Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يوم نقلت فريدة بليزيد أحلى حكاية من "ألف ليلة" إلى السينما

"كيد النساء" عن الأنثى التي وضعت وليدها في البئر وانتقمت وخلقت أسطورة

فريدة بليزيد: الفرصة الضائعة (مهرجان مراكش السينمائي)

ملخص

تحكي المخرجة المغربية فريدة بليزيد في فيلمها "كيد النساء" قصة الأنثى التي وضعت وليدها في البئر وانتقمت وخلقت أسطورة

كانت الفكرة في حد ذاتها جيدة وجديدة، وكان يمكن أن تكون واعدة، وكان يمكن (بالتالي) أن تسفر عن فيلم مميز يفتح آفاقاً، والحال أن متابعي شؤون السينما العربية، بشكل عام، والسينما المغربية بشكل خاص، أحسوا يومها بشيء من الرضى حين عرفوا قبل فترة من إنجاز الفيلم أن المخرجة فريدة بليزيد مقبلة على تحقيق فيلم يتناول تلك الحكاية الشبيهة بحكايات ألف ليلة وليلة، وإن لم تكن منتمية إليها، الحكاية التي تحولت إلى فيلم حمل عنوان "كيد النساء". غير أن الذين شاهدوا الفيلم حين عرض، لا سيما خلال تظاهرة "مهرجان السينما العربية" في باريس، لم يتمكنوا من إخفاء خيبة أملهم، لأن الفيلم لم يأت في نهاية الأمر على حجم طموح صاحبته، وعلى حجم سمعتها الجيدة كواحدة من أبرز المخرجات العربيات النساء، ولا على حجم ما كان متوقعاً منه.
جماليات مبهرة

ومع هذا يمكن القول الآن، إن "كيد النساء" تبدى، على صعيد جمالياته، جيداً، إذ عرفت المخرجة كيف تستفيد بشكل مميز من الديكور الجميل الذي أتيح لها، وكذلك من أشكال الممثلين النضرة لا سيما ساقية أكاريو، التي قامت في الفيلم بدور عائشة، والملابس الزاهية.  إذاً، امتلكت المخرجة في هذا الفيلم كل العناصر التي كان يمكن أن تجعل منه فيلماً جميلاً أو مصقولاً على الأقل، غير أن النتيجة لم تكن مماثلة لتلك التي كان يمكن حقاً، أن توفرها تلك العناصر كلها مجتمعة، فأين الخطأ؟ الخطأ هو نفسه الذي يتكرر في كل مرة يشاء فيها سينمائي أن يحول حكاية أو أسطورة إلى فيلم سينمائي، حين لا يتنبه إلى أن الحكاية الأسطورية المتناقلة شفهياً عبر أجيال وأجيال، تكتسب قيمتها وأهميتها عادة من كينونتها الشفهية تلك، بحيث تلعب شخصية الراوي دوراً أساسياً في إثارة الانبهار أو توصيل الرسالة، أو الحكاية حتى إن كانت من دون أية رسالة، وفي هذا الإطار يظهر الفيلم المصور كوسيط مزيف لجوهر الحكاية، وذلك لأنه وبكل بساطة يلغي الراوية ليجعل الجمهور المتفرج/ المستمع على تجابه مباشر، مع لعبة الإيهام بالواقع التي هي لعبة السينما الأساسية، وفي غياب الوسيط هنا، يصبح الفعل المباشر للعمل عبئاً عليه، فالحكاية الأسطورية تحمل عادة من المبالغة الضرورية، ما يتراكم مع مرور الزمن ويعطي النص ذلك السحر الذي يجعل اللامعقول معقولاً، وهنا حين يجد المتلقي نفسه وقد تلقى العمل، مروياً، قادراً على القبول به وربط الحبكة بالمعنى ناهيك بقدرته على تخيل الملابس والسحنات والديكورات بشكل يجعل من مشاركته المباشرة هذه، عنصراً أساسياً في وصول النص وتألقه.

دور أساسي للكورس

في السينما لا يكون الأمر على هذا النحو، إلا على يد مخرجين كبار يعرفون أن ما يقدمونه يخضع لشروط التلقي الدائمة، من هنا( وكما فعل سيرغاي بارادجانوف مثلاً في "أشباح الجدود المنسيين" أو "أحصنة النار")   يفرضون على المتلقي أن يظل على تعامله مع الأسطورة كأسطورة، مذكرينه في كل لحظة، عبر الوجود الدائم للكورس أو للراوي، أو أي بديل آخر عنه (عدا الكاميرا المباشرة) لأن الكاميرا لا يمكنها أن تكون وسيطاً ثالثاً، طالما أنه يفترض بها أن تكون عين المشاهد المباشرة، وهكذا إذ يظل مبدأ التغريب من طريق الوسيط حاضراً، يصبح بالإمكان التعاطي مع اللامعقول والأسطوري من دون وجل، أما حين يغيب الوسيط فإن عيوب الحكاية ولا معقوليتها تصبح عبئاً عليها، صحيح هنا أن فريدة بليزيد أدركت هذا الأمر، بحيث جعلت حكاية للا عائشة، تروى من طريق سيدة عصرية تحاول أن تحكي الحكاية لولديها في مجال تأكيدها على قدرة الأنثى على أن تكون متفوقة على الرجل عقلياً.
غير أن فريدة بليزيد وقعت هنا في ما كان وقع فيه السينائي المصري رضوان الكاشف قبلها بعامين، حين حقق فيلمه الأسطوري الجميل "عرق البلح"، بادئاً إياه بما يفيدنا أن ما نراه إنما هو حكاية ذات بعد أسطوري تروى من طريق طرف عاشها أو سمع بها، لطرف من المفروض أنه معاصر، وأن عليه أن يتلقى الحكاية على أنها واقع وهي ليست بواقع: في الحالتين، عاد كل من المخرجين، ونسي هذا البعد في سياق العمل حتى غيبه تماماً، وفتح علاقة مباشرة بين المتفرج والأسطورة، وهذه العلاقة أفقدت الأسطورة أسطوريتها، وجعلت المتفرج يقول في نهاية الأمر: لا... لا يمكن لمثل هذا الشيء أن يحدث.

حكاية للا عائشة
هذه الأسطورة، هي طبعاً حكاية الصبية الحسناء للا عائشة، ابنة التاجر الثري، التي يربيها والدها بكل حب وحنان، وسط مجموعة من النساء والمربيات، لا سيما المربية دادا فاطمة بن سعيدان، متألقة كعادتها، هذه المربية جعلت الطفلة، إلى جمالها، كائناً خرافياً في ذكائه وطيبته، وأيضاً في مزاجيته واعتداده بنفسه، يحدث لللا عائشة أن تقع أنظار ابن ملك البلاد عليها فيفتن بها، وهي جارته الأقرب والمعتنية دوماً بحدائقها وزهورها، ويقع في حبها، وتقع هي أيضاً في حبه، لكن الأمير، مثل كل ذكر في نهاية الأمر، لا يستسيغ تمرد عائشة عليه ومجابهته مجابهة الند للند، إذ ترد على سخريته منها بأقسى، وتقابل كل مقلب ينصبه لها بمقلب أصعب، وفي نهاية الأمر "تُرغَم" عائشة على الزواج من الأمير، لكنهما بدلاً من أن يستكملا حكاية حبهما، يقع التناحر بينهما، وهو بدلاً من أن يواصل حياته الزوجية معها، يسجنها داخل بئر في إحدى غرف قصره ويقول لها إنها ستظل سجينته حتى تعترف، مثلاً، بأنه هو أذكى منها. تقبل عائشة مصيرها، لكنها ترفض ذلك الاعتراف، فماذا يحدث؟ يبقيها سنوات وسنوات، لكنها ترفض الرضوخ وتتمكن من أن تحفر نفقاً يوصلها إلى بيت أبيها. وهكذا حين تغيب عنها أعين الأمير، تتسلل إلى بيت الأب وتمارس حياتها الطبيعية، بل إنها، وهذا هو جوهر الحكاية، تتوصل إلى إقامة علاقة طبيعية مع زوجها الأمير، في مناطق ومناسبات مختلفة، وتنجب له ولدين، من دون أن يعرفها. وفي نهاية الأمر يكبر الولدان ويكشفان الحقيقة لأبيهما فيستعيد حياته مع فاتنته وتنتهي الحكاية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لامعقولية وترميز
واضح هنا مدى لا معقولية الحكاية، ولكن قدرتها الترميزية أيضاً، وقدرتها على أن تقول مكانة المرأة وحيويتها، و"كيدها" بحسب ما ينبئنا عنوان الفيلم. ففي "كيد النساء" ربما تكمن المشكلة الأساس في السيناريو، إذ بسبب انحصار الزمن السينمائي وقصوره هنا عن تقديم عمل تستغرق أحداثه في الحكاية أكثر من عقد من السنين، يبدو السيناريو سيء الإيقاع، غير مدرك للعبة مرور الزمن، إذ إنه، بعدما مهد للعلاقة بين الحسناء والأمير بشكل جيد وطريف، نراه يحقق قفزات زمنية مضحكة ومربكة، خلالها لا يتبدل شيء حتى ولا ملابس أصحاب العلاقة، ولعل أطرف الأمور في هذا السياق، هو أن الأمير يهدي أستاذه الكتبي ذات يوم جارية حسناء، لكن الكتبي يرفض استعباد الجارية ويزوجها بعدما يطلقها، ثم تمضي عشر سنوات يرى الأمير أستاذه بعدها فيسأله "كيف رأيت الجارية التي أرسلتها إليك؟".
هنا في مثل هذه الأمور لا تبدو في أحسن حالاتها الكتابية، ولا بالتالي الإخراجية، سينمائية سبق لها أن اشتهرت ككاتبة سيناريو، منذ كتبت وأسهمت في أفلام مثل "جرح في الحائط" 1978 و"عرائس من قصب" 1979 لجلالي فرحاتي ثم "البحث عن زوج امرأتي" لمحمد عبدالرحمن التازي" كما اشتهرت بفيلمها الأول كمخرجة "باب على السماء" 1988. فريدة بليزيد، في "كيد النساء" حققت تراجعاً يكاد يضاهي التراجع الذي سجلته زميلتها التونسية مفيدة التلاتلي بين فيلمها الأول "صمت القصور" وفيلمها الثاني "موسم الرجال"، لكنها أي فريدة بليزيد، فعلت ما هو أسوأ، استحوذت على فكرة متميزة وأساءت إليها، جاعلة منها فيلماً مضجراً، تقريباً، ويمكن تفاديه في نهاية الأمر.

المزيد من ثقافة