Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر تخلد آلام العبودية بـ"موسيقى القرقابو"

لون فني للأعراس والولائم الكبيرة لسكان الجنوب وعنصر جذب سياحي مميز

تستحوذ موسيقى القرقابو على مكانة مميزة بين مختلف الأنواع التي يزخر بها الجنوب الجزائري  (حقوق الصورة محفوظة – مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

"القرقابو" الجزائرية من بين أقدم الأنواع الموسيقية في المغرب العربي وأفريقيا وترتبط تاريخياً بحقبة الرق

بين شوارع وأزقة مدن الجنوب الجزائري ، تخطف مجموعات من الشباب بأزياء خاصة الأنظار وتشبع الآذان بمقطوعات من موسيقى القرقابو على آلات تقليدية تصدر ألحاناً وإيقاعات منسجمة تبعث في المستمع جرعة من البهجة وتأخذه إلى تاريخ عريق من تراث الرقص الشعبي المتوارث منذ قرون.

"القرقابو" من بين أقدم الأنواع الموسيقية في المغرب العربي، بل وقارة أفريقيا بأسرها، وترتبط بآلة عريقة تحمل الاسم نفسه، وتحتل مكانة معتبرة بين مختلف الألوان الموسيقية الأخرى التي تزخر بها مناطق الجنوب الجزائري.

وعلى رغم وجود العديد من الآلات الموسيقية الشهيرة في العصر الحالي، إلا أن "القرقابو" واحدة من الآلات التي لم يعهدها كثيرون، وتتميز بها بعض الدول الأفريقية وتمثل لها تراثاً عريقاً.

ما القرقابو؟

آلة حديدية تقليدية يصدر صوتها إيقاعاً يطرب الآذان، تتكون من جزءين أساسين لهما الشكل نفسه، وهما عبارة عن مضربين يحتويان على قمة وقاعدة مقعرة، وتحتوي على قرصين من المعدن في المنتصف، ويصاحبها الضرب على الطبل أو الدف بواسطة عصا مصنوعة من شجرة الصنوبر والزان أو الرمان.

ويستعان بهذا النوع الفني في إقامة الأعراس والولائم الكبيرة التي يحتفل بها سكان مناطق الجنوب سنوياً، أو خلال إقامة المهرجانات السياحية التي تشهد زيارة وفود من داخل وخارج البلاد.

 

 

والقرقابو ليست مجرد آلة يتم العزف عليها فحسب، بل تحولت إلى معزوفة موسيقية شهيرة، كما ارتبطت بها رقصات خاصة تعرف بـ"الديوان والبرج والبنقة"، وتتناول في نصوصها "الصفات الحسنة والدعوة إلى الخير والمحبة بين الناس والحياة الاجتماعية".

لم يتم إدخال كل اللمسات العصرية على "القرقابو"؛ حفاظاً على هويتها والأصالة والتراث الغنائي الصحراوي، مع الغناء على إيقاعها باللباس العربي والتقليدي، منه "العمامة" و"السروال" إلى جانب القميص والحذاء المصنوع من جلد الجمل الذي يسمى "الرنجة".

جذور الإبداع

وتعتمد رقصة "القرقابو" على الخفة، وهي من أصعب الرقصات في الغناء المحلي لأن الفرقة تقوم بتدريبات صعبة لتوفير رقص موحد ومدروس، وعن طريق حركات يؤديها قائد المجموعة ويتبعه الأعضاء بأداء موحد، بالإضافة إلى استعمال آلة "البخارة"، تعبيراً عن نمط الحياة والبيئة الصحراوية.

خلال حقبة السبعينيات، انتشرت العديد من الورشات المختصة في صناعة الآلة التي انتقلت بموسيقى القناوي إلى العالمية، لكنها تشهد حالياً نقصاً كبيراً بسبب عزوف الشباب عن تعلمها من جهة وتوجههم إلى أعمال تدر عليهم أرباحاً مالية.

ودفع الانتشار الكبير لموسيقى "القرقابو" السلطات الجزائرية إلى الاهتمام بهذا اللون الفني، حيث نظمت وزارة الثقافة والفنون، في 27 أبريل (نيسان) الماضي، مهرجاناً محلياً خاصاً بها في محافظة أدرار (جنوب) في إطار المشاريع الحكومية الخاصة بالجمعيات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الدراسات التاريخية تشير إلى أن آلة "القرقابو" والرقصة المصاحبة لها ليست نتاج منطقة أدرار جنوب الجزائر. حتى وإن اختلف الباحثون حول أصلها بين من يرى أنها ذات أصول أفريقية وآخر يشير لقدومها من المشرق العربي، فمن المؤكد أن المنطقة كانت معبراً لجميع الثقافات والعادات والتقاليد نظراً لانفتاحها على موريتانيا ومالي والنيجر من الناحية الجنوبية، والساقية الحمراء والمغرب غرباً، وتونس وليبيا من الشرق.

يقول رئيس جمعية قرقابو للأصالة والمعاصرة المحلية نوري ايقيل عطرتو، إن فن "القرقابو" توارثته الأجيال بمنطقتي أدرار وتيميمون، موضحاً أنه موسيقى إيقاعية تزيد النشاط لدى العازف، ما يجعل الإقبال يتزايد عليها من الشباب بمرور الوقت.

وهذا النوع من الفن – وفقاً لعطرتو- يلقى رواجاً كبيراً في الجزائر لأنه يعبر عن موروث ثقافي أصيل، حيث يتم تنظيم حفلات وعروض فنية كبيرة بالبلاد ومنها المدن الشمالية.

ويشير إلى أن الفرق التي تؤدي رقصات "القرقابو" تتكون من العديد من الأشخاص قد يصل عددهم إلى 60 بين عازفين وراقصين.

متنفس العائلات

المتخصصة الجزائرية في حفظ وترميم التراث فضيلة دلدلي، أكدت بدورها أن رقصة "القرقابو" تعتبر موروثاً ثقافياً محلياً له امتدادات في العمق الأفريقي باعتبار أن منطقة تيميمون الواقعة بمحافظة أدرار كانت ملتقى للقوافل التجارية.

وقالت دلدلي إن التقاطع السياحي للقوافل أسهم في بروز هذا اللون الموسيقي الذي تحول بمرور الزمن إلى ممارسة اجتماعية تعبر عن تطلعات فئة هشة تتمثل في العبيد خلال فترة انتشار تجارة الرق التي كانت سائدة سابقاً.

 

 

ولطالما امتازت منطقة تيميمون بالطابع الفلاحي وتطلب الأمر الاستعانة بالعبيد للقيام بأعمال الزراعة فيها قديماً، ومنه ظهرت موسيقى "القرقابو" التي تجسد معاناة هذه الفئة من العبودية.

وتشير الباحثة إلى أن رقصتها، حالياً، أصبحت متنفساً للعائلات، وتعكس التكافل الاجتماعي في المنطقة ويتم تنظيمها في مختلف المناسبات الاجتماعية والدينية.

من جهته، يقول رئيس جمعية تيفاوتزيري الثقافية للمحافظة على الأصالة والتراث بالجزائر أوصديق عبد الحي، إن الموروث الشفوي موسيقى ورقصة "القرقابو" ذو امتدادات أفريقية بارزة إلى العصر الحالي، نتيجة الاحتكاك مع بلاد السودان، حيث يشكل غناؤه وإيقاعاته بوجود آلاته الموسيقية كوريغرافيا من لغة الساحل لشعوب عدة امتدت أصولها إلى ما قبل مجيء الإسلام واستمرت حتى اليوم.

وأكد أن رقصة "القرقابو" بمثابة كتاب مفتوح يروي معاناة طبقة هشة كادحة عاشت بالمنطقة قديماً قبل الإسلام، على رغم الظروف الصعبة التي لازمتها.

ويرى أن التعاون بين نساء هذه الطبقة التي تشهد عليها أكلاتها التقليدية من صنع أناملها، والتسامح ولَمّ الشمل بين رجالها يبدو جلياً في فرق وفودها لأداء رقصاتها، والمحبة والألفة بين صغارها، حيث كانت دائماً أولى القيم والمبادئ التي وجب التثبت بها من أجل مجتمع متعايش سلمياً وآمن اجتماعياً عبر الفترات المتلاحقة.

ويشير إلى أن المنطقة امتزجت فيها العديد من الثقافات العربية والأمازيغية والأفريقية، حيث جمعت تيميمون كل هذه الثقافات التي تعايشت مع بعضها وصنعت هذا النوع من الفن.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات