Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتحدر "ألف ليلة وليلة" المشرقي من "مئة ليلة وليلة" المغاربي؟

لمخطوطة المكتشفة في متحف برلين أقدم من مخطوطة "حكايات شهرزاد" بـ500 سنة

شهرزاد بريشة الرسامة الأرمنية رندا دو شادرفيان (صفحة الرسامة على فيسبوك)

جاءت أحداث كتاب "مئة ليلة وليلة" على لسان "فهراس الفيلسوفي"، الشخصية متخيلة، التي لم تأتِ على ذكرها المعاجم ولا كتب التراجم، هذا الكتاب هو قرين كتاب "ألف ليلة وليلة" وشقيقه، وربما الأصل الذي تحدّر منه تحدّر الوليد من الوالدة. منذ الصفحات الأولى يحتفي هذا الحكيم "المتخيل" بكتابه الذي اشتهر بين الناس، وذاع صيته في المملكة حتى بلغ أمره الملك "دارم"، فأرسل يدعوه إلى المثول بين يديه لتكريمه والإشادة بعمله الكبير.

هذه هي القصة الإطارية الأولى التي تستهل بها أحداث "مئة ليلة وليلة"، وهي، بلا شك، تذكر القارئ بالقصة الإطارية التي استهل بها كتاب "كليلة ودمنة"، وباللقاء الذي انعقد بين دبشليم الملك وبيدبا الفيلسوف، والذي أفضى إلى تأليف كتاب "كليلة ودمنة".

نرسيس العربي

تأتي القصة الإطارية الثانية ليسرد الفيلسوف من خلالها، بلغة ثقيلة المستويات، مفعمة بالرموز والصور، حكاية الملك المفتون بجماله، الذي ينظر، كل سنة، إلى المرآة، ثم يسأل حاشيته: "هل تعلمون أحداً في الدنيا أحسن مني صورة؟ فتجيبه مجتمعة: لا أيها الملك، فيستبشر لذلك".

هكذا كان دأبه سنين عديدة، حتى كان ذلك اليوم الذي صاح فيه شيخ كبير من كبراء دولته: "أيها الملك، إذا دخلت الأمصار، وجلت البلاد، رأيت بأرض بابل بمدينة خراسان شاباً من أبناء التجار أجمل منك صورة. وجلي أن هذا الجزء من الحكاية الإطارية، قد انتقل، عن طريق "مئة ليلة وليلة" إلى الآداب الأوروبية التي استلهمته، وأعادت صوغه بطرائق شتى، بل وجدنا هذا الجزء يتسرب إلى أدب الأطفال ليصبح إيقاعاً متواتراً في الكثير من أعماله. تستمر الحكاية الإطارية لتكون أحداثها أقرب إلى أحداث "ألف ليلة"، وربما تتقاطع معها في الكثير من الفصول.

تقول الحكاية: يغضب الملك بعد أن علم بوجود فتى أكثر منه وسامةً، فيأمر الشيخ بالذهاب إلى خراسان ودعوة الشاب الوسيم إلى قصره. يستجيب الشيخ لأوامر الملك، ويذهب إلى أرض خراسان، ويلتقي الشاب الوسيم، ويدعوه إلى النزول ضيفاً على الملك "دارم"، فيوافق على ذلك. وما إن شرع الرجلان في السفر إلى أرض الهند حتى تذكّر الفتى بعض الأغراض التي نسيها في بيته، فعاد إليه، ليجد زوجته نائمة في سريره، وإلى جانبها عبد أسود، فيعمد إلى قتلهما، ثم يرجع إلى الشيخ وقد تغير لونه، وساءت حاله. ركب الرجلان البحر ينتقلان من ميناء إلى آخر والفتى "يزداد كل يوم تغيراً"، حتى إذا وصلا إلى بلاد الهند نظر الملك إلى ضيفه الخراساني، فتعجب من شحوب وجهه وسوء حاله، فدعا إلى إنزاله في "دار الكرامة" حتى يزيل عنه التعب.

وبينما كان الفتى يتجول، ذات يوم، في بستان القصر شاهد زوجة الملك تخون زوجها مع عبد أسود، عندئذٍ زال عن الفتى ما أصابه من هم، فأقبل على الطعام والشراب حتى استرد عافيته. تعجّب الملك من حاله، فطلب منه أن يخبره بحقيقة ما جرى، فأخبره بما رآه، فأمر الملك بقتل زوجته وعشيقها العبد، ثم قرر أن يتزوج بفتاة عذراء كل ليلة، ليقتلها في صباح اليوم التالي.

هنا يتقاطع "ألف ليلة وليلة" و"مئة ليلة وليلة" على نحو واضح وصريح، ليتباعد الأثران، من جديد، بعد ذلك، فقد علمت ابنتا الوزير بقتل العذارى، فطلبت شهرزاد من أبيها أن يعرض على الملك زواجها وزواج أختها دينازاد. يتزوج الملك دينازاد بينما تقبل شهرزاد على سرد الحكايات، يتوالد بعضها من بعض، في ضرب من التداعي الذي لا يرد لتبلغ سبع عشرة قصة.

بين "الألف" و"المئة"

ثمة إجماع يشارف على أن كتاب "مئة ليلة وليلة" كان أسبق من كتاب "ألف ليلة ليلة"، وأقدم تداولاً، بل كان، في رأي البعض، أصل الليالي العربية. فهذه المستشرقة الألمانية "كلوديا أوت"، صرحت بأنها عثرت في متحف غروبيوس برلين في مارس (آذار) 2010 على مخطوطة لـ"مئة ليلة وليلة" تعود إلى عام 632هـ 1234م، وبذلك كما تقول، تكون هذه المخطوطة أقدم بخمسمئة عام من أقدم مخطوط معروف لـ"ألف ليلة وليلة". وبناءً على طبيعة الخط وأسلوبه تستنتج "أن المخطوط مغاربي، من شمال أفريقيا أو الأندلس. ويمكن لهذا المخطوط أن يكون المفتاح الذي يبحث عنه العلماء المتخصصون منذ عهد بعيد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا الرأي نفسه يتبناه الباحث محمود طرشونة الذي يؤكد أسبقية "مئة ليلة وليلة"، مستنداً إلى مواقف عدد من المستشرقين الذين قرأوا النص قراءة داخلية، وتأملوا بنيته، فوجدوا مقدمته، أو القصة الإطارية، هي بالأصل الهندي أوثق صلة، وهذا ما أكدته الكاتبة سهير القلماوي، وهي تتحدث عن "ألف ليلة وليلة". لكن  طرشونة لا يكتفي بذلك، بل يعمد إلى المقارنة بين العملين من حيث اللغة والبنية ليصل إلى عدد من النتائج، أهمها أن الأثرَين لا يشتركان إلا في رواية حكايتي "الفرس الأبنوس" و"ابن الملك والوزراء السبعة"، وهاتان الحكايتان مشهورتان منذ القرن الرابع الهجري، وترددتا في الكثير من كتب الأدب. وبذلك يستبعد طرشونة أن تكون "ألف ليلة وليلة" متحدرة من "مئة ليلة وليلة"، ويقر بأنهما استُقيتا من المصادر نفسها ولم تتأثر إحدهما بالأخرى.

أصول تونسية

لئن أكد الباحثون أن كتاب "مئة ليلة وليلة" ذو أصول هندية، إلا أنهم نفوا أن يكون ترجمة عربية لكتاب هندي، فبنيته وبعض حكاياته هندية الأصل، إلا أن الروح المهيمنة على كل نصوص الكتاب هي الروح العربية، وبالتحديد الروح المغاربية. ولاحظ أن كل مخطوطات الكتاب مغربية الخط، عثر على أكثرها في شمال أفريقيا، بل ذهب إلى أن الكتاب تونسي الرواية، معتمداً على بعض النسخ التي اتخذت من القيروان إطاراً مكانياً لحكاياتها، مشيراً إلى أن الفضاء في "مدينة النحاس" يذكر بكهوف الجنوب التونسي، لافتاً الانتباه إلى بعض العبارات المستقاة من الدارجة التونسية تسربت إلى الكتاب.

هذه الملاحظة الأخيرة ربما دفعت الباحث محمود طرشونة إلى تأمل لغة الكتاب وتراكيبه، فوجد أن الكثير من عبارته تفصيح لتراكيب معروفة في اللهجة التونسية الدارجة، وقدم أمثلة كثيرة من العبارات والتراكيب المستلهمة من العامية التونسية ترددت تردداً واسعاً في الكتاب.

غير أننا نذهب إلى أن هذا الكتاب لا ينتمى إلى بلد مغاربي واحد، بل ينتمي إلى كل البلاد المغاربية التي أسهمت مجتمعة، في وضعه، تماماً مثلما أسهم العراق وسوريا ومصر في وضع كتاب "ألف ليلة وليلة"، بل نجنح إلى القول إن كل بلد مغاربي كتبه بلهجته المخصوصة. في هذا السياق نفهم وجود النسخة التي استخدمت اللهجة التونسية والنسخة الجزائرية التي استخدمت اللغة الأمازيغية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة