لي في كثير من الأحيان إنني لست مميزة، لكن مازلت لديهم الرغبة في ممارسة الجنس معي. الأشخاص الذين لم يكونوا صريحين جداً، كانوا الأسوأ، إذ جعلوني أعتقد أن نظرتهم نحوي أفضل مما كانت عليه بالواقع، قبل أن تبدأ محاولات التضليل والتلاعب.
على الرغم من أن كل هذه التجارب جعلتني أشعر بالحزن والغضب في بعض الأحيان، كنت أشعر أنني قادرة على تجاهلها بسهولة شديدة مقارنةً بالاعتداء الذي وقع في القطار. لقد كبرت مع الاعتقاد بأن الرجال يقومون بالأفعال والنساء كن وينبغي عليهن أن يخضعن لها. خلال نشأتي، كنت أعشق أفلاماً مثل ’سيدتي الجميلة’ لـ أودري هيبورن و ريكس هاريسون، الذي كان البطل الرئيسي فيه، هنري هيغنز، يتحدث بازدراء مع إليزا دوليتل، ويعاملها وكأنها قمامة، إذا كنا لنصف اسلوبه بصراحة . ومع ذلك، فقد رجعت الفتاة إلى البطل، والمفروض أنها عاشت معه في سعادة دائمة. وبدل أن أدرك حقيقة تلك العلاقة، لم أعتقد فقط أنها تجسّد الحب الحقيقي، لكنني اعتبرتها سلوكاً مقبولاً أيضاً.
عندما صرت شابة ناضجة ، اتسعت مداركي حول الثقافة والمجتمع والأدوار بين الرجل والمرأة. لا أستطيع النظر إلى تلك الأفلام بالطريقة ذاتها، ولا يمكنني تجاهل الذكورية السامة بالسهولة نفسها مثلما كنت أفعل في طفولتي، ولا بالتهاون نفسه الذي كنت أبديه قبل الاعتداء.
لقد انزعجت وغضبت جداً من نفسي لأنني تعرضت للاعتداء، وهو أمر بتّ أدرك الآن أنه لم يكن خطأي، لكنني شعرت بالغضب أيضاً لأن بإمكان الرجال أن يُفلتوا من العقاب لارتكابهم اعتداءاً ضارياً من هذا النوع ضد النساء. لم أفهم لماذا سمحت لنفسي أن أتقبل بسذاجة هذا السلوك معظم حياتي. لكنني أعرف الآن، فوسائل الإعلام التي كنت أتابعها والكتب التي قرأتها وأنا أكبُر غذّت فيّ باستمرار فكرة أن كل تلك الأفعال كانت مقبولة.
تنطلق الذكورية السامة من المرحلة التأسيسية، إنها تبدأ في الطفولة بتأييد من الآباء أو أفراد الأسرة أو أصدقاء المدرسة، الذي يستطيعون جميعاً لعب دور في السماح للذكورية بالاستمرار دون رادع. رغم أنني رأيت هذا السلوك منذ سن مبكرة، لكن لم يخطر لي انه خاطئ حتى لحظة الاعتداء تلك التي فتّحت عينيّ على الحقيقة. من يعرف كم عدد الأشخاص، بالغين كانوا أم أطفالاً، ممن لا يعرفون حقيقة هذا السلوك؟
إذا كان ينبغي تغيير أي شيء من أجل الأجيال المقبلة، فيجب تعليم الجميع، بغض النظر عن النوع أو الجنس، أهمية الاحترام والحدود. إن لم يحدث تحول كبير، فقد يكون المستقبل أقل تقدماً بكثير من المستوى الذي نحن بحاجة إليه.
© The Independent