ملخص
صنعت #غوغل روبوت الدردشة #"بارد" الذي يعطيه #الذكاء_الاصطناعي القدرة على #توليد_النصوص، وجاءت المفاجأة أن الروبوت تعلم بنفسه لغة لم يدربه الخبراء البشريون عليها
الخبراء الذين صنعوا روبوتات الدردشة لا يعرفون الطريقة التي تعمل بها. قد تبدو الجملة غرائبية، بل قد يرفضها كثيرون للوهلة الأولى، لكنها ترددت في غير مقال لكبار المتخصصين في الذكاء الاصطناعي، في سياق نقاشاتهم التي اندلعت في الآونة الأخيرة حول الروبوت المتمتع بالذكاء بالقدرة على توليد محتوى متنوع، خصوصاً النصوص المكتوبة. وبالطبع، تفجرت تلك النقاشات عقب الصعود القوي لروبوت الدردشة التوليدي "تشات جي بي تي" Chat gpt، وما تلاه من تطورات.
ولعل الأكثر جدة في ذلك المسار يتمثل في الخبر الذي نشره موقع "فيوتشريزم" المتخصص في المعلوماتية والاتصالات المتطورة، عن أن روبوت الدردشة "بارد"Bard استطاع ترجمة نصوص كاملة بلغة لم يدربه اختصاصيو الذكاء الاصطناعي عليها ضمن عملية تعليم الآلات التي تعد الركيزة الرئيسة في عمل روبوتات الدردشة. ويعني ذلك أن "بارد" قد علم نفسه بنفسه تلك اللغة، ولم تأت معرفته لها على يد المتخصصين من البشر. واستطراداً، يتمثل الهدف من تعليم الآلات في إعطاء برامج روبوتات الدردشة القدرة على توليد النصوص بالاستناد إلى نماذج لغوية واسعة، بل إن الخبراء يعملون باستمرار على أن تتوسع تلك النماذج باستمرار، ولذا فإنهم يطلقون عليها صفة "النماذج اللغوية الكبيرة" Large Linguistic Models.
في المقابل، بدا فجأة أن الروبوت "بارد" قد توسع كثيرا جداً، بل إنه تجاوز عبر ضربة غير متوقعة، حتى النماذج اللغوية الواسعة التي دربه الخبراء عليها. وأصابت الدهشة والإرباك عقول خبراء الذكاء الاصطناعي في "غوغل"، بالأحرى شركة "ألفابيت" Alphabet التي صنعت ذلك الروبوت التوليدي، لأنهم لم يدربوا الرقاقات الذكية في "بارد" على أي نموذج لغوي في اللغة "الأخرى"، وهي البنغالية، التي تملك "بارد" فجأة القدرة على الترجمة منها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صندوق أسود في الذكاء الاصطناعي
ولربما زادت الدهشة مع تذكر أن "بارد" فشل أثناء ظهوره للمرة الأولى، في تقديم معلومة واقعية مباشرة [إعطاء تاريخ أول صورة بثها تلسكوب فضائي] يفترض أنها مدرجة ومثبتة في قواعد البيانات التي يستند ذلك الروبوت إليها في عمله. نعم. بعد أن فشل في استدعاء ما يعرفه ودرب عليه، ظهر فجأة أن "بارد" يعلم ما يفترض ألا يعرفه. ومن وحي خيالات السينما، من المستطاع الإشارة إلى أن معرفة ما لا ينبغي الاطلاع عليه يشكل باب المشكلات في عوالم الاستخبارات والجاسوسية، وكذلك عوالم تسريب البيانات والوثائق والأسرار التي صارت مألوفة في مسلسل لم يبدأ عند إدوارد سنودن، مسرب وثائق وكالة الأمن القومي الأميركي، والأرجح ألا ينتهي عند جاك تكسيرا، مسرب وثائق البنتاغون عن حرب أوكرانيا وتجسس أميركا على بلاد وقادة من حلفائها.
في المقابل، لم يسرب "بارد" وثائق ولا أسرار، لكنه فعل ما يفوق ذلك بأشواط. ووفق موقع "فيوتشريزم"، ظهر كبير اختصاصيي "غوغل" في الذكاء الاصطناعي، جيمس مانييكا، على شاشة قناة "سي بي أس" قبل أيام قليلة، معلناً أن "بارد" تمكن "لوحده تقريباً" من التمرس في ترجمة اللغة البنغالية التي لم يتدرب على الترجمة منها. ووفق مانييكا، "لم يعط سوى أسئلة قليلة باللغة البنغالية، لكنه اكتفى بها كي يتملك القدرة على ترجمة نصوص كاملة من تلك اللغة. وقد وصف مانييكا ذلك الأمر بأنه "مدهش بشكل كامل".
وعلى غرار تعليقات الخبراء التي أُشير إليها في مطلع المقال، لم يتأخر المدير التنفيذي في "غوغل"، سوندار بيشار، في التعليق على تلك المفاجأة خلال مداخلة له في المقابلة نفسها. وحمل تعليقه نقطة مدهشة أخرى. ووفق موقع "فيوتشريزم"، بين بيشار أن خبراء الذكاء الاصطناعي الذين يدربون الآلات الذكية، يتداولون في ما بينهم مصطلح "الصندوق الأسود" Black Box في الإشارة إلى ملكات وقدرات تمتلكها الروبوتات المؤتمتة، لكنها غير مفهومة ولا معروفة، حتى لأولئك الخبراء. وتظل تلك القدرات خفية إلى أن تظهر عبر أعمال الآلات الذكية نفسها، وغالباً بصورة مفاجئة، على غرار ما فعل الروبوت "بارد" عبر تملكه للغة البنغالية بنفسه من دون تدريب مسبق.
وختم بيشار مداخلته بعبارة كثيفة الدلالة، "أعتقد أننا لا نفهم العقل البشري نفسه بشكل كامل". إذا صحت تلك العبارة، هل نكون أمام لحظة تفاعل بين ظاهرتين مبهمتين، العقل البشري والذكاء الاصطناعي، لكننا نعقد الأمل على أن ينتج من الظاهرتين المبهمتين وضوحاً كاملاً؟