Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعيد "قمة جدة" المكانة لمؤسسة الدولة على حساب شعبوية الشارع؟

يرى مراقبون أن عودة سوريا إلى الجامعة هزيمة لما يعرف بـ"مشروع الإسلام السياسي" الذي حاول أن يهيمن على المشهد العربي

الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب قبل القمة الثانية والثلاثين لجامعة الدول العربية في جدة (أ ف ب)

ملخص

العودة السورية إلى البيت العربي لا تمثل نهاية حقبة الثورات العربية فحسب بل بداية النهاية للإسلام السياسي الذي فشل في تونس ومصر وسوريا وليبيا

بين قرار ممهور بالرقم 7438 في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2011، نصّ على تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية والمطالبة بـ"سحب سفراء الدول العربية من دمشق، فضلاً عن توقيع عقوبات اقتصادية وسياسية عليها"، على خلفية تعاطي النظام مع الاحتجاجات بـ"قمع دام"، وآخر حمل الرقم 8914 في مايو (آيار) الجاري، ونص على "استئناف مشاركة وفود حكومة سوريا" في اجتماعات الجامعة، تأتي مشاركة دمشق رسمياً في القمة العربية رقم 32 بجدة، بعد غياب دام 12 عاماً، وسط تساؤلات وتباين لدى المراقبين والمتابعين للتطورات العربية في شأن تبعات الخطوة على أزمة لطالما كانت مثار تجاذبات وتدخلات إقليمية ودولية عمّقت من تعقيداتها وخلفت تحديات إنسانية "غير مسبوقة".

وكما كان قرار تعليق العضوية في الجامعة العربية، جاء قرار استئناف المشاركة، حاملاً في طياته تبايناً في المواقف العربية الرسمية وغير الرسمية، إذ أبقت دول أعضاء على التمسك بموقفها الرافض لـ"عدم تغير الظروف" التي استدعت تعليق عضوية دمشق، فيما رأت أخرى أن في إعادة دمج نظام الرئيس السوري بشار الأسد في محيطه، من شأنه حلحلة الأزمة على الأصعدة الإنسانية والسياسية والاقتصادية، وصولاً لـ"حلول عربية للأزمات العربية"، وذلك في وقت اعتبرت سوريا الخطوة أنها "تصب في مصلحة كل الدول العربية، وفي مصلحة تحقيق الاستقرار والأمن والازدهار لشعوبها"، وتأتي في إطار "التفاعلات الإيجابية التي تجري حالياً في المنطقة".

وعلقت جامعة الدول العربية عضوية دمشق في نوفمبر 2011، بموافقة 18 دولة، واعترضت ثلاث دول هي سوريا ولبنان واليمن، وامتنع العراق عن التصويت وقتها، وخلال القمة العربية في الدوحة عام 2013، شارك، ولمرة واحدة فقط، وفد من الائتلاف السوري المعارض بوصفه "ممثلاً" عن الشعب السوري.


هل العودة السورية ضرورة عربية؟

على وقع التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، وما عده البعض "تداعيات سلبية للغياب العربي عن أزمات المنطقة" مقابل توسع في أدوار الأطراف غير العربية، يجمع أغلب المراقبين ممن تحدثت لهم "اندبندنت عربية" على أهمية استعادة الدور العربي في أزماته صوناً لأمنه ومصالحه القومية، وإن اختلفوا في الآليات والوسائل التي تقود لهذا الهدف.

وفي رأي هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة، فإن، "عودة سوريا ضرورة عربية نظراً لسنوات التصدع والاغتراب التي عكستها حالة العمل العربي من خلال التعاطي مع عديد من الأزمات والتحديات، التي أحدثت فجوة كبيرة ما زالت آثارها ممتدة حتى هذه اللحظة". مضيفاً "الغياب العربي عن الأزمة السورية، أحيا تصدعاً في الجسد العربي، عكسه اختلاف مقومات التعامل مع هذه الأزمة وما خلفه من استقطاب وخلق أجنحة متضادة داخل العمق والمكون العربي".

وأشار سليمان كذلك إلى أهمية "قراءة عودة سوريا في إطار تطورات المشهد العربي والإقليمي العام، الذي كان من أبرز مظاهره الأخيرة ذلك التقارب السعودي - الإيراني، واستئناف العلاقات في ما بينهما بعد سنوات من القطيعة، وتطورات الوضع الميداني الداخلي في سوريا، وكذلك تنامي مؤشرات أهمية استعادة الدور العربي في سوريا والعمل على إيجاد حلول عربية للأزمات العربية".

في الاتجاه ذاته، يرى علاء الخطيب، رئيس تحرير صحيفة "المستقل" العراقية، أن "عودة سوريا للحضن العربي تمثل بداية النهاية لحقبة صعبة في تاريخ الوطن العربي، اتسمت بالعنف والإرهاب، والاحتقان السياسي، والدخول في مرحلة جديدة من عمر الدولة السورية والمصالحة الوطنية برعاية عربية وهذا ما تحتاجه دمشق في المرحلة الراهنة".

ويضيف الخطيب، "في سياق التطورات الإقليمية والدولية، تبرز كذلك أهمية عودة سوريا إلى العمق العربي، إذ تتزامن الخطوة وإعادة صياغة عربية لشكل تحركاتها، في ظل ظهور اللاعب الصيني كمحور سياسي مهم في منطقة الشرق الاوسط  بعد التقارب السعودي  الإيراني، وتراجع الدور الأميركي، والصراع الروسي الأوكراني الذي يلقي بظلاله على العالم بأسره، وهي كلها عوامل قادت لأن تكون العودة السورية عربياً ضرورة وليست خياراً".

وبينما يجادل، خالد شنيكات، رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، بأن عودة سوريا للجامعة العربية "مجرد خطوة في طريق طويل من الجهد العربي المطلوب لمحاولة الدخول والولوج لسوريا ودعمها لتكون جزءاً من العمل العربي المشترك، بعد أن سمح الغياب العربي لأطراف إقليمية غير عربية ودولية بملء تلك الفراغات"، يقول عاطف سعداوي، مدير تحرير مجلة "الديمقراطية" الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، "رغم التباين حول الخطوة وانعكاسها على تعقيدات الملف السوري، إلا أنها تبقى ضرورة عربية على الأقل للحفاظ على ما تبقى من أشكال العمل العربي المشترك، وما تبقى من هيبة مؤسسات العمل العربي المشترك وتحديداً الجامعة العربية"، مشيراً إلى أن "قرار تعليق عضوية ربما كان انفعالياً في توقيته، وعليه فإن عودة سوريا تأخرت وإن غيابها طوال تلك الفترة لم يكن متسقاً مع تطورات الأحداث التي تمت".

ويمضي سعداوي، قائلاً "تنبع أهمية عودة سوريا كذلك للبيت العربي، من فشل تجارب الغياب العربي السابقة عن الأزمات العربية وارتداد التبعات بالسلب على المصالح العربية، كما حدث في العراق مع الغزو الأميركي في عام 2003 وما تلاه من أحداث، ما سمح بملء قوى إقليمية غير عربية للفراغات التي خلفها غياب الدور العربي".

وبدأت مؤشرات الانفتاح العربي على سوريا في وقت مبكر من عام 2018، مع عودة بعض الدول العربية إعادة فتح سفاراتها في دمشق، وإن كانت بطيئة، غير أن الزلزال الأخير الذي ضربها وتركيا المجاورة في فبراير (شباط) الماضي، سرّع من وتيرة الانفتاح العربي، إذ تهاتف الرئيس السوري بشار الأسد مع عدد من القادة العرب، وتبادلت دمشق وعدد كبير من العواصم العربية الزيارات في الأشهر الأخيرة، كذلك زار الأسد في مارس (آذار) الماضي، الإمارات وسلطنة عمان.

لكن ما كان لافتاً، الموقف القطري المعلن من استعادة العلاقات مع سوريا، إذ أعلنت وزارة الخارجية القطرية في أعقاب قرار الجامعة العربية باستعادة دمشق لمقعدها في المؤسسة الإقليمية، أن "موقفها من التطبيع مع النظام السوري لن يتغير"، مشددة على أن "قرارها بالتطبيع يرتبط بالتقدم السياسي في تحقيق تطلعات الشعب السوري".

ووفق الخارجية القطرية فإنه، مع أن الدوحة لن تكون "عائقاً" أمام الخطوة التي اتخذتها الجامعة العربية، إلا أنها دعت نظام الرئيس بشار الأسد بـ"معالجة جذور الأزمة التي أدت إلى مقاطعته، وأن يعمل على اتخاذ خطوات إيجابية تجاه معالجة قضايا الشعب السوري".

هل من حلحلة سورية مرتقبة؟

بحسب ما جاء في البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ في السابع من مايو الجاري، الذي أقروا خلاله بعودة شغل سوريا لمقعدها، دعا المجتمعون "إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج في حل الأزمة وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 (صدر عام 2015 ونص على خريطة طريق للانتقال السياسي) بمواصلة الجهود التي تتيح توصيل المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين في سوريا".

وطالب أيضاً، بتشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام للجامعة، لمتابعة تنفيذ اتفاق عمّان، والاستمرار بالحوار المباشر مع دمشق للتوصل إلى حل شامل للأزمة يعالج جميع تبعاتها وانعكاساتها بما يشمل أزمات اللجوء و"الإرهاب" وتهريب المخدرات الذي يعد أحد أكبر مصادر القلق بالنسبة إلى دول خليجية باتت سوقاً رئيسة لحبوب الكبتاغون المصنعة بشكل رئيس في سوريا.

لكن أمام تعقد وتشابك ملفات الأزمة السورية، الإنسانية والسياسية والأمنية والاقتصادية، مع هيمنة أطراف على المشهد، من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة التي تنشر قوات في سوريا دعماً للمقاتلين الأكراد، وتركيا التي تسيطر على مناطق حدودية، يقلل المراقبون ممن تحدثت إليهم "اندبندنت عربية" في انعكاس الخطوة العربية على حلحلة الأزمة السورية التي تحولت إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول، عاطف سعداوي، مدير تحرير مجلة "الديمقراطية" الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "لست متفائلاً بالقدر الكبير، في أن تقود عودة سوريا إلى الجامعة العربية لدور عربي أكثر فاعلية في المشهد"، مضيفاً "ينبع عدم التفاؤل بالأساس من عدم قدرة الجامعة العربية على التعاطي بالشكل المطلوب مع الأزمات الصغيرة في المنطقة، فما بالك بتعقيدات الملف السوري الذي أصبح أكبر من قدرة الجامعة بطريقة عملها الحالي أن تلعب فيه دوراً إيجابياً للإسهام في حلحلته".

وبحسب سعداوي فإن "أي تطور في سياق الدور العربي في الملف السوري سيكون متروكاً لتطور العلاقات العربية الثنائية مع دمشق"، وتابع "للأسف خرجت سوريا من الدائرة العربية منذ سنوات".

في الاتجاه ذاته، يقول، خالد شنيكات، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية، "الحديث عن أي دور عربي فاعل مرتقب في المشهد السوري قد يكون فات أوانه، لا سيما في ظل استقرار الأمور لكثير من المشاريع الخارجية المتضاربة والمتضادة كما الحال بالنسبة إلى روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية"، ما يعني، وفق شنيكات، أن "دوراً عربياً في ظل تعقد المشهد بشكله الراهن قد يكون تجاوزته الأحداث".

في المقابل، ووفق هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة، فإن "عودة سوريا بمثابة إعلان عن التئام هذا الجرح حتى ولو لم يكن بشكل كامل وفعلي، لكنه يبقى في أقل تقدير مساحة مهمة يمكن البناء عليها، وبداية لاستعادة سوريا نحو العمق العربي في صراع الاستقطاب الإقليمي من الأطراف غير العربية". معتبراً أنها "تشكل إحياء لفكرة ومضامين المشروع القومي العربي مرة أخرى".

ويتابع "بالتأكيد هناك عديد من الأصوات التي تتحفظ نوعاً ما على هذه العودة إما بسبب وجود اختلاف في المواقف أو اصطدام حول ملفات وقضايا بعينها، لكن في النهاية لكي تتبلور وتكتمل هذه العودة، يجب أن تنطلق من مقاربات جادة لمعالجة الملفات التي خلفتها الأزمة، ومنها النفوذ الإيراني في الداخل السوري ومصير الميليشيات الموالية له، وتواجد القوات الأجنبية سواء الروسية أو الأميركية أو التركية أو غيرها، علاوة على قضايا مثل مشكلات اللاجئين والتغيير الديموغرافي على الأرض وقضايا الإرهاب، مع عدم إغفال الدفع باتجاه العملية السياسية والتوافق بين الحكومة والمعارضة، ما يعني المضي في بناء استراتيجية عربية متكاملة لإخراج سوريا من محنتها".

من جانبه، ووفق تقديرات باحث عربي بالجامعة العربية، فإن "دوراً عربياً فاعلاً في الأزمة السورية تبقى له فرصة وتأثير إيجابي في المشهد، إذا ما أحسنت الدول العربية استغلال الخطوة، عبر انتهاج استراتيجية واضحة وبناءة في الإطار العربي لما بعد مشاركة سوريا في القمة الحالية بجدة"، معتبراً "أن مثل هذا التحرك سيعود بالضرورة على استعادة الدول العربية لمكانتها الإقليمية التي تراجعت بشدة خلال العقد الماضي لصالح مشاريع إقليمية لدول أخرى مثل تركيا وإيران". مشيراً إلى أن "استمرار تباين المواقف الرسمية بين بعض الدول العربية في التعاطي مع النظام السوري يؤثر في أي دور عربي مستقبلي في الأزمة، ويقلل من أي فاعلية مرتقبة".

وبعد عودتها إلى الجامعة العربية، أعلنت الخارجية السورية "أهمية الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجهها الدول العربية"، مضيفةً أن "المرحلة المقبلة تتطلب نهجاً عربياً فاعلاً على الصعيدين الثنائي والجماعي، على قاعدة الحوار والاحترام والمصالح المشتركة". وتابعت أن "سوريا، العضو المؤسس لجامعة الدول العربية، تجدد موقفها المستمر بضرورة تعزيز العمل والتعاون العربي المشترك".

العودة و"الثورة السورية"؟

من بين تلك الانتقادات التي طالت ما سمّاه البعض "إعادة دمج نظام الأسد" في النظام العربي، بعد سنوات من القمع الدامي للاحتجاجات التي خرجت على حكمه، ما أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص وشرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بحسب تقديرات أممية، كانت تلك الرسائل "التي عكستها الخطوة"، في مواجهة ما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي".

وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تعليقاً على "إعادة دمج سوريا بمحيطها العربي" قائلة إنه "فيما اعتبر طرد سوريا من الجامعة في 2011 إدانة رئيسة لحكومة قصفت المحتجين وغيرهم بالغاز وعذبتهم في صراع تحول إلى حرب أهلية طويلة، فإن عودة دمشق إلى الجامعة تعد انتصاراً دبلوماسياً لها في الحرب المستمرة منذ 12 عاماً، بعد أن حصلت حكومتها على إعادة اعتراف عربية رغم أن حكومتها متهمة بقتل عشرات آلاف الأشخاص والتسبب في هجرة ملايين السوريين".

وعما يراه البعض أنه "هزيمة" للانتفاضات التي شهدتها بعض الدول العربية منذ العام 2011 ابتداء مكن تونس، يقول، الدكتور محمد آل زلفة، الأكاديمي والمؤرخ السعودي، بالعكس فهي هزيمة لما يعرف بـ"مشروع الإسلام السياسي الذي حاول أن يهيمن على المشهد من خلال ما يعرف بالربيع العربي".

وذكر آل زلفه في حديثه لنا، "أعتقد أن  مشروع الإسلام السياسي الذي هيمن على المشهد في العالم العربي والإسلامي خلال العقود الأخيرة بدأ في الاندثار والسقوط النهائي، بعد أن أثبت فشله ودمر الأحلام التي تطلعت إليها المجتمعات العربية في بداية العقد الماضي، بأوهامه الخرافية ورأينا أثار حكمه القميئة في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن".

وأوضح آل زلفة، "حاول الاسلام السياسي الطائفي بشقيه السني بقيادة الإخوان المسلمين والشيعي بقيادة إيران في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان أن يشد من تماسكه، على ما أحدثه من مآس لشعوب هذه البلدان ممن يختلف معهم مذهبياً، فقاد مشروعه المنطقة والدول إلى القتل والتهجير والتدمير والتشريد، محاولاً استغلال طموحات البعض في إصلاح أوطانهم"، مشيراً إلى أن وجود "مشروع عربي تنموي شامل هو السبيل للخروج بالأمة إلى الطريق الصحيح".

في الاتجاه ذاته، يتفق علاء الخطيب، المحلل السياسي العراقي، قائلاً "العودة السورية إلى البيت العربي لا تمثل نهاية حقبة الثورات العربية فحسب، بل هي في الوقت نفسه بداية النهاية للإسلام السياسي، الذي فشل في تونس ومصر وسوريا وليبيا، وأثبت أنه على رغم سلبيات بعض الأنظمة الحاكمة، لكنها  تبقى أفضل من الفوضى"، مشيراً إلى أن الخطوة تعد "فرصة مهمة لدمشق لمراجعة حساباتها على المستوى الداخلي والعربي، والتعاطي بشكل مختلف".

 ووفق عاطف سعداوي، مدير تحرير مجلة "الديمقراطية"، "مع ضرورة الإشارة إلى أن كل حالة عربية شهدت احتجاجات وانتفاضات لها خصوصيتها ومسارها المختلف عن الحالة الأخرى، يمكن القول إن فكرة الربيع العربي انتهت أصلاً حتى قبل عودة سوريا للجامعة العربية، وليس من المناسب ربط العودة برمزية الثورات العربية".

وأوضح سعداوي، "في ظل الخصوصية التي تعكسها الحالة السورية، حين تحولت سريعاً الانتفاضة إلى مواجهات مسلحة ثم حرب أهلية طويلة الأمد، إلا أن التطورات والمتغيرات الإقليمية المتسارعة فضلاً عن التحديات التي خلفتها الأزمات العربية، تبقى السياق الأبرز الذي يمكن من خلاله قراءة عودة سوريا". مشيراً إلى أن الرأي الغالب عند ذكر المسألة السورية لم يعد "ثورة"، بل "صراعاً وتنازعاً خلفته التدخلات الإقليمية والدولية وتنافس المشاريع في ما بينها".

ويقول هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إن "عودة سوريا لا تمثل إعلاناً بدفن "ثورات الربيع العربي" بالضرورة، بل أعتقد أنها بمثابة إعلان عن بدء مرحلة جديدة وطي صفحه قديمة"، موضحاً أن "الثورات هي عملية تفاعلية ومستمرة ومتراكمة ربما تخفت أحياناً باندثار وانتفاء أسباب وجودها، وتنشط وتصعد مرة أخرى بوجود المحفزات والأسباب، والثورات تتلاشى أو تنتهي إما لتحقيق أهدافها أو زوال أسبابها واختفائها، أو ربما للحاجة إلى جيل جديد قادر على إحياء مثل هذه الدعوات الثورية بمفهوم ومقاربات جديده بعيداً من المتشابهات السابقة وتعامل الأجيال القديمة مع الأحداث".

ويتابع سليمان، "تحمل عودة سوريا رمزية لنهاية حقبة تاريخية معينة، وقد تبدو أيضاً انتصاراً مرحلياً للخطاب الدولاتي المؤسسي على حساب الخطاب الشعبوي، لكن ليس بالضرورة معناها دفن ثورات الربيع العربي ربما تكون فترة انتقالية أو جموداً زمنياً".

وفي الاتجاه ذاته، يقول خالد شنيكات، أستاذ العلوم السياسية، "لا ينبغي النظر بالضرورة إلى فكرة الربيع العربي على أنه مؤامرة خارجية، بل يجب الإقرار بأن شقاً كبيراً منه جاء نتيجة مطالب وطموحات شبابية حقيقية، بتحقيق الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية والحرية والاستقلالية والتنمية، بفعل ثورات التحول الرقمي والتطور التكنولوجي غير المسبوق خلال العقد الأخير".

وتابع شنيكات "ساعدت الثورة المعلوماتية والإلكترونية، الشباب في مقارنة أحواله بتلك التي تشهدها المجتمعات المتقدمة، وهو ما دفعهم للخروج على أنظمة الحكم في عديد من البلدان العربية، وأمام اختلاف طبيعة النظام والسياقات الاقتصادية والسياسية والأمنية لكل حالة، رأينا نماذج لثورات سلمية وأخرى دموية".

ولا يزال شنيكات يرى أن "حركة الشباب ومطالبهم خلال العقد الأخير كانت فرصة سانحة لأنظمة البلدان التي شهدتها لتحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي"، معتبراً أن التعاطي الرسمي من جانب كل حكومة بشكل عدائي كان السبب الرئيس في "إفشال تلك الثورات وما وصلنا إليه الآن"، مشيراً إلى أنه "مع سوء الأوضاع في بعض البلدان العربية وبقاء الأسباب ذاتها التي خرج من أجلها الشباب طوال العقد الماضي، فإنه يمكن القول إن تلك الحالة الثورية قد خفتت أو توارت بشكل مؤقت، ويبقى من المرجح طوال الوقت أن تشتعل مرة أخرى، لكن بصورة مغايرة قد تكون أكثر عنفاً في بعض الحالات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير