ملخص
المأساة الأكبر عندما يجد اللاجئ نفسه مضطراً من جديد لرحلة لجوء أخرى في بلد ثالث.
إذا كان السودانيون النازحون يعيشون أقسى تداعيات النزاعات المسلحة، فالوضع يكون أكثر مأساوية بالنسبة لغيرهم من الجنسيات الأخرى، هؤلاء الذين لجأوا للسودان وعاشوا فيه طوال سنوات بصفة "لاجئين" هرباً من أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية متعثرة في بلادهم، كما هي الحال في إثيوبيا وإريتريا والصومال وغيرها. والآن فإن البلد الذي اعتبروه ملاذاً آمناً لم يعد كذلك وبات عليهم أن يغادروه إلى بلد ثالث.
وكشفت تقارير منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن أكثر من 30 ألفاً نزحوا نحو دولة تشاد، بينهم لاجئون كانوا يقيمون في السودان، بينما بلغت أعداد النازحين نحو الحدود الإثيوبية 15 ألفاً، أغلبهم لاجئون من إريتريا والصومال وسوريا، فضلاً عن الإثيوبيين الذين سبق أن فروا من بلدهم نتيجة النزاع الأخير في إقليم تيغراي، أو بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية، حيث دفعهم الشعور بعدم الأمان للعودة إلى بلدهم، الذي لن يكون سوى محطة لجوء أخرى، نظراً إلى بقاء مسببات هجرتهم السابقة.
أزمة البلد الثالث
وينص القانون الدولي بشكل واضح على حماية اللاجئين الفارين من بلادهم نتيجة النزاعات المسلحة، أو نتيجة الأوضاع السياسية، حيث تتعلق اتفاقية عام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 بوضع اللاجئين وتوفير الحماية لهم في بلد ثان.
وظلت المنظمات الدولية المعنية بهذه الفئة، لا سيما مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تعمل في هذا الاتجاه بالسودان، وظل البلد يستضيف مئات الآلاف من اللاجئين من دول الجوار، حيث تعد منطقة شرق أفريقيا من أكثر المناطق الطاردة لمواطنيها.
لكن المأساة الأكبر عندما يجد اللاجئ نفسه مضطراً من جديد لرحلة لجوء أخرى في بلد ثالث، من دون أن تتمكن تلك المنظمات من توفير أدنى متطلبات الحماية له في انتقاله، فضلاً عن عدم التزامها بنقله إلى دول أكثر أمناً.
وتشير التقارير الأممية إلى أن السودان لم يكن البلد الذي يوفر الحماية اللازمة لمن يلجأون إليه، بالتالي ظل يعتبر محطة عبور نحو دول أخرى، لتأتي الحرب الأخيرة وتجعله طارداً وغير آمن على حياة شعبه ناهيك بالنازحين من دول الجوار.
إجراءات أكثر تعقيداً
يذكر محمد الأمين، اللاجئ الإريتري الذي أقام في السودان لأكثر من ست سنوات، أنه اضطر إلى المغادرة نحو الحدود الإثيوبية، وعلى رغم حمله وثائق ثبوتية تابعة للمفوضية تفيد بكونه لاجئاً ما يلزم الدول باستقباله وتوفير الحماية له بموجب المعاهدات الدولية، إلا أنه تعرض لإجراءات أكثر تعقيداً في منطقة المتمة الإثيوبية.
ويقول الأمين لــ"اندبندنت عربية"، إن "ثمة تمييزاً واضحاً يمارسه ضباط الحدود الإثيوبيون في نقاط التفتيش، حيث يسمح لحاملي الإقامات في دول أجنبية، من السودانيين أو الأجانب بالعبور بيسر وبإجراءات أمنية أقل تعقيداً، ثم يأتي في المرتبة الثانية النازحون السودانيون، وفي المرتبة الأخيرة يأتي دور من يحملون صفة اللجوء في السودان".
ويبدي الأمين دهشته متسائلاً "كيف لدولة موقعة على اتفاقية عام 1951 الدولية، واتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969، حول اللاجئين، أن تترك من يحمل صفة اللاجئ بشهادة المفوضية السامية للأمم المتحدة في العراء لأيام قبل قبولها عبوره إلى أراضيها؟".
ويتابع أن "أوراق اللاجئ الثبوتية ينبغي أن تضعنا في مقدمة من يسمح لهم بالعبور، باعتبار أن تلك الاتفاقيات تضمن لنا الحماية، بخاصة أننا لم نحصل على هذه الأوراق إلا بعد الخضوع لجميع الإجراءات القانونية التي تفرضها المفوضية بشكل دقيق حالة بحالة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشدد الأمين على "ضرورة أن يتكفل مكتب المفوضية الأممية في إثيوبيا بالنازحين الجدد بشكل جدي وسريع، لا سيما من يحملون البطاقات الزرقاء"، ويؤكد أن "الأمر هنا لا يتعلق، باللاجئين الإريتريين فحسب، بل هناك لاجئون من جنسيات مختلفة أفريقية وعربية، يواجهون المصير نفسه".
وعن المخاطر التي يتعرضون لها يشير الأمين إلى أن "وجودهم في إثيوبيا لا سيما في المناطق الحدودية قد يعرضهم للاختطاف من قبل قوات النظام الذي هربوا منه، حيث لا تزال وحدات من الجيش الإريتري تتموقع بالقرب من تلك المناطق"، منوهاً بأن هناك "لاجئين مطلوبون لدى إريتريا لأسباب سياسية، ووجود الجيش واتساع تأثير أسمرة في إثيوبيا يعرضهم لمخاطر عدة".
ويكشف المتحدث أن "هناك سوابق عدة وقعت أثناء دخول القوات الإريترية رفقة حلفائها من الجيش النظامي الإثيوبي وميليشيات الأمهرا، لإقليم التيغراي، حيث تم خطف عدد من المعارضين إلى داخل الأراضي الإريترية، ولم يعرف حتى الآن مصيرهم"، وهو الأمر الذي لم يتسن لـ"اندبندنت عربية" التأكد منه من أطراف أخرى.
وفي تعليقه على الوضع الحالي داخل الأراضي الإثيوبية، يكشف أن "هناك نقاط استقبال موقتة أقيمت في مناطق عدة، لكنها غير مؤهلة لاستقبال أعداد أكبر من النازحين".
الانتقام من العائدين
من جهته أكد الناشط التيغراوي، مدير قناة "تيغراي ميديا هاوس" TMH ألولا سلمون، في لقاء تلفزيوني مع القناة، أن "هناك مآسٍ يتعرض لها اللاجئون التيغراويون، عند عودتهم إلى الحدود الإثيوبية السودانية".
وقال ألولا إنهم رفعوا مخاوفهم إلى المبعوث الأميركي الخاص لشؤون أفريقيا، السفير مايك هامر، الذي التقى في ولاية لوس أنجليس بالجالية الإثيوبية، وطرح الناشطون وممثلو مؤسسات المجتمع المدني التيغراوي، خلال اللقاء "أزمة النازحين التيغراويين من السودان نحو إثيوبيا، وما قد يواجهونه من تحديات مزدوجة، حيث إن أعداداً كبيرة منهم، كانوا قد فروا من الحرب الأخيرة نحو السودان، وها هم يضطرون للعودة الآن من دون توافر ضمانات كافية من الحماية، سواء من المفوضية الأممية أو الجيش النظامي على الحدود".
وأشار إلى أن "أعداداً كبيرة من هؤلاء مطاردون أو خاضعون للمتابعة من قبل الجهات الرسمية الإثيوبية، بقضايا تتعلق حول مشاركتهم في الحرب الأخيرة، كما أن هناك تهماً جزافية تلصق بمعظم الناشطين التيغراويين الهاربين من الحرب، في غياب النزاهة القانونية حول هذه الملفات، بالتالي هناك مخاوف مبررة من تعرضهم للانتقام من قبل الوحدات النظامية على الحدود".
وأفاد بأن "الناشطين طالبوا المسؤول الأميركي بإعادة النظر في قرار تعليق الإغاثة لإقليم تيغراي، والتي كانت تقدمها مؤسسة USID الأميركية، نظراً إلى تضاعف الحاجة للإغاثة لا سيما بعد تدفق النازحين من السودان نحو هذا الإقليم".
وكانت الإدارة الأميركية علقت الإعانات الإغاثية التي تقدمها لحكومة الإقليم، نتيجة اتهامات بالفساد، حيث أكدت أن "المواد الإغاثية لا تذهب إلى مستحقيها" بعد نشر عدد من وسائل الإعلام الأميركية، عن ذهاب تلك المعونات إلى الأسواق وليس إلى المحتاجين.
تدابير عاجلة
بدوره يرى الناشط الحقوقي الإثيوبي تادلي يرغا، أن "أمام المنظمات الدولية المعنية باللاجئين مسؤولية إنسانية وأخلاقية، فضلاً عن الدول الكبرى، لا سيما الراعية لاتفاقية بريتوريا للسلام"، منوهاً بأنه على رغم صحة الاتهامات الموجهة للسلطات في إقليم تيغراي حول التلاعب بالمواد الإغاثية، فإن المسؤولية الأخلاقية تحتم على المنظمات تدارك الأمر ومحاولة تنظيمه عبر اتباع تدابير من شأنها ضمان التوزيع العادل للمواد، بدلاً عن تعليقها، لا سيما بعد نزوح عشرات آلاف من اللاجئين نحو إثيوبيا".
ويقترح يرغا "نشر مراقبين أمميين يؤدون مهام متابعة المواد الإغاثية الموجهة للاجئين ولكل مستحقيها في الإقليم المنكوب". وطالب المفوضية السامية للاجئين بـ"ضرورة اتباع نهج جديد في معالجة الملفات الخاصة بمن كان لهم حق اللجوء في السودان في وقت سابق".