Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

4 مسرحيات عن البحر للأميركي أوجين أونيل برؤية سورية

شخصيات مأسوية تخوض صراعها على تخوم الموت غرقاً بين الأمواج

مشهد من المسرحية السورية المقتبسة من الأميركي أوجين أونيل (خدمة الفرقة)

ملخص

شخصيات مأسوية تخوض صراعها على تخوم الموت غرقاً بين الأمواج

عاد الفنان سامر عمران في عرضه الجديد "مسرحيات البحر" إلى المرحلة المبكرة من كتابات أوجين أونيل-(1888-1953) مستعيراً النصوص التي استلهما الكاتب الأميركي من أجواء البحر مقتبل القرن الفائت، والتي كان عمران قد حققها هو أيضاً في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق عام 2013. يعيد المخرج السوري التجربة هذه المرة مع ممثلين من "كلية فنون الأداء- جامعة المنارة" في مدينة اللاذقية، محاكياً بقوة ظروف بلاده على مسارح مدينتها البحرية.

العرض الذي جاء كتوليفة درامية لأربعة نصوص قصيرة كتبها أونيل عن صراع شخصيات على تخوم الموت، حاول مخرجه البحث عن كيفية إيجاد شراكة فعلية بين ست ممثلات وأربعة عشر ممثلاً بذلوا جهداً جماعياً للوصول بشخصيات صاحب مسرحية "رغبة تحت شجرة الدردار" إلى منعطفات خطرة، وإلى استيعاب تقلبات هذه الشخصيات النفسية، والمضي معها حتى آخر لحظة من الأحداث، عبر أسلوب البوليفونيا (تعدد الأصوات)، بحيث يكون الأداء بعيداً من الصراخ والقفز على الخشبة، والتخلي عن ميلودية الصوت الواحد في العرض المسرحي، والذهاب نحو نوع من الأداء المنضبط والخالي من الجلبة والزعيق واستجداء عواطف المتفرج، إضافةً إلى تكريس تمرين الممثل على الغوص في البعد النفسي للشخصية. وهذا ما وجده مخرج العرض في نصوص "مسرحيات البحر" كفرصة لتحقيق مادة فرجة، تكون فيها لحظات درامية واضحة جمعت بين الحب والقسوة في آنٍ، ومن غير الدخول في تعقيدات تعيق تواصل الممثل مع الشخصية.

واعتمد عمران أسلوب "الدبل كاست" لتأدية المسرحيات الأربع، التي امتدت كل واحدة منها إلى 25 دقيقة، بما يعادل 100 دقيقة كزمن كامل للعرض، لكن من دون الإبقاء على انفصال تام بين شخصيات النصوص الأربعة، بل بتقديمها متجاورة ومتداخلة. فيلتقي القبطان الطموح بالأب الذي فقد صوابه، وزوجة القبطان اليائسة بالمغنية التي تموت عطشاً في عرض البحر. ومثلهم يلتقي العامل الذي يواجه الجنتلمان بين أسماك القرش المفترسة، مع العامل الذي كسر ظهره ومات بلا مراسم وداع. أجواء قام بإعدادها مخرج العرض كي تتناسب مع أسلوب تعدد الأصوات، والذي استعاره عمران من عالم الموسيقى، ليوظفه هنا كتناغم جماعي بين شخصيات لا تموت حتى تلبث وتضج بالحياة من جديد في صراع درامي محموم.

ظمأ وبحر أحمر

يبدأ العرض من العتمة مع نص بعنوان "ظمأ". صرخات تطلقها شخصيات العرض الثلاث، وهم: المغنية (قامت بأدائها كل من لما غريب، ولين سليمان) والجنتلمان (إبراهيم الطبولي)، والعامل (يوسف طجميه). يطالب هؤلاء بشربة ماء بعد تحطم سفينتهم وغرق طاقمها، وتمكنهم من النجاة على متن قارب تتناقله الأمواج في عرض البحر. المغنية والجنتلمان يتهمان العامل بدايةً، بأنه يخفي الماء عنهما، ويبدأ كل منهما بتوجيه الإهانة له على خلفية طبقية. يحدث هذا وقد اقتربت أسماك القرش من القارب، بينما يقوم العامل بتمتمة نوع من التعاويذ لإبعاد ضواري البحر عنه. وتبدأ المغنية باستذكار ماضيها الفني العريق، وكيف كانت تغني للدوق على سطح السفينة، وكيف كافأها الدوق بعقد من اللؤلؤ الطبيعي مقابل غنائها ورقصها له. بينما يستعرض التاجر تاريخ ثرائه الفاحش، ورغبته في العودة سالماً إلى قصره وبستانه. يشرع كل منهما بمحاولة التفكير كيف يحصلان على الماء من العامل الذي يظنان بأنه يخفيه عنهما.

في البداية تقدم المغنية عقد اللؤلؤ الثمين له كي يعطيها ولو شربة ماء واحدة تبقيها على قيد الحياة، لكن العامل يغضب من تصرفها ويدفعها عنه، مكملاً التجذيف. ثم لا تلبث المغنية بالعودة نحوه، لكن هذه المرة تقدم له جسدها رشوةً مقابل أن يسقيها شربة ماء، مما يدفع العامل هذه المرة إلى أن يستشيط غضباً من تصرفها، ومن سوء ظنها به بأنه يخبئ الماء عنها. في هذه اللحظة تصل المغنية إلى حالة من الهذيان وفقدان صوابها، وتشرع في النداء على مصممة أزيائها، كي تقوم بإلباسها ثوبها الأبيض استعداداً لإحياء حفلة مرتقبة على متن السفينة. ويظهر أن المغنية قد دخلت فعلاً في حالة من الوهن النفسي والهزال الجسدي الشديدين، فتكمل فقرتها هذه وهي تنادي على الموسيقيين والخدم، إلى أن تذوي وتنهار جثةً هامدة على أرضية المركب.

هنا يقترب العامل من جثة المغنية، ويسأل التاجر: هل فعلاً ماتت؟ فيجيبه التاجر بأنها ماتت فعلاً. يخبره العامل أن السماء أنقذتهما، وصار لديهما الآن طعام، ويقصد بأنه سوف يأكل جسدَ المغنية. وفعلاً يقترب العامل من جثة المغنية حاملاً سكينه، إلا أن التاجر يدفعه عنها، ثم يقوم برمي جثة المغنية في البحر. وسرعان ما تنقض عليها أسماك القرش الجائعة، فيصير الموج بلون الدم، لتنشب على خلفية ذلك معركة بين العامل والتاجر، تنتهي بوقوع كلٍ منهما في البحر، وانقضاض أسماك القرش عليهما، بينما يبقى عقد اللؤلؤ يتدلى في قعر القارب الذي يتهادى بين أمواج قانية محاطة بأسماك القرش.

زيت الحيتان

العرض الثاني جاء بعنوان "زيت الحيتان" فيأخذنا عمران منذ البداية إلى ذروة درامية عبر شخصية مساعد القبطان (سمير بدور) الذي يقوم بتوضيب المكان، وقد خالجته حالة من النزق، فيخبر القبطان (أنيس الحكيم) بأن الوضع في السفينة ليس على ما يرام، وأن البحّارة على وشك أن يقودوا تمرداً ضده، وأن زوجته -زوجة القبطان- (أدت الدور كل من راما محفوض، ومريم إبراهيم) في حالة نفسية سيئة بعد مضي عامين على إبحار السفينة من مينائها. لكن القبطان لا يصغي إلى طلب مساعده بالعودة إلى الديار، والتخلي عن إكمال المهمة التي أبحروا من أجلها، وهي هنا الحصول على زيت الحيتان بعد صيدها. وفي اللحظة المناسبة يقوم القبطان بإطلاق النار على قدمِ صياد الحيتان بعد أن يسأله العودة، وأن المؤن قد نفدت من عنابر السفينة. وهنا تتدخل زوجة القبطان، وترجو رجلها أن يكف عن عناده، وأنها وصلت إلى مرحلة من عدم تحمل ظروف السفر البحري.

لكن القبطان يذكّرها بأنها هي من أصرت على أن تسافر معه، على رغم تحذيره لها مراراً، بأن السفر في البحر لا يناسب النساء، ولا قِبل لهن لاحتمال ظروفه القاسية. لكن الزوجة تصل إلى مرحلة استعطافه، وتذكيره بحلمهما المشترك في إنجاب طفل يحمل اسمهما، وهنا تلين عريكة القبطان، ويفكر بالعودة. لكن في هذه اللحظة تعلو صيحات البحارة عن رؤيتهم للحيتان عند منحدر القطب، فيتراجع القبطان عن قرار العودة، ويأمر طاقم البحارة ومساعديه بتحويل دفة السفينة نحو جزيرة الحيتان. لا يكون من الزوجة سوى الانزواء وحدها مع آلة الأورغن التي جلبها لها زوجها، فتشرع بالعزف عليها بصمت وهي تبكي، وتصعد موسيقى الأورغن عالية في المكان على شكل جُناز يرثي مقتل الحيتان التي تعود وتصبغ البحر باللون الأحمر الدامي.

عنبر البحارة

"المبحرون شرقاً إلى كارديف" عنوان الفقرة الثالثة من عرض "مسرحيات البحر"، وفيها يتابع الجمهور حياة مجموعة من الرجال في عنبر البحارة. تعلو أصواتهم الرخيمة بالغناء والمزاح في أجواء مرحة، فتتوضح هيئة رجل كسر ظهره بعد سقوطه من على سطح السفينة إلى أرضية العنبر. بينما نشاهد أحد البحارة وهو رجل أحدب أقرب في هيئته إلى بهلول شكسبير، وما إن يزداد أنين الرجل المكسور الظهر، حتى يوقف البهلول صخب رفاقه، ويطلب من رفاقه أن يخبروا القبطان للحضور والاطلاع على وضع الرجل المُصاب.

وفعلاً ما هي سوى لحظات حتى يحضر القبطان، لكن الأخير يكتفي بالأسف والتحسر لعدم تمكنه من فعل شيء من أجل الرجل المسكين، ويعِد البحّارة بأنه سوف يطلع على بعض الكتب الطبية المتوافرة لديه في قمرة القيادة، كي يعرف ماذا بالإمكان فعله. هنا يفقد الرجل المصاب وعيه ويموت، فيرمى جثمانه للبحر بعد تكفينه بقماش بسيط، وتلاوة الصلاة على روحه، ليعود لون البحر ويصطبغ مجدداً بالأحمر الدامي. تتعالى أصوات البحارة من جديد مشتكين سوء حياتهم وظروفهم، وابتعادهم لأشهر طويلة عن عائلاتهم في أعالي البحار طلباً للرزق والحياة الكريمة. ويلاحظ هنا ميل أوجين أونيل المعروف للحديث عن طبقة العمال والمسحوقين، والدفاع عن حقوقهم بالحياة والعيش الكريم، وقد أدى هذه الفقرة من العرض الممثلون: حيدرة اسمندر، وهادي طنيش، وعمر الأعور، وعامر إسماعيل.

الفقرة الختامية في "مسرحيات البحر" نص "حيث وضِعَتْ علامةُ الصليب". تبدأ أحداث القسم الأخير من هذه التجربة مع وصول الابن ومعه طبيب نفساني يطلعه على ما آل إليه والده القبطان المتقاعد، من حالة نفسية صعبة بعد غرق سفينته، وتحويله للبيت الذي يقطنونه إلى ما يشبه سفينة. إذ قام برهن البيت للبنك من أجل الذهاب في رحلته الملعونة لجلب الكنز من جزيرة مهجورة. والأب بعد كل هذا لا يمل ولا يكل من الوقوف على سطح البيت (السفينة)، وانتظار رفاقه عائدين من رحلة إحضار الكنز الذي قاموا بطمره في تراب إحدى الجزر المهجورة. فعلاً وبعد اطلاع الطبيب النفساني على حالة الأب المزرية، يقرر الذهاب والعودة مع اثنين من معاونيه، ليقوموا بمساعدته لجلب الأب عنوةً إلى المصح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأخت تكشف مكيدة الابن، وتخبر أباها بما يخطط له شقيقها، فهو يقوم بذلك بعد أن تسبب الأب ببتر يده في تلك الرحلة المجنونة التي قادها أبوه نحو جزيرة الكنز. وما هي سوى لحظات حتى يحضر الطبيب ومعه اثنان من معاونيه، فتتعالى صرخات الأب من سطوح البيت، وهو يصيح بأن السفينة وصلت ومعها كنزه الموعود. الغريب في الأمر أن الابن يصدق صرخات أبيه، ويشرع بالصراخ معه، لكن الأب ونتيجة فرحه بوصول السفينة التي ينتظرها بعد طول انتظار، يصاب بأزمة قلبية ويموت. هنا ينصرف الطبيب مع معاونيه، وتنتهي المسرحية.

قام بأداء الجزء الأخير من العرض الممثلون: مروى سليمان، ويوسف المرعي، وسليم خندريه، وآلاء جهاد الخطيب. وقد نجح هؤلاء في إيجاد لحظات حارة وصادقة في الجانب النفسي العميق للشخصيات التي قاموا بأدائها، بتوظيف مقتصد لقطع الديكور (تصميم جماعي)، والاشتغال على توزيع حزمات الضوء ضمن مجال الإضاءة العامة- (تصميم جماعي).

هكذا بدا عرض "مسرحيات البحر" بمثابة تمهيد لمشروع عرض آخر عن عالم البحر يعمل سامر عمران حالياً عليه مع الممثلين ذاتهم، وهو مأخوذ عن روايات "الياطر" و"الثلج يأتي من النافذة" و"المصابيح الزُرق" و"نهاية رجل شجاع" و"على الأكياس" للكاتب السوري حنا مينة (1924-2018). ولعلها محاولة جديّة للإضاءة على المعضلة السورية وطلاسمها المحيرة، والإطلالة على واقع رحلات الهروب على متن قوارب الموت لآلاف من اللاجئين السوريين الذين ابتلعهم البحر قبل أن يصلوا إلى وجهتهم.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة