من المحزن حقاً أن تقف متفرجاً بينما تتهاوى أمام ناظريك مدينتك التي كانت تتمتع بالطمأنينة والتسامح، وهي تتلظى بحرارة الصيف المحرقة.
غداً عند الساعة الثالثة عصراً بالتوقيت المحلي، من المتوقع على نطاق واسع أن تبلغ المواجهة والغضب مستويات جديدة في أحدث حلقة في سلسلة المظاهرات الجماهيرية في هونغ كونغ التي تخرج دون انقطاع خلال عطلة نهاية الأسبوع منذ أواخر يونيو (حزيران).
هذا الحدث المسمى ’استرداد يوين لونغ‘ هو استجابة منسقة للأحداث المروعة التي وقعت مساء الأحد الماضي، عندما هاجمت مجموعة غاضبة من الأوباش أفراداً من العامة بعصي الخيزران في إحدى محطات ميترو الأنفاق، بينما كان رجال الأمن يغضون الطرف.
هناك ما يكفي من المقاطع المصورة لما حدث في محطة يوين لونغ على وسائل التواصل الاجتماعي. إنها تُظهر الركاب المروَّعين واقفين في عربة قطار مفتوحة، محاولين الدفاع عن أنفسهم بالمظلات، بينما كان البلطجيون العنيفون الذين يرتدون قمصاناً بيضاء يعتدون عليهم ويحاولون ضربهم بالعصي والسواري. وكانت النتيجة دخول أكثر من 40 شخصاً إلى المستشفى. ويشير أحد التقارير غير المؤكدة إلى أن امرأة حامل أرديت على الأرض من الضرب بينما لا يزال أحد الركاب في حالة صحية حرجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت جماعة الأوباش، التي يُعتقد أنها تنتمي إلى عصابة الجريمة المنظمة الصينية المعروفة باسم (المثلث)، تستهدف المتظاهرين ضد مشروع قانون تسليم المجرمين المثير للجدل، لكنها في نهاية المطاف أخذت تهاجم بشكل عشوائي كل الركاب الذين يرتدون ملابس سوداء (وهو اللون التقليدي الذي يرتديه المتظاهرون)، وأي شخص لم يرق لهم على ما يبدو.
أُريقت دماء الناس على تلك الأرضية الرخامية المصقولة في مركز رئيسي للنقل العام، وما زال صعباً على العديد من السكان المحليين استيعاب هذه الأحداث. إنها أكثر مدينة آمنة في العالم، أو على الأقل كانت كذلك، ومع أن الناس في هونغ كونغ توقفوا منذ زمن عن التنبؤ بالمستقبل، فإن الكثيرين يخشون أن يكون القادم أسوأ.
رفضت الشرطة يوم الخميس الترخيص لمسيرة "استرداد يوين لونغ"، لكن لا أحد يعتقد أن يؤثر هذا بشكل كبير على أعداد المتظاهرين الذين سيحضرون. ونظراً لفشل ضباط الشرطة في الحضور بتأخرهم أكثر من 30 دقيقة، وإبدائهم تردداً بتنفيذ الاعتقالات في يوين لونغ في نهاية الأسبوع الماضي، فإنهم يجاهدون للمحافظة على ثقة الشعب.
لقد اتُهموا بالتواطؤ مع عصابة المثلث، ولا تحظى القوة التي كانت تُلقّب في يوم من الأيام بـ’نخبة آسيا‘ بثقة الكثيرين الآن. بدلاً من التظاهر، تروَّج الملصقات على وسائل التواصل الاجتماعي الآن لرحلات التسوق في يوين لونغ وحتى للصلوات الجماهيرية الحاشدة في المدينة، لكن الجميع يعرفون تماماً القصد من ورائها.
لقد زرتُ في السابق يوين لونغ مرتين فقط، وفي الحالتين، حدث ذلك لمجرد أنني ركبت الحافلة المتجهة إلى المكان الخاطئ. إنها مدينة جديدة راسخة ونفعية تضم حوالي 150.000 نسمة، تقع في شمال غرب الأقاليم الجديدة في هونغ كونغ التي يشير إليها بعض السكان المحليين بأنها الغرب المتوحش. لعدة أيام هذا الأسبوع، أُغلقت المدينة مع تجول الأوباش في الشوارع مثل مشهد بائس من هايتي في سبعينيات القرن الماضي.
ظل الغضب والمواجهة والاستقطاب ينفجر لسنوات، لكن هذه الموجة الأخيرة من العصيان المدني نجمت عن محاولة الحكومة تقديم مشروع قانون تسليم المجرمين. إن هذا الإجراء غير الشعبي، ومنذ أعلنت الرئيسة التنفيذية ’كاري لام تشانغ يويت نغور‘ أنه أُخمد، طرح احتمالاً مخيفاً بترحيل المعارضين السياسيين ليواجهوا النظام القضائي التعسفي في أراضي البر الصيني.
الدافع الأعم وراء "ثورة القبعات الواقية" ( التي أخذت اسمها من أغطية الرأس التي يرتديها المتظاهرون) يمكن إرجاعه إلى حركة المظلات التي حدثت عام 2014 وما قبل ذلك. هناك استياء مرير مما يراه الكثيرون تآكلاً القيم الليبرالية التي تحظى بمقام جليل في هونغ كونغ، وتواطؤَ الحكومة مع الأعمال التجارية الكبرى وبكين، فضلاً عن قلق أعم بأن الهوية الفريدة للمدينة مهددة.
هذا الاستياء تركنا محاصرين في معركة من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والدم المسال والهجمات العشوائية للأوباش بقضبان الخيزران. إنها ليست حرباً أهلية بعد، ولكنها تخرج عن نطاق السيطرة بوتيرة تنذر بالخطر. هناك نقاش مفتوح حول موعد إرسال بكين جيش التحرير الشعبي لاسترجاع النظام ونشر الدبابات أمام المتاجر الفاخرة في المدينة. أسرعت الحكومة بدحض هذا الخيار.
الإدارة السياسية لكاري لام خسرت كل ما يتعلق بالمصداقية أو الشرعية. لتلقيها دعم بكين ونخبة الشركات وعصابات الجريمة المنظمة الآن على ما يبدو. ما زالت متعنة تماماً أمام مطالب عامة الناس. عندما زعمت الشرطة أنها عثرت على معدات لصنع القنابل في مبان تستاجرها جماعات سياسية مؤيدة للاستقلال، خامر الناس شك على الفور.
إن شباب هونغ كونغ الذين أتحدث إليهم ليسوا من الثوار العتاة النمطيين، لكنهم مصممون ونموذجيون ومستميون. يبدو معظمهم ضعفاء للغاية، وأي مهارات لديهم في فنون الاحتجاجات في الشوارع قد اكتسبوها من خلال تصفح هواتفهم المحمولة في مراكز التسوق المكيفة، وليس في معسكرات تدريب شبه عسكرية في الصحراء.
يوم السبت، قامت ناشطة محلية شابة ستقوم بعمل تقرير عن احتجاجات يوين لونغ للمجلة التابعة لجامعتها بإعارتي قبعتها الواقية الاحتياطية. هذه الطالبة الهادئة البالغة من العمر 22 عاماً والتي تمتلك بنية جسدية ضئيلة، قد تعرضت مرتين للتو للغاز المسيل للدموع. إنها تصر على كتابة كلمة "صحافة" بالأحرف الصينية على قبعتي الصلبة، وتوصيني بتوخي الحذر.
لا أحد يعلم ما هي الخطوة المقبلة. هناك شعور بأنها قد تكون ثورة، لكن هناك إحساس بإنها قد تكون كارثة حتى إشعار آخر. باختصار، لا أحد يتوقع نهاية سعيدة.
© The Independent