Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف نعالج جائحة الوحدة ونبني الشعور بالانتماء؟

هل الحكومات مجهزة فعلاً لمواجهة أزمة متشعبة كثيراً ومع ذلك شخصية جداً؟

الوحدة تشكّل تهديداً داهماً على قطاع الصحة العامة (رويترز)

ملخص

هل أصبحت الوحدة خطيرة إلى درجة تصنيفها بالجائحة؟

في 2 مايو (أيار) الجاري، أصدر الجراح الأميركي العام، الدكتور فيفيك مورثي، تقريراً إرشادياً رسمياً يعتبر أن الوحدة تشكّل تهديداً داهماً على قطاع الصحة العامة وتترتب عنها تداعيات وخيمة على عالمنا.

وبذلك، ينضم مورثي إلى وزير الوحدة البريطاني ستيوارت أندرو، ووزيرة الدولة للثقافة والإعلام والرياضة لوسي فريزر، اللذين أصدرا الشهر الماضي تقرير متابعة عن أول استراتيجية مشتركة بين عدد من وزارات الحكومة لمعالجة مسألة الوحدة في المملكة المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد اعترفت هذه التقارير بأن الوحدة باتت تعتبر اليوم أزمة تسبب سلسلة مشكلات صحية تشمل أمراض القلب والشرايين، والخرف، والجلطة، والإحباط، والتوتر. وفي هذا الإطار، كتب الدكتور مورثي قائلاً: "إن الوحدة تتخطى إلى حد كبير الشعور المحض بالانزعاج، وتضر بصحة الفرد والمجتمع على حد سواء".

وفي تحليل صادر على الحملة البريطانية لإنهاء الوحدة والمكتب الوطني للإحصاء، تبين أن العدد الإجمالي للبريطانيين الذين يقولون إنهم "غالباً" أو "دائماً" ما يشعرون بالوحدة ارتفع من 2.6 مليون شخص في عام 2020 إلى 3.3 مليون شخص في عام 2022. بالتالي، من الواضح أننا نختبر معاناة هائلة بسبب غياب التواصل.

لا شك في أن الاهتمام على أعلى المستويات بأزمة العزلة الاجتماعية هو من التطورات المرحب بها. وفي هذا السياق، تبقي الحكومة البريطانية على التزامها بالموضوع، وقد كرست مبلغ 30 مليون جنيه استرليني لزيادة فرص العمل التطوعي، واستثمرت مبالغ طائلة جديدة في حملات توعية وبحوث هدفها تحسين سبل معالجة الوحدة.

ومع ذلك، يبقى السؤال قائماً: هل الحكومات مجهزة فعلاً لمواجهة أزمة متشعبة جداً ومع ذلك شخصية جداً؟

للأزمة المذكورة جذور عميقة وواسعة النطاق أكثر مما يقره القادة في أغلب الأحيان. بالتالي، يعتبر مبلغ الـ30 مليون جنيه استرليني ضئيلاً جداً. ولا شك في أن الترفيه المستمر، والأتمتة، وخدمة إيصال الطعام، والذكاء الاصطناعي أخيراً، كلها أمور تعطينا انطباعاً بأننا لم نعد بحاجة إلى الآخرين كما في الماضي. وبالنسبة إلى الأجيال الأصغر سناً تحديداً، جاءت وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة أساسية للتواصل مع الآخرين، حلت مكان التفاعل الفعلي وجهاً لوجه.

ومع ذلك، ووسط جميع هذه الثورات الحاصلة، تبقى حاجتنا البيولوجية للتواصل البشري الفعلي وجهاً لوجه على حالها. 

في مسعى مني لفهم أزمة العزلة التي نواجهها اليوم، أجريت مقابلات وعملت مع مئات القادة والمفكرين المنضمين إلى هذا التحرك في عدد أكبر من المجالات، بدءاً بالطب ومروراً بالسياسة والأدب. وقد فاجأتني أجوبتهم.

قالوا إن إنهاء أزمة العزلة ستتطلب ترسيخ تجربة الانتماء - وهو رابط لا يقتصر على البشر، بل يشمل أيضاً البشر والقوة والغاية. بالتالي، نحن بحاجة إلى تطوير روابط لا تقتصر على أفراد المجتمع، بل على الانتماء إلى الأماكن، والشعور بامتلاك نصيب من المنافع المشتركة، والإحساس بالغايات.

وسط استكشافي لهذه الرؤية القائمة على مفهوم الانتماء، وقعت على مجموعة واسعة من الحلول المتوافرة لمعالجة جائحة العزلة. وعرفت أنه على صعيد المجتمع، توفر منظمات على غرار "شركة ثيمز للأوبرا" Thames Opera Company منتدى للأشخاص الذين يعانون من العزلة الاجتماعية، يتقبلهم الآخرون فيها كما هم، بغض النظر عن مدى قدرتهم على الغناء.

وتتوافر حلول أخرى أكثر نظامية، من بينها برنامج "مقعد الصداقة" Friendship Bench الذي أحدث ثورة في مجال الصحة العقلية في زيمبابوي، وهو برنامج تدريب جدات خضعن لعلاج كلامي بالاستناد إلى أدلة، فتحدثوا إلى أشخاص آخرين على مقاعد البلدية. وقد كشف البرنامج المذكور كيفية التخفيف من العزلة الاجتماعية من خلال المعاملة بالمثل. بالتالي، بينما عمدت الجدات إلى استشارة أشخاص آخرين، شعرن بأن الأخريات يسمعنهن ويرونهن، فساعدهن ذلك على الإحساس بالانتماء. بالتالي، تحول البرنامج المذكور إلى نموذج يحتذى به حول العالم.

يمكننا التفكير أيضاً في حلول عالمية، لا سيما تلك التي تعتمد على مقاربة تستخدم البيانات. وفي هذا السياق، تستحدث منظمات على غرار "سوشل بروغرس إمبراتيف" Social Progress Imperative إجراءات جديدة شاملة لتعزيز التنمية الاقتصادية والسلامة النفسية البشرية، وهي تعتمد، بعكس إجمالي الناتج المحلي، على قدرة البشر على التواصل.

تتطرق مبادرات كهذه لشتى جوانب هذا التحدي بفاعلية. أما الدرس الرئيس الذي بنظر رؤساء الحكومات، فتمثل بالتفكير على نطاق أوسع. بالتالي، إن أردنا تحويل أزمة مدمرة للصحة الجسدية والعقلية، فلا بد أن ننظر إلى جميع سياساتنا عبر منظار الانتماء. وقد يؤدي ذلك إلى اتخاذ قرارات مثيرة للارتياب - على صلة مثلاً بطريقة تنظيم شركات التواصل الاجتماعي، أو تحديد المبالغ التمويلية التي تخصصها هيئة الخدمات الصحية الوطنية لبرامج الصحة العقلية.

لا شك في أن التقرير الجديد الذي وضعه الجراح الأميركي العام هو خطوة في هذا الاتجاه، وهو يضع خطة من ستة أجزاء، تحدد كيفية تقديم الحكومات والشركات والمنظمات غير الحكومية لسلسلة من الحلول. ولا بد للمملكة المتحدة أن تطور استراتيجية مماثلة. وفي نهاية المطاف، يكمن السؤال في ما إذا كان القادة سيكرسون اهتمامهم ومواردهم لهذا التحدي.

أما الخبر السار، فهو أن المملكة المتحدة لديها وزير للوحدة. وهذا التعيين هو الأول من نوعه، وقد تصدر العناوين عالمياً ووضع إلى الواجهة تعريف مشكلة حيوية. بيد أن هذا المنصب غالباً ما حصر نشاطه بنطاق ضيق يقوم على صنع السياسات الاجتماعية.

ويضطلع الوزير بأدوار أخرى ضمن حقيبته الوزارية، ولا يحضر الاجتماعات الأعلى مقاماً بين الوكالات. وفي حين يعجز صانعو السياسات عن إيجاد حل لجائحة الوحدة، من شأن القطاع العام أن يصنع فرقاً في هذا المجال، عبر توظيف موارد فعلية واعتماد مقاربة حكومية شاملة فعلاً لمواجهة التحدي القائم.

باختصار إذاً، يبقى علينا أن نحد قليلاً من الوحدة التي يشعر بها وزير الوحدة.

كيم سامويل عالمة أكاديمية ومؤلفة كتاب "حول الانتماء: إيجاد صلة تواصل في عصر من الوحدة" On Belonging: Finding Connection in an Age of Isolation. وهي مؤسسة مركز سامويل للتواصل الاجتماعي.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة