Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السنغال تستبق محاكمة معارض بارز بطوارئ تعليمية

السلطات تخشى مواجهات بين أنصار سونكو والشرطة جنوب البلاد

الزعيم المعارض في السنغال عثمان سونكو يلوح لمؤيديه خلال حشد للمعارضة (أ ف ب)

ملخص

السلطات السنغالية تتخوف من تحول محاكمة المعارض الشاب سونكو الأسبوع الجاري إلى مواجهات عنيفة بين أنصاره والأمن جنوب البلاد بعد نجاح المعارضة في جمع عشرات الآلاف من المحتجين قبل أيام ضد قرار مزمع بترشح الرئيس الحالي ماكي سال لعهدة رئاسية ثالثة.

استبقت السلطات السنغالية محاكمة المعارض المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة عثمان سونكو بتعليق الدراسة أسبوعاً في منطقة زيغينشور جنوب البلاد، تجنباً لأي مواجهات بين أنصاره وقوات الشرطة على خلفية محاكمته بتهمة الاغتصاب.

وأزاحت وثيقة لوزارة التعليم السنغالية، متداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي منذ الخميس الماضي، الستار عن قرار بتعليق الدراسة بجميع أنحاء المنطقة في المدارس والمؤسسات ومراكز التدريب المهني، بدءاً من أمس الجمعة حتى الساعة الثامنة من مساء الخميس المقبل.

وتغطي هذه الفترة جلسة جديدة لمحاكمة المعارض الشاب سونكو أمام القضاء، وتقرر لها 23 مايو (أيار) الجاري، وسط ترجيحات بأن تتسبب في توتر جديد، بعد أن نجحت المعارضة السنغالية الأسبوع الماضي وبشكل غير مسبوق في جمع عشرات الآلاف من المحتجين ضد قرار الرئيس الحالي ماكي سال بالترشح لعهدة رئاسية ثالثة.

حزمة مطالب

على رغم عدم تأكيد أو نفي سال نيته الترشح لفترة جديدة، فإن المؤشرات التي سجلتها المعارضة السنغالية توحي بسعي النظام إلى الدفع بالرئيس الحالي في الانتخابات المزمع تنظيمها فبراير (شباط) 2024، وذلك بمخالفة الدستور الذي ينص على تحديد الفترات الرئاسية في عهدتين اثنتين فقط.

وقابلت حركة القوى الحية للسنغال (أف 24) مؤشرات ترشح سال بالدعوة إلى احتجاجات واسعة الجمعة الماضي. وتضم الحركة أكثر من 170 منظمة سياسية وحقوقية، وأسست أبريل (نيسان) الماضي خصوصاً لمنع الرئيس الحالي من تعديل الدستور أو الترشح لولاية جديدة، معتبرة "أن أي مسار يؤدي إلى ترشحه سيعد غير شرعي ومخالفاً لمواد الدستور الساري".

وكررت الحركة السنغالية مراراً طلبها المتعلق بصدور بيان قاطع من الرئيس سال يؤكد "احترامه الدستور، وعدم نيته الترشح لولاية جديدة"، فضلاً عن طلبها بضرورة "إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين البالغ عددهم 300 شخص"، و"إنهاء استغلال جهاز القضاء لتصفية الخصوم السياسيين والحفاظ على استقلاليته".

ويرى مراقبون للشأن السنغالي أن نجاح الاحتجاجات الأخيرة، والتي تخللتها بعض أعمال العنف، قد كتبت شهادة ميلاد جديدة للمعارضة في البلاد، حيث تصطف خلف مبادئ أساسية، أهمها إنهاء حكم سال، وإن اختلفت حول تقديم مرشح واحد للانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي بدأت حملتها بشكل مبكر.

كابوس سونكو

لعل أهم المؤشرات التي تشي برغبة النظام السياسي السنغالي فرض ترشح سال يتمثل في مطاردة المرشح الأبرز للمعارضة عثمان سونكو، وهو سياسي معارض، سبق وأن شارك في الانتخابات الرئاسية (2019) وحقق المرتبة الثالثة بواقع 16 في المئة من الأصوات المعبر عنها.

ويمثل سونكو أملاً للشباب السنغالي في صنع التغيير المرجو في البلاد، بعد 12 عاماً من حكم ماكي سال، إلا أن الشاب المعارض تلاحقه السلطات بتهم عدة، من بينها التشهير والقذف، وحكم عليه أخيراً بستة أشهر حبساً غير نافذ، لكن مؤيديه يرون أن الأمر يتعلق "بالاستهداف السياسي" بغرض حرمانه من الترشح للانتخابات المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد دفعت الملاحقات القضائية سونكو إلى دعوة أنصاره إلى الاحتجاج في الشوارع ضد قرار المحكمة، واصفاً الحكم بـ"المسيس وغير القانوني". وفي حين لم يفصل القضاء السنغالي بعد في مدى أحقيته في الترشح للانتخابات الرئاسية بعد إدانته بالحكم المشار إليه، فإن ثمة قضايا أخرى مقامة ضده بتهمة "اغتصاب فتاة تعمل في صالون تجميل" والتي قد تستغل لمنعه من الترشح في حال إدانته بالحبس النافذ.

وبات عثمان سونكو أول معارض يعلن نيته الترشح لمنصب الرئاسة في السنغال، ويحشد بكل قوة لتوحيد المعارضة في خندق واحد لمواجهة أي نية للتمديد للرئيس سال، الذي يواجه بدوره أصعب مرحلة في فترة حكمه.

واعتمد سونكو (49 سنة) على استقطاب الفئات الشابة في حملاته الانتخابية، منذ خمس سنوات، إذ يرتكز خطابه السياسي على فضح الفساد الإداري ومحاربة اختلاس الأموال العامة، مستفيداً من خبرته العلمية باعتباره حاصلاً على شهادة عليا في الدراسات المعمقة في المالية العامة والضرائب من جامعة الشيخ أنتا جوب بمدينة دكار، وماجستير الإدارة العامة والمالية من المعهد العالي للمالية.

وأسهم المعارض السنغالي في تأسيس أول نقابة مستقلة للوكلاء الضريبيين والماليين في البلاد، مما أهله للوقوف على ملفات الفساد المالي على مستوى الضرائب وتنفيذ الميزانية، قبل أن ينخرط في الحياة السياسية من خلال تأسيس حزب "الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة" المعروف بـ"باستيف".

على خلاف الأحزاب التقليدية الأخرى لا يعرف لحزب سونكو توجه أيديولوجي محدد من قبيل اليسار واليمين، بل ترتكز أدبياته على "إطلاق الحريات العامة والفردية، وضمان النزاهة والرقابة على الأموال العامة"، مما أسهم في استقطاب الفئات الشبابية التي ضاقت من فساد النظام والأحزاب السياسية التقليدية المتورطة معها في اللعبة السياسية.

بين الحداثة والكلاسيكية

يقع خطاب سونكو الذي يحضر لشهادة الدكتوراه في القانون الاقتصادي والضرائب من جامعة "جان مولان ليون 3" الفرنسية، بين الحداثة التي تمثلها رؤيته السياسية والاقتصادية وارتباطاته المجتمعية والدينية المحافظة، إذ يتمتع بعلاقة مميزة مع شيوخ الطريقة المريدية واتحاد الدعاة والأئمة في السنغال، وهم من أسهم في إطلاق سراحه بعد اعتقاله لفترة وجيزة في عام 2021، بعد وساطتهم لدى الحكومة التي يقودها ماكي سال.

على الجانب الآخر لا يكف المعارض الشاب عن انتقاد من سماهم بـ"العائلات السياسية التقليدية"، في إشارة إلى الأحزاب السياسية الكلاسيكية التي نالت جزءاً من انتقاداته بدعوى "ارتباطاتها السياسية والاقتصادية بالنظام الحاكم وتمتعها بامتيازات مالية وتجارية تجعلها جزءاً من منظومة الفساد العام"، على حد قوله في أحد خطاباته خلال الانتخابات الرئاسية 2019.

وقد أسهم هذا الخطاب من جهة في اقترابه من وجدان الجيل الشاب، الذي يشعر بخذلان الساسة لتطلعاته، ومن الجهة الأخرى وضعه في مواجهة مع الأحزاب السياسية التقليدية. وقد جر عليه هذا الموقف كثيراً من الخصوم السياسيين، سواء من المؤيدين أو المحسوبين على المعارضة، وبدا هذا الموقف في الانتخابات التشريعية 2022 التي تم منعه من الترشح فيها من دون أن يجد تضامناً كافياً من الأحزاب معه.

كما أن انتقاداته مواقف فرنسا وعلاقاتها غير المتوازنة مع السنغال - بحسب وصفه - ودعوته إلى الخروج من منطقة الفرنك الأفريقي، جعلته موضع قلق بالنسبة إلى بعض العواصم الأوروبية والأفريقية.

سيناريوهات الحل

يضع المتخصص في الشأن السنغالي محمد جوب خريطة خلاص من الأزمة السياسية لبلاده، والتي أعقبت الاستعمار الفرنسي، الذي نجح بدوره "في إرساء شكل الدولة بأسلوب سليم، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً في بناء الإنسان والنخبة التي تعتبر الشطر الأساسي في بناء الدولة".

ويوضح جوب أن "النخب التي حكمت البلاد وأفرزت نظاماً مستبداً تجد نفسها اليوم أمام امتحان عسير، مع تشكل هذا التيار الذي يقوده سونكو، حاملاً راية التغيير من خلال أطروحات وبرامج تنذر بأنه البديل المنتظر"، مقدراً في دراسة نشرها تحت عنوان "السونكولوجية... سؤال البديل"، أن تيار سونكو يمثل بديلاً موضوعياً للنظام الحالي "لامتلاكه مقومات النجاح في المستقبل القريب".

بدوره، قال الناشط السنغالي أحمد ديوب في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن تأسيس حركة "القوى الحية" مثل تحدياً كبيراً للنظام السياسي الحاكم، وهي مرشحة للعب أدوار مهمة، خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أنها تضم أكثر من 170 حزباً وجمعية.

ويردف "على رغم أن سونكو يعد الوجه الأبرز والأكثر قبولاً بين الشباب السنغالي، فإنه يمثل عقدة للنظام الحاكم، بالتالي فإمكانية إبعاده من السباق الانتخابي ستكون أقوى الاحتمالات الممكنة". موضحاً "أن القضاء قد يلعب دوراً في هذه التصفية السياسية، من خلال إدانته في عدد من القضايا، مما يجعل صحيفته العدلية عقبة أمام استكمال ملف الترشح".

وعن رد الفعل المحتمل من مؤيدي سونكو وحركة "القوى الحية" في حال استبعاده، يقول جوب "مهما كانت درجة رد الفعل فإن للنظام قدرة على استيعابها، وله سوابق عدة في هذا الاتجاه"، مشيراً إلى سابقة استبعاده من الانتخابات التشريعية الأخيرة.

ويضيف "لعل السيناريو الأنسب للنظام، بعد استبعاد سونكو عبر القضاء، هو سحب ترشح سال والدفع بمرشح نظامي آخر، على اعتبار أنها خطوة تحقق المطلب الأبرز لحركة القوى الحية"، وبذلك يكون النظام قد امتص جزءاً من الغضب الشعبي.

وأخيراً يبقى السيناريو الأسوأ في تصور جوب متمثلاً في "حبس سونكو وترشيح سال لمدة رئاسية جديدة"، مؤكداً أنه "في حال تم اللجوء إلى ذلك فإن السنغال معرضة لأخطار عدة، وفي اعتقادي أن النظام الحاكم أضحى يدرك جيداً حجم الأخطار المحتملة، بالتالي قد يتجنب هذا السيناريو الكارثي".

المزيد من دوليات