Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان يسابق آلة الحرب المحمومة لدرء المجاعة

مساع ماراثونية لإنقاذ الموسم الزراعي واقتراحات بتسخير طائرات الإغاثة لنقل التقاوي والمبيدات والأسمدة والوقود

كل الآمال والأنظار تتوجه صوب مصير الموسم الزراعي الجديد لسد الفجوة الغذائية التي خلفتها الحرب (أ ف ب)

ملخص

يشهد السودان المأزوم تناقصاً مطرداً في المواد الغذائية وشحاً كبير في المعروض من السلع الغذائية، فهل ينجح في إنقاذ الموسم الزراعي وتفادي نقص الغذاء ومجاعة الحرب؟

تتزايد المخاوف في السودان بعد عمليات النهب والحرائق والتدمير الواسعة التي تعرضت لها كبريات مصانع وشركات الإنتاج الغذائي الكبرى ومطاحن الدقيق من خطورة الفجوة الناشئة بين معدلات الاستهلاك السائدة وتوقف إنتاج عديد من الشركات وضياع مخزوناتها من المنتجات والمواد الخام، بصورة تنذر بانحدار العاصمة الخرطوم نحو وضع غذائي كارثي مع استمرار الحرب.

ويشهد السودان تناقصاً مطرداً في المواد الغذائية وشحاً كبير في المعروض من السلع الغذائية مقابل الطلب المتزايد بخاصة بالنسبة إلى السلع الزراعية كالدقيق والرز والسكر ومشتقاتها من الألبان وغيرها.

الموسم أو المجاعة

هذا الوضع المختل جعل كل الآمال والأنظار تتوجه صوب مصير الموسم الزراعي الجديد لسد الفجوة التي خلفتها الحرب، مما يحتم تضافر كل الجهود لإنقاذ الموسم الذي سيشكل فشله أولى عتبات الدخول في ملامح المجاعة، ليس في الخرطوم وحسب، بل في أنحاء أخرى من البلاد أيضاً.

وحذر محافظ مشروع الجزيرة عمر محمد مرزوق من أن فقدان الموسم الزراعي الحالي قد يهدد بحدوث مجاعة كبيرة بالبلاد، مما دفع إدارة المشروع إلى العمل جاهدة وبكل ما تملك من أجل اللحاق بالموسم وضمان عدم ضياعه، مؤكداً أن هناك اتصالات حثيثة ومستمرة تقوم بها إدارة المشروع مع البنوك لتأمين توفير التمويل اللازم له.

أوضح مرزوق أن قضية التمويل تشكل إحدى العقبات والتحديات الكبيرة التي تواجه الموسم الحالي بغرض توفير مدخلات الإنتاج الزراعي وتمويل العمليات الفلاحية، مبيناً أن المشروع يخطط لزراعة نحو 500 ألف فدان بمحصول القطن، ونحو 300 ألف فدان بمحصول الذرة إلى جانب مساحات واسعة من الفول السوداني والخضراوات.

تحركات حثيثة

وكشف محافظ مشروع الجزيرة عن اتصالات مكثفة مع البنوك لتوفير التمويل للموسم الزراعي وشراء مدخلات الإنتاج، مبيناً في هذا الصدد أن مدخلات الإنتاج الزراعي من التقاوي والأسمدة متوفرة بالسوق المحلية الآن، لكن المشكلة في توفير التمويل المصرفي.

يأمل المحافظ في أن تتكلل الاتصالات الجارية مع البنوك، بخاصة البنك الزراعي ومصرف المزارع التجاري وصندوق المعاشات، بالنجاح، مشدداً على ضرورة تضافر جميع الجهود من أجل اللحاق بالموسم وتجنيب البلاد مغبة المجاعة.

وأعلن مرزوق عن ترتيبات للإعلان عن بدء التحضيرات خلال أيام بعد الحصول على التمويل بوصفه كبرى المشكلات التي تواجههم حتى الآن، بينما وضعت إدارة المشروع بكل مكاتبها وأقسامها المختلفة خطة واضحة تحددت على ضوئها المساحات المستهدفة.

مجلس الوزراء يتحرك

بدوره وجه مجلس الوزراء نهاية هذا الأسبوع باستئناف أعمال اللجنة العليا المكلفة التحضير للموسم الزراعي الصيفي، مع اتخاذ جميع الإجراءات والترتيبات اللازمة لتذليل العقبات التي تعترض أعمال التحضير له.

وشمل التوجيه، بحسب إعلام المجلس، الشروع فوراً في تحديد المساحات المستهدفة بالزراعة لهذا الموسم الصيفي، واستكمال وضع الخطة اللازمة الخاصة بتوفير المدخلات الزراعية المطلوبة.

وكان مجلس الوزراء شكل لجنة للتحضير للموسم الزراعي الصيفي، برئاسة وزير المالية والتخطيط الاقتصادي وعضوية وزير الزراعة والغابات كرئيس مناوب، إضافة إلى وزيري الحكم الاتحادي والطاقة والنفط ومحافظ بنك السودان المركزي ومدير عام البنك الزراعي ونائب مدير جهاز الاستخبارات العامة والجهات ذات الصلة على المستويين الاتحادي والولائي.

القضارف تبادر

على الصعيد ذاته، بادرت ولاية القضارف بالإعلان عن خطة تأشيرية تستهدف زراعة سبعة ملايين فدان بمحاصيل الحبوب الغذائية والزيتية بجانب محاصيل نقدية أخرى مثل القطن في الموسم الزراعي الجديد، لمواجهة احتمالات نقص الغذاء الذي قد يهدد البلاد بسبب الحرب.

وأوضح والي ولاية القضارف المكلف محمد عبدالرحمن محجوب، في تصريحات صحافية، أن اللجنة ستتخذ خطوات عملية عاجلة لإجازة تقاوي القطن البرازيلي المعروفة بصنف (RR)، بعد أن حقق نجاحاً كبيراً بالقطاع المطري.

وأكد الوالي تعهد البنك الزراعي السوداني بتمويل نسبة 50 في المئة من المساحات المستهدفة بالموسم الصيفي عبر توفير المال والوقود والأسمدة والمبيدات، على أن يتم إضافة إلى التمويل الذاتي من المزارعين سد الفجوة بشكل رئيس عبر بنك النيل، فضلاً عن مساهمة عدد من البنوك التجارية الأخرى.

وكشف عن تعهد وموافقة عدد من الشركات الزراعية على التمويل العيني للمزارعين بالتقاوي والمبيدات، عن طريق مرابحات من خلال البنوك التجارية.

اتصالات داخلية وخارجية

وفي إطار الاستعدادات للدخول في الموسم الجديد عقد محجوب اجتماعاً شاملاً ضم عدداً من مديري المصارف وشركات التأمين والمدخلات الزراعية بالولاية، إلى جانب مديري وزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية وبنك السودان - فرع القضارف.

وشدد الاجتماع الذي استعرض سبل تمويل البنوك للموسم من خلال توفير الوقود والمبيدات على أهمية تضافر الجهود لإنجاح الموسم، باعتبار أن البلاد تعول كثيراً على القضارف كولاية زراعية بالدرجة الأولى في ظل الظروف الاستثنائية الحالية.

وكان والي القضارف المكلف، رئيس لجنة متابعة الموسم الزراعي بولايات القطاع المطري، قدم تنويراً عن مهام واختصاصات اللجنة وانخراط ولايات القطاع في اجتماعات مماثلة لإنجاح الموسم الجديد بكل ولاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على نحو متصل، بحث محافظ مشروع الجزيرة بمقر سفارة السودان بالقاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، مع السفير الصادق عمر عبدالله، القائم بالأعمال والمندوب الدائم بالإنابة لدى جامعة الدول العربية، حاجة مشروع الجزيرة إلى التمويل بشقيه النقدي والسلعي (مدخلات الإنتاج من الأسمدة) مع ضرورة توفيرها قبل بداية الموسم الزراعي، وذلك بحضور الوزير المفوض بسفارة السودان في القاهرة محمد أحمد خليل موسى.

وأبدى القائم بالأعمال تفهمه لطرح إدارة مشروع الجزيرة ومساعيها إلى تأمين حاجات الموسم الزراعي الجديد، والعمل على ترتيب لقاء بين وزير الزراعة المصري ومحافظ المشروع، لبحث الترتيبات اللازمة لتمويل الموسم الزراعي الجديد بالجزيرة.

على الصعيد نفسه يعقد محافظ مشروع الجزيرة اجتماعاً مع أمانة جامعة الدول العربية في سياق إعلان استعدادها لدعم السودان من أجل توفير التمويل لمشروع الجزيرة، نظراً إلى دوره الرائد في سد الفجوة الغذائية في العالم العربي، كما التقى محافظ مشروع الجزيرة رجال أعمال سودانيين لبحث فرص التمويل اللازم لعدد من المحاصيل المقرر زراعتها في الموسم الجديد.

سباق مع الزمن

في السياق، يشير المحلل الاقتصادي عبدالعظيم المهل، إلى الأهمية القصوى لعامل الزمن للحاق بالموسم نظراً إلى ارتباط الزراعة بمواقيت محددة، بالتالي فإن أي تفريط في هذا الجانب ستكون له مضاعفاته المباشرة على الموسم.

وبسبب الصعوبات التي تواجهها المصارف السودانية في الوقت الراهن يقترح المهل الاعتماد على التمويل الخارجي في هذه المرحلة الحساسة، مضيفاً "الوضع الطبيعي والصحيح هو أن يبدأ التحضير للموسم الزراعي دائماً قبل أكثر من ثلاثة أشهر من الآن، لكن المشكلة في السودان هي نمط المركزية الخانقة والمحنطة في العاصمة الخرطوم بصورة تشل باقي الولايات الأخرى التي لم تتأثر بالحرب".

وأوضح المهل أن أول المعوقات التي تواجه الموسم هي مركزية التمويل، إذ تحتكر ولاية الخرطوم نحو 80 في المئة من التمويل بالسودان، مما سيؤثر سلباً في الموسم، فضلاً عن أن مدخلات التقاوي والأسمدة والمبيدات تتركز كلها أيضاً بالعاصمة الخرطوم على رغم أنها ليست ولاية زراعية بالدرجة الأولى.

ولفت إلى أن مشكلة الوقود تظل أيضاً من المسائل المعقدة التي تهدد الموسم، بخاصة بعد أن بات يستخدم كجزء من أسلحة الحرب، مما سيؤثر في حصص المشاريع الزراعية لا سيما في مناطق الزراعة الآلية، إضافة إلى أم المشكلات والمتمثلة في انعدام الأمن وعدم الاستقرار والشلل التام الذي أصاب مرافق البلاد التي باتت في حال حرب وتفشى فيها النهب المسلح.

الأولوية القصوى

يلفت المهل إلى ضرورة منح التحضير للموسم الزراعي الأولوية القصوى في هذه المرحلة، مقترحاً تسخير طائرات الإغاثة والمعونات لنقل التقاوي والمبيدات والأسمدة والوقود وكافة المدخلات الأخرى بدلاً من الإغاثات اللحظية والموقوتة.

ويقترح المتخصص الاقتصادي أن يتم تمويل هذا الموسم في هذه الظروف الحرجة بواسطة المجتمع الدولي والإقليمي مع تكفله بتوفير الحماية للمشاريع الزراعية، وكذلك استجلاب التقنيات الزراعية الحديثة وتحويل المشاريع الزراعية لتعمل بالطاقة الشمسية بدلاً من الوقود والكهرباء.

ودعا المهل إلى ضرورة استغلال هذه الحرب وكل هذا الدمار الذي حدث ليكون نقطة تحول بالنسبة إلى السودان والشخصية السودانية، أسوة بما حدث في كثير من الدول التي نهضت من بين ركام الحروب في أوروبا واليابان ورواندا وغيرها.

لا مجال للفشل

من جانبه حذر أستاذ الاقتصاد محمد الناير من أن الواقع الراهن يفرض على الدولة بذل كل ما في وسعها لإنجاح الموسم، لأن الإخفاق في ذلك سيعني مباشرة مواجهة البلاد نقصاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، مما سيؤثر في الوضع الغذائي وعلى الاقتصاد بصفة عامة، إذ يسهم القطاع الزراعي، إلى جانب تحسين أوضاع المزارعين وتوفير السلع والأمن الغذائي، بنحو ملياري دولار سنوياً كعائدات تصدير.

وأوضح الناير أن للدولة دوراً كبيراً في التنسيق بخصوص المشروعات الزراعية الكبرى والمزارعين في شأن تدبير أمر تمويل الموسم الزراعي عبر المصارف التي تعمل في نحو 16 ولاية تواجه عقبات في بدء موسمها حتى الآن، بخاصة أن الإنتاج الزراعي يتركز في الولايات، وتعتبر الخرطوم أقلها إنتاجاً باستثناء محاصيل الخضر والفواكه.

وشدد أستاذ الاقتصاد على أنه وإلى حين استقرار الأوضاع في الخرطوم وعودتها إلى دائرة الإنتاج الزراعي، لا بد من بذل كل الجهود الممكنة لإنجاح الموسم وتوفير التمويل والمدخلات المطلوبة وتأمين مياه الري للقطاع المروي، تجنباً للعواقب الوخيمة بدخول اقتصاد البلاد في نفق مظلم.

إشكاليات مصرفية

إلى ذلك، أكد جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، الذي يباشر عمله من مدينة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر شرق البلاد، عدم وصول أية جهة إلى الغرف الآمنة التي يتم فيها حفظ الأموال في بنك السودان المركزي أو المساس بها.

وأوضح الوزير أنه تجري معالجة الإشكاليات بين البنك المركزي وبقية المصارف في البلاد، في وقت لم تتوفر لديه الأرقام والإحصاءات حول حجم الدمار الذي لحق بمؤسسات الدولة نتيجة عدم المقدرة على الوصول إلى بعضها.

وعقد إبراهيم اجتماعاً موسعاً في بورتسودان ضم مديري المصارف وهيئة الموانئ البحرية والجمارك، وبحث فيه كيفية إعادة نظام التحصيل الموحد لدفع مرتبات موظفي الدولة في ظل توقف نظام المقاصة.

وكان وزير المالية رأس بقاعة مجلس وزراء في ولاية البحر الأحمر ببورتسودان الاجتماع المشترك لمديري المصارف التجارية وهيئة الموانئ البحرية والجمارك السودانية، بحضور والي الولاية المكلف فتح الله الحاج أحمد ونائب محافظ بنك السودان المركزي وبعض الجهات المعنية الأخرى.

وناقش الاجتماع بصورة أساسية الإجراءات المصرفية، وكيفية إعادة تشغيل نظام الخدمات البنكية الإلكترونية (EBS)، وكيفية سداد مرتبات العاملين بالدولة، وإيجاد معالجات لاستحقاق التخليص الجمركي في ظل توقف نظام المقاصة، وإلى جانب اطمئنانه على الأوضاع الاقتصادية بالبحر الأحمر، تابع وزير المالية انسياب العمل في الموانئ البحرية السودانية وهيئة الجمارك.

المساعدات الإنسانية

على صعيد ذي صلة، بحث الممثل الخاص للأمين العام الأمين للأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتس، 13 مايو (أيار) الجاري، مع رئيس مفوضية السلام السودانية سليمان الدبيلو، الجهود المبذولة لتهدئة الأزمة الحالية، وما تمخضت عنه محادثات جدة من تفاهمات، وتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين والمحتاجين.

وتعيش العاصمة السودانية منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل (نيسان) الماضي، أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد في ظل شح الخدمات وتناقص الإمداد الغذائي، ومع تواصل القتال لنحو قرابة الشهر باتت الحرب تنذر بأزمة إنسانية طاحنة بدأت ملامحها تظهر في عديد من مناطق وأحياء العاصمة السودانية، كما تهدد بجر البلاد إلى حرب أهلية طويلة الأمد.

المزيد من متابعات