Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفن التصويري يخرج من الظل بعد إهمال طويل

معرض فرنسي عالمي جماعي يبيّن حيويته وتعدد أساليبه وقيمة ابداعه

لوحة من المعرض للرسامة الفرنسية دومينيك رنسون (خدمة املعرض)

ملخص

معرض فرنسي عالمي جماعي يبيّن حيوية الفن التصويري وتعدد أساليبه وقيمة ابداعه

منذ ستينيات القرن الماضي، لم يعد قائماً الجدل بين فن اعتُبِر وحده "معاصراً" لسعي ممارسيه إلى تمثيل فكرة، وفن تصويري هجس ممارسوه بتصوير الإنسان والعالم الذي يحيط بنا. لكن هذا الجدل أدى لفترة طويلة إلى إهمال فنانين مهمين كثر، لأن عملهم لم يكن يتوافق مع روح العصر ورأي النقاد ومؤرخي الفن. ولتبديد هذا الغبن في حقهم وكشف أهمية إنجازاتهم، تنظم "دار كايبوت" في مدينة يير الفرنسية، بالتعاون مع متحف "أورانجوري" الباريسي، معرضاً جماعياً ضخماً بعنوان "تصوير، فن آخر اليوم"، يتوق أيضاً، بجمعه لوحات ورسوماً لـ 47 فناناً، إلى كشف حيوية الفن التصويري، من مطلع الخمسينيات وحتى زمننا الراهن.

وتجدر الإشارة بدايةً إلى أن هذا الجزء من الفن المعاصر، الذي تطوّر في ظل الطلائع وأهملته المؤسسات الفنية، دافع عنه أصحاب غاليريات متطلبين فنياً، وأغرى على الدوام جمهوراً واسعاً ومجمّعي فن كبار، يملكون معرفة عميقة في هذا الميدان. عمل هجس أصحابه بالخط والتعبير، وشكّل الإنسان وبيئته موضوعه، ويتطلب اليوم النظر إلى ثماره في ضوء العودة إلى التصوير، أو ما سمّي في الماضي "العودة إلى النظام"، المستنتَجة حالياً.

وجوه كبيرة

الأعمال المعروضة في "دار كايبوت" تمنحنا فرصة لاستعادة وجوه فنية كبرى، مثل دادو وجان روستان وجيل أيو ودومينيك رينسون وسام سافران وسوزان هاي وبيار سكيرا. وتلك المعروضة في متحف "أورانجوري" تعود إلى فنانين جدد (ست نساء وستة رجال)، وتتيح بالتالي إمكان التعرّف إلى الميول الجديدة في الفن التصويري. أما طريقة توزيع هذه الأعمال، فموضوعية، ترتكز على ترابط أفكار أو مقابلات معبّرة.

في "دار كايبوت"، شاء منظمو المعرض أولاً تكريم الأميركي أندرو ويياث (1917 ــ 2009) بتخصيص الصالة الأولى لأعماله. فنان معروف خصوصاً بتزيينه كتابي "جزيرة الكنز" والجزيرة الغامضة"، وتفتننا واقعية أسلوبه بدقتها التفصيلية وقدرتها على تركيز انتباهنا على نقطة محددة داخل لوحاته. في الصالة الثانية، تنتظرنا مقابلة لافتة بين لوحات للفرنسي جاك تروفيموس (1922 ــ 2017)، هي عبارة عن مشاهد لمحترفه يلفّها نور أبيض باهر اعتمده كثابتة في عمله منذ عودته من اليابان عام 1970؛ وأخرى لمواطنه بيار لوسيور (1922 ــ 2017) تظهر فيها تلك الفضاءات المفتوحة دائماً على البعيد، والغالية على قلبه، وأيضاً ذلك الإيقاع الموسيقي في التشكيل الذي لطالما سعى خلفه.

في الصالة الثالثة، ننتقل إلى عالم الفنان التعبيري الصربي دادو (1933 ــ 2010)، الذي يتأرجح بين حياة وموت، بين بداية ونهاية، وبين سقوط وخلاص، ثم إلى عالم الفرنسي جان روستان الذي تقطنه شخصيات تبدو مثقلة بالهموم، وتحضر عارية، بعيوبها وتشوهاتها الجسدية؛ فعالم المجري تيبور سيرنوس (1927 ــ 2007) الذي يستحضر في جانبه المعتم عوالم كارافاجيو، رامبرانت وفيلاسكيز.

وبينما تتحاور في الصالة الرابعة بورتريهات ذاتية للروماني أفيغدور أريخا (1929 ــ 2010) يحضر فيها بوضعيات مختلفة، وتتميز بجانب سيكولوجي مقلق، مع بورتريهات أنجزها البولوني سام سافران (1934 ــ 2019) لزوجته ليليت داخل مرسم يغزوه نبات الوردية؛ تتجاوب في الصالة الخامسة لوحات للفرنسي جيل أيو (1928 ــ 2005) تظهر فيها حيوانات مسجونة داخل أقفاص إسمنتية، مع لوحات للسويسري يورغ كريينبول (1932 ــ 2007) مثّل فيها ضواحي فقيرة تحيا في ظل ناطحات سحاب حديثة، وأخرى للبريطاني ريموند مايسون (1922 ــ 2010) تبدو فيها المدينة وقاطنوها في حالة جمود أو سبات.

مبدأ الحوار

ودائماً ضمن مبدأ الحوار أو المقابلة المعتمد، نشاهد في الصالة الأولى من الطابق الأعلى لـ "دار كايبوت" لوحات للإيطالي ليوناردو كريمونيني (1925 ــ 2010)، مشبعة بنور متوسطي بلوري، وأخرى لتلميذته الألمانية سوزان هاي (1962 ــ 2004) تمثل فيها أجساد ذكورية عارية داخل مناخ خانق. تحضر أيضاً لوحات للفرنسي بيار سكيرا (1938) تتراكم في فضائها كتب ومخطوطات قديمة مرسومة بمادة الباستيل، إلى جانب رسوم طباعية لمواطنه إريك ديمازيير (1948)، يظهر فيها محترفه بكل أدوات عمله، وأخرى لرونيه تازيه تتوسطها عجلة آلة الطباعة.

وفي الصالة الثانية، نستشفّ محاكاة مثيرة بين مناظر طبيعية خيالية للهولاندية ماريان بلاغ (1937) وأخرى حلمية لمواطنتها آنا ميتز (1939)، وبين محفورات للهولندي شارلز دونكر (1940) تقطنها حيوانات وأصداف وزهور، وأخرى لمواطنه فرانس بانكويك (1937) حول الموضوع نفسه، قبل أن تنقلنا لوحات للبولندية مالغورزاتا باسكو (1956) وأخرى للفرنسية أستريد دو لا فوريست (1962) إلى أرجاء طبيعة واقعية ــ استيهامية.

ورصدت الصالة الثانية لأسلوبي التصوير السردي والتصوير الحر، وتحديداً لأعمال تستحضر المرأة، إما كموضوع رغبة أو كشخصية نضالية. وفي هذا السياق، نشاهد لوحات عري حسّية للفرنسيين برنار رانسياك (1931 ــ 2021) وجيرار شلوسير (1931 ــ 2022)، تدين بأسلوبها لفنون التصوير الفوتوغرافي والشرائط المصورة والسينما، في جوار لوحات لمواطنتهما كاترين فيولي (1955) تنبثق منها وجوه نسائية بملامح صارمة. وفي الصالة الثالثة، تتوزع أعمال من العقدين الأخيرين للقرن الماضي، من بينها لوحة للفرنسي جيروم بوريل (1958) أسقط فيها مشهداً سوريالي المناخ، وأخرى لمواطنه فرنسوا بارد (1959) تتجلى فيها واقعية أسلوبه الشديدة، وبورتريه ذاتي بأسلوب تعبيري للفرنسية دومينيك رانسون (1960) يحضر فيها مسند اللوحة (chevalet) على شكل مقصلة موضوعة على رقبة الفنانة، ومشهد غسقي من سلسلة مواطنها أوليفييه ماسموتاي (1973) "آفاق عظيمة". أعمال إن دلت على شيء، فعلى الطرق المختلفة لمقاربة التصوير (الدقة، الغبش، الحسية، التعبيرية، الغرابة...)، ومعه فعل الرسم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما تختم مسار المعرض في "دار كايبوت" سلسلة بورتريهات ضخمة، وأحياناً مقلقة، للبنانية مونا ربيز والإيرانية أناهيتا مسعودي والجزائري يوسف قريشي، ومائيات باهرة للفرنسي ستيفان بيلزير تنقل فن البورتريه المرسوم إلى آفاق التصوير الفوتوغرافي؛ تفتح هذا المسار مجدداً، في متحف "أورانجوري" الباريسي، لوحات ورسوم لفنانين شبان تبنوا بدورهم الأسلوب التصويري، مثل الفرنسيين نيكولا ساج، مانون بيلان، دورا جيريدي، سيلفان بروغيير، مارين والون، والمونغولية أودونشيميغ دافادورج، والجزائري بلال حمداد. مختارات، هنا أيضاً، ذاتية للغاية، هدفها إكمال البانوراما التي يقترحها منظمو المعرض عن الفن التصويري الحديث.

طبعاً هذه البانوراما تبقى ناقصة لتعذّر تمثيل مختلف جوانب هذا الفن منذ 1950، نظراً إلى عدد ممارسيه الذي لا يحصى، وتباين نظرتهم إليه، التي تؤول حتماً إلى أساليب وعوالم مختلفة. لكن بما أنه "غير أحادي المعنى، أو مجرد تلاعب بالألوان والأشكال، كالفن التجريدي، بل عليه تسيير دلالات محددة"، كما صرّح الفنان جان روستان عام 1998، يساهم المعرض الحالي، بالتساؤلات التي يطرحها والأجوبة التي يقترحها، في محاصرة جزء مهم من دلالاته، وتحديد ماهيته.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة