Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دروس التاريخ أثبتت أن إلغاء الملكية فكرة غير سديدة   

إذا كان النظام الملكي فعالاً فعلى الأجيال المقبلة أن تفكر ملياً قبل محاولة إصلاحه وإلا سينتهي الأمر في أحد الأيام بعواقب غير مرغوب فيها على الإطلاق

النظام الملكي البريطاني أبعد ما يكون عن الكمال لكن الكمال في السياسة عملة نادرة (غيتي)

ملخص

التجربة التاريخية تحذر من قلب النظام الملكي ما لم يكن معطلاً.

أظهرت استطلاعات الرأي في المملكة المتحدة في الفترة التي سبقت تتويج تشارلز ملكاً على بريطانيا، أن تأييد الناس للنظام الملكي آخذ في التراجع (أعرب ما بين 42 و45 في المئة أنهم ضده، أو هم نسبياً غير مبالين). يضاف إلى ذلك أن غالبية واضحة من فئة الشباب (68 في المئة) تعارض استمرار المؤسسة الملكية، أو لم تحسم موقفها في ما يتعلق بما يجب أن يكون عليه مستقبل تلك المؤسسة.

والواقع أنهم ما لم يغيروا رأيهم مع تقدمهم في العمر، فقد تخسر الملكية دعم الأغلبية في مرحلة ما، في العقود القليلة المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، يمكن أن ينظر إلى الأمر على أنه انتصار للمساواة والديمقراطية، وعلى أنه يشكل ضربة للامتيازات. لكن دروس التاريخ تشير إلى أن العكس قد يكون صحيحاً. وبينت معظم الأمثلة على إلغاء أنظمة ملكية في دول كبرى، أنه بعد زوال تلك الملكيات، تعزز دور اليمين السياسي وتآكلت قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة والحرية.

فعندما تمت إطاحة (وإعدام) سلف تشارلز الثالث، الذي يحمل الاسم نفسه وهو تشارلز الأول، في عام 1649 (بعد ستة أعوام من اندلاع الحرب الأهلية)، كان بديله الجمهورية "الكرومويلية" (نسبة إلى أوليفر كرومويل)، بطريقة ما، أكثر قمعاً مما كان عليه تشارلز.

وعندما ألغى الفرنسيون نظامهم الملكي في عام 1789، كانت الجمهورية البديلة بالتأكيد أكثر قمعاً مما كان عليه الملك المخلوع (بحيث أعدم الجمهوريون أكثر من 17 معارضاً سياسياً وسجنوا أكثر من 200 ألف شخص).

في العصور الحديثة، كان النمط مشابهاً في كثير من الأحيان أو حتى أسوأ. ففي عام 1910 ألغى البرتغاليون نظامهم الملكي على أمل أن يكون لهم مستقبل أكثر تقدماً. لكن بدلاً من ذلك، خضعوا خلال 16 عاماً لديكتاتورية يمينية استمرت حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي.

كذلك وضع الروس في عام 1917 حداً لنظامهم الملكي، لكنهم حصلوا بدلاً منه على سلسلة حكومات كانت أكثر استبداداً بلغت ذروتها في حكم جوزيف ستالين الذي قتل ملايين لا تحصى من الناس.

وعلى نحو مماثل أسقط الألمان نظامهم الملكي في عام 1918، على أمل تحقيق مستقبل أفضل لهم. لكن ما حدث بدلاً من ذلك، أنهم بعد 15 عاماً فقط، وقعوا في قبضة ديكتاتورية عنصرية يمينية متطرفة، بقيادة زعيم أعلى جديد، هو أدولف هتلر. وقد أخذهم هذا التحول مباشرة إلى الحرب العالمية الثانية ومحارق اليهود (هولوكوست).

أما في خارج أوروبا، فغالباً ما أدى إلغاء أنظمة ملكية إلى فترات من انعدام الاستقرار والقمع الشديد. ومن الأمثلة الأكثر وضوحاً على ذلك، إطاحة شاه إيران في عام 1979. فقد رحب الشعب الإيراني في البداية برحيل ملكهم - لكن بديله الجمهوري آية الله الخميني أثبت أنه أكثر قمعاً.

بطبيعة الحال، قام جميع هؤلاء الملوك المخلوعين - على رغم أنهم كانوا أقل استبداداً بشكل ملحوظ من خلفائهم الجمهوريين - بممارسة قمع بشكل نسبي. وعلى النقيض من ذلك، لا يمكن وصف النظام الملكي البريطاني الراهن بأنه قمعي بأي شكل من الأشكال. وفي الواقع، لا تتمتع الملكية هنا بأية سلطة سياسية تقريباً ولن تكون قادرة على القيام بذلك. والسبب هو أنها تفتقر حقاً إلى صدقية ديمقراطية، إذ إنها ليست منتخبة من الشعب، وليس لديها تفويض لممارسة أية سلطة حقيقية.

 لكن هذا الافتقار للصدقية الديمقراطية هو على وجه التحديد ما يجعل الملكية بمثابة قلب فعال لنظامنا السياسي من جهة، ومحايد لا يتمتع بسلطة من جهة أخرى. فبريطانيا تتمتع بالاستقرار جزئياً لأن قلب نظامها السياسي ببساطة لا يتمتع بالصدقية أو بالحق الديمقراطي في الانخراط في السياسة. حتى لو أراد الملك القيام بهذه الخطوة، فهو لن يتمكن من ذلك.

إلا أن أي شكل من أشكال رئيس الدولة المنتخب (أي رئيس أو ما يعادله)، سيتمتع بشكل بديهي بدرجة معينة من الصدقية الديمقراطية - ومن المؤكد إلى حد ما، أنه سننخرط (في مرحلة ما) بقوة في الصراعات السياسية على السلطة. وكما اكتشف عدد من مناهضي الملكية في الماضي، فإن خلع الملوك (أو الملكات) يمكن أن يكون مصدر متاعب ومشكلات لا تنتهي على شكل "صندوق باندورا" Pandora Box في الأساطير اليونانية (باندورا هي أول امرأة بشرية أعطاها الإله زيوس صندوقاً يحوي جميع الشرور للبشر). ومن المستحيل تالياً ضمان عدم حدوث عواقب سلبية غير مقصودة.

وتبين وفق الأمثلة التاريخية التي تم التطرق إليها أعلاه، أن اليمين السياسي وليس اليسار، هو الذي يستفيد من إلغاء الأنظمة الملكية. لكن لماذا؟ يقول المثل الشهير إن "السياسة تمقت الفراغ"، بالتالي فإن إزالة جزء كبير من البنية التحتية السياسية للبلاد (حتى لو كان هذا الجزء عاجزاً كما الحال عليه في الوقت الراهن) سيفسح في المجال لأجزاء أخرى من النسيج السياسي بأن تتسلل لملء الفراغ الناشئ.

من المؤسف أن التاريخ أثبت بوضوح أن العناصر التي تنساق إلى هذا الفراغ وتحتل الحيز الذي كان يشغله النظام الملكي في السابق، هي عادة من اليمين المتشدد، وليس من الخط الليبرالي أو اليساري.

وذلك لأن الملوك يجتذبون بشكل غير متناسب ولاء اليمين (بدلاً من اليسار)، وعندما يتم عزل الملوك (أو حل الأنظمة الملكية)، فإن هؤلاء الموالين للملكية يصبحون إلى حد ما، مشردين سياسياً لجهة الولاء - على رغم أن ذلك لا يدوم عادة لفترة طويلة!

وفي عصر الشعبوية اليمينية، غالباً ما يكون الرؤساء المنتخبون من اليمين السياسي. ومن بين الأمثلة الرئيسة المعروفة سواء أخيراً أو في الفترة الراهنة، يبرز رؤساء دول عدة، بدءاً من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، مروراً بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وصولاً إلى الرئيس البرازيلي بولسونارو.

والواقع أن نظام رئيس منتخب للدولة في بريطانيا، ربما يفضل اليمين أكثر من النظام البرلماني البحت. وذلك لأنه من الأسهل انتخاب "رئيس قوي" شعبوي واحد، سواء كان رجلاً أم امرأة، بدلاً من ضمان التزام غالبية أعضاء البرلمان بشكل موحد بسياسات اليمين الشعبوية.

يضاف إلى ذلك أنه حتى لو تمتع رئيس منتخب حديثاً بمقدار محدود من السلطة السياسية في بداية الأمر، فإن انتخابه بحد ذاته، سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، يمنحه صدقية ديمقراطية كبيرة، من شأنها في نهاية المطاف أن تسهم في تقويض سيادة البرلمان أو حتى تحديه. فالتاريخ الحديث حافل بأمثلة كثيرة على الصدامات الرئاسية والمشاحنات البرلمانية والمآزق التي تعرقل عمل حكومات فاعلة، وتجعل أداءها أكثر صعوبة.

إن نظامنا الملكي أبعد ما يكون عن الكمال، لكن في عالم السياسة يعد الكمال عملة نادرة. فإذا لم يكن مصيره الانهيار، يتعين على الأجيال المقبلة أن تفكر ملياً قبل محاولة إصلاحه، وإلا يحتمل أن ينتهي الأمر بنا في أحد الأيام بأن نواجه عواقب غير مرغوب فيها على الإطلاق.

ديفيد كيز هو مراسل علم الآثار في "اندبندنت" يغطي الشؤون المتعلقة بالتاريخ والآثار

 

 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء