Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليسار "مرتبك" في تونس... ساق في قطار السلطة وأخرى خارجه

هناك من يرى أن عليه أن يفرز بديلاً يتوجه إلى الشعب ويقنعه بوجود خط ثالث

البعض من اليسار التونسي اختار الشارع لمواجهة الرئيس سعيد وآخرون ذهبوا في تحالف معه (أ ف ب)

ملخص

البيت الداخلي لليسار في تونس ينقسم على خطين يصعب التقاؤهما

لم يفلح المؤتمر الذي عقده أخيراً حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد في تونس، المعروف اختصاراً بـ"الوطد" وهو حزب يساري، في وضع حد للانقسامات التي عصفت به طيلة الأشهر الماضية، ما أعطى انطباعاً بأن اليسار في هذا البلد الذي يعرف منعطفاً سياسياً على يد الرئيس قيس سعيد، لا يزال تائهاً.

وعقد الحزب مؤتمرين في الوقت نفسه، وأفضى الأول إلى انتخاب النائب البرلماني منجي الرحوي أميناً عاماً للحزب، فيما أفرز الثاني الناشط السياسي زياد لخضر أيضاً أميناً عاماً للحزب، وكلاهما زعم امتلاكه شرعية قيادة الحزب المذكور.

وفي الواقع، الانقسامات لا تقتصر على حزب "الوطد" على مستوى اليسار في تونس، حيث يشهد حزب العمال هو الآخر تشظياً وسط خلافات حول التموقع السياسي في ظل الاستقطاب الحاد بين الرئيس سعيد وخصومه. ففيما تريد قيادات يسارية الاصطفاف خلف السلطة ترفض قيادات أخرى ذلك، وتدعو إلى الانخراط في المعسكر المعارض للسلطة، وهو معسكر يبدو ضعيفاً وعاجزاً بحسب متابعين سياسيين، عن تحريك الشارع أو عرقلة تحركات السلطة.

انقسامات تضعف اليسار

في خضم الانقسامات الحادة التي يعيشها البيت الداخلي لليسار في تونس، فإن هذا التيار عاجز عن اتخاذ موقف موحد في علاقته بالسلطة السياسية الحالية، بخلاف الأحزاب الإسلامية التي باتت في مواجهة مفتوحة ضد السلطة.

وقال القيادي في حزب العمال اليساري، وائل نوار، "الأكيد أن الانقسامات الراهنة تضعف اليسار في تونس، لكن أحياناً الانقسامات تكون مرتبطة بمواضيع مهمة وبطرح سياسي قابل للاختلاف، ولم يعد من الممكن وقتها تفادي الانقسام مثلما حصل في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، فهناك شريحة مع الرئيس قيس سعيد وأخرى ضده، وهناك خطان سياسيان لم يعد من الممكن أن يلتقيا".

وأوضح نوار في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه "داخل حزب العمال لم يكن الصراع معلناً بشكل كبير، لكن كانت هناك مشكلات على المستوى التنظيمي، وهي مشكلات موجودة لدى أغلب مكونات اليسار الكلاسيكي، نظراً لوجود جيل متمسك بقيادة الحركة اليسارية من سبعينيات القرن الماضي ولا يؤمن بالديمقراطية وبالجدل الداخلي، ونظرة كلاسيكية مرتبطة بزعامات تاريخية وهي نظرة موجودة صراحة في معظم الأحزاب الكلاسيكية".

وتفجر حزب العمال في أواخر عام 2022 عندما استقال منه ما لا يقل عن 64 عضواً، وهي خطوة أرجعوها إلى عديد من الأسباب، من بينها ''الفشل في الحفاظ على هوية الحزب، والسعي للتموقع والظهور الإعلامي عوض الدفاع عن أفكار الحزب وتوجهاته".

وقال نوار إن "أهم نقطة تخلق انقساماً داخل حزب العمال، تحوله إلى ما يشبه الجمعية الحقوقية، الحزب هو يساري ماركسي لينيني ثوري شيوعي، ومع ذلك في الفترة الأخيرة منذ انتخابات 2014 و2019 بدأ الحزب يقر خطاباً حقوقياً فقط من دون قراءة طبقية للوضع في تونس، بل أكثر من ذلك يجد نفسه في الخانة نفسها والتوجه مع حركة النهضة، ولولا بعض الإحراجات لكانا متحالفين".

وتابع "مازلنا متشبثين بخيار الثورة للتغيير، ومازلنا نعتقد أن اليسار مشتت اليوم وجزء منه اصطف وراء قيس سعيد الذي هو جزء من المنظومة القائمة، وجزء آخر اصطف وراء حركة النهضة وبصدد خوض صراع ضد قيس سعيد، وهو صراع لن يخدم إلا أجندة النهضة، حتى في حال إزاحة سعيد فإن ذلك سيعبد الطريق لعودة المنظومة القديمة".

وأردف نوار "نرى أن على اليسار أن يفرز بديلاً يتناقض مع كلا الطرفين، حركة النهضة وقيس سعيد، وأن يتوجه إلى الشعب ويقنعه بوجود خط ثالث وطريقة ثالثة لا تمر بالاصطفاف خلف قيس سعيد ولا بالتقاطع مع حركة النهضة، لأنهما يشكلان المنظومة نفسها، ولا مصلحة للشعب لا في بقاء سعيد ولا في عودة النهضة".

ساق مع السلطة

وعلى رغم أن معظم التنظيمات اليسارية في تونس ترفض مساندة السلطة بقيادة الرئيس سعيد، الذي مركز أغلب الصلاحيات بيديه مع عودة البلاد إلى نظام الحكم الرئاسي، إلا أن هناك وجوهاً يسارية شقت صف هذا التيار بالانخراط بقوة في مسار الـ25 من يوليو (تموز) 2021 بقيادة سعيد.

ومن أبرز هذه الوجوه القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، منجي الرحوي، الذي يدافع بقوة عن خيارات الرئيس سعيد متحدياً قرار حزبه بمقاطعة مسار الـ25 من يوليو، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بالمشاركة في الحوار الوطني والانتخابات البرلمانية التي عرفتها البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال الرحوي إنه "لا يوجد انقسام داخل الوطنيين الديمقراطيين الموحد، بل فقط قلة قليلة انشقت عن مسار الخط السياسي للحزب"، لكنه أقر في المقابل بأن هناك مساعي تبذل حالياً من أجل توحيد الحزب.

في المقابل، انتقد القيادي في الحزب أيمن العلوي توجهات الرحوي، معتبراً أنه بات "أقرب إلى السلطة السياسية الحالية، وأن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد شأنه شأن اليسار، يتناقض مع النظام الحاكم في تونس".

وأكد العلوي في تصريحه أن "اليسار لا يمكن أن يبرر التوجه إلى صندوق النقد الدولي أو المساعي الرامية إلى القضاء على الأحزاب والحياة السياسية في البلاد، البعض يرى نفسه في هذا النظام، أما نحن فلا، لذلك نعتقد أن الحديث عن توحيد اليسار في تونس حالياً أمر غير ممكن".

في مفترق طرق

وعرف اليسار في تونس تاريخياً، بمحطات ضد السلطة وبمراوحة في علاقته بالإسلاميين بين التحالف إلى الوقوف على طرفي نقيض، لكن الآن يبدو مرتبكاً للغاية وغير قادر حتى على اتخاذ موقف واحد مما يحدث في الساحة السياسية.

ولم يطلب الرئيس قيس سعيد دعم أي طرف سياسي، لكن عديداً من الأحزاب والشخصيات تزعم مساندته من بينها أحزاب قومية مثل حركة الشعب، والرحوي وحزب حركة تونس إلى الأمام بقيادة عبيد البريكي.

وقال الباحث السياسي، هشام الحاجي، إن "العلاقة الآن بين جزء من اليسار والسلطة السياسية وهي علاقة توظيف، ورئيس الجمهورية يرفض منح دور للأحزاب السياسية مهما كانت ومهما كان توجهها، وهو ما قد يلعب دوراً لإعطاء ديناميكية لليسار حتى يتوحد، خصوصاً أن شباب اليسار أكثر شعوراً بأهمية الحريات وله تخوف في هذا الشأن".

وتابع الحاجي أن "اليسار التونسي الآن في مفترق طرق، حيث جرب كل التحالفات وفشل، تحالف مع النهضة ولم تكن هذه التحالفات مبدئية وموضوعية، ولم تؤثر إيجاباً في المجتمع، وسرعان ما تم التراجع عن ذلك، كذلك بعض مكوناته تحاول حالياً أن تكون حليفة للسلطة السياسية، لكن إلى حد الآن دورها محدود، وربما مازالت ثمار هذا التحالف لم تبرز، لا سيما أن الجميع يدرك أن السلطة حالياً مجبرة على إقرار خيارات نيوليبرالية في المستقبل".

وتلقى اليسار في تونس عديداً من الصدمات منذ انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011، حيث فقد واحداً من أبرز قياداته وهو شكري بالعيد، الذي اغتيل صبيحة السادس من فبراير (شباط)، وتفكك أبرز تحالف أنشأه هذا التيار متمثلاً في "الجبهة الشعبية"، التي دخلت الانتخابات البرلمانية عام 2014 بعديد من أطياف اليسار والأحزاب القومية.

وقال الحاجي إن "اليسار لم يتخلص من معضلتين، الأولى بقاؤه مرتبطاً بشكل كبير بالنصوص وهو ما يؤدي إلى المعضلة الثانية أي الهوس بالزعامة لدى قياداته، وهناك مؤشران يؤكدان ذلك، أولاً الخلاف الأيديولوجي الحاد بين العائلة الوطنية الديمقراطية وحزب العمال الذي يعود إلى خلافات حول قراءة نصوص قديمة أساساً، وحالياً ما نشاهده من خلافات حول الزعامة".

وأشار إلى أن "هناك مفارقة تكمن في أن الثقل المعنوي لليسار في تونس لا يتحول إلى ثقل سياسي واضح، فاليسار كان دائماً مسهماً بالقيم والأفكار وحاضراً في المنظمات والجمعيات، ولعب أدواراً نضالية في فترات وتعديلية في فترات أخرى".

وتابع الحاجي القول "لكن في اعتقادي أضاع فرصتين ليحافظ على قوته السياسية، الأولى بعد تشكيل الجبهة الشعبية وتفككها الذي يطرح أكثر من سؤال، ثم حالياً في ظل المفترق الذي تعرفه تونس، إذ نرى أن اليسار مشتت وقراءاته مختلفة ومتناقضة وأحياناً تؤدي به إلى التناحر، أعتقد أن فقدان بعض الرموز مثل شكري بالعيد الذي تم اغتياله، قد أثر في اليسار أيضاً".

وفي ظل غياب أي مؤشر عن حوار بين أطراف اليسار في المرحلة الحالية، وتنافر مواقفها من المشهد السياسي في تونس، فعلى الأرجح ستستمر حالة الارتباك التي يعيش على وقعها.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات