Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فوز لليمين في تركيا مهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية

تشبه الديناميات السياسية في تركيا اعتقاد الساسة في أميركا وأوروبا بأنهم قادرون على تسخير واستغلال الجهات السياسية المتطرفة، التي تحرقهم بنيرانها في نهاية المطاف

هذا دليل على افتقار للنزاهة والمبادئ (أسوشيتد برس)

لم يتسبب السوريون الهاربون من دكتاتورية بشار الأسد بأزمة التضخم في تركيا، وليسوا هم المسؤولين عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية ولا الإسكان، ولا عن انهيار قيمة الليرة التركية. ولا يمكن لوم الأفغان الهاربين من "طالبان" على جنوح تركيا نحو الدكتاتورية وقمع الصحافة وتجويف مؤسساتها. أما الماليون والإريتريون والسودانيون المتكدسين داخل الزوارق المطاطية التي تطفو ليلاً على بحر إيجه أملاً بالوصول إلى أوروبا، فلم يبنوا الأبراج السكنية الرديئة التي انهارت على إثر الزلزالين المدمّرين اللذين ضربا البلاد يوم 6 فبراير (شباط). وليس اللاجئون هم من أفشل محاولات الانعاش والتعافي بعدها. 

ومع ذلك، بناءً على المناورات والخطاب السياسي لكلّ من الرئيس رجب طيب أردوغان وكمال كليتشدار أوغلو في الأيام التالية للجولة الأولى غير الحاسمة من الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 14 مايو (أيار)، يوشك نحو أربع ملايين لاجئ سوري وغيرهم من الأجانب في تركيا أن يصبحوا القضية الوحيدة المهمّة في الجولة الثانية يوم 28 مايو المقبل.

بعد أن كان أداؤه أسوأ من المتوقع، حيث لم يحرز سوى 45 في المئة فقط من الأصوات في الجولة الأولى، قام كليتشدار أوغلو باستدارة كلية في مواقفه. استندت حملة كليتشادر أوغلو طيلة أسابيع إلى [توجيه] رسائل الأمل ودمج الجميع. تحدّث الرجل عن ربيعٍ مقبل، ورسم قلوباً بيديه في فيديوهات صوّرت داخل مطبخه. لكن كلامه الآن بدأ يأخذ منحى كراهية الأجانب، واتهم أردوغان زوراً بأنه ينوي إدخال "10 ملايين" لاجئ سوري إلى البلاد، محذراً من أن المزيد في الطريق. 

وقال في فيديو نشره يوم السبت الماضي "إن كنت تحب بلادك، قرّر. كما لو أن 10 ملايين سوري لا يكفون، هل ستسمح لعشرة إلى 20 مليوناً آخرين بالمجيء؟ تذكّر، أنت لا تصوّت من أجلي، بل تصوّت من أجلك".

ومن جهته، استغلّ أردوغان سيطرته على [وسائل] الإعلام وموارد الدولة من أجل إحراز 49 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، وهي نسبة قوية وعلى الأرجح حاسمة، وضَمَنَ سيطرة حزبه، "العدالة والتنمية"، على البرلمان. وفي موضوع اللاجئين، حافظ على موقف معتدل في خطابه، محذراً هذا الشهر من أنّ ترحيل السوريين إلى منطقة نزاع رغماً عنهم ستكون خطوة "لا إنسانية" و"غير أخلاقية" و"منافية للإسلام". كان بإمكانه أن يضيف كذلك بأنها غير قانونية بصراحة بموجب القانون التركي كما الاتفاقات الدولية التي وقّعت عليها تركيا.

لكن يُزعم بأن حكومته نفسها تضغط على السوريين لكي يعودوا إلى قبضة [براثن] نظام الأسد المحتملة. كما أنّ أخلاقيات أردوغان الإسلامية لم تمنعه من الالتقاء وربما التقرب من ممثل حزب ثالث هو القومي اليميني المتطرف سنان أوغان الذي حصل على 5 في المئة من الأصوات في اقتراع يوم الأحد الماضي، استناداً إلى خطاب ركّز بشكل حصري على ترحيل اللاجئين السوريين وتقييد حقوق الأقلية الكردية في البلاد.

أتى ذلك اللقاء بعد ساعات قليلة من تبنّي كليتشدار أوغلو علناً لخطاب حليف أوغان السياسي، أوميت أوزداغ، الذي جال منذ شهر في حيّ من أحياء مدينة مرسين، وهو يصوّر نفسه في بثّ مباشر فيما يستفزّ أصحاب المحلات من السوريين. 

وقال لشاب سوري "نعد السوريين بشيء واحد فقط، وهو أن نعيدهم إلى وطنهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منذ سنوات، يواظب كليتشدار أوغلو وحزب الشعب الجمهوري الذي يترأسه، على تكرار نيتهم تبنّي مقاربة أكثر صرامة لموضوع اللاجئين في البلاد. لكنه صعّد خطابه بشكل تام منذ صدور نتائج الجولة الأولى للتصويت. ظهر بأنّ النتيجة صدمت المعارضة التي لم تضع أي خطة بديلة واضحة للتغلب على أردوغان، على ما يبدو. وبدل مهاجمة أردوغان في قضايا الاقتصاد أو الفساد أو انعدام الكفاءة، ركّز كليتشدار أوغلو بدلاً من ذلك على أضعف المجتمعات المحلية، التي لا صوت لها في البلاد.

وقال في خطاب أدلى به يوم 18 مايو "دعوني أعلن التالي: سوف أرحّل كل اللاجئين فور تولّي السلطة. نقطة آخر السطر".

أسوأ ما في تبنّي كليتشدار أوغلو لهذا النوع من الخطاب هو أنه سيضرّ بصورته وصورة حزبه أكثر مما سيساعده على الأرجح. 

وفي هذا الإطار، قال المعلّق ليفينت غولتكين على الموقع الإخباري "ميدياسكوب"، "من الأرجح أن ذلك سيجعل الكثير من الناخبين الأكراد يفكرون بأنه 'لا فرق بين (أردوغان وكليتشدار أوغلو)' مما سيدفعهم إلى الامتناع عن التصويت".

ليس الناخبون الأتراك بأغبياء. فهم قادرون أن يميّزوا متى يقوم سياسي بخطوة سياسية مدروسة طمعاً في الأصوات الانتخابية. والتبدّل الجذري الذي حلّ بكليتشدار أوغلو، من إطلاق الوعود بربيع جديد إلى التعهّد بشنّ حملات تطهير فعلياً، هو تبدّل بشع لكنه انتهازي بشكل واضح كذلك. وهو دليل على افتقاره للنزاهة والمبادئ. 

وفي الحقيقة، على ضوء إقامة التحالفات بين المجموعات الهامشية اليمينية المتطرفة من جهة، والرئيس كما المعارضة من جهة أخرى، يمكن القول بأن أردوغان، على رغم جنوحه نحو الاستبداد والعشوائية في السنوات الأخيرة، هو أهون الشرّين.

واعتبرت المحللة السياسية والمذيعة المستقلة نوشين مينغو بأنّ "أردوغان قد يربح الجولة الثانية بهامشٍ أكبر. هو زعيم قوي يمكنه السيطرة على المجموعات الهامشية المتطرفة. لكن كليتشدار أوغلو ليس زعيماً قوياً. إن دخل سنان أوغان الحكومة، فهؤلاء هم المافيا. وهم خطرون. وإن ارتبط كليتشدار أوغلو بهم فلن يتمكّن من السيطرة عليهم".

في جنوح السياسة التركية الدرامي نحو اليمين الكاره للأجانب شيء مألوف. كما في الدول الغربية، أُمطر الرأي العام على مدار سنوات بالرسائل المعادية للهجرة، من قبل سياسيي اليمين المتطرف وخبرائه. وربما تجد هذه الرسائل جمهوراً أكثر استجابةً لها في تركيا حيث تزامنت زيادة عدد اللاجئين من سوريا وغيرها من المناطق مع تردّي الأوضاع الاقتصادية بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة إجمالاً. 

من المفترض أن يكون استقبال تركيا للاجئين وموقعها كملاذ آمن محتمل للفارّين من الحروب والقمع في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرق أوروبا وأفريقيا، موضع افتخار وشرف. فبروز إسطنبول باعتبارها نسخة عن مانهاتن الحرة في أوراسيا من شأنه جذب الاستثمارات الخارجية ورؤوس الأموال. إنما لم يطرح أيّ سياسي هذه النقطة.

أردوغان وكليتشدار أوغلو كلاهما يتحليان بحكمة أكبر [يفترض بهما تجنب الانزلاق إلى مثل هذا]. وكل واحد منهما سبق أن حاول في مراحل مختلفة من حياته السياسية، أن يقدم نفسه وحزبه السياسي على أنه ليبرالي وعالميّ بعض الشيء قبل أن ينتقلا إلى اليمين. 

تشبه الديناميات السياسية في تركيا الساسة الأميركيين والأوروبيين الذين يعتقدون أنهم قادرون على تسخير نيران اليمين المتطرف لمصلحتهم واستغلالها، قبل أن يقضي لهيبها عليهم في نهاية المطاف. وفي الولايات المتحدة، سيطر أكثر العناصر تطرفاً في الحزب الجمهوري عليه في نهاية المطاف. فيما أطاح اليمين المتطرف المحافظين في فرنسا، بعد أن غازلوه [توددوا إليه] سنوات طوال.

وصرّح الزعيم اليميني المتطرف أوغان عن نيته الإعلان يوم 22 مايو سواء سيدعو مناصريه إلى التصويت لأردوغانأم كليتشدار أوغلو يوم 28 مايو [دعا إلى الاقتراع لأردوغان] . بعد أن كان عضواً مغموراً في البرلمان، أصبح الباحث في مراكز الدراسات الذي تلقّى تعليمه في موسكو الآن "صانع الملوك" في بلاده. وتتحمّل السياسات السامة والسياسيون المتهوّرون في تركيا مسؤولية دفعه إلى هذا الموقع البارز.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل