Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

باتجاه الينابيع... نار الخرطوم تذكي العودة إلى الأرياف

مواطنون: "الأزمات الاقتصادية ستتفاقم والأمن لن يعود والاشتباكات المسلحة مرشحة لتتجدد في كل لحظة"

قناعة البقاء في الخرطوم بدأت تتراجع عقب اندلاع الحرب (أ ف ب)

ملخص

على مدى عقود دفع الفقر المدقع في الريف والولايات، فضلاً عن الحروب والجفاف والنزاعات، مئات الآلاف من الأسر إلى الهجرة للعاصمة السودانية بحثاً عن واقع أفضل، فما سيفعلون الآن في ظل الحرب؟

تحدو الآمال سكان العاصمة السودانية الخرطوم ونازحوها في شأن الجهود الإقليمية لإيقاف الحرب وإعادة الاستقرار مع تقدم سير المفاوضات الجارية في مدينة جدة السعودية هذه الأيام برعاية سعودية - أميركية بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ويطمح كثيرون أن تقود هذه المساعي إلى وقف إطلاق النار بشكل نهائي وإنهاء الصراع المسلح من أجل عودة آلاف المواطنين إلى الخرطوم، بعد أن تركوها خلال أيام المعارك الأولى ونزحوا إلى الأقاليم ودول الجوار بحثاً عن أمان لا يجدونه في ظل دوي القذائف وطلقات الرصاص، بجانب الظروف المعيشية والافتقار إلى الخدمات الأساسية.

مع كل ذلك فإن ضبابية المستقبل في مرحلة ما بعد الحرب ووجود مؤشرات أزمة اقتصادية وهشاشة أمنية إضافة إلى إمكانية تجدد الصراع المسلح، تبرز كتحديات ربما تدفع سكان العاصمة إلى هجرة عكسية من الخرطوم إلى الأقاليم والأرياف في رحلة العودة إلى الجذور، وفي المقابل ستتجه الفئات الاقتصادية المقتدرة إلى دول الجوار مثل مصر وإثيوبيا وغيرهما.

رحلة إلى المنابع

على مدى عقود دفع الفقر المدقع في الريف والولايات، فضلاً عن الحروب والجفاف والنزاعات، مئات الآلاف من الأسر إلى الهجرة للعاصمة السودانية بحثاً عن واقع أفضل.

إزاء هذا الوضع تبقى الخيارات مفتوحة أمام المواطنين للعودة من جديد إلى العاصمة أو الهجرة العكسية كل بحسب وضعه الاقتصادي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المواطن فضل السيد عمر، قال إن "قناعة البقاء في الخرطوم بدأت تتراجع عقب اندلاع الحرب، لأن الأزمات الاقتصادية ستتفاقم بشكل كبير وسيطاول الغلاء كلف المعيشة اليومية نتيجة توقف أعمال المصانع بسبب تعرضها للحريق"، مضيفاً أن "انفراط الأمن سيقود إلى عدم الاستقرار حتى في فترة ما بعد الحرب".

وتوقع عمر تجدد الاشتباكات المسلحة في أية لحظة نتيجة لانعدام الثقة بين طرفي الصراع، علاوة على الزيادة الكبيرة في أسعار معظم السلع الاستراتيجية وكذلك الخدمات.

وأوضح فضل أن "الأيام الأولى للقتال أجبرته على النزوح إلى ولاية الجزيرة جنوب العاصمة الخرطوم، وأبناؤه يشعرون بدفء أكثر بعد أن تحرروا من قيود المدينة وإرهاقها".

ويتابع "كنت أزور قريتي كل عام في موسم الأعياد، لكني لم أكن أتخيل أن الحياة بها يمكن أن تكون أجمل من العاصمة بكثير"، لافتاً إلى أنه وبعد تفكير عميق قرر البقاء في الريف مع أسرته والاستقرار بشكل نهائي.

ثنائية الريف والمدينة

في المقابل، يرى بعض المواطنين أن خيار الاستغناء عن العيش في العاصمة الخرطوم غير ممكن، إذ تقول صفاء فضل إن "أسرتها لم تستطع الاندماج مع مجتمع الأقاليم، وأحوالها المعيشية لم تكن جيدة هناك، فضلاً عن القيود وغياب البرامج الترفيهية".

وأضافت أن "الولايات تفتقر إلى مدارس تعليمية مميزة، بجانب وجود الجامعات المؤهلة في العاصمة الخرطوم وحدها".

وتعتقد فضل أن "الأزمات الاقتصادية لن تنتهي بل هي مرشحة للتفاقم بصورة أكبر، لكن تلك الظروف لا تقف عائقاً أمام عودتها إلى الخرطوم حال توقف الحرب".

وتشير صفاء إلى أن الولايات والأرياف السودانية توفر بيئة صحية آمنة على صعيد الهواء النقي والأطعمة الطازجة وتعزز من العلاقات الاجتماعية، لكنها تفتقد كثيراً من الخدمات المهمة".

من جهتها، تقول كوثر حامد حسين، وهي ربة منزل "قررنا العودة إلى القرية في ولاية شمال كردفان غرب العاصمة الخرطوم، فهناك الأمر يبدو مختلفاً تماماً، إذ أشعرنا الفضاء الطلق والهواء النقي بأننا مثل الطيور التي تحررت من القفص، ووجدنا علاقتنا مع الطبيعة التي كنا نفتقدها، وأدهشتني قدرة الأطفال على التكيف مع أجواء الريف، ولم نشعر بملل على رغم أن القرية لا تقارن بالمدينة على صعيد وسائل الترفيه".

ورداً على سؤال عن الفارق في جودة التعليم بين العاصمة والريف وتأثير ذلك في مستقبل أبنائها. تقول كوثر "ما جدوى الانتساب إلى مدارس مغلقة في المدينة؟".

الباحث الاجتماعي المهدي عبدالله قال إن "ملامح الهجرة العكسية لسكان العاصمة الخرطوم نحو الأقاليم ستظهر عقب توقف الحرب وتفاقم الأزمات الاقتصادية لأعلى معدل وعدم الاستقرار الأمني".

وأضاف أن "العودة إلى الريف حركة طبيعية وحتمية في زمن الحروب، لأن القرية هي الحصن الأول والملاذ الآمن للفرد، بغض النظر عن محل إقامته ومكانته الاجتماعية".

ويتابع "بالنسبة إلى الأجيال الجديدة فهي مجرد تجربة حداثية أقرب إلى المغامرة، غير أن ما يرجح كفة على أخرى هو المقاربة التي يجريها بعضهم في ظل تفاوت الظروف المعيشية بين الريف والمناطق الحضرية، وأن استمرار الوضع الراهن قد يؤدي في المستقبل القريب إلى تفريغ المدن من العمال والموظفين، مما سيعوق عجلة الاقتصاد والنمو والتقدم".

الهجرة إلى الخارج

في الأثناء، تدفع ضبابية المستقبل كثيرين إلى الهجرة نحو الخارج بعد تلاشي الآمال عقب اندلاع الحرب، إذ يقول سعد محمد علي، شاب في مطلع العشرينيات إن "خيار الهجرة أصبح واقعاً لا مفر منه، لأن المستقبل مظلم أكثر من أي وقت مضى، لم أعد قادراً على أن أدفع ثمن ذلك من مستقبلي بلا وظيفة ولا حياة كريمة، وأقراني الذين هاجروا إلى أوروبا قبل ثلاث سنوات أنجزوا كثيراً، ووفرت لهم الدول التي لجأوا إليها فرصاً لا تحصى".

يشير أحد المواطنين ويدعى إسماعيل حسن إلى أن "أسرته اتخذت القرار الصعب وهو الاستقرار النهائي في مصر، لأن الأوضاع في العاصمة الخرطوم بعد الحرب ستكون في أسوأ حالاتها".

وأضاف أن "عائلته مقتدرة اقتصادياً وتستطيع تحمل كلف العيش والتعليم والسكن في القاهرة"، لافتاً إلى أن "الصراع على السلطة أضر كثيراً بالسودان وجعل سكانه مشردين في دول المهجر".

وأعلنت الأمم المتحدة أن أعداد الفارين من المعارك في البلاد إلى دول الجوار تخطت عتبة الـ100 ألف شخص، وكانت المفوضية السامية للاجئين حذرت من أن يؤدي القتال إلى فرار أكثر من 800 ألف شخص إلى الدول المجاورة. وقالت المفوضية إن أكثر من 75 ألفاً نزحوا إلى مناطق أكثر أمناً داخل السودان.

تعقيدات اقتصادية

المحلل الاقتصادي النذير الفاتح، قال إن "دولاب العمل سيتوقف عقب انتهاء الحرب بسبب حجم الخسائر التي تعرض لها القطاع الصناعي، مما يفقد آلاف الأسر مصادر رزقها، كما أن الأسواق لحق بها دمار يحتاج إلى سنوات لإعادة إعمارها، وهو وضع يهدد مصالح ملايين من سكان الخرطوم، بخاصة الفئات التي تتكسب رزقها من الأعمال اليومية مثل الباعة المتجولين والعمالة الموقتة".

وأضاف أن "حال عدم الاستقرار ستلقي بظلال سلبية على الاقتصاد مما يؤثر في حركة البيع والشراء بالأسواق"، موضحاً أن "الهجرة العكسية ستكون الخيار المناسب لكثيرين، خصوصاً أصحاب المداخيل المحدودة من الموظفين وغيرهم ممن عجزوا عن تأمين كلف الحياة اليومية، لأن الغالبية لن تكون لديها أزمة سكن في الولايات، بجانب توفر فرص العمل وسهولة الحركة من دون الحاجة إلى مواصلات ووسائل نقل".

وتوقع المحلل الاقتصادي بقاء نحو 70 ألفاً من سكان العاصمة الخرطوم خارج السودان من أجل الاستقرار هناك بخاصة الفئات الاقتصادية المقتدرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير