Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قمة جدة: مسمار أخير في نعش "فوضى الشارع"

عودة دمشق و"طي صفحة الماضي" يتصدران العناوين

الصورة الجماعية لقادة الدول العربية في قمة جدة (أ.ف.ب)

ملخص

عودة دمشق و"طي صفحة الماضي" تصدرا عناوين القمة العربية في جدة كدلالة على فشل الانتفاضات التي جرت في بعض الدول

لم تكن القمة العربية المنعقدة أخيراً في جدة السعودية مجرد موعد لمناقشة ظروف الواقع وتحديات المستقبل، بل ربما تقرأ باعتبارها لحظة فارقة بين حقبتين: ما يسمى "الربيع العربي" وما بعده.

اجتاحت انتفاضات الشارع البلدان العربية في أواخر عام 2010، بدءاً من تونس ووصولاً إلى مصر وليبيا واليمن ودول أخرى طاولها شرر التظاهرات. وعلى رغم أن هذه الدول ما زالت تكتوي بنيران الفوضى التي أعقبت تلك الثورات فإنها دخلت لاحقاً مراحل انتقالية متعددة، كما لو أن صفحة "الربيع" طويت.

لكن الواقع كان يقول شيئاً آخر، فسوريا التي تعد من أوائل الدول المتأثرة بتظاهرات "الربيع العربي" كان ولا يزال الوضع فيها معلقاً وغامضاً في ظل فشل المعارضة، وصمود نظامها الحاكم الذي رمى كل أوراقه في صراع للبقاء زادته التدخلات الروسية والإيرانية تعقيداً، ولم تكف العقوبات الغربية لإنهائه.

إلا أنه وبعد أكثر من عقد على وصول الأزمة السورية إلى أفق مسدود، عاكست القمة العربية الأخيرة في جدة تقليد سابقاتها في تكريس الوضع السوري الراهن، فبدلاً من تجاهل عودة دمشق للجامعة العربية، دفعت اجتماعات القمة الوزارية نحو المصالحة مع الحكومة السورية، وهو ما اعتبره مراقبون علامة أخرى على فشل ثورات "الربيع العربي"، وخطوة نحو تهدئة التوترات التي عصفت بالمنطقة منذ اندلاع شرارة التظاهرات في أواخر 2010.

وجاءت التطورات العربية الأخيرة وسط التصور الدارج في المنطقة حول انكفاء واشنطن ورغبتها في تقليص انغماسها في مشكلات المنطقة الذي قد يكون على حساب قضايا استراتيجية أكثر أهمية لها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"طي صفحة الماضي"

في حين وضعت قمة جدة حداً لعزلة سوريا، آخر ملفات "الربيع العربي" العالقة، حملت خطابات القادة تطلعاً إلى المستقبل عبرت عنه كلمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي أشار فيها إلى فتح صفحة جديدة من التعاون العربي، ورفض تحويل المنطقة إلى ميدان للصراعات، قائلاً "يكفينا مع طي صفحة الماضي تذكر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة، وعانتها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية".

يقول رئيس برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إن عودة دمشق للجامعة العربية وإن كانت "رمزية"، إلا أنها تدل على "فشل الربيع العربي"، في تحقيق الحرية في المنطقة. ومع ذلك، يطرح ليستر رؤية يعارضها آخرون ممن ينتقدون عزلة سوريا ويعتبرونها غير مستدامة، نظراً إلى استمرار معاناة الشعب السوري المهجر من دون حل يعيد لهم الأمل، فهو يرى أن إنهاء عزلة حكومة بشار الأسد قبل الحصول على تنازلات ملموسة منه قرار "خاطئ".

وترى مروة مزيد أستاذة العلاقات الدولية بجامعة ميريلاند الأميركية أن عودة دمشق للجامعة العربية "طوت تلك الحقبة المليئة باستراتيجيات قاصرة لم ترَ كل السيناريوهات في سوريا"، لافتة إلى أن السعودية اتجهت للتعامل مع سوريا بشكل واقعي ينهي الصراع داخلها، وهذا ما أرادته منذ 2014 وليس اليوم فقط، على حد قولها، مضيفة بأن الخطوة الأخيرة تهدف إلى "تقليل التدخلات الخارجية الداعمة للمعارضة أو جماعات مسلحة والتعامل مع الدولة السورية بهدف وقف الحرب والعنف والتركيز على إعادة البناء والاقتصاد والهدوء السياسي".

وقالت الباحثة الأميركية إن "الإدارات الأميركية قد تدرك مع الوقت أن سياساتها الحالية تجاه سوريا بالية، ويجدر بها أن تدرك أنه ربما من الأفضل أن ترفع العقوبات لبدء الإعمار والتنشيط الاقتصادي ومجابهة تهريب المخدرات، وتحقيق ما يريده معظم شركاء الولايات المتحدة وعلى رأسهم السعودية ومصر والأردن".

وعلى رغم أن السياسة الأميركية الرسمية معارضة للتطبيع العربي مع دمشق، فإن مزيد ترى آفاقاً لـ"حلحلة الموقف"، ومنها ما قد يفرضه "اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل الذي يتطلب إمداد لبنان بالغاز المصري، وهو أمر يجب أن يتم بالتنسيق مع سوريا".

من جانبه، أشار الباحث السعودي في جامعة لانكستر البريطانية إياد الرفاعي إلى أن ما تحتاج إليه المنطقة بدولها وشعوبها هو "طي صفحة الماضي السيئ المليء بالانقسامات والصراعات وفتح صفحة جديدة عنوانها التعاون، الذي يقود إلى تكامل إقليمي بخاصة في الجوانب الاقتصادية بغض النظر عن الاختلافات السياسية أو الفكرية".

وقال الرفاعي إن قمة جدة "ترسخ سياسات تصفير المشكلات الإقليمية التي قادتها السعودية في العامين الماضيين بهدف إخراج المنطقة من فصل النزاعات والصراعات الأمنية المطعمة أيديولوجياً التي استعرت بعد عام 2011، لكنها بدأت بالفعل منذ احتلال العراق في 2003 وإخراج العفريت الطائفي من قمقمه".

وعلق على المصالحات السعودية مع قطر وتركيا وإيران وأخيراً قيادتها جهود إعادة سوريا إلى مقعدها العربي، قائلاً إن "المنطقة بقيادة الرياض قد تخطت فصلاً من أسوأ فصولها السياسية"، لافتاً إلى أن "السلام لن يأتي بنصر طرف على الآخر، بل يجب أن يترسخ بتسويات داخلية خارجة عن منطق التنافسية الصفرية التي يأخذ المنتصر فيها كل شيء في كل مناطق الصراع العربية".

السياسة الأميركية "ذات وجهين"

في خضم التطورات العربية الأخيرة بدت واشنطن التي وضعت بصمتها في مشهد المنطقة قبل أكثر من عقد بدعمها ثورات "الربيع العربي" من تونس وليبيا إلى مصر، شبه غائبة عن قمة جدة التي أعلنت "طي صفحة الماضي"، وأعادت سوريا إلى مقعدها العربي.

ويتزامن الغياب الأميركي مع قيادة دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية قطار المصالحات الإقليمية بنفسها، فالرياض توصلت أخيراً إلى اتفاق لاستئناف العلاقات مع إيران، وتقود مع عمان محادثات مستمرة لإنهاء الحرب المشتعلة في اليمن منذ ثماني سنوات.

وفي ضوء هذه التحولات، يقرأ رئيس برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط عودة دمشق باعتبارها نتيجة لعاملين مترابطين هما موجة خفض التصعيد الإقليمي، والتصور بأن الولايات المتحدة قد فقدت اهتمامها بالانخراط الجدي في قضايا المنطقة، ولذلك ليس مستغرباً أن تقوم السعودية ودول أخرى بدور الوساطة بنفسها، على حد قوله، إلا أنه يعتبر خفض التصعيد بهذه الوتيرة "تجاهلاً لدوافع عدم الاستقرار المتجذرة".

وعن الموقف الأميركي من إنهاء عزلة سوريا وما إذا كانت واشنطن تدعمها في الخفاء، قال الباحث الأميركي إن "إدارة بايدن تتبع سياسة ذات وجهين تجاه سوريا، فمسؤولو الشرق الأوسط في البيت الأبيض يؤيدون ضمنياً تعامل دول الإقليم مع الأسد سراً، بينما تؤكد وزارة الخارجية في العلن سياسة العزلة الطويلة الأمد". وأضاف "من الصعب أن نقول إلى أي مدى يمثل الأول في الواقع آراء الرئيس، لكن رغبته المعروفة على نطاق واسع والمتمثلة في عدم الانشغال بأزمات الشرق الأوسط مثل سوريا قد أتاحت المجال لكبار المسؤولين تجربة أساليب جديدة، من دون التأثير في السياسة الأميركية بشكل مباشر".

شكوك حول التزام سوريا

على رغم التفاؤل العربي فإن ليستر يشكك في جدوى إنهاء عزلة الحكومة السورية قائلاً إن الأسد في نهاية المطاف لن يضع حداً لتجارة "الكبتاغون" التي لا يمكن أن ينافس مصدر دخل آخر أرباحها، فحتى وإن خفف وتيرتها، إلا أن النمط المتمثل في "تسليح عائلة الأسد الجهاديين في الماضي" يدل على أن "المخدرات هي الأداة الجديدة للإكراه الإقليمي"، على حد وصفه.

ومع ذلك كان لافتاً أن الدول العربية التي دفعت نحو إنهاء العزلة السورية بدت جادة في محاربة تجارة المخدرات المزدهرة في سوريا، حتى في خضم جهودها المتسارعة لاستئناف العلاقة مع حكومة الأسد.

على سبيل المثال، نفذ الأردن بحسب معلومات نشرتها "اندبندنت عربية" في العاشر من مايو (أيار) الجاري، عملية عسكرية استهدفت معملاً لتصنيع "الكبتاغون"، وأحد أبرز المسؤولين عن تهريب المخدرات في سوريا. وجاءت الضربة بعد يوم من قبول عودة دمشق إلى الجامعة العربية. وعلى رغم أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لم يؤكد مسؤولية بلاده عن الغارة، فإنه هدد في وقت سابق بعملية داخل الأراضي السورية في حال فشلت سوريا بالإيفاء بتعهداتها بوقف تدفق المخدرات نحو دول المنطقة.

السعودية من جهتها تسعى إلى كبح عمليات تهريب المخدرات وتقود منذ أسابيع حملة محلية شرسة لمكافحة الاتجار بها، إلا أن التحدي أمام هذه الجهود يتمثل في العمليات العابرة للحدود التي تبدأ من دول مثل سوريا، إذ تشير تقديرات الحكومة البريطانية إلى أن 80 في المئة من إنتاج "الكبتاغون" في العالم يصدر منها.

ولذلك، لم يكن مستغرباً أن تكون قضية تهريب المخدرات في طليعة الملفات التي ناقشها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره السوري فيصل المقداد، خلال محادثاتهما في جدة التي سبقت استئناف العلاقات بين البلدين بنحو شهر، إذ أكد الجانبان وفق بيان صحافي مشترك في ختام زيارة الوزير السوري للسعودية في أبريل (نيسان) الماضي "تعزيز التعاون في شأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها".

المزيد من تقارير